زملاء

جورج حداد – جورجيا / قبضة الخنجر الاميركي ـ الصهيوني ـ التركي في خاصرة روسيا

[تجددت مطاع الشهر الجاري الاشتباكات بين قوات الحكومة المركزية في جورجيا واقليم اوسيتيا الجنوبية، الذي يطالب بالانفصال عن جورجيا والانضمام الى روسيا. وقد خاضت أوسيتيا الجنوبية حربا للاستقلال عن جورجيا حين انهيار الإتحاد السوفياتي عام 1990، وفرضت الاستقلال كأمر واقع بدعم من روسيا التي تحتفظ بألف جندي لحفظ السلام في الإقليم. والبحث التالي لجورج حداد يلقي الضوء على الازمة بين روسيا وجورجيا، التي تتفرع منها الازمة بين جورجيا واوسيتيا الجنوبية:]  

كانت جورجيا احدى الجمهوريات السوفياتية الـ15. واليها ينتسب الدكتاتور السوفياتي السابق يوسف فيساريونوفيتش جوغاشفيلي (ستالين)، الذي حكم الاتحاد السوفياتي منذ 1924 حتى وفاته في 1953. كما ينتسب اليها ايضا آخر وزير خارجية “سوفياتي”، وهو ادوارد شيفارنادزه، الذي كان من اقرب اعوان ميخائيل غورباتشوف، واضطلع الى جانبه بدور رئيسي في تدمير المنظومة السوفياتية وتفكيك الاتحاد السوفياتي، ورميه في احضان السياسة الغربية ولقمة سائغة لعصابات المافيا والنهابين، “الوطنيين” والصهاينة وشركائهم، الذين ـ باسم الدمقراطية والليبيرالية والخصخصة ـ انقضوا على المنجزات الاقتصادية والاجتماعية للدولة السوفياتية السابقة، واستولوا عليها في سنوات قليلة بابشع الاشكال المافياوية.

وجورجيا هي بلد قوقازي صغير وفقير، لا يتجاوز عدد سكانه 5،3 ملايين نسمة (حسب آخر احصاء سوفياتي في 1987). ومع انها كانت بلدا مزدهرا في العهد السوفياتي، حيث كانت تعتبر “حديقة فواكه” الاتحاد السوفياتي، الا انها، بعد تحولات “البيريسترويكا” الغورباتشوفية، وحل الاتحاد السوفياتي وتحقيق الاستقلال، تحولت الى احد افقر بلدان العالم، حيث اصبح دخل الفرد فيها لا يتجاوز 15 دولارا شهريا، وحيث اصبح المعاش التقاعدي، للجيل السابق الذي بنى اقتصاد ومنجزات البلاد، لا يتجاوز 6 دولارات في الشهر. وفي خلال سنوات معدودة من الحكم “الدمقراطي” بزعامة ادوراد شيفارنادزه ذاته، الذي انتخب رئيسا للجمهورية في 1995، نهبت خزينة الدولة تماما، وبلغ حجم الدين العام 2 ملياري دولار، مما يساوي 66 بالمائة من الدخل القومي. وتقوم روسيا حتى الان بتزويد جورجيا بالطاقة الكهربائية مجانا. وبدون هذه المساعدة، الموروثة من العهد السوفياتي السابق، فإن جورجيا هي معرضة للموت، بالمعنى الحرفي للكلمة.

ولا يوجد في جورجيا مكامن مميزة للخامات المعدنية ومصادر الطاقة. وفي الحسابات الاقتصادية فهي لا تمثل سوقا مرموقا، ولا منطقة سياحية مميزة. وبذلك فهي لا تمتلك اية ميزة اقتصادية قد تجعلها مقصدا لتوظيف الرساميل الاجنبية ولا سيما الغربية، التي تبحث عن الارباح المضمونة والسريعة. ولكن بالرغم من ذلك، وبالرغم من انتشار الفساد والجريمة المنظمة والفوضى السياسية والامنية في البلاد، فإن جورجيا تحظى باهتمام مميز من السياسة الاميركية خاصة.

الاهتمام المريب

إلام يعود هذا الاهتمام؟

هذا ما نحاول الاجابة عنه في ما يلي:

النقطة الاولى التي يجب الالتفات اليها، هي الموقع الجغرافي لجورجيا. فمساحتها لا تزيد عن 69 الف كلم2، ولم تكن تمثل اية اهمية خاصة في العهد السوفياتي، الا في انها كانت جزءا من الحدود الطويلة التركية ـ السوفياتية السابقة. اما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، واستقلال جورجيا، فقد تغير الوضع، حيث اصبحت جورجيا ـ جغرافيا ـ “دولة عازلة” بين روسيا، من جهة، وتركيا ـ اكبر حليف استراتيجي لاميركا، والقاعدة الناتوية الاوراسية الوحيدة ـ من جهة اخرى.

انطلاقا من هذا “المفتاح” الجغرافي، اكتسبت جورجيا اهميتها الاستثنائية، في نظر دهاقنة الستراتيجية الدولية لاميركا.

فبالرغم من نهاية “الحرب الباردة” السابقة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وبالرغم من انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، لا تزال روسيا تمثل مركز الاهتمام الاول للسياسة الدولية لاميركا، ولا تزال الادارة الاميركية تعتبر ان روسيا تشكل عمليا العدو رقم واحد لاميركا، على كل المستويات، ولا سيما على المستوى الامني والعسكري. وبالرغم من كل الادعاءات الاميركية، حول مكافحة الارهاب الدولي، فإن الخطر الروسي لا يزال، بنظر الستراتيجيين الاميركيين، يمثل الخطر الاول على الامن القومي الاميركي. ولا تزال السياسة الخارجية الاميركية تتمحور حول استبعاد وتطويق “الخطر الروسي”، بكل الاشكال الممكنة.

من هنا تتأتى الاهمية الجديدة لجورجيا، بعد استقلالها، بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة، وحليفتها الستراتيجية: تركيا. وبالطبع ان الاهتمام الاميركي ـ التركي بجورجيا اصبح يشمل تركيبتها السكانية، وطبيعة النظام السياسي والقوى السياسية فيها.

فمع انهيار الاتحاد السوفياتي طرأت ثلاثة تغييرات ستراتيجية على الساحة الدولية:

1 ـ ان التناقض السوفياتي ـ الاسلامي السابق، الذي سبق وتفجر بشكل خاص بعد الاحتلال السوفياتي لافغانستان، قد تقلص من مستوى صراع دولي، الى مستوى صراع “محلي”، “داخلي”، في بعض اجزاء الدولة الروسية ما بعد السوفياتية، وبالاخص في جمهورية الشيشان ذات الحكم الذاتي في روسيا الاتحادية، التي ـ اي جمهورية الشيشان ـ تحاذي جورجيا. وفي الوقت ذاته، فإن الدولة الروسية الجديدة قد استفادت بشكل ما من “الدرس الافغاني”، واخذت تحاول ايجاد “لغة” و”ارضية” مشتركتين مع التيارات والدول الاسلامية، على اختلافها، ودعمها في مواجهة السياسية التسلطية الاميركية، بدون التنازل امام التيارات الاسلامية الانفصالية داخل روسيا بالذات، مستفيدة من الشعارات الاميركية ذاتها حول “مكافحة الارهاب”.

2 ـ ان التناقض الاميركي ـ الاسلامي قد طفا على سطح التطورات الدولية، بشكل لا مثيل له في السابق، انطلاقا من الترابط الستراتيجي الاميركي ـ الاسرائيلي/الصهيوني. ونشأ خطر جدي تماما امام الادارة الاميركية، وهو امكانية تحول التيارات والدول الاسلامية، بشكل عام، الى قوة مناهضة للسياسة الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية، بما في ذلك التيارات والدول التي كانت، بهذا الشكل او ذاك، هذه الدرجة او تلك، حليفة للولايات المتحدة. ومع بروز التيار “الاسلامي التركي”، وبوادر تحوله هو ايضا الى قوة مناهضة للاميركيين، على الطريقة الفلسطينية/العربية ـ الايرانية، شعرت الادارة الاميركية بخطر داهم، لا مثيل له، قد ينشأ عن خسارة “القاعدة التركية” التقليدية الموالية للغرب، وامكانية تحولها الى “امتداد” للتيارات الاسلامية المناهضة لاميركا في ايران وسوريا ولبنان وغيرها من الدول العربية والاسلامية.

3 ـ في مقابل ذلك، فإن انهيار الاتحاد السوفياتي، و”استقلال” الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، اعطى للعامل الاسلامي، والتركي ـ الطوراني، بشكل خاص، اهمية استثنائية جديدة، فوق ما كان في السابق من اهمية خاصة لتركيا. ولكن بما ان النظام التركي المعاصر، الموالي للغرب واميركا تقليديا، قد سبق وقام على اساس “ايديولوجي” وسياسي معاد للاسلام، يتمثل في ما يسمى “الاتاتوركية”، فقد وجدت الادارة الاميركية نفسها امام ضرورة “اعادة نظر” تاريخية في “الحالة التركية” برمتها، بهدف اعادة تكييفها باتجاه تشكيل “اسلمة تركية جديدة” موالية للغرب، ولاميركا خاصة، وقادرة على ان تضطلع بدور “اسلامي” خاص، لتحجيم وتحوير وتطويع الدور الاسلامي العربي/الايراني المعادي لاميركا واسرائيل، من جهة، ولاستعماله ـ اي الدور “الاسلامي التركي” ـ لتحريك المسألة الاسلامية في الجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى خاصة، ومن ثم في العالم الاسلامي عامة، باتجاه الارتباط بتركيا واميركا، من جهة ثانية.

هذه الاسباب مجتمعة دفعت اميركا، ولا سيما بعد احداث 11 ايلول 2001، والحروب التي اعقبتها، لوضع ستراتيجية احتواء جديدة في تركيا والمنطقة المحيطة بها، تتناقض ظاهريا، ولكنها تكمل فعليا، استراتيجية العدوان والاحتلال، التي اعتمدتها، الى جانب اسرائيل، ضد افغانستان والعراق وفلسطين وغيرها من الدول العربية والاسلامية.

وتقع المنطقة المعنية ضمن المربع الذي تحده: بلغاريا في البلقان، جورجيا في القوقاز بمواجهة روسيا، كردستان العراق، في قلب المنطقة العربية/الايرانية، وقبرص، بمواجهة سوريا ولبنان وفلسطين في شرقي البحر الابيض المتوسط. وبالطبع ان تركيا تقع ضمن هذا المربع، وهي على صلة مباشرة، خارجيا وداخليا، جغرافيا وسياسيا ودينيا واتنيا، بكل اضلاعه والاطراف المتصلة به. وهذا ما يسمح لنا بتسميته، لا مجازا وحسب، بل واستنادا الى الاهداف الستراتيجية الاميركية، “المربع التركي”.

وخلافا للخطة الاميركية الهجومية في منطقة الشرق الاوسط بشكل عام، فإن الخطة الاميركية في هذا المربع تقوم على ما يلي: الاحتواء “الهادئ” لجميع الاطراف الاتنية والسياسية المتنازعة، في جميع بلدان المربع المذكور، بعدم التبني المكشوف للمواقف المتشددة لأي طرف على حساب الطرف الاخر، والاحتواء الجماعي للجميع في وقت واحد، مما يقتضي فتح الخطوط على الجميع: الاتنيات المتناقضة، السلطة والمعارضة، التيارات “العلمانية” و”الاسلامية”، الخ. والهدف الابعد هو: تحضير “المربع التركي” بمجمله، للمواجهة الاكبر التي يجري التحضير لها بطرق جديدة، ومنها طرح مشاريع اقتصادية استراتيجية كبرى مثل خطوط النفط العملاقة، التي تعبر “المربع التركي” من حوض قزوين، وتصبح بديلا محتملا لنفط الشرق الاوسط، واقامة علاقات “ايجابية” مع مختلف الفئات، واعطاؤها “الحرية” في وضع حلول للمشاكل المحلية، وذلك برعاية اميركا وتحت وصايتها. وتتلاءم هذه الخطة تماما مع الستراتيجية الجديدة لحلف الناتو ولاميركا خاصة، والتي تقوم ليس فقط على الاعتماد على الجيوش العسكرية الضخمة وثقيلة التسليح، المخصصة لاحتلال اراض واسعة او للدفاع الفعال عن الاراضي تجاه هجوم كلاسيكي واسع محتمل، كما كان الامر في مرحلة الحرب الباردة، بل وتقوم على تشكيل قوات تدخل سريع خفيفة الحركة، للتدخل خارج الحدود التي يسيطر عليها الحلف واميركا، وكذلك على الوحدات والعمليات الخاصة، التي تشرف عليها، بالدرجة الاولى، اجهزة المخابرات موسعة الصلاحية. وكل ذلك يتلاقى تماما مع اعطاء دور اكبر للعمل السياسي ـ المخابراتي ـ المافياوي، الذي تقوم به “السي آي إيه” و”الموساد” و”الميت” التركية الخ. ومن ضمن هذه الخطة، فإن الادارة الاميركية تضع نصب عينيها، في المرحلة الراهنة، تحقيق هدفين رئيسيين هما:

الاول ـ محاصرة واضعاف روسيا، ومحاولة السيطرة عليها داخليا اذا امكن.

الثاني ـ تطويع التيارات الاسلامية، لمصلحة الاهداف الستراتيجية، السياسية والاقتصادية والعسكرية، الاميركية.

المعبر المزدوج

وفي كلا هذين الهدفين، فإن الدور التركي لا بديل له.

وانطلاقا من ذلك، يعود الدور الخاص لجورجيا، نظرا لموقعها وتركيبتها الاتنية ومشاكلها، وهذا ما نحاول ان نتناوله في ما يلي:

تقع جورجيا في وسط القوقاز، على الحدود بين العالمين السلافي ـ المسيحي، ولا سيما روسيا، من جهة، والاسلامي، تركيا وشعوب آسيا الوسطى، من جهة ثانية. وتبدو السيطرة على منطقة القوقاز، المحاذية لتركيا، شرطا رئيسيا لا يمكن بدونه تحقيق السيطرة على جمهوريات آسيا الوسطى التي تؤلف جزءا رئيسيا من حوض بحر قزوين، خزان الطاقة الكبير الذي تطمح الاحتكارات الاميركية للاستيلاء عليه، وحرمان روسيا، بالاخص، من امكانية الاستفادة منه ومن موقعها بجواره، كمعبر بينه وبين اوروبا الغربية. وهنا تكتسب جورجيا دورا لا بديل له، هو دور مزدوج:

اولا ـ كمعبر لانابيب النفط والغاز، من حوض قزوين الى تركيا، بدلا من المرور بروسيا نحو اوروبا الغربية والعالم.

ثانيا ـ كمقر وممر للنفوذ “التركي ـ الاسلامي” ـ الاميركي ـ الصهيوني الى الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة، والى روسيا ذاتها.

والتعامل الاميركي مع جورجيا، بعد انفصالها عن الاتحاد السوفياتي، هو مثال نموذجي تماما لخطة الاحتواء التي اخذت تتبعها الدوائر المعنية الاميركية في “المربع التركي” المذكور آنفا.

ان تعبير “جورجيا” ذاته يدل على مفهوم جغرافي، اكثر مما يدل على مفهوم قومي. فالواقع ان القومية الجورجية هي قومية صغيرة جدا لا يتعدى تعدادها 4 ملايين في كل الاتحاد السوفياتي السابق، و3،5 ملايين في جورجيا نفسها، من اصل حوالى 5،3 ملايين نسمة يعيشون في هذه الجمهورية. ويطلق الجورجيون على انفسهم اسم “كارتفيليين”. وتعيش في جورجيا اقليات اتنية كثيرة اخرى، اهمها: الاوسيتيون، الابخازيون، الارمن، الروس، الاذربيجانيون، الاجاريون وغيرهم العديد من الاتنيات الاصغر عددا.

ومن ضمن كيان الدولة الجورجية، توجد:

ـ جمهورية أبخازيا ذات الحكم الذاتي، عاصمتها “سوخومي”، مساحتها 8،9 الاف كلم2، عدد سكانها حوالى 350 الف نسمة، وتقع على الحدود مع روسيا.

ـ جمهورية أجاريا ذات الحكم الذاتي، عاصمتها “باطومي”، مساحتها 3 الاف كلم2، عدد سكانها 385 الف نسمة، وتقع على الحدود مع تركيا.

ـ اقليم جنوب اوسيتيا ذو الحكم الذاتي، مساحته 3،9 الاف كلم2، عدد سكانه 99 الف نسمة. ويقع على الحدود مع روسيا.

والدولة المركزية لا تسيطر في الوقت الراهن على هذه المناطق الاتنية الخاصة. وبالرغم من انها لم تخرج رسميا من كيان الدولة الموحد، الا ان هناك مشاكل قومية لم تحل، وقد اندلعت في سنة 1991 ـ 1992 حرب اهلية بين الجورجيين والابخازيين. وتتهم السلطة المركزية الجورجية روسيا بمساعدة الابخازيين. فيما تتهم موسكو جورجيا بمساعدة “الانفصاليين” الشيشانيين، الذين يستخدمون جورجيا كقاعدة خلفية لهم. وتطالب كل من ابخازيا واوسيتيا الجنوبية بالانضمام الى روسيا. كما ان الاجاريين يعارضون ايضا السلطة المركزية، ويؤيدون روسيا. وبعد الازمة التي تمخضت عن استقالة شيفارنادزه في 2003، عمدت روسيا الى إلغاء نظام الفيز للاجارييين فقط، بينما ابقتها بالنسبة لجورجيا ككل.

اللعبة المزدوجة

هذا الوضع القومي ـ السياسي المفكك لجورجيا سهل للدوائر الاميركية خطة الاحتواء التي اتبعتها تجاهها.

ماذا تريد اميركا من جورجيا، وما هي الخطة التي اتبعتها لاجل تطويعها، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟

ـ بالرغم من ان ادوارد شيفارنادزه، اول رئيس جمهورية “دمقراطي” في جورجيا، كان يشغل منصبا سوفياتيا كبيرا، هو منصب وزير الخارجية، في الاتحاد السوفياتي السابق، فمن الملاحظ انه بعد انهيار الدولة السوفياتية، انتهجت السلطة الجورجية الجديدة خطا صلبا معاديا لروسيا، ومؤيدا لاميركا، مما لا يجد الكثيرون تفسيرا منطقيا له. وربما يمكن تلمس الجواب على هذا “اللغز” السياسي في ان شيفارنادزه، مثل ميخائيل غورباتشوف، لم يكن مسؤولا حزبيا (شيوعيا) وحكوميا وحسب، بل كان ايضا احد الضباط الكبار في جهاز الكا جي بي (المخابرات ـ البوليس السياسي السوفياتي)، الذي كان بالدرجة الاولى هو الذي يتحكم بمصائر الدولة التوتاليتارية. ان اسرارا كثيرة لا تزال تحيط بعملية “التحول” التي تمخضت عن انهيار الاتحاد السوفياتي. ولكن الكثير من الوقائع تشير الى انه كانت توجد كتلة معينة في الكا جي بي بالدرجة الاولى، وفي بيروقراطية الدولة ثانيا، تجمعت حول غورباتشوف. وهذه الكتلة هي التي تتحمل مسؤولية قرار تفكيك المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي ذاته. ومن ضمن هذه الكتلة يمكن الاشارة الى يلتسين وشيفارنادزه. ومن الملاحظ ان العديد من رموز هذه الكتلة، ولا سيما ضباط الكا جي بي السابقين، هم الذين استلموا السلطة في روسيا، مثلما في الجمهوريات السوفياتية والاشتراكية السابقة. وان هذه العملية تمت ليس بدون “مساعدة” و”تنسيق” مع الدوائر الاميركية والصهيونية، ولا سيما السي آي ايه والموساد.

من اجل السيطرة على جورجيا، وشل ارادة شعبها، وتزييفها، فإن اول ما لجأت اليه السلطة الجديدة، “الكا جي بية” ـ “الدمقراطية” بزعامة ضابط الكا جي بي السابق، شيفارنادزه، هو التخريب، بكل الجوانب الممكنة: السياسية والاقتصادية والامنية. وفي خلال بضع سنوات تحولت جورجيا الى بلد فقير تسود فيه “قوانين الغاب” وتنهشه الفوضى والنزاعات الاتنية والانهيار الاقتصادي والبطالة والتضخم والفساد والرشوة والجريمة المنظمة. وقد تعرض شيفارنادزه نفسه لمحاولتي اغتيال دمويتين، نجا منهما بأعجوبة.

ولكن ما يجب التوقف عنده بشكل خاص هو ان الدوائر الاميركية، وايضا ليس بدون “مساعدة” و”تنسيق” و”تفاهم ضمني” مع فلول الكا جي بي الغورباتشوفييين، في الوقت ذاته الذي كان يتم فيه تخريب ونهب جورجيا على يد حلفاء اميركا الجدد، بزعامة الرئيس “الدمقراطي” شيفارنادزه (ضابط الكا جي بي، وزير الخارجية السوفياتية السابق)، فإنها ـ اي الدوائر الاميركية ـ كانت تعمل ايضا على تحضير “المعارضة” للسلطة الفاسدة لحليفها شيفارنادزه، وذلك بزعامة ميخائيل سآكاشفيلي، الرئيس الجورجي الجديد. وسآكاشفيلي هو محام شاب، تخرج من الجامعات الاميركية، وكان يعمل في مكتب محاماة في اميركا، وقد قدمته الدوائر الاميركية ذاتها لشيفارنادزه، فعينه وزيرا للعدل، ولكنه استقال في سنة 2001، وبدأ حملة معارضة ضد الفساد، ولكن مع التأكيد على الارتباط بالغرب عامة واميركا خاصة. وهو الذي قاد المظاهرات المعادية لشيفارنادزه في كانون الاول 2003، التي اقتحمت البرلمان، واجبرت شيفارنادزه على تقديم استقالته. وقد فاز سآكاشفيلي في الانتاخبات الرئاسية التي جرت في 5 كانون الثاني 2004، بنسبة 96 % من اصوات المقترعين. والملفت للنظر، ان شيفارنادزه نفسه صرح بعد الانتخابات ان الاميركيين “خانوه” وانهم هم الذين نظموا “الانقلاب” ضده، وقد اتهم علنا مؤسسة الملياردير اليهودي الاميركي جورج سوروس بتقديم ملايين الدولارات للحركة الطلابية المعارضة المسماة “كـْمارا” (كفى)، التي شاركت في المظاهرات التي اقتحمت البرلمان بزعامة سآكاشفيلي. والتقت وجهة نظر شيفارنادزه هذه مع وجهة النظر الروسية الرسمية، اذ ان وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف صرح قائلا : “ان ما جرى مؤخرا في جورجيا لم يكن عفويا، بل مدبرا، وقد شارك في هذا الانقلاب السفير الاميركي وجمعية جورج سوروس”. كما ادلى الزعيم الاجاري الموالي للروس أصلان أباشيدزه بتصريح مماثل قال فيه إن الاميركيين هم الذين اطاحوا بشيفارنادزه وجاؤوا بالحكام الجدد. مضيفا ان الحكام الجدد سينتهون بأسرع مما انتهى به شيفارنادزه.

والملفت للنظر اكثر ان شيفارنادزه صرح بعد فوز سآكاشفيلي انه هو نفسه اعطى صوته لسآكاشفيلي. وهذا ما صرحت به ايضا مانانا، ابنة ادوارد شيفارنادزه، قائلة عن سآكاشفيلي: “انه يمكن ان يؤمن مستقبلا جيدا للجمهورية. فهو حيوي ونشيط جدا”. وبالرغم من الاتهام الروسي للاميركيين بأنهم هم الذين دبروا “الانقلاب” على شيفارنادزه، فإن وزير الخارجية الروسي ذاته، إيغور ايفانوف، الذي قام بزيارة تفليس، غداة اقتحام البرلمان، هو الذي طلب من شيفارنادزه تقديم استقالته، وعدم استعمال صلاحياته التي يمنحه اياها الدستور في اعلان حالة الطوارىء واستخدام القوة. وكانت هذه الاستقالة بمثابة تسليم مسبق امام سآكاشفيلي، الذي ايده في الانتخابات ليس فقط حزبه الخاص، المسمى “الحركة الوطنية الجورجية”، وحزب الرئيسة المؤقتة بالنيابة نانو بورجانادزه المسمى “بورجانادزه ـ دمقراطيون”، بل ايضا غالبية حزب شيفارنادزه ذاته المسمى “الحركة الدمقراطية”. وكانت نانو بورجانادزه، الرئيسة الموقتة بالوكالة بعد استقالة شيفارنادزه، قد صرحت بأن احتمال فشل الانتخابات الرئاسية “سيكون بمثابة كارثة للبلاد”. وقد اتصل بها الرئيس الاميركي جورج بوش ووعدها بتقديم الدعم للعهد الجديد، في مواجهة “اي تهديد داخلي او خارجي”.

وقد اطلق سآكاشفيلي عبارة “ان اصدقاءنا الغربيين سيمدون لنا يد المساعدة”. وبعد فوزه في الانتخابات صرح قائلا ان المهمة الرئيسية امام عهده هي المحافظة على وحدة اراضي جورجيا. علما ان تفليس تسيطر على ثلث اراضي البلاد فقط، وان ابخازيا وأوسيتيا الجنوبية، اللتين تقعان على الحدود مع روسيا، تعلنان عن الرغبة في الانضمام الى الجمهورية الاتحادية الروسية. وليس من الصدفة ان يصرح سآكاشفيلي “اننا نعطي اولوية عالية لعلاقاتنا مع روسيا”. ذلك ان توحيد جورجيا لا يمكن ان يتم بدون موسكو، او ضد ارادة اباشيدزه، زعيم أجاريا، الموالي هو ايضا للروس. والسؤال الان: ماذا سيكون عليه موقف سآكاشفيلي بعد الانتخابات النيابية في 25 كانون الثاني، التي حقق فيها ايضا فوزا ملحوظا.

يبدو مما تقدم ان موسكو، التي عبرت عن تضايقها من ازاحة الاميركيين بهذه الطريقة لشيفارنادزه، الذي سبق له ان فتح الابواب على مصاريعها لاميركا، هي ـ اي موسكو ـ ساعدت ايضا في تمهيد الطريق امام الرئيس الجديد، الموالي لاميركا، ميخائيل سآكاشفيلي.

فما هو سر هذا الحرص الروسي على الدفاع عن “خصمها” شيفارنادزه، وعلى الجمع بينه وبين سآكاشفيلي، “الاميركي” الولاء ايضا، في منتصف الطريق؟

ان “ألسنة السوء” ـ حسب تعبير بعض الصحف البلغارية، المعروفة باطلاعها الواسع على الاوضاع في المعسكر السوفياتي السابق ـ تقول ان جد ميخائيل سآكاشفيلي، كان هو ايضا زميلا لشيفارنادزه، اي ضابطا في الكا جي بي. وان الصلات الخاصة للكا جي بي هي التي لعبت دورها الخاص في تقدم وبروز هذا السياسي الشاب، المعارض السابق. وهذا كله يذكر بدور الكتلة الغورباتشوفية في تخريب دول الاتحاد السوفياتي السابق، والسيطرة عليها، بالتفاهم والتنسيق مع الدوائر الاميركية. ولكن: هل ان الولاء الحقيقي، او النهائي، لشخصيات سياسية ملتبسة، مثل شيفارنادزه وسآكاشفيلي، سيكون لروسيا او لاميركا؟ وبشكل أعم: هل ان الكتلة الغورباتشوفية لا تزال لها “الكلمة الاولى” في موسكو؟ هذا موضوع آخر. الا انه من المؤكد اننا هنا امام تقاطع بين الصراعات الروسية الداخلية، وبين الصراع الخارجي الروسي ـ الاميركي. وما يؤكد ذلك انه فور حدوث “الانقلاب” في جورجيا، قام الملياردير الصهيوني بوريس بيريزوفسكي، احد كبار اعوان يلتسين خلال عهده، الملاحق الان من قبل عهد بوتين، واللاجئ حاليا في بريطانيا، ـ قام بزيارة تفليس، واجتمع ببعض “اصدقائه”، حسب تعبيره، وقد دخل البلاد بجواز سفر بريطاني باسم غير اسمه، مما حدا بموسكو الى تقديم احتجاج لبريطانيا ولجورجيا معا، والمطالبة باعتقاله. الا ان السلطات الجورجية الجديدة رفضت ذلك.

وبصرف النظر عن الالتباسات التي القت بظلالها على العلاقات الاميركية ـ الروسية، في عهد غورباتشوف ويلتسين، فإن السياسة الاميركية استطاعت، في عهد شيفارنادزه، ان تحقق النجاحات التالية في جورجيا:

أ ـ تصديق الاتفاق على مد خط انانيب النفط القاري “باكو ـ تفليس ـ جيهان” في تركيا، الذي سيؤمن نقل النفط من اذربيجان، مزاحما خط باكو ـ نوفوروسييسك (على البحر الاسود في روسيا)، مما يعطل الدور الستراتيجي للارض الروسية كممر لنفط حوض قزوين الى اوروبا، ويقطع الطريق على تنمية العلاقات الروسية ـ الاوروبية الغربية، على حساب المصالح العليا الاميركية. كما ان من شأن هذا الخط ان يرفع بشكل استثنائي من اهمية تركيا في نظر اوروبا الغربية، ويجعل عضويتها، المؤجلة باستمرار، في “الاتحاد الاوروبي” بحكم المضمونة، لان اوروبا الغربية ستصبح بحاجة لهذه العضوية مثل بل واكثر من حاجة تركيا اليها. كما انه ـ اي خط الانابيب هذا ـ سيقلل من الاهمية الستراتيجية العالمية لنفط الشرق الاوسط، ويزيد اوراق الضغط الاميركية ضد الدول العربية وايران وغيرها من الدول المنتجة للنفط، كما ويعزز الدور التركي في العالم الاسلامي عامة، وبمواجهة الدول العربية وايران خاصة.

ب ـ الحصول على موافقة عهد شيفارنادزه على استقدام قوات عسكرية اميركية، هي الاولى من نوعها التي تتموضع في القوقاز، وذلك تحت ستار خبراء ومدربين، لتدريب الوحدات الخاصة في الجيش الجيورجي على “مكافحة الارهاب”. واذا اخذنا بالاعتبار ان جورجيا تقدم المساعدات والتسهيلات للمتمردين الشيشان ضد موسكو، الذين يتخذون مقرا لهم في مضيق بانكيس، على الحدود الشيشانية/الروسية ـ الجورجية، لادركنا ببساطة ان الاجهزة الخاصة الاميركية، وبحجة “مكافحة الارهاب” الشهيرة ذاتها، قد اقامت عبر جورجيا صلة مباشرة مع المتمردين الشيشان، الذين تتهمهم موسكو بالارهاب.

ج ـ تحويل جورجيا الى قاعدة دعم رئيسية وخط دفاع ثان للمتمردين الشيشان. فالدوائر الاميركية والصهيونية استغلت بنجاح الصفة غير الاسلامية لجورجيا، ومحاولة اضفاء الطابع الاوروبي والغربي عليها، من اجل إعطائها نوعا من “الحصانة” الدولية، الدبلوماسية والسياسية، تجاه التدخل العسكري والسياسي الروسي. وهذا ما يمكنها من القيام بهذا الدور، مما يتيح حرية حركة اكبر للشيشانيين، واصدقائهم الاميركيين والصهاينة، في التجمع العسكري، والتدريبات، والحصول على الاسلحة والمؤن والتمويل، وتلقي ومناقشة التعليمات والتوجيهات، وتوحيد وتنسيق الخطط السياسية والعسكرية. وهناك شكوك قوية في ان جورجيا هي القاعدة الاعلامية الرئيسية للمتمردين الشيشانيين، ولـ”اختفاء” قادتهم السياسيين والعسكريين واجتماعاتهم فيما بينهم، ولقاءاتهم مع ممثلي الاطراف الروسية “الصديقة” ولا سيما اليهودية (من امثال بيريزوفسكي)، كما ومع ممثلي الاجهزة الاميركية، مستفيدين من الطبيعة الجغرافية والاتنية المتعددة للبلاد، ولا سيما مضيق بانكيس، الذي يفصل، او بالاحرى يصل الشيشان بجورجيا، والذي قصفته القوات الروسية مرات عديدة دون جدوى، نظرا لعدم قدرتها على اجتياحه وتطهيره، بسبب “الحصانة” الدولية لجورجيا كبلد مستقل.

د ـ تحويل جورجيا الى معبر لـ”المتطوعين” الاسلاميين، العرب والاتراك وغيرهم، المساندين للشيشانيين. ولهذه النقطة اهميتها الخاصة الكبرى بالنسبة للسي آي إيه والموساد. فلا يخفى ان العديد من التيارات الاسلامية، حتى منها التي اصبحت متعارضة مع اميركا والانظمة العربية والاسلامية الموالية لها، تعتبر معركة الشيشان ضد الروس “استمرارا” للحرب على السوفيات في افغانستان، بكل “الحنين” والمغازي “الدينية” والسياسية، التي تثيرها معركة افغانستان ضد الاتحاد السوفياتي السابق. وفي هذا المناخ “الجهادي” ضد الروس، تجد السي آي إيه فرصتها الكبرى لاعادة توثيق العلاقات مع مختلف التيارات الاسلامية، على قاعدة “الجهاد” ضد “العدو المشترك”، ولقطع الطريق على التلاقي الروسي ـ العربي/الاسلامي ضد السياسة العدوانية الاميركية ـ الصهيونية/الاسرائيلية.

هـ ـ واخيرا لا آخرا، وعن طريق استخدام جورجيا كـ”معبر” للمجاهدين الاسلاميين الاجانب، الى الشيشان، فإن الهدف الاساسي هو استخدام جورجيا كمركز للاجهزة الخاصة الاميركية والاسرائيلية و”الاسلامية” التركية، للتلاقي مع هؤلاء “المجاهدين”، و”تحضيرهم” بالشكل المناسب، للاضطلاع بدورهم الموالي للحلف الاميركي ـ الصهيوني ـ “الاسلامي” التركي، في الاطار الاسلامي العام، ومن ثم في بلدانهم الخاصة ذاتها. وفي هذا التلاقي، فإن المهمة الاولى التي تضعها تلك الاجهزة نصب عينيها هي كشف ومحاربة الاتجاهات المعادية لاميركا والصهيونية ضمن مختلف التيارات الاسلامية، والعمل بمختلف الوسائل للتأثير على “المجاهدين” وتوجيههم بالاتجاهات “الاسلامية التركية” الموالية لاميركا والصهيونية. ولتغطية اهدافها الحقيقية، تدفع اميركا الان بالحكومة “الاسلامية التركية” للتدخل والتعاطي اكثر فاكثر بشؤون البلدان الاسلامية، بما في ذلك التقرب من سوريا وايران وغيرها من الدول الاسلامية المناهضة لاسرائيل وللسياسة الاميركية، كما وتعطيها دورا في ما يسمى “الوساطة” بين العرب واسرائيل. والهدف الابعد هو تعظيم الدور “الاسلامي” لتركيا وتحويلها الى “محور رئيسي” في العالم الاسلامي، تستطيع الدوائر الاميركية ـ الصهيونية ان تمرر سياستها العالمية من خلاله.

النفط والمخدرات

ومشروع حلف “الناتو” الجديد

وتستند الدوائر الاميركية الى “الصفة الاسلامية” لتركيا، كي تطرح مسألة نقل النفط والغاز من حوض بحر قزوين، عبر جورجيا، الى تركيا، والالتفاف حول روسيا، بأنه “مشروع اسلامي” او “لصالح المسلمين”، وليس المقصود به الإضرار الاقتصادي والسياسي بايران ودول الخليج المنتجة للنفط، بل ان المقصود به ـ كما تتظاهر به تلك الدوائر ـ هو روسيا “عدوة الاسلام والمسلمين”!. والصهيونية العالمية، بما كان لها من امتدادات سياسية ومواقع مالية كبرى في روسيا ذاتها، وحتى في صناعة استخراج وتسويق النفط فيها، القت بوزنها لصالح نقل النفط عبر تركيا، واستبعاد وعزل “بلدها” روسيا. وبذلك فإن الدوائر الاميركية ـ الصهيونية تعطي التلاقي الاميركي ـ الصهيوني ـ “الاسلامي التركي” والموالي لتركيا، من جهة، و”الجهاد الاسلامي” ضد روسيا، من جهة ثانية، ـ تعطي هذا وذاك بعدا اقتصاديا ستراتيجيا، في اهمية صناعة وتجارة النفط والغاز. وتضاف الى هذه “الورقة القوية” بيد اميركا، ورقة قوية اخرى، هي ورقة المخدرات، التي اكتسبت اهمية خاصة في يد اميركا ايضا بعد احتلال افغانستان، اكبر مزرعة افيون في العالم. فمن افغانستان الى اوروبا الغربية واميركا، الاسواق الرئيسية والاكثر عائدية لتسويق المخدرات، فإن تركيا تصبح هي ايضا المعبر الرئيسي لتجارة المخدرات، باتجاه اوروبا والعالم الغربي، عبر البلقان، من جهة، وباتجاه روسيا ذاتها، عبر جورجيا والشيشان، من جهة ثانية. وهذه هي القاعدة الاقتصادية الستراتيجية الثانية للجبهة الاميركية ـ الصهيونية ـ “الاسلامية التركية”. ان تجارة المخدرات، عبر تركيا المسلمة، وبالتعاون مع المافيات الشيشانية والالبانية وغيرها من المافيات “الاسلامية”، اصبحت هي المعتمدة اكثر من غيرها اميركيا. وهذه التجارة، بالاضافة الى تجارة النفط، المزمع تحويل انابيبها عبر تركيا ايضا، تصبح هي الارضية الاقتصادية، التي تقوم عليها الان الخطط الستراتيجية لبناء الحلف الاميركي ـ الصهيوني ـ “الاسلامي التركي” الجديد، المرشح كي يحل محل حلف الناتو ذاته. واذا كانت الدوائر الاميركية ـ الصهيونية ـ التركية تتظاهر بأن هذا الحلف هو موجه ضد روسيا، فإنه في الحقيقة سيكون موجها ايضا، اولا، ضد الاتجاه التحرري، المعادي للصهيونية والهيمنة الاميركية، في التيارات الشعبية الاسلامية، وثانيا، ضد البلدان والدول العربية والاسلامية المتحررة نسبيا، وثالثا، ضد ايران والبلدان العربية المنتجة للنفط، وبالاخص السعودية، التي يراد اضعاف دورها العالمي، النفطي والاسلامي معا، الى اقصى حد ممكن، ورابعا، ضد الاتحاد الاوروبي، ولا سيما فرنسا والمانيا، الطامحة الى التخلص من الهيمنة الاميركية.

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

*كاتب لبناني مستقل

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق