زملاء

ريان علوش و قصص طائرة

وقعت بحيرة وأنا اقرأ نصوص ريان علوش ، القاص والعاشق ، الثائر والمُحب لحياة نقية بدون اي ادوات تجميل ، والحال إننا أمام موهبة لم يتسنى  لها التواصل مع قارئ متابع ، سوى بعض اصدقاء صدف يتذوقون هكذا نمط يبرع فيه كاتب يقدم نفسه عاريا واضحا يشدنا اليه ولا نمله ، يسرد مقطوعات بين النكتة والسخرية البيضاء واحياناً النقد لحالات بغية المحو لموروث ساذج تأدلج في بيئات سورية مختلفة .
– هنا دعوة للتعرف على فضاء كاتب ، وقصص نعدكم بأنها تُمتع وقتكم . http://opl-now.org أحمد سليمان

الممحاة
بيني وبين أخي خمس سنوات وأظن أنه لا داعي لشرح الحالة النفسية التي تصيب الطفل الذي بقي سنوات في حضن والدته ثم يأتي فجأة شخص آخر ليأخذ مكانه خصوصا عندما يبدو بأنه أجمل منه ومحبوبا أكثر ,لذلك لم أترك وسيلة إلا وحاولت من خلالها فرض سطوتي عليه,
المهم في أحد الأيام الباردة كنت في المدرسة ,وكان شباك صفنا يطل على الباحة ,وإذ أرى أخي يدخل من الباب الرئيسي ,وبينما كان يحاول معرفة أين صفي كان قلبي يخفق بشدة ,والأفكار تأخذني وتجلبني ,ما الذي حدث في المنزل ؟؟,يا إلهي !! على ما يبدو أنه أمر فظيع حتى أضطر أن يأتي إلى المدرسة بقميص نص كم 
المهم وصل إلى الصف وطرق الباب بكل أدب مستأذنا المدرس بالدخول,فسمح له بذلك,,,
لقد شعرت أن المسافة التي تفصل الباب عن مقعدي أطول من ملعب كرة القدم خصوصا وأن الدموع كانت تغطي وجنتيه.
كان الصمت مطبقا فالجميع كان ينتظر بفارغ الصبر لمعرفة ما الذي حدث
أخترق صوته الصمت بعد أن أخرج يده من جيبه قائلا:خود محّايتك وأعطيني محّايتي

حب فوق السحاب
كلما أقترب موعد السفر ,كلما زاد إضطرابي ,وقلقي 
وصراحة لم يكن ذلك بسبب البعد عن الأحبة والأهل والذي منو مما يتحدث عنه أصحاب الإحساس المرهف ,بل كان ذلك بسبب أنني سأصبح ضمن نقطة صغيرة في السماء ,تلك النقطة التي طالما حيرتني منذ الصغر
وصلت إلى المطار والإرتباك يلفني لفا,فأنا لا أعرف من أين أبدأ ,ولا إلى أين سأنتهي
كان كل همي كيف سأصل لآخر المطاف ,وكلما خطر على بالي أنه من الممكن أن أصعد إلى طائرة أخرى غير طائرتي أصاب بمغص شديد
في النهاية صعدت إلى الطائرة ,وقد حاولت قدر الإمكان أن أشيح بنظري عن ذلك الرجل صاحب الهيبة الذي كان يقف على مدخلها _والذي عرفت فيما بعد أنه الشوفير_وذلك خوفا من أن يلغي رحلتي
في المقعد حاولت أن أكون طبيعيا قدر الإمكان إلا أن إرتباكي خانني خصوصا عندما سألت الجابية:هلق الشنتة وين بدي حطا ؟؟!!
في هذه الأثناء وبينما كنت مرتبكا متل البدوي اللي ,,,,ط أقتربت مني صبية وقالت لي بلهجتها الشامية :مرحبا ,(فبلعت ريقي),حضرتك الأستاذ ريان؟؟
حاولت أن أفتح فمي لأجيبها إلا أن صوتي خانني ,فأجبت بالإيماء :أي نعم
_بس نوصل أنتظرني عايزتك بموضوع
وكأن ما ينقصني تلك الفتاة ,وبدأت أتساءل ما الذي تريده مني؟؟وكيف عرفتني؟؟لا بد أن لها حساب على الفيس وهي إحدى معجباتي ,,ولكن كيف عرفت شكلي وأنا أضع صورة بوبي كصورة البروفايل ,,يا إلهي ألهذه الدرجة يوجد شبه بيني وبين بوبي؟؟!!!
على كل لا بد أنها أحبتني لدرجة العشق ,ألم ترى يا ولد نظرتها لك ؟؟!!وضحكتها التي أعتبرتها إشارة بالمواعدة؟؟
وهنا سرحت بقصة حب لا تنتهي ,فعند الوصول لا بد أننا سنتواعد ,وسنذهب ونلتقط صور عند الإهرامات ,ومن ثم نذهب إلى النيل ونطلب عصير فريش ونشرب من كاسات بعضنا دون قرف ,ومن ثم تركض فألحقها ,وهكذا من المساخر التي يقوم بها العشاق
وصلنا إلى مطار القاهرة وكاد قلبي يسبقني للقاؤها,وهنا بادرتها بالسؤال :هل تعرفيني من قبل؟؟!!
بالحقيقة لا(أجابتني)
أمال إيه(قلتها بزعرنة بعد أن وضعت يداي وراء ظهري و قدمي على الكعب وبدأت ألوح بها شمالا ويمينا)
الحقيقة أنا رأيتك في مكتب القطع (فأبتسمت لأن هذا يعني أنها أحبتني من أول نظرة)
وتابعت :أنا لدي حمولة زائدة وأريد منك أن تسجل نصفها بإسمك وإن سألونا سنقول :أننا عروسان جدد وقد أتينا كي نقضي شهر العسل (قالت الأخيرة بغنج) وأنا بشكل تلقائي أحمر وجهي كوني لم أتزوج من قبل وخيّل لي أننا نقوم بمشهد تمثيلي ودوري الآن يتطلب بأن أصفعها على وجهها قائلا لها :قلة أدب
عندها لم أجد بدا من حمل حقيبتي الصغيرة والتوجه نحو الحاجز الأخير بينما هي كانت تقف حائرة محاولة إقناعي بالعودة لمساعدتها
لم ألتقي بعدها بتاجرة الشنتة ولكني سرقت قلم البيك الذي ساعدتني به لملئ الإستمارة ليس كذكرى وإنما كعقوبة لها والذي ما زلت أحتفظ به حتى الآن

بالتأكيد لم تكن المرة الثانية كما الأولى بالنسبة لركوب الطائرة
من ناحية الإرتباك والخوف ,والفوتة بالحيطان
ففي المرة الثانية أختلف الوضع تماما فقد صعدت إلى الطائرة بهدوء وثقة ,ولم أحسب حساب للشوفير كما المرة الأولى,بل حدقت في عينيه متحديا,لدرجة أنني بادلت الجابية الإبتسامة أمامه
وعندما وصلت إلى المقعد جلست دون أن أسأل الجابية عن المكان ,ووضعت الشنتة دون أن أخشى من صوت يأتيني قائلا(إي ,,يا حبيب ,,هادا محل شنتايتي)
جلست على المقعد بثقة ,وووضعت حزام الأمان,,ولكي لا أكون كاذبا على طول الخط ,,,سأقول الحقيقة,,وجدت سماعات على المقعد أعتقدت أن من كان قبلي قد نسيها ,فوضعتها في جيب الكرسي ريثما تأتي الجابية وتأخذها,,ولكن بعد قليل لاحظت أن جاري معه واحدة ,ومن أمامي معه أيضا واحدة ,فعرفت أنها لي ,ثم بدأت رحلة البحث عن كيفية إستخدامها ,(طبعا باللمس كي لا ينتبه جاري ويحرجني)
وبعد جهد جهيد وجدت البخش وكانت أجمل موسيقى هادئة أسمعها في حياتي,,خصوصا وأنها فوق السحاب
حتى بالنسبة للوجبة التي قدمتها لي تلك الجابية الفاتنة مبتسمة كانت لذيذة وليست كوجبة الهبهوب السوري,,الأمر الذي جعلني أعيش أجمل قصة حب من طرف واحد لمدة ساعة من الزمن
غادرت الطائرة ,,وأنا مستغربا بأؤلئك الذين لم يركبوا طائرة في حياتهم كيف يستطيعون الإستمرار بالحياة

أنا من مدينة شبابها لديهم هوس بالمتورات(الدراجات النارية)
فأغلب شبابها أحد أحلامهم الأساسية هي حيازة متور
عكسي تماما فبيني وبينه عداء تاريخي لا أستطيع حصره بزمان معين ,ولكن لدي الكثير من الأسباب التي تجعلني أمقته ,من قبيل صوته ,والحوادث المأساوية التي حصلت للكثيرين ,إضافة لما يقوم به بعض المتهورين من إستعراضات بهلوانية في الشوارع,وكثيرة هي القصص التي رويت عن شباب ذهبوا إلى البحر ,أو إلى دمشق على تلك المتورات اللعينة
كنت أمقته لدرجة أنني غالبا ما كنت أعتذر من بعض معارفي عندما يلتقوا بي في الطريق ويحاولون توصيلي إلى مقصدي,وعندما يصرّ أحدهم على ذلك أصعد وراءه درءا للزعل ,ويكون لسان حالي يقول:الله لا يعطيك عافة بعد تعبك
صراحة لم أقل يوما بأنني لا أعرف سياقته بل بالعكس فأنا على الدوام لي ملاحظات على البعض حول كيفية السياقة الناجحة بل كان البعض يخشى من سلاطة لساني عندما أنتقده ومتوره
إدعائي هذا دفعت ثمنه موقفا محرجا لن أنساه رغم أن نتائجه كانت لصالحي ,ولكن قدر الله ولطف
ففي ذلك اليوم قذف لي قريبي مفتاح المتور من السيارة قائلا:إلحقني بسرعة فالموضوع لا يتحمل التأجيل ثم تابع سيره
لم أستطع الإعتذار رغم علامة الدهشة التي أرتسمت على وجهي والتي جعلت من فمي أشبه بمغارة مفتوحة للحظات 
المهم فتلت عدة فتلات حول المتور محاولا تذكّر كيف حاول أخي الأكبر أن يعلمني ذلك وفشلت في التعلم فشلا ذريعا,وعندما لم يعد هناك متسعا من الوقت أغمضت عيني وأمتطيته راجيا التوفيق
وبضربة صغيرة على المنويل أشتغل المحرك,ولم يبقى أمامي إلا حركة خفيفة على قبضة البنزين لإنطلق,, ففعلت ذلك الامر الذي أدى إلى إرتفاع الدولاب الأمامي والسير على الدولاب الخلفي لمسافة لا تقل عن العشرين مترا ,وهذا ما دفع من كان متواجدا في الشارع إلى الصفير والتصفيق مشجعين كي أستمر بذلك غير مدركين حجم الورطة التي وقعت فيها
وهذا ما أدى أيضا إلى لوم كبير من والدي جراء الشكوى التي وصلته عن تهوري الدائم بسياقة المتور
إن ما قمت به بقي مثالا يحتذى ,و مثار للتحدي من قبل شباب حارة قريبي

الجبنة وثمنها الباهظ

توقفت الحافلة في الإستراحة ,فنزلنا لقضاء بعض الوقت,وبعد أن أحضرت فنجان قهوة جلست إلى الطاولة, ومن ثم إنضم أحد الركاب إلى الطاولة ,وقد أحضر سندويشة جبنةوضعها على الطاولة وأنصرف
بدت لي تلك السندويشة شهية ,وكانت تحلو بعيني كلما طالت غيبة صاحبها 
إنطلقت حافلات ,وتوقفت حافلات ,وتبدل غروب الإستراحة لدرجة أنني تيقنت بأن صاحبنا قد غادر مع المغادرين ,فبدأت عندها بإلتهام السندويشة,وما إن أفرغت منها حتى كان صاحبها قد عاد حاملا كأس من الشاي وبدأت معه مرحلة التقلص والإضمحلال لدرجة أنني تمنيت وقتها لو أني كرسي ,أو طاولة ,أو حتى تلك الذبابة التي تهيم في فضاء الإستراحة
لم يتكلم شيئ الرجل بل بدا على وجهه علامات إستغراب مشوبة بقليل من الإحتقار (هكذا بدا لي)أيضا أنا لم أقم بأي فعل كوني خسرت على أرضي 10-0 ولم يعد ينفع معه أي إجراء في الثواني الأخيرة
حمدت ربي وقلت ما زال أمامي فرصة للخروج من هذا المأزق وهو أن كل منا سينصرف إلى حافلته وإنشاء الله سيكون هذا آخر لقاء بيننا
في الحافلة فوجئت بأنه أحد ركابها ,وبدات حينها بلوم نفسي :كيف أني لم أره؟؟فالركاب جميعهم أولاد البلد فكيف حصل أن لا أعرفه من قبل؟؟!!
المهم بدأت عندها اللطميات النفسية ,فغدا ستصبح قصتي على كل لسان ,وسأصبح مضرب مثل أيضا وستكون بهدلة لآخر العمر لو كان يعرفني
لذلك كانت الساعة المتبقية على الوصول أشبه بسلسلة لا تنتهي من الوقت كنت أغلبها إما متصنّع الشرود نحو الافق البعيد ,أو مغمض العينين كي لا أرى أحدا 
الآن أنا أحمد ربي على مضي هذه السنوات ولم يسمع بقصتي أحد ,فعلى الأغلب أن ذلك الرجل ليس من البلد ,لأنه لو كان كذلك لكانت قصتي مادة دسمة للمسامرة على كاسة متة لسنوات طويلة ومضرب مثل أيضا


الله يرحمو
فجأة وبعد إمتحانات الثانوية بدأ صديقنا فهيم بالإبتعاد عنا 
في البداية لم نكن نعرف السبب ولكن فيما بعد,, وبعد أن واجهناه بذلك صارحنا بكل وضوح وبيّن لنا ان سبب أبتعاده هو عدم نضجنا وتضرفنا الدائم الذي يوحي باننا اولاد غير ناضجين من قبيل :رن جرس المنازل والهروب ,أو أكل البوظة في الطريق,أو تعليقه لدرجة التقريع فيما يخصني بسبب الولدنة التي ما زلت أقوم بها من ناحية ذهابي إلى النادي متأبطا كرة السلة تحت إبطي ,,لدرجة أنه اوحى لي بأنه يستحي أن يقول بأني صديقه
المهم ونتيجة إلحاحنا عليه بأن يعلمنا الرجولة أقترح علينا أن يصحبنا إلى إحدى التعازي,,رغم إدراكه بأننا لم ندخل تعزية من قبل
في طريقنا إلى التعزية بدأ يلقمنا بكل جدية عن كيفية الدخول والتصرف داخل التعزية,وكرر كثيرا على مسمعنا أن الكلمة التي تقال بعد شرب فنجان القهوة هي(الله يرحمو) لدرجة أنني قلت له:خلص يا زلمي شو شايفنا ولاد ؟؟!
دخلنا إلى التعزية وعند الباب وقف من كان في الباب لدى وصولنا ,فزاد إرتباكنا ,وبالنسبة لي نسيت ما يتوجب علي قوله عند الباب 
ذهبنا إلى أقصى ركن في الخيمة بخطوات سريعة مطرقين في الارض كطالب تاخر عن موعد الحصة وقد سمح له معلمه بالدخول بعد توبيخه
جلسنا وبعدها بدأ من كان حاضرا بمخاطبتنا بالقول السلام عليكم,فنتلفت حولنا باحثين عمن يلقون التحية,,وحده فهيم كان يرد كونه قد حضر من قبل أكثر من مرة
كانت كلما ألتقت أعيننا ببعض تبدأ أجسادنا بالإهتزاز ووجهنا بالاحمرارمحاولين كبت ضحكتنا,,وأكثر ما كان يضحكنا عندما يدخل أحد الأشخاص ويقول بصوت عال السلام عليكم ,فيجيب الحضور بصوت واحد:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتو كما كنا نفعل عند ترديد الشعار في المدرسة
وعندما أتى وقت القهوة كنا نذكّر بعضنا:قولو الله يرحمو يا شباب ,أوعى تقولو دايمة,وبينما كنت أشرب فنجان القهوة سمعت صديقي يقول بعد أن شرب القهوة :دايمة
الأمر الذي جعلني أبخّ
ما كان في فمي في وجه من كان يصب القهوة ,الأمر الذي جعل مو قفنا حرجا ,والذي أدى إلى هروبنا من الباب الخلفي دون توديع
في طريق العودة بدأ صديقنا فهيم بتقريعنا بشدة الأمر الذي دفعني إلى الرد عليه بطريقة رن جرس أحد البيوت والهروب ,فما كان من فهيم إلا أن بدأ بالجري لدرجة أنه فاجأنا بسرعته (حيث سبقنا بعدة أمتار )رغم أني لم أره يوما يشارك في أي حصة رياضية
لم أذهب بعدها إلى أي تعزية إلا بعد مضي حوالي عشر سنوات رغم أني أحيانا أتذكر هذه الحادثة ,والتي تدفعني للإبتسام في التعازي دون أن أنتبه

فشخرة
بعد أن حصلت على البكالوريا كانت قبلتي جامعة دمشق
فأتذكر في اليوم الأول والدهشة التي أصابتني كما غيري
ممن أتى من مناطق صغيرة إلى العاصمة بكل شيئ
فقررت أن آخذ معي أثرا لكي أتفشخر على أصدقائي عند العودة
فلم أجد أمامي إلا حلاق في وسط المدينة فدخلت وأنا أحدث نفسي:
غدا سأقول للجميع بأن حلاقتي هذه في وسط دمشق وبالتأكيد الغيرة ستقتلهم وحسادي ومعجباتي سيزيدون
المهم دخلت إلى الصالون وأنتظرت دوري بعد الزبون الجالس على الكرسي
تفضل أستاذ
تفضلت بقليل من الإرتباك وجلست على الكرسي
بتحب أغسلك شعرك أستاذي
أي ما في مانع
وبكل الصالونات التي دخلتها من قبل أعرف أن المغسلة تكون في زاوية الصالون
ولكن بحركة خفيفة منه أصبح ظهري للمرآة (فأرتسم على وجهي علامة أستغراب)
ثم حركة صغيرة أخرى كان رأسي للوراء والكرسي مال بقوة فما كان مني إلا أن قفزت بقوة متخذا حركة قتالية وسط الصالون والجميع كان منبهرا لا أعلم هل هذا الإنبهار ناتج عن رشاقة القفزة أم عن سببها؟!!
عدت إلى الكرسي ووجهي لا يفسر من شدة الإرتباك
وعندما عدت لم يسألني أحد عن حلاقتي وبالتالي لم أستطع الفشخرة

أبو صابر الجميل

لم تكن علاقتي مع الحمار جيدة على الدوام كما يظن البعض بل مرّ الكثير من الأوقات التي كنت أعتبر أن لاقيمة له فقط كونه حمار
ففي سنوات الطفولة الأولى وعندما كنا نذهب في الصيف إلى قرية أمي كانت وسائل مواصلات الفلاحين على الغالب هي الحمار ,ولذلك أنتشر هذا الأخير بكثرة
كانت تلك الأيام تسليتي المفضلة هي تعذيب الحمير ,وكانت لدي عدة طرق منها ضربه بالحجارة أو العصي ,وأحيانا الإقتراب منه متسللا ومن ثم جذبه من ذيله والهروب

كنت آنذاك أعتقد بأنه فاقد الإحساس ,أو بمعنى آخر أن وجوده مخصص لهكذا تسليات إضافة إلى عمله الأساسي
وفي أحد الأيام شاهدت حمارا جميلا يقترب من إحدى السواقي كي يشرب ,فهرعت إليه وفي ذهني طريقة جديدة للتعذيب 
وصلت ووقفت قريبا منه ,وفي كل مرة حاول الشرب فيها كنت أمنعه وذلك إما بشده من أذنيه ,أو من ذيله,وفي إحدى المحاولات كنت قد إقتربت منه كثيرا لدرجة أنه غافلني وأطبق أسنانه على يدي الغضة ,فوقفت جامدا منتظرا المصير
كانت يدي في فمه وعيني في عينيه ,ولأول مرة لاحظت أنه يمتلك عينان جميلتان,ولأول مرة أكتشف أنه يمتلك مشاعر حيث كانت نظرته لي فيها من العتب الكثير لدرجة أنه خال لي أن دمعة سقطت من مقلته
كان بإمكانه أن يهرس يدي بين فكيه ,ولكنه تركها وعاد ليكمل شربه بينما وقفت جامدا دون حراك 
من يومها تغيرت نظرتي له وبدأت أنظر له بعين أخرى تارة معجبا وتارة مشفقا ,لذلك إحذروا غضبته التي ستأتي بعد حين )

كان أبي يمتلك دراجة عادية (ثلاث حيايا)جديدة ,وكانت مصدر فخر لي أمام أقراني في الحارة حيث أن بعضهم لم يكن والدهم يمتلك دراجة ,ومن كان يمتلكها كانت عادية ولا تقاس بدراجة أبي,وهذا ما أدى إلى الكثير من التناحر والتنافس بيننا
في غفلة منه وعندما كان يتركها أمام باب البيت كنت دائما أمتطيها بالرغم من أنني لم أكن أعرف سياقتها وأتخذ حركة فورا عندما ألمح أحدا لأوهمه بأنني سأنطلق بعد قليل
ويوما بعد يوم وبعد أن تجاوزت مرحلة تكريجها أمام المنزل دخلت مرحلة التعلم على سياقتها (بين السياخ) وبالفعل نجحت نجاحا غير متوقعا وقد نلت أخيرا ما كنت قد حلمت به طويلا
وذات يوم قررت توسيع رقعة مغامرتي لتصل إلى الحارة المجاورة كي يراني بعض الأولاد الذين كانوا يعيّروني دائما بأنني لا أعرف قيادة الدراجة
إنطلقت وكلي أمل أن يراني أحد منهم ,ولكن حصل ما لم يكن بالحسبان,فالبرغم من أن تلك الأيام لم تكن السيارات منتشرة كيومنا هذا وكنا بالصدفة نرى سيارة تعبر الطريق إلا أن سوء حظي جعلني ألمح سيارة قادمة من بعيد ,فما كان مني إلا أن سقطت عن الدراجة مرعوبا ,وتركتها في منتصف الطريق وهربت إلى جانبه
عندما وصلت السيارة توقفت ودار الحديث بيني وبين سائقها:
تعا خود بسكليتك
ما بدي
ولك تعا خدو ما ني فاضيلك 
هئ
ولك خلصني عندي شغل

أتذكر أن السائق وصل إلى مرحلة كاد أن يترجاني بها ولم أكن أعلم لماذا ,وبعد أن نزل من السيارة عرفت السبب إذ بدا لي عجوز ومعه إعاقة في رجله
نزل العجوز من السيارة ,وأزاح الدراجة بصعوبة وهو ينظر لي متوعدا ويتمتم بكلمات غير مفهومة ,ولكن عبارته التي ما زالت محفورة في ذهني هي تلك التي قالها بصوت عالي قبل أن ينطلق:يلعن أبوك لأبو اللي عطاك هالبسكليت

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق