زملاء

د. هاتف جنابي :كيف تُدعى إلى بلد عربي؟ إلى منظمي مؤتمر الكتاب العرب في المهجر

إذا أردت قبول دعوة من بلد عربي فعليك أن تتفحصها من خلفها وقدامها وأعلاها وأسفلها وأن تعاينها كما تفحص المعدة والأحشاء. كنْ حذرا يازميلي وصديقي المثقف أينما كنت.
قبل فترة علمتُ من أحد الأصدقاء أنني أحد المدعويين للمشاركة في مؤتمر الكتاب العرب المقرر انعقاده في الجزائر في أواخر شهر حزيران، بمناسبة كون الجزائر عاصمة للثقافة العربية لسنة 2007، فاستبشرتُ خيرا، للأسباب الآتية:

أولا. إنني أكتب وأبحث في ثقافة المنفى منذ ثلاثين سنة بحيث أصبح الموضوع أحد أهم اهتماماتي واختصاصاتي ككاتب وأكاديمي في المنفى. لذا اعتبرت الفكرة جذابة وجديرة بالدعم والاهتمام.

ثانيا. للجزائر وشعبها مكانة في نفسي لاتمحى، جعلتني الأيام أحرص عليها، وهي تعود أساسا لسنوات طفولتي العراقية وعملي فيها في منتصف الثمانينات محاضرا في مادتي الأدب العربي والدراما. فتكونت لي علاقات وصداقات وذكريات كنتُ أعتقد أن وجودي ضيفا في الجزائر بعد عشرين سنة ونيف من مغادرتها سيجعلني أستعيد بعضا منها بلقاء الأحبة من المثقفين الذين لم أرهم منذ تلك الفترة، ومازلت أكنّ لهم كل الود والاحترام.

ثالثا. حينما اتصل بي قبل فترة الصديق الشاعر نوري الجراح وشرح لي فكرة المؤتمر وشجعني على المشاركة فيه اعتبرتذلك تقديرا لي وأن القضية فعلا مهمة وأننا معشر الكتاب في المهجر من مهاجرين ومنفيين نحتاج إلى مؤتمر تأسيسي يجعلنا أكثر فاعلية ونفعا وتواصلا مع قرائنا وثقافتنا الأم. فأخذت وعلى مدى أسابيع أفكر بصيغة مشاركتي وعزمت العقد على أن تكون نافعة ومؤثرة. فاتفق معي مشكورا الصديق نوري الجراح على ورقة أقدمها وشهادة شعرية ككاتب في المنفى وقراءة شعرية وربما إدارة محور من المحاور. طلبتُ إجازة خاصة من مكان عملي – جامعة وارسو لأتفرغ للمؤتمر وتركت التزاماتي الأخرى وكرستُ وقتي لخدمة المؤتمر. بعد مرور فترة على أحاديثنا التلفونية(نوري وأنا) ومراسلاتنا الألكترونية وصلتني الدعوة متأخرة من الجانب الجزائري، وأخذ المنظمون يحثونني على التعجيل بإرسال محاضرتي ونبذة عن حياتي ونسخة من جواز سفري وصورتين لي”واضحتين جدا” وماشابه ذلك، فلبيتُ ما أرادوا وزدت على ذلك بإرسال دراسة إضافية عن تحديد طبيعة المهجر والمنفى والإشكالات المرتبطة بهما. بعدها توالت المكالمات التلفونية والرسائل الألكترونية. كنتُ أتوقع بأن دور المنظمين قد حان بتوفير ما هو روتيني، من سكن وتذكرة. فما الذي حصل بعد تسديد ما استحق عليّ؟

لقد أرسلوا لي خبرا ألكترونيا يوم الثلاثاء بعد الساعة الثالثة بعد الظهر يحثوني فيه على الاتصال بالسفارة الجزائرية”كأقصى حد في يوم الأربعاء!”. ذهبت إلى السفارة في الوقت المحدد فأحسن المسؤولون معاملتي ومنحوني الفيزا مجانا. فشكرتهم وذكرت ذلك للمنظمين أثناء مكالمة تلفونية أجروها معي، ثقة مني بأن الخير والشفافية لابد وأن يشاد بهما. بعد ذلك، كلمني تلفونيا السيد (عبد الناصر خلاف) المنسق العام للمؤتمر في وقت متأخر من ليلة الأربعاء(20 حزيران) وقال لي: أستاذ هاتف، عليك أن تذهب لمكتب الخطوط الجوية الفرنسية في فارصوفيا لاستلام بطاقتك(فارصوفيا –باريس –الجزائر)، على أن يكون موعد الرحلة يوم الجمعة(22 حزيران) على الساعة السابعة وخمس دقائق صباحا! علما بأنني قد رجوتهم أن يكون الموعد في يوم السبت وليس قبله بسبب إلتزاماتي الأخرى، ناهيك عن كوني أسكن في ضواحي وارسو، ومع ذلك قلتُ”الله غالب”. بعد هدر ثلاث ساعات من وقتي في طريقي إلى الخطوط الفرنسية وعودتي بضمنها الانتظار الطويل في المكتب، جاءت المفاجأة الكبرى بعد نقاش عقيم مع الموظفة: يا سيد، يوجد لديك حجز فقط وليس تذكرة، لأن الذي حجزها لم يدفع ثمنها بعد، ولهذا لايمكننا اعتبار القضية أكثر من ذلك. ما العمل إذن وبعد ساعتين سيغلق المكتب بابه، وعمله اليومي من التاسعة صباحا حتى الخامسة عصرا؟

اتصلت بالصديق الفنان أحمد مختار(الذي تابع القضية بشهامة مشكورا حتى اللحظة الأخيرة) وشرحت له القصة، فقال لي: سأتصل بك فيما بعد. وتبين لي أنهم قد أخبروه بأن موعد طائرتهم الجزائرية من لندن سيكون على التاسعة صباحا. اتضح فيما بعد أن لا وجود لمثل هذا الموعد الصباحي، بل ثمة موعد بعد الظهر!! بعد لحظات اتصلت بي سيدة فاضلة باسم المنظمين من المكتبة الوطنية الجزائرية(لا أريد ذكر اسمها لكي لا أحرجها لكونها مهذبة ورقيقة في تعاملها معي) وسألتني عن القضية، فلما شرحت لها القضية، قالت لي، عفوا، أرجو أن تنتظر لحظة لكيما أستوضح الأمر، رجعت وقالت: هناك فعلا مشكلة سنحلها بسرعة، لذا أرجو منك يا أستاذ أن تعدّ نفسك وتتحلى بالصبر، فقلت لها: منذ يومين وحقيبتي جاهزة، حسنا، ستجري الأمور من جانبي كما تريدين. مع السلامة، مع السلامة.

مرّ يومُ الجمعة وأنا منتظر الجواب، وجاء السبت وكاد يرحل فاتصلتْ بي نفس السيدة وقالت لي: إنها لاتفهم القضية، لماذا يوجد حجز فقط. وأنهم يعتبرونني من بين أهم المدعوين في المؤتمر! وهلم جرا. وحينما أبديتُ لها امتعاضي، أضافت قائلة: هناك مشكلة، لأنه لايوجد حجز، وسألتني ما العمل؟! فقلت لها: بسبب حبي للشعب الجزائري ومثقفيه الشرفاء، وبما أنني انتظرت طويلا سأنتظر حتى يوم الأحد كأقصى حد. سيبدأ المؤتمر أعماله الأحد!

وها هو الأحد يكاد ينقضي، ولا خبر جاء ولا وحي نزل، وكأن القضية عادية بهذه البساطة. حينها تذكرت أغنية”الربيع” لفريد الأطرش بما فيها تعاقب الفصول، معزيا نفسي بمرارة، من بيروقراطية هذه الأمة البليدة وكسلها وسوء تدبيرها وعدم احترامها لنفسها ولجهد ووقت أبنائها، بسبب سيطرة البيروقراطيين والموظفين الصغار على مصيرها. فكم غيري، يا ترى، من المدعويين المقترحين جرى التعامل معهم بهذه الطريقة المهينة، وسلب حقهم بالحضور؟

ثمت شكوك تساورني الآن، بعد التسويف، بأن مسيرة القضية في الأيام الأخيرة وبهذه الطريقة الغريبة، ليست بريئة حتى النهاية. أما لماذا؟ لا أريد أن أكون راجما بالغيب!

سؤال أوجهه بإخلاص، لكل المسؤولين والمعنيين المخلصين بتنظيم المؤتمر المذكور والقيمين على المفردات الثقافية للجزائر – عاصمة الثقافة العربية، وعلى رأسهم الدكتور السيد أمين الزاوي المدير العام للمكتبة الوطنية الجزائرية والمركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق، وقبلهم للشخصيات والجهات المشرفة على تنظيم هذا المؤتمر.

أعتقد أنني قمتُ بواجبي وأكثر، من خلال التحضير للمشاركة، والانتظار الطويل حتى تصل التذكرة من كوكب المريخ، وكأنني أسكن في كوكب آخر وليس في دولة كبيرة عضو في الاتحاد الأوروبي تنطلق منها وإليها الطائرات على مدار الساعة. لستٌ من الذين يسيل لعابهم للمهرجانات العربية. لذا أشعر الآن فعلا بالخجل، وعليه فأنا في حل من هذا المؤتمر، معلنا إنسحابي واحتجاجي الشديد اللهجة على تضييع وقتي وجهدي، مؤكدا في الوقت ذاته، على أن كل ما أرسلته للمنظمين للمشاركة به وكل ما نويتُ جلبه من مواد لاغية ولا يجوز التصرف بها إطلاقا. وهنيئا لهذه الأمة العظيمة على تقدمها الباهر في مجال البيروقراطية وانعدام الشعور بالذنب والمسئولية!

صراحتي تقودني بالضرورة إلى شعور بالمرارة. إذ كنتُ آمل في زمن الخيبة والقطيعة العربية، أن بعضا، على الأقل، من المؤتمرين العقلاء سيحتجون على معاملة بعض زملائهم من المدعويين(أتضح أنني لست الوحيد) بهذه الطريقة من اللامبالاة وعدم الشعور بالمسئولية. مع ذلك أتمنى لهم النجاح في مؤتمرهم وللشعب الجزائري النبيل غدا أفضل بعيدا عن عالم البيروقراطية المقيتة.

محبتي الصادقة لكل المثقفين الجزائريين النبلاء المبدعين، لكنني وبالخط العريض أقول: تبا، للبيروقراطيين وسماسرة المهرجانات ولصوص التذاكر، ولمن لايعجبهم أن نكون بين أحبائنا. تبا لأولئك الذين أطالوا عمرَ منفانا، وشكرا لهم.

*د. هاتف جنابي: شاعر وكاتب ومترجم ومحاضر في جامعة وارسو، أحد المختصين في ثقافة وأدب المهجر والمنفى.

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق