زملاء

طلال الغامدي :مذاق الحرية المالح … المستحيل وصناعة الممكن

سأل الطفل أمه – لماذا يأمي تبكي نساء البحارة ؟! قال لأن في أعينهن ماءً مالحاً يا بني !! أما أنا فقد ولدت وفي فمي هذا الماء المالح – لكنه هذه المرة كان ملح الشقاء ، وملح التجارب ، وملح العذاب ، جسدياً ، وروحياً ، في سبيل العدالة الاجتماعية صبوة البشرية للخلاص ” .

أصبحت السياسة الضحية الثانية للشك بعد الدين وذلك لارتباطها بشكل مباشر مع الناس مثلها مثل العلم والفن وباعتبارها نشاط بشري يمكن من خلالها تخريب الروح وإنهاك العقل إذا أصبح الإنسان يعيش وهم شئون الدولة أولئك الأشخاص الذين ترهبهم فكرة مشاركة السلطة ومشاطرتها واستعدادهم للتضحية بأي شئ ومهما كان للحيلولة دون ذلك هذا السبب المؤدي لنتائج مدمرة لا بالنسبة للسياسة ولا بالنسبة للحرية الفردية ولكن لصميم النشاط السياسي ككل المقام علي أرضية لا تعين الإنسان للوصول إلي مستوي أفضل لفهم النقد الذاتي في كافة المجالات بما فيها السياسة ذاتها .
إن مسؤولية التغير بيد طرفي المعادلة القيادة والشعب وهما طرفان يتحملان مسؤولية الانتقال في المراحل المتدرجة ، وعندما تنجح القيادة في حل المشكلات الداخلية والخارجية وتتمكن من أداء دور حضاري نحو الشعب يجعلها تحوز الاحترام من قبل الشعب أولاً والمستوي الإنساني ثانياً .
وعندما لا يحدث ذلك في نظرة استنكارية تعنتية ، لا تقبل بعجلة الزمن بزعم مغلوط يؤطرها برواز الخضوع والذل والتناقض ، منحني فذلكياً جامد هش لا يحقق ما يصبوا له الشعب عازلاً لهم ، عند ذلك تستمر التساؤلات عن السياسة التي طالما تتردد والجواب معلق ، يبدأ عندها البحث عن ما هو العمل ؟ وما هو الحل ؟ ولكن بعدما تعم الفوضى ويصبح كل من حولك هستيري يضرك ويضر ذاته تغرق المركب بمن فيها بسبب النبذ الأعمى الغير مستند علي حق والذي لا يرقي بالإنسان ولا يؤهله للحكم علي تصرفاته قبل فقدها وقبل أن يفندها له غيره .
إلي متى يستمر الخوف من القادم والمجهول فالتجارب يثبتها البرهان وكل ما عجز التخلف عن الإقناع به سينيره العلم ، نحن هنا أما مصارحة للنفس ومسؤولية وطنية كبيرة لا تنفصل عن الأخلاق ،والفضيلة أن يكون الشيء بالقدر الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي بالطريقة التي تنبغي ، ألا يكفي ما هدر وعطل وحشر حتى بالأمس القريب باسم المواطنة والحرية فيكفينا توظيفها في كل جانب مغلوط حتى لا نتقاسم فتات طاولة السياسة مره أخرى مع السياسيين ، إن الجدل المتنامي هو مسألة الديمقراطية التي صورت دائماً كأنها معضلة لمن ومن المستفيد من ذلك ، هل يعود السبب لغياب التكيف ألقيمي والسيكولوجي ؟ أم يعود السبب لغياب معني ( مجتمع مدني ) وتقبل فكرة ( دولة مدنية ) تعلقت الآمال كثيراً بها وإن كسي الصمت والخضوع البعض بحلم الديمقراطية والمشاركة السياسية ، وحرية الإعلام ، واستقلال القضاء ، وإغلاق السجون التي تتسع دائما بينما ضاق كل شئ آخر ، تلعقنا بفكرة ( دستور يجعل الجميع سواسية ) حتى أصبحت كأنها – إكسير الحياة – ألا تتفق معي بأن البعض يعيش حالة من الانفصام والشعور بالذات وأحلام اليقظة بتكوين مجتمع مدني وممارسة ذلك واقعاً ملموساً .
أصبح الأداء السياسي الحالي ضعيف ككتلة فاعلة فالمجتمع والمؤسسات والأفراد لا يستطيعون التعبير عن ذاتهم ولا نقدها ولم يحققوا قليل القليل من الكفاية السياسية ، ووضعت لهم العقبات حتى أصبح العمل الدبلوماسي شاق جداً فالتفت البعض نحو كسرة الخبز لضمان حياه ولو علي مضض ، أصبح الوضع السياسي ضعيف الأركان والمخرجات فاقد للثقة وحل محل كل ذلك عدم إمكانية التغير ، وحمل البعض أفكار وقناعات بأن الحرية والمجتمع المدني لا يناسب طبيعة ونفسية وفكر هذا الشعب وكأن عصور الشمولية والأفكار والتيارات مستقر وهو غير كذلك .
وعلينا أن نفهم أن الأمة – أي أمة – التي ليس في شؤونها حل وعقد للشعب يستثير مصالحه ويسعي لمنافعه ، يخضع لحكم ورأي واحد هي أمة غير مستقرة ، في الوقت الذي يفترض أن يتوفر فيه مناخ سياسي وثقافي واجتماعي وحواري بعيد عن السياسة وبعيد عن اختيار المواضيع مسبقاً والتهديد والوعيد وتحديد النتائج أنعدم كل ذلك وكان السبب أيضاً الحرية أي وضع هذا الذي استباحت دماء حقوقنا وحريتنا باسم الحرية ،كذلك التهميش والإقصاء والسجن باسم الحرية ، يصبح السجن عندها أهون عذاب .

طلال الغامدي
كاتب وناشط بمجال حقوق الإنسان , عضو في منظمة ائتلاف السلم والحرية ، متعاون مع عدد من شبكات حقوق الإنسان

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق