زملاء

أحمد سالم أعمر حداد :المغرب/ أزمة حرية التعبير بين قيود السلطة و جرأة الصحفيين

 يثير حراك المغرب السياسي نحو تعزيز الحريات العامة والاخلاق الديموقراطية المزيد من المشاعر والانطباعات الايجابية داخل الاوساط الحقوقية و الشعبية ، محليا ودوليا . لكنه وبنفس القدر أو اكثر يبرز في شكل ازمة حقيقية ، و يبعث مشاعر التشكيك والارتياب ، داخل نفس الاوساط المذكورة.
تطور ايجابي ، ومساعي حميدة ان تعبر الدولة رسميا ، انطلاقا من المؤسسة الملكية وعبر التصريحات الحكومية ، عن رغبة حقيقية في تجاوز عتمة الماضي و المصالحة مع الذات ، واستشراف مستقبل أفضل حيث المزيد من الحريات ، والممارسات الديموقراطية.

وقد ترجمت هذه المساعي عمليا ، في صدور التقرير النهائي لهيئة الانصاف والمصالحة ، ونجاحها الواضح في اغلاق ملفات جد معقدة من قبيل ملفات المخطوفين ، ونبش المقابر السرية لضحايا سنوات الرصاص ، رغم ما تعرض له عمل اللجنة المذكورة من انتقادات حقوقية من بينها : عجزها عن النيل من المسئولين عن تلك الانتهاكات الجسيمة ، وفشلها في اغلاق ملفات خطيرة من قبيل الملف الشهير المتعلق باختطاف واغتيال المهدي بن بركة. وايجابي جدا ان تجد المؤسسة الملكية حلا وسطا لمطالب الحقوقيين يقارب اعتذار الدولة رسميا من الاشخاص الذين تعرضوا للانتهاكات ، ليقوم الملك محمد السادس اليوم 06-01-2006 بمواساة الاسر ، والاشخاص المنتهكة حقوقهم ، في خطاب رسمي وخاص .

لكن ، كل هذا الحراك يأتي ضمن اجواء استمرار محاكمات الصحفيين وادانتهم بتهم نمطية بحجة تجاوز الخطوط الحمراء ، وهو مصطلح عام جدا يسمح للدولة بمضايقة حرية التعبير في اية لحظة ، أو محاكمة الصحفيين والزج بهم في السجون، وتغريمهم ماديا.

اخر القضايا التي أفرزتها طبيعة المنافسة الحيوية المحتدمة بين قيود السلطة ، وخطوطها الحمراء الهلامية ، والصحافة المستقلة الجريئة ، تأكيد الحكم الصادر في حق اسبوعية تيل كيل الصادرة باللغة الفرنسية ، ضمن ما عرف بقضية البرلمانية حليمة العسالي ، حيث تمت مؤاخذة الصحيفة المذكورة بتهمة القذف والتشهير ، و ادانتها بحبس موقوف التنفيذ ، وغرامة مالية باهضة تقارب مبلغ 100000 دولار . والغريب ان يعاد ازعاج صحيفة تيل كيل ، ضمن محاكمة اخرى لا تختلف عن الاولى ، وهذه المرة بتهمة التشهير برئيسة جمعية خيرية نشرت الصحيفة المذكورة اخبارا تفيد استدعاء هذه السيدة من طرف السلطات الامنية للتحقيق معها في قضية تحويلات مالية غير مشروعة ، طالت أموال عامة ، ومرة أخرى تقضي المحكمة بتغريم مدير الاسبوعية غرامة قاسية قدرت هي الاخرىبمبلغ 100000 الف دولار .

وتستمر هذه المحاكمات ، حيث من المنتظر ان يمثل الصحفي نور الدين مفتاح مدير الاسبوعية المستقلة الايام ، والصحفية مرية مكريم عن نفس الاسبوعية بتاريخ 23-01-2006 أمام محكمة الدار البيضاء بتهمة الاساءة الى المؤسسة الملكية ، وتهديد الامن العام ، على خلفية نشرها تحقيقا يتحدث عن اسرار الحريم في القصور المغربية بين ثلاث ملوك : محمد الخامس ، الحسن الثاني ومحمد السادس . بينما تلوح في الافق محاكمة أخرى ، وبنفس الملابسات للصحفي ادريس شحتان ، مدير اسبوعية المشعل على خلفية نشره صورا للاميرات من العائلة الملكية المغربية دون ترخيص من القصر الملكي .

تؤشر هذه المتابعات المتكررة للصحافة والصحفيين ، الى أزمة خطيرة يعاني منها خطاب الاصلاح ، والمصالحة الذي تعبر عنه الدولة باستمرار من جهة ، ويعبر من ناحية أخرى عن واقع تواجد صحافة مستقلة جريئة تروم يالاساس تحطيم الحواجز النفسية ، وتحدي قيود السلطة ، نحو تناول أفضل للشأن المغربي بشكل عام .

خلاصة القول ، ان الدولة مترددة ، وهي بذلك تفقد اجواء المصالحة ، والاصلاحات الديموقراطية بريقها الاساسي . بينما الصحافة بالمستقلة بالمغرب تعبر عن ذكاء معين ، وتحاول ان تستفيد من المعطيات المحلية والدولية ، وقد نجحت الى حد بعيد في اعمال معادلتها ، والقياس الوحيد البارز لهذا النجاح ، هو طبيعة المواضيع التي اصبحت متاحة للتداول الشعبي بالمغرب ، بفعل جرأة الصحافة المغربية المستقلة .

أعتقد شخصيا ان حل هذه الازمة ، بيد الدولة المغربية ، وكافة اجهزتها الرسمية ، وذلك بان تقتنع بأن قرار المضي نحو اجواء ديموقراطية ، لا يحتمل التراجع الى الوراء ، أو الاحتفاظ بالخطوط الحمراء ، لأن ذلك وبكل يقينية ، سوف يفضي الى الاستخدام الخارجي للصراع بين السلطة والصحافة المستقلة ، والبتالي جلب المزيد من الضغوط الدولية . ذلك ان الصحافة والحق في الاعلام هو الاداة الرئيسة للاصلاح والمصالحة ، والضمان الحقيقي للعبور والاستمرار الديموقراطي .


أحمد سالم أعمر حداد :كاتب صحفي وباحث في العلاقات الدولية من المغرب
P_programming@yahoo.com

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق