زملاء

خولة حسن الحديد : كي لا ينسى العالم … ثوثيق الهجوم الكيماوي وشهادت حيّة

مجزرة الكيماوي و قيامة الغوطتين / علنية جرائم النظام السوري والصمت الدولي

 موقع غوطة :

دمشق تحيط الغوطة بمدينة دمشق من الشرق والغرب والجنوب، وتضم عدة بلدات وقرى تتبع إدارياً دمشق وريف دمشق، تقوم على سهل ممتد يُعتبرمن أخصب بقاع سوريا، وتقسم إلى قسمين متصلين: الغوطة الغربية :  تبدأ من مطلع ربوة دمشق – الربوة بين الجبال (خانق الربوة) وتمتد غربا وجنوبا إلى مناطق محيط المزة وكفرسوسة وداريا والمعضمية و ببيلا وصحنايا والأشرفية، ومن بعدها السبينه والكسوة و مناطق وبلدات كثيرة محاطة بالأشجار المثمرة وأشجار الحور ومختلف الأشجار المثمرة. الغوطة الشرقية : تبدأ من مدينة دوما وتمتد نحو الشرق والجنوب محيطة بمدينة دمشق، تتميز بالخضرة والمزارع وكثافة الأشجار المثمرة، تقوم بين هذه المزارع عدة مناطق وقرى وبلدات كجرمانا وجوبر و المليحة وعقربا، و حزّة وكفربطنا وعربين وسقبا، إلى أن تلتقي بالغوطة الغربية لتكمل إحاطتها لمدينة دمشق بالبساتين، وتشكل غوطة دمشق السوار الجغرافي والبشري المحيط بمدينة دمشق ، إذ يسكنها أكثرمن مليون ونصف المليون نسمة غالبيتهم من المسلمون السّنة مع بعض المناطق المختلطة طائفيا التي يقطنها المسيحيون و الدروز  .

قبل المجزرة و الحصار الطويل :

كانت بلدات وقرى الغوطة مركزاً لحركة الاحتجاج والتظاهر ضد النظام منذ انطلاقة الثورة في آذار 2011، واشتهرت العديد من مناطقها بمظاهراتها السلمية المُنظمة والحراك المدني المميز، مثل داريا و دوما و الكسوة وجوبر وحرستا وغيرها، وهذا ما أرعب النظام السوري و جعله يمارس ضد أهلها شتى أنواع الانتهاكات و تطبيق سياسات أمنية واقتصادية واجتماعية  خانقة تتوجت بالحصار الطويل من أجل إخضاع المنطقة، نظرا لأهميتها الاستراتيجية المرتبطة مباشرة بواقع النظام واستمرار وجوده، و وصل الحل الأمني العسكري لمواجهة الحراك الثوري في الغوطة إلى أقصى مداه في مجزرة الكيماوي التي جاءت عقب حصار طويل، و بعد سلسلة في عمليات القتل والاعتقال وتدمير البنية الاجتماعية  الاقتصادية للثورة من خلال الحصارو التهجير و القصف المتواصل في تفاصيل يطول شرحها وموثّقة و معروفة إعلاميا .

مجزرة الكيماوي ..مأساة العصر :

في الثانية والنصف بعد منتصف الليل و فجر 21 آب/غسطس2013م،  استهدفت عدد من الصواريخ المحملة بمواد سامة مناطق في الغوطة الشرقية هي زملكا وعين ترما وعربين، وكذلك المعضمية في الغوطة الغربية، وتحدث الناشطون و العسكريون عن ( 29) صاروخ محمل بالمواد السامة، و ذلك بعد أيام قليلة من وصول فريق مفتـشي الأمـم المتـحـدة المُـكلّف بالـكـشف عن اسـتـعمال المواد الكيــماوية فـي مـديـنة دمـشق. وأعقب الهجوم على الغوطة موت مئات السكان في منازلهم أثر تعرّضهم للإصابة بغازات سامّة. والمناطق التي تعرضت الأماكن التي استهدفها القصف بالأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية كانت زملكا ( الشارع الذي خلف محطة نجيب للوقود، شارع المقسم الاآلي “مركز الاتصالات “، منطقة المزرعة، بيت حراتة، جانب مردسة “أم مازن” للبنين، جامع التوفيق، مزرعة “مصطفى الخطيب”،المقبرة القديمة)، عين ترما ( منطقة الطبال، منطقة الزينية و الأربع مفارق)، جوبر ، عربين ، في الغوطة الغربية استهدفت مدينة المعضمية ( شارع الروضة، شارع البلدية، شارع الزيتونة)، وحسب رواية الناشطين والأهالي وعدد من العسكريين فإن قوات من اللواء 155 التابعة للجيش السوري والمتمركزة في منطقة القلمون قامت وابتداء من الساعة 2:31 فجراً بالتوقيت المحلي بإطلاق 16 صاروخاً، وكانت هذه الصواريخ تستهدف مناطق الغوطة الشرقية، وبعد ساعة من ذلك سقطت صواريخ أخرى على الجهة الشرقية من مدينة زملكا بدمشق، وفي 2:40 فجراً استهدف القصف بلدة عين ترما بصواريخ أصابت منطقة الزينية ، وبعد دقيقتين، تم إطلاق 18 صاروخاً استهدفت مناطق الغوطة الشرقية بدمشق، فسقط صاروخ بين زملكا وعربين، واستمر إطلاق الصواريخ حتى الساعة 5:21 فجراً، بسقوط صاروخين، استهدفا مدينة المعضمية في الغوطة الغربية ، وقد بدأ وصول الحالات إلى المستشفيات من الساعة 6:00 صباحاً، و قد ذكرأحد المسعفين من مدينة زملكا : “كانت أول ضربة في الساعة الواحدة وأربعين دقيقة، وكانت مختلطة بين صواريخ وهاون، سقط صاروخ خلف مقسم زملكا، وفي منطقة “مداير جديا” بين جوبر وزملكا، ثم القصف على مدينة عين ترما في منطقة الزينية والأربع مفارق”. يُفيد الشهود أنه تعرضت مدينة المعضمية  لقصف بخمسة صواريخ كيميائية على الأحياء السكنية الساعة الخامسة وربع صباحا أدت الى سقوط 50 شهيد على الأقل و300 مصاب باختناقات وحالاتهم خطيرة غالبهم من النساء والأطفال، وقد تم إغلاق استراد دمشق القنيطرة ( الأربعين ) ذهايا وإيابا وشوهد رتل عسكري قادم من الحرس الجمهوري مكون من 10 سيارات دوشكا ومدرعات، والعديد من الدبابات ومئات الجنود، و مئات القذائف والصواريخ كانت تنهال على المدينة من الفرقة الرابعة ومطار المزة العسكري بمعدل 40 قذيفة في الدقيقة، بينما كانت طائرات الميغ تقصف المدينة بستة غارات بصواريخ فراغية، و كانت الاشتباكات تدور على جميع محاور المدينة، وخاصة الجبهة الشمالية طريق الأربعين والجبهة الغربية الشياح،و لم يعد يستطيع المشفى الميداني استقبال كل جرحى القصف، فأكثر من 500 مصاب جاء دفعة واحدة مع ونفاذ المواد الطبية ونقص بالكادر الطبي، إضافة إلى مصابين بالقصف والكيماوي لم يتم إسعافهم بعد بسبب شدة القصف وعدم قدرة أي شخص السير في الشوارع، و بحسب التقارير فقد نجت مدينة داريا المجاورة للمعضمية المحاصرة منذ أكثرمن عام قبل من القصف بالكيماوي وتأثيره، ، نتيجة اتجاه الهواء يومها، إذ لا يمكن لقوات النظام قصفها بالكيماوي ، ومن الإحصائيات التي وردت في حينه من المعضمية تبين إصابة أكثر من 800 شخص من الأهالي بالغازات السامة، استشهد منهم 109 أشخاص، وكان العدد مرشح للارتفاع بعد  مرور عدة أيام على ارتكاب المجزرة و هذا ما كان فعلا. وتشيرالتقارير إن الهجوم حدث في ساعة ضمنت إصابة أو مقتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص، لأن درجة الحرارة تنخفض بين الثانية والخامسة صباحاً، وهو ما يعني أن الهواء كان يتحرك للأسفل باتجاه الأرض، ويُفسرالهجوم بسبب عجز قوات النظام عن اقتحام مناطق الغوطة فلجأ إلى هذا الأسلوب في محاولة اقتحامها لأن القصف بالكيماوي تزامن مع قصف شديد بمدافع الهاون و السلاح الثقيل، كما عمد النظام إثر ارتكاب المجزرة إلى قصف المناطق ذاتها بالطيران في الغوطة الشرقية والمعضمية وجوبر، ومن الجدير بالذكر أن عين ترما وزملكا وجوبر هي مناطق تكاد تكون متلاصقة جغرافياً، حيث يفصل جوبر عن زملكا وعين ترما المتحلق الجنوبي الذي يصل طرفي مدينة دمشق، و تزامن مع القصف قطع للطرق المؤدية إلى المناطق المستهدفة بالكيماوي و منع الدخول و الخروج منها، و الزج بحشود عسكرية تقوم بمحاولات اقتحام لهذه المناطق، ولم تتوجه أي سيارة إسعاف من المشافي الحكومية إلى أي من المناطق المستهدفة، رغم حجم الإصابات، و لم يسمح بإدخال أية أدوية أو مساعدات طبية, مما فاقم المأساة و زاد من عدد الضحايا. أظهرتت الفيديوهات و التقارير و الشهادات التي نشرها ناشطون من زملكا وجوبر وعين ترما والمعضمية، أطفالاً في حالات اختناق وإغماء، إلى جانب الرجال والنساء الذين تنشقوا من تلك الغازات السامة، وكانت أعداد المصابين في تزايد كبير، وبينهم عدد كبير من الأأطفال، إثر تعرضهم للغازات السامة، حيث أفاد الأطباء في المشافي الميدانية كتقرير أولي بأن الغاز هو “السارين”،وأفاد الهلال الأحمرالسوري في منطقة داريا بوجود حلات مشابهة وردت إلى النقطة الطبية في داريا، ومن جانبه كذب التلفزيون السوري الأنباء عن القصف بالكيمياوي في الغوطة الشرقية.

كارثة إنسانية و مأساة :

لم تتكشف بعد ملامحها ما إن بدأت تتكشف بعض من ملامح المجزرة، حتى ظهرت للعيان كارثة إنسانية رهيبة ألمت بالمناطق التي تعرضت للقصف، وكانت الكارثة الأكبر في مدينة زملكا  بحسب الناشطين،  بسبب العدد الضخم الذي أصيب بحالات الإغماء والاختناق، ومع كثرة عدد الأطفال الذين سقطوا ضحية ذلك الغاز، وجميعهم من المدنيين، وكانت الجثث مرماة  في الشوارع، والناس عاجزون عن سحبها بسبب ضغط الحاجة الكبير، و تزامن ذلك مع القصف المدفعي و الجوي، وبحسب طبيب من مشفى ميداني في زملكا فإن “المنطقة لا تحوي إلا على مشفيين ميدانيين غير قادرين على إسعاف الكثيرين مع كثرة أعداد المصابين، وتبدو حالات الأطفال هي الأكثر صعوبة بسبب عدم قدرة الطفل على تنفيذ ما يطلبه منه الطبيب، وأشار إلى أن تضيق حدقة العين والعجز عن الرؤية هما أول أعراض استنشاق الغاز السام، لتتطور الحالة إلى الاختناق والاختلاج، ويضيف الطبيب (م): ”نعتقد أنه غاز السارين، ولا نملك الأدوية الكافية لإسعاف الجميع”، وبحسب الناشطين و الموثقين فقد سادت حالة من الهلع والارتباك بين الأهالي بعد القصف الذي استهدف مناطقهم في كل من زملكا وعين ترما، أولاً لأن معظم السكان اعتقدوا أنه قصف بالهاون أو براجمات الصواريخ، فقاموا بالنزول إلى الأقبية بدل الصعود للطوابق العليا، وهو ما ساهم في تفاقم الأمور قبل انجلاء الحقيقة لهم، ذلك أنّه من المعروف وفي حالة القصف بالمواد الكيماوية يطلب من جميع السكان التوجه إلى الأمكان العالية وليس العكس، وثانيا لأن العديد من حالات الوفيات حصلت أثناء نوم السكان باعتبار أن توقيت الضربة كان بعد منتصف الليل، وهو ما زاد من أعداد الضحايا بشكل كبير كما تجمع معظم الشهادات، وربما يمكن رسم بعض ملامح تلك الكارثة الإنسانية من خلال عرض بعض الشهادات من الكوادرالطبية و الإعلامية و العسكرية، و شهادات الأهالي، و رصد أعداد المصابين و الضحايا .

شهود على الكارثة :

الناشط مراد أبو بلال المسؤول الإعلامي في تنسيقة مدينة زملكا، الذي كان أحد الناجين القلائل ضمن فريقه الإعلامي من تلك المجزرة، قال في شهادته المنشورة بأحد مراكز التوثيق: “هنا – مشيراً إلى بناء شبه مدمّر – كانت النقطة الطبية، في منطقة زملكا البلد، وفي الساعة الثانية إلا ربع صباحاً بتاريخ 21-8-2013 يوم الأربعاء كنّا نقوم بإسعاف المصابين إلى هنا، وتم إسعاف حوالي 600 شخص إلى هذه النقطة الطبية في النصف ساعة الأولى التي تلت القصف، ثم نزل صاروخ آخر في نفس مبنى النقطة الطبية، أدى إلى استشهاد العديد من المصابين ومعهم الطاقم الطبي بكامله، والمنطقة هنا اسمها منطقة “زملكا البلد – المزرعة”، كان هنالك المئات من الضحايا، وأمّا المصابين فهم جميع أبناء المنطقة والذي يبلغ تعدادهم حوالي 12 ألف نسمة، من بين مجموع عدد الشهداء النهائي كان هنالك 750 شهيداً مجهول الهوية، و يضيف أبو بلال إن أعلى البناء – بناء النقطة الطبية – تعرّض للقصف بالسلاح الكيماوي، وفي هذا المبنى كنا نقوم بمساعدة السكان المصابين للصعود إلى أعلى البناء، لاستنشقاء الهواء النظيف، إلا أنّ الصاروخ الثاني الذي سقط على المبنى نفسه حصد العشرات من الأرواح أيضاً، وعدد الذين تواجدوا على سطح البناء كان أكثر من 60 شخصاً، بالإضافة إلى العشرات الذين كانوا يقفون على درج البناء، ومنهم من كان ينتظر أمام النقطة الطبية في الأسفل، وهنا في هذه النقطة الطبية فقط بلغ عدد الشهداء 400 شهيد تمّ إخراجهم من هنا، أمّا المنطقة القريبة من جامع التوفيق فلم نستطع مساعدة المصابين هنالك بسبب عدم قدرتنا إلى الوصول إليهم ، و في اليوم الأول للمجزرة  استشهد العديد من النشطاء الإعلاميين العاملين في تنسيقية زملكا، بسبب استنشاقهم للغازات الكيماوية والسامة، وفي اليوم التالي للمجزرة أي بتاريخ 22-8-2013 تعرض مكتب التنسيقية نفسه للقصف بالطيران الحربي، بغارتين جويتين، إضافة إلى القصف بمدافع الفوزديكا مما أحدث دماراً كاملاً في المكتب الإعلامي، أمّا بالنسبة للطاقم الإعلامي في تنسيقية زملكا فقد استشهدوا جميعاً ولم يبق منهم غيري، ولا نعرف حتى الآن مصير الجميع، فقد خرجوا لتصوير وتغطية القصف الكيماوي ولكن أحداً منهم لم يعد، ومنهم الشهيد خالد النداف الذي استشهد أثناء عمله في تغطية المجزرة”.

الناشط الإعلامي محمد الطيب من الغوطة الشرقية في ريف دمشق عبر حديث صوتي مسجل روى شهادته عن تلك الليلة إذ يقول إنه شاهد للمرة الأولى في حياته عشرات الأطفال والنساء الذين كان بعضهم قد توفي في حين كان آخرون ينازعون في لحظاتهم الأخيرة بانتظار الموت الذي واجههم بعد أن تنشقوا الغازات السامة،و أشارإلى مشاهد الفيديو التي كان قد صورها خلال تلك الليلة وفي الأيام التالية عندما كان في صحبة اللجنة الدولية للكشف عن السلاح الكيميائي و التي رافقها محمد خلال جولاتها، و يضيف محمد: “حين نقلت الخبر نقلا عن شهود عيان عن تعرض زملكا للقصف بالسلاح الكيميائي، لم يكن ذلك خبرا جديدا بالنسبة لي، فهي ليست المرة الأولى التي نتعرض فيها لهذا النوع من القصف، لكن في كل مرة كان عدد القتلى لا يتجاوز العشرات، وهو خبر أصبح للأسف الشديد عاديا بالنسبة لنا في دوما و المناطق المحيطة، لكن هذه المرة التي كان فيها عدد القتلى كبيرا لدرجة أن أحد الأطباء اتصل بي من مستشفى دوما التي نقل إليها المصابون لتصوير المشاهد وعرضها على وسائل الإعلام، متحدثا عن أعداد هائلة وصلت إلى النقطة الطبية في مشهد مفزع للغاية” *ملحق(2) تسجيل صوت الإعلامي محمد الطيب يتحدث عن الساعات الأولى من المجزرة.

ماهر الناشط  الإعلامي في المكتب الإعلامي في منطقة جوبر قال: “ كنت متواجدا في مدينة جوبر، عند الساعة الثانية والنصف حيث علمت أنه قد تم قصف مدينة عين ترما بالصواريخ الكيماوية، فاتجهت الى عين ترما لتغطية الحدث، بدأت الأعراض بالظهور علي وأنا في طريقي إلى هناك من ضيق بالتنفس وغباشة  في الرؤية، عندما وصلت إلى المدينة وجدت العديد من المصابين ملقيين على قارعة الطريق من دون أن يسعفهم أحد، عندما وصلت الى المشفى الميداني، وجدت 1000 مصاب تقريبا. قام الأطباء بإعطائي حقنة (أتروبين) وبدأت بالتحسن بعدها. لاحظت أيضاً إنّ العديد من الأطباء والمسعفين أصيبوا بالكيماوي نتيجة عدم توافر المعدات اللازمة”.

الناشط الإعلامي محمد العبدالله، من مدينة سقبا قال: ” كنّا نقوم بدفن الشهداء بشكل جماعي وفي مقابر جماعية، مع الاحتفاظ بصور الضحايا، ومقاطع الفيديو لمن تسنى لنا تصويره، وذلك بسب العدد الهائل للضحايا، وعدد مجهولي الهوية يبلغ حوالي 60 % من عدد الشهداء الذين تمّ التعرف عليهم بالاسم، فعند ذهابي إلى مشفى الإحسان في مدينة حمورية بعد عدة ساعات من القصف، رأيت 142 جثة كانت نسبة الأطفال تفوق نسبة النساء والرجال، وكان هنالك أكثر من 300 مصاب في طابق واحد من المشفى، الجثث ال 142 كانت موجودة في “مكان الشهداء” وهو مستودع كبير تابع لمشفى الإحسان كان يتمّ وضع الشهداء فيه، و بينما كان المسعفون والنقاط الطبية يقومون بعملية إسعاف المصابين والجرحى، كان النظام يقصف مناطق زملكا وعين ترما وجوبر بشكل مستمر وكثيف ووحشي جداً، وسقط سبعة  شهداء في مدينة عربين نتيجة قصف قوات النظام، ونحن الآن في مكتب التنسيقة نتعامل يومياً مع 20 حالة لمواطنين فقدوا أهلهم أو أقاربهم أو أولادهم وضاع مكان دفنهم ومنهم من اختفت أخباره بشكل كامل”.

شهادات الكوادر الطبية و استشهاد و إصابة عدد منهم كانت الكوادر الإسعافية والطبية  أحد ضحايا تلك المجزرة الرهيبة، إذ استشهد وأصيب عدد كبير منهم ،إما بالقصف بالكيماوي أو بالقصف بالصواريخ والهاون والقصف الجوي بطيران الميغ الذي استمر ساعات عدة بعد مجزرة الكيماوي، و بعض المسعفين استشهدوا رغم أنّهم كانوا قد وضعوا الكمامات الواقية ، إلاّ أن “الكمامات” وصلت إلى درجة الإشباع بالغازات الكيماوية والسامة مما أدى إلى وفاتهم،و يقول أحد الكوادر الطبية والذي آثر عدم الكشف عن هويته، وكان متواجداً في مدينة زملكا أثناء القصف : ” كان لدينا أربعة نقاط طبية متواجدة في منطقة زملكا فعالة تقوم بالإسعافات الأولية، ولكن بسبب القصف الكيماوي تم إغلاق ثلاث نقاط طبية باستثناء إسعافات الجبهة، وحالياً أغلب الطاقم الطبي منهم في حالة الاستشفاء ومنهم من استشهد وبقي القليل منهم”.

الطبيب ماجد أبو علي أحد أعضاء المكتب الطبي الموحد في الغوطة الشرقية قال:

“النقص الحاد في التجهزات والمعدات الطبية، والنقص الحاد في الكادر الطبي المتخصص، إضافة إلى الحصار الخانق منذ عدة شهور، كانت من الأسباب المباشرة في عشرات حالات الوفاة في ذلك اليوم، خاصة أنّ حجم الهجوم وقوته كان مفاجئاً وتجاوز كل التوقعات، فكنا نشاهد خلال الساعات التي تلت القصف توافد الآلاف من الحالات وخاصة من مدينتي زملكا وعين ترما على النقاط الطبية الأخرى المنتشرة في الغوطة الشرقية، وقد قال لي أحد النشطاء وبسبب عدم توافر الكادر الطبي أنّه في إحدى النقاط الطبية تمّ فرز عدة حالات لمصابين مع الشهداء، إلاّ أنهم لاحظو بعد عدة ساعات تحرك الجثة وعودة الشهيد للحياة، كان هنالك 22 شهيداً استشهدوا دفعة واحدة، وكان يمكن إنقاذ حياتهم، في حال توفرّت الأسرّة والتجهيزات الطبية في النقطة الطبية التي كنّا متواجدين فيها، فقد كان عدد الذين يحتاجون إلى العناية المشددة 98 مصاباً، وكان عدد من استطعنا إدخاله إلى غرفة العناية فقط 36 مصاباً، وعند الانتهاء اكتشفنا وفاة 22 شخصاً كان يمكن إنقاذهم. مع العلم أنّ التجهيزات الطبية كانت موجودة فقد كنّا قد طلبناها من إحدى الجهات المانحة بتاريخ 22-6-2013 إلاّ أنّها وصلت في الساعة العاشرة مساءً من يوم المجزرة أي بعد وفاة مئات المصابين، ويضيف ماجد أبو علي :عندما كنّا نعالج المصابين في النقطة الطبية بدوما، وصلتنا عائلة كاملة مؤلفة من خمس أشخاص، الأب والأم والابنة والولدين، حسبما أكدّ المسعفون، ولكن لاحقاً عثرنا على الطفلة وأحد الأخين، أمّا الأب والأم والابن الآخر فلم نعرف عنهم شيئاً، فقد فقدناهم بشكل كامل، وذلك نتيجة الفوضى الكبيرة التي رافقت الساعات الأولى من جلب المصابين من مناطق زملكا وعين ترما، وكنا أثناء العلاج والإسعاف ننتقي الأطفال وكانت لهم الأولية، فعند بدء قدوم الإصابات قمنا بإخلاء قسم العناية المشددة من الجرحى باستثناء ثلاث حالات خطرة جداً، وكان عدد الأسرة الموجودة 26 سريراً وعدد الذين تمّ ادخالهم 36 مصاباً، أي بزيادة 10 مصابين تمّ افتراش الأرض لهم في غرفة العناية، وكان كل ذلك يتمّ بحسب درجة خطورة الحالة مما أدى إلى ضياع العديد من الأطفال عن آبائهم، حيث لم يكن بالإمكان أبداً التمييز بين المصابين إلاّ بحسب درجة خطورة الحالة، وقد استقبلنا فقط في نقطة دوما الطبية 425 حالة توفي منهم 65 مصاباً،  كان عدم وجود المستشفيات والمراكز الطبية المجهزّة جيداً في مدن وبلدات الغوطة الشرقية سبباً رئيسياً في ارتفاع نسبة الضحايا، حيث أنّ النقاط الطبية المتواجدة هناك غير مزودة بالمعدات الطبية والأدوية اللازمة والكافية للتصدي لحالات القصف بالمواد الكيماوية، كالأقنعة الواقية، أضف إلى ذلك أن تلك النقاط تفتقر حتى إلى الكوادر الطبية والإسعافية الكافية وذات الخبرة للتصدي لمثل هكذا حالات، خاصة مع وفود آلاف الحالات الإسعافية إلى تلك النقاط، وكانت الغوطة الشرقية أصلاً تقبع تحت حصار مطبق منذ أكثر من سنة، مما أدى إلى نقص شديد بالمعدات الطبية، فالكادر الطبي لم يكن قادراً على تأمين الحماية لنفسه، ذلك أنه لا يملك أيّة أقنعة واقية، بل كان يستعيض عنها باستخدام الكمامات العادية ووسائل الحماية التقليدية”،  و كتببعدها د. ماجد على صفحته على الفيس بوك : ” كتب الطبيب ماجد على الفيسبوك: “بكيت وبكيت اليوم وأنا استقبل تبرعات الأجواد والكرماء الذين لم يقتنعوا إن المشروع الذي قدمناه منذ أربع أشهر لتجهيز نقطة للتعامل مع إصابات الكيماوي هو ضرورة واليوم اقتنعوا بعد مئات الشهداء .. بكيت وانا أوقع على موافقات بقبض هذه المبالغ التي دفعنا ثمناً لقبضها صور الشهداء”.

أحد المسعفين في نقطة الخولاني الطبية في حمورية قال :

” أثناء قيام فريقنا بالإسعاف من المنازل، كان المسعفون يضطرون لترك الشهداء في بيوتهم ويحضرون فقط الأحياء المصابين لكثرة الحالات وللتمكن من إنقاذ الناس. جميع ماصادفناه من حيوانات أثناء عمليات الإسعاف كان ميتا في الطرقات”، وأفاد مُسعف آخر من نقطة عربين الطبية : “أن العديد من المنازل يوجد فيها شهداء لم يتم نقلهم بعد”.

المسعف أبو صقر قال :

“في الساعة الثانية ليلاً قامت قوات النظام بقصف المنطقة بقذائف تحديداً في أول حي القصور في عين ترما خلف المقبرة، وأثناء ذلك انتشر بسرعة كبيرة غاز ذو رائحة عفنة، مما أدى إلى أعراض منها غثيان وضيق في التنفس وأيضاً صعوبة في الرؤية، حتى وصلت لعدم الرؤية بشكل تام وبعض من الأشخاص أصيبوا بالإغماء وشلل تام بأعضاء جسمهم وألم شديد في الرأس، وقد قمنا بالإسراع لمحاولة إسعاف المصابين، وقد أسعفت ما يقارب 370 شخص إلى عدة نقاط طبية منها حمورية وعربين وسقبا وكفر بطنا ومدينة دوما”.

أحد المسعفين المتطوعين في زملكا قال: ” سقط صاروخين عند منطقة المقسم بالقرب من مبنى البلدية، ثم سمعنا الناس تنادي بوجود قصف بالمواد الكيماوية، وبعده بلحظات سقطت عدة صواريخ عند جامع التوفيق وصاروخين عند الجبهة، ولكن أكثر الأماكن التي سقطت فيها الصواريخ كانت عند جامع التوفيق، ذلك أن جميع من حملناهم في تلك المنطقة كانوا قد فقدوا حياتهم، وكأنهم لم يميزوا القصف بالكيماوي ولم يحتموا منه، وقد رأيت بأم عيني أكثر من 60 شهيداً، ثم أغمي علي وقاموا بأخذي إلى النقطة الطبية، والأعراض كانت عبارة عن نزول رغوة من الفم مصاحبة مع الدم، وانتفخت أجساد الضحايا بسرعة كبيرة، وكان الدم ينزل من الأنف والفم ولكن كانت الكمية التي تنزل من الفم أكثر، وصوت الصاروخ كان مثل صوت راجمات الصواريخ، وكانت هنالك رائحة تشبه رائحة الغاز، أو الكبريت، ولكنك لا تشعر بالرائحة كثيراً، ثم تفقد الوعي، وأثناء محاولاتي لإسعاف الناس، فقدت الوعي وحملني الناس إلى النقطة الطبية”.

أحد الإداريين العاملين في نقطة الخولاني الطبية في حمورية قال :

“تم استحداث نقطة طبية في مدنية حمورية تابعة لنقطة الإحسان الطبية، بسبب العدد الهائل للمصابين، حيث تم استقبال 450 مصاباً، ضمنهم حوالي200 طفل، و 100 سيدة، لم يتم علاج عدد كبير منهم بالأتروبين وذلك لعدم توافره، وتم نقل بعض المصابين إلى نقاط طبية أخرى بسبب الازدحام الشديد ونقص المواد والكوادر الطبية اللازمة لعلاجهم“.

زهير مبخر المسؤول الإداري في قسم التوثيق في النقطة الطبية في عربين قال: ”جرى القصف بمنطقة مأهولة بالسكان الساعة  الثانية ليلاً حيث استقبلنا إصابات منذ ذلك الوقت، كنا نعاني من حصار أصلا في المدينة ويوجد نقص في الأدوية وخاصة الإتروبين، ولدينا نقص كبير في الأكسجين حيث يمنع إدخالهم الى المدينة المحاصرة”. في حمورية أصيب ثمانية من أفراد الطاقم الطبي والإسعافي، و في نقطة الخولاني الطبية قال أحد الإداريين: “كان الطاقم الإسعافي يصاب بالوهن ويفقد القدرة على الاستمرار بعد جولتين من الإسعاف، بسبب عدم وجود أقنعة، اضطررنا إلى استعمال كمامات عادية مصنوعة من القطن مضافا لها الخل -الذي أعطانا اياه الأهالي- في محاولة لتفادي الإصابة قدر الإمكان”.

المسعف مهند أفيوني قال : ” بعد القصف بالصواريخ، خرجت لإسعاف الناس وشممت غازا ذو رائحة واخزة كالكبريت و لونه يميل للأبيض الضبابي، وفجأة أصابتني رجفة وأغمي علي، قبل أن يغمى علي رأيت 17 اصابة معظمهم اختلاجات واضطرابات عصبية وإقياء وهلوسات وضيق تنفس حدقة دبوسية ثم تم إسعافي الى النقطة الطبية في دوما”.  أحد المسعفين في نقطة الخولاني الطبية في حمورية قال:”عانينا كثيراً بالنسبة للنساء المصابات، حيث لايمكن خلع ملابسهن لأنه لايوجد أماكن فارغة أو معزولة، حيث كانت كل الأماكن مكتظة ومشغولة بالكامل، فقمنا فقط بغسلهم بكميات كبيرة جدا من المياه”.

في نقطة طبية في عربين تحدث أحد الأطباء حول أعراض الحالات التي استقبلوها: “الأعراض الي رأيناها هي لغاز يؤثر على الجهاز العصبي، أهم الأعراض التي شهدتها هي الرمح العصبي النخاعي المنشأ و الرأرأة والزلة التنفسية، وتوقف التنفس والقلب، كان الفارق الزمني بين القصف وبين بدء الأعراض نحو نصف دقيقة فقط، لذلك في العديد من الحالات لم يتمكن المصابون من التحرك أو الهرب وماتوا في مكانهم. لقد شاهدنا أعراض عصبية ذات منشأ دماغي”. كما أشار كل العاملين في النقاط الطبية بالغوطة أن الأعراض التي ظهرت على المصابين  تتلخص ب : ” الإقياء، سيلان اللعاب بشكل رغوي، هياج شديد، حدقات دبوسية، احمرار في العينين، زلة تنفسية، اختلاجات عصبية، توقف التنفس والقلب، خروج دماء من الأنف والفم، وفي بعض الحالات الهلوسة وفقدان الذاكرة الجزئي”. وأكد أحد الأطباء في نقطة طبية بعربين أن الأعراض الي رآها هي لغاز يؤثر على الجهاز العصبي، وأهمها (الرمح العصبي النخاعي المنشأ والرقرقة والزلة التنفسية وتوقف التنفس والقلب)، وكان الفارق الزمني بين القصف وبين بدء الأعراض نحو نصف دقيقة فقط ، لذلك في العديد من الحالات لم يتمكن المصابون من التحرك أو الهرب وماتوا في مكان تواجدهم.

أبو عمر, طبيب عام يعمل في إحدى المشافي الميدانية بمدينة معضمية الشام في الغوطة الغربية, قال: ” بأنه و في الساعة الخامسة فجرا من يوم الأربعاء بدأنا نسمع صوت انفجارات ناتجة عن قصف استهدف المدينة ,إلا أنه هذه المرة كانت الانفجارات غريبة نوعا ما حيث كنا نسمع قبلها صوت صفير يسبق الانفجار, و بعد حوالي ربع ساعة بدأ توافد مصابين بأعداد كبيرة تظهر عليهم الأعراض التالية: (اختلاجات عصبية, زلة تنفسية, تضيق حدقات دبوسية , مفرزات رغوية وفقدان للوعي). كنا عند استقبالنا للمصاب نقوم بخلع ثيابه عنه و غسله بالماء و نقوم بحقنه بالأتروبين و الهيدرو كورتيزونات و الأكسجين ، ومن أصل حوالي الألف مصاب توافدوا إلى المشفى لم نستطع تقديم الأكسجين إلا للخمسين المصاب الأوائل و من بعدها نفذ الأكسجين لدينا, بالرغم من أنه لم نكن نستقبل الأصابات الخيفة و كنا نختار الاصابات الشديدة فقط، و بعد أربع ساعات على استقبال المصابين و معالجتهم بدأت تظهر على الطاقم الطبي المعالج الأعراض التالية: (ألم عيني, صداع,سيلان أنفي )،و ظهرت على اثنين من الأطباء علامات أشد وصلت الى فقدان الوعي و يضيف الدكتور أبو عمر بأن المصابين كانوا يعودون إلى المشفى بسبب انتكاسات كانت تصيبهم بعد خروجهم من المشفى تمثلت بما يلي: بعد 24 ساعة: يعود المصاب بالأعراض التالية:” فقدان للوعي, انهيار تام, ضيق نفس،بعد أسبوع: دوار, وهن عام, ضيق نفس “.

أبو عماد أحد الأطباء العاملين في المشافي الميدانية في الغوطة الشرقية و عضو في المكتب الطبي الموحد في الغوطة الشرقية قال :” بين الساعة الثانية و النصف ليلا و الثالثة فجرا بدأت أعداد كبيرة من المصابين بالتوافد إلى المستشفيات المدنية، وكان المصابون يعانون من أعراض أهمها: اختناقات و زلة تنفسية شديدة, هياج, تغيم بالوعي, مفرزات رغوية من الأنف و الفم,تقبض حدقات شديد- حدقات دبوسية, بطئ نبض, و اختلاجات عصبية و المصابون كانوا من كلا الجنسين و من كافة الأعمار, و خلال الساعات الأولى تم إحصاء ما يزيد عن 700 حالة وفاة، و عن طريقة العلاج يقول بأنهم لم يملكوا المعدات و الأدوية اللازمة و الكافية لعلاج هذا العدد الهائل من المصابين و قد اقتصر العلاج على حقن المصاب بالأتروبين و الهيدروكورتيزون , والأكسجين, و بعد نفاذ مخزون الأتروبين تم استخدام الأتروبين الحيواني على نطاق ضيق جداً و على الحالات الحرجة كإجراء أخير، كما إن أشخاص من العاملين في الكوادر الطبية (أطباء ,ممرضين, مسعفين) قد تعرضوا للإصابة نتيجة التماس المباشر مع المصابين، بدون توفر أي بدلات أو أقنعة واقية من المواد الكيماوية ،و يبين الدكتور أبو عماد إن أصعب ما واجهوه هو اضطرار الأطباء اتخاذ قرار من يتم علاجه و من سيترك لملاقاة مصيره و الذي غالباً انتهى بالموت، و ذلك لقلة أعداد الأطباء و الكادر الطبي مقارنة بعدد الإصابات التي كانت بالآلاف، و قد استمر العثور على جثث ضحايا في اليوم التالي 22-08-2013 داخل منازلهم عدد كبير منهم فارق الحياة و هو نائم في سريره , وآخرهم العثور على 20 شخص داخل إحدى الأبنية “.

شهادات الأهالي و بعض العسكريين …

إنها القيامة غالبية من تم تسجيل شهاداتهم من الأهالي و العسكريين وصفوا فجرتلك الليلة ب” القيامة” لكثرة الأهوال التي شهدوها و ما رأوها من قبل. يقول أحد الشهود:

” في صباح ذلك اليوم استفقت على خبط على الباب، وأصوات تصرخ “ضربوا كيماوي، ضربوا كيماوي “…..أصوت هيجان جماعي في الشارع سيارات الإسعاف، أهالي تهرب بأطفالها، شباب يضعون بشكير فيه خل يقال إنه يفيد، وبعض الاقتراحات بطحن فحمه توضع بقطعة قماش على الانف، بعض من تلطخ وجهه بالشحوار -الفحم، لم يمنع البعض من الضحك على منظره، أصوات تطالب الناس الخروج للطوابق العليا، هربا من الكيماوي، بعد قليل صوت الطيارة، وأصوات قصف الهاون، من صعد للطوابق العليا خوفا من الكيماوي نزل طوابقه بسرعة خوفا من القذائف، هاهي جارتنا تنزح نزوح آخر، دعاوي الجدة وهي تهرب بأحفادها عالنظام وعالعالم كله ورأيت بعيني الناس موتى لا حراك في الطريق ، ما شاهدته لا يخطر ببال، أصوات سيارات الإسعاف تسمع بشكل مفجع جداً، أقصى مرة سمعت أصوات سيارة إسعاف كان 4 سيارت، أما أن تسمع أكثر من 25 سيارة إسعاف إذن كارثة حدثت ، الكل خرج بسيارته واتجهوا بطريق واحد، أسأل شخص من بعيد ما الأمر ؟ قال : قصف بالكيماوي والناس ماتت ،ركبتُ السيارة وطرتُ كالريح وإذا بالناس واقفين في الطرقات كلٌ قد ملئ الخوف قلوبهم ، والشوارع مليئة بالإطارات المحترقة  لكي يرفع دخانها الكيماوي في حال تسرب لمن بجوار مواقع القصف، اتجهت للمستشفى وليتني ما وصلت، قبل أن أصل بـ 10 أمتار لباب المشفى ،وإذ بصوت فتاة يشق الأفق، تصيح وتئن كأن بها مس، وما بها مس وإنما آثار الكيماوي والاختناق ، صوت يفجعك ونبرة تخلع قلبك من القهر والأسى، استغربت لماذا وضعوها في الطريق ولم يدخلوها المشفى ، اكتشتفت أن المشفى امتلأ بالشهداء وممن هو قريب من الشهادة ،أصبح منظر شخص يحتضر شيء عاي جداً، والحقيقة لم أتجرأ أن أدخل المشفى فرجعت أريد الابتعاد فـ( اللي فيني كافيني) وإذ بي أحد جنود دولة الإسلام يُمسك بي ويقول هل دخلت ؟ فقلت : لأ ! فقال: أسألك بالله إلا أن تدخل وتشاهد، فدخلت معه ولا إله إلا الله ،وحسبنا الله، الرجال والأطفال والنساء الكل مستلقي على الأرض ويُصب عليهم الماء بخراطيش كبيرة لأجل مساعدتهم على تخفيف أعراض الكيماوي، ماءٌ بارد والرجال والأطفال عراة من الملابس إلا ما يستر عورتهم وهم نيام على الأرض ويتراجفون من شدة البرد، والله يتراجفون بشكل هستيري، تشاهد هذه المناظر ويقرع سمعك بكاء الأطفال وتوسل الرجال لمن يعالجهم ودموع النساء وهن قد وضعن في أفواههن قماش يعضوا عليه من شدة الألم لكي لايصرخن أمام الرجال ، والأطباء قليل والكل أصبح ممرض والعلاج لايوجد، وأقسم بالله كنت أمشي من بين الشهداء المُلقين على الأرض من كثرتهم ، ورأيت طفلة صغيرة تم وضعها على عتبة درج وقد اجتمع عليها 3 ممرضين وهم في سباق محموم لمحاولة إعادة أنفاسها ،يا الله لحظات صعبة و لا تملك فعل شيء ، تجاوزت الطفلة وإذ بي أرى رجل يسحب فتاتتين أعمارهم 13 سنة بأقدامهم وقد غطى وجههم بلحاف ويقول : “طريق طريق يا ناس معي شهداء” ، لا أصدق ما يجري ،مستحيل ما يحدث، رأيت ممرض يرفع طفل عاري ويحاول إنعاشه، تجاوزته بخطوات، وإذا ببصري يقع على غرفة أشعة (منزوية) وإذا بها جثة ملقة وإذا بإمرأة بجوارها تشير إلي” أن تعال لو سمحت والبؤس والحياء قد ملأ وجهها” ،تذكرتٌ نساء فلسطين عندما أشاهدن في التلفاز،فأعرضت عنها ولا أدري ما السبب، باب المشفى تدخل منه أجساد أرواحها تنتزع ، ثم يضعونها وبعد دقائق يخرجونها لإنها ماتت .. وهكذا دواليك. أكاد أجزم أن كثير من الناستمنقله للمصابين للمشفى هو إجراء لتخفيف الألم النفسي لديه ولكي لايؤنبه ضميره بأنه لم يساعد مُصاب قط ، فالكل يعلم بأن لايوجد بالمشفى علاج، لكن يقولون “بدل أن يموت بالطرقات خذه للمشفى يموت هناك”، فالحالة مزرية بحق والوضع مأساوي جداً ،تشبث بي أحدهم وقال أنت ممرض ؟ فقلت : لأ و لا أعرف في التمريض قيد أنملة، أردت الخروج من المشفى فدخلت غرفة بالخطأ فوجدت شاب ميّت أمامي لايوجد مكان لحفظ الجثث فهو ميّت وموضوع فوق أدوات طبية معطلة ، نظرت وتأملت فيه وقلت : “لا أعرفك لكن لعلي أأخذ بثأرك”  خرجت من عنده ،وكأنه يقول لي : الدنيا لاتساوي شيء ! أثناء خروجي وكان أمامي أكثر من 40 شخص مصاب ما بين رجل وطفل وإمرأة كلهم مُلقون على الأرض وينتفضون، خرجت من المشفى وتركته وراءي لكن أصوات المصابين وهم يتأهون من الألم لا تزال تصل إلى أذني، وكأن الأصوات تقول لي : من يأخذ بالثأر ؟ رأيت أحد جيران المشفى وقد فتح باب غرفة مطلة على الطريق لإيواء من انتهى علاجه ، فدحلت فوجدت 4 أطفال أعمارهم 4 سنوات وقد التحفوا بلحاف“* (نشرت هذه الشهادة على تويتر في عددمن التغريدات ).

السيدة أم محمد من سكان بلدة زملكا قالت إنها كانت تتواجد مع زوجها و أبنائها الاثنين (ستة أعوام و نصف و الآخر شهران) بالإضافة الى عائلة أختها المكونة من فتاة عمرها 13 عاما و أخوها 24 عاما في منزلها الواقع في شارع الاتصالات في بلدة زملكا، حيث سقط صاروخ محمل بغاز سام على بعد 100 متر تقريبا عن منزلها، و تقول السيدة أم محمد: “أنه بينما نحن جالسون في منزلنا مع عائلة أختي بدأ القصف على زملكا ، و سمعنا أصوات انفجارات قريبة حوالي الساعة الثانية ليلا, بعدها بقليل بدأنا نشعر بحرقة بأعيننا و بدأت ابنة أخي تجد صعوبة بالتنفس فحملها زوجي مسرعا بها الى المشفى الميداني, علمنا حينها بأننا نقصف بالكيماوي و حاولنا للخروج الى السطح كما تعلمنا إلا أن القصف العنيف منعنا من الصعود إلى سطح المنزل  فأسرعنا أنا و أختي بايقاظ الأطفال لنلحق بزوجي, و نحن نتوجه إلى الشارع بدأت أشعر بدوار و قدماي لم تعد تحملانني, و شعرت بعده مباشرة بغثيان شديد و ما كدت أصل إلى الشارع حتى فقدت الوعي وعندما استرددت وعيي وجدت نفسي بالمشفى الميداني المكتظ بالناس و الصراخ، تتابع أم محمد لتقول بأن ابن أختها البالغ من العمر 24 عاماً ليلتها اتجه إلى بيت جده, و الذين يسكنون بناء مكون من أربع طوابق ليجد الجميع قد مات داخله و الذي يزيد عددهم عن 25 شخص”.

أبو مالك من مدينة سقبا – شاب عمره 23 عاما –, يقول بأنه أثناء تواجده في منزله في بلدة سقبا مع بعض الأصدقاء , بدأت تتوارد إليهم أنباء عن استهداف زملكا بالكيماوي, فتوجه مع أصدقائه إلى بلدة زملكا حوالي الساعة الرابعة فجرا لتقديم المساعدة,كان هناك عدد كبير من الناس في شوارع سقبا يتجهون إلى زملكا للمساعدة : “وصلت أنا و صديقي إلى شارع المقسم الآلي في زملكا و دخلنا أحد المباني مكوّن من أربع طوابق , الطابق الأول لم جد فيه أحد ,كنا نطرق الباب فان لم يجيبنا أحد نكسر الباب بالقوة و نفتش المنزل عن ناجيين, انتقلنا إلى الطابق الثاني لنجد داخل إحدى الشقق رجل و امرأة فاقدي للوعي يرتجفان و يخرج من فمهما رغوة بيضاء, و بالقرب منهما طفلان لا يزيد عمر أكبرهما عن أربع سنوات و قد فارقا الحياة، انتقلنا بعدها إلى الطابق الثالث لنجد في إحدى الشقق أب و أم و طفل في إحدى الشقق، فانتقلنا إلى شقة أخرى لنجد بعد أن كسرنا الباب أيضا عائلة أخرى قد فارقت الحياة مكونة من أم عمرها يزيد عن ال 50 عام و شابين و فتاتين متوفيين تجتمع جثثهم فوق بعض في الصالون و كأنهم كانوا كلما سقط أحدهم حاول الثاني رفعه حتى مات الجميع في نفس المكان, بينما في الطابق الرابع وجدنا تسعة أشخاص خارج إحدى الشقق قد فارقوا الحياة و جثثهم ممدة على الدرج باتجاه السطح, عرفنا حينها أنهم ماتوا و هم يحاولون الصعود إلى السطح”و يضيف أبو مالك “في هذا البناء لم نستطع أن نجد سوى شخصين على قيد الحياة و حالتهم كانت خطرة، و بعد إن انتهينا من تفتيش البناء و إخراج هذان الشخصان لتأخذهما سيارة إلى إحدى المشافي الميدانية انتقلنا إلى بناء ثاني يقع مقابل البناء الأول، لنجد فيه 14 شخص قد فارقوا الحياة بينهم طفلان لا تزيد أعمارهم عن الخمس سنوات، كنت قد بدأت أشعر و أنا داخل البناء الثاني بحرقة في العينين و صداع و سيلان أنفي ,إلا أنني حاولت أن أتماسك و أن أتابع فاتجهت بعدها إلى الشارع مرة أخرى لأرى رجل يزحف على يديه و قدميه كالطفل الصغير يخرج من بوابة أحد الأبنية وهو يلهث و يخرج من فمه رغوة بيضاء, اتجهت نحوه لأساعده على الوقوف إلا أنني فقد الوعي عندما وصلت إليه، و بقيت غائبا عن الوعي لمدة نصف ساعة تقريبا كما أخبروني عندما استيقظت في المشفى الميداني”، و يقول أبو مالك بأن حسب مشاهدته كان أغلب الأطفال متوفيين و أن أغلب الناجيين وجدوهم في الشوارع بينما من لم يستطع الوصول إلى الشارع فارق الحياة داخل منزله أو وهو يحاول الخروج.

قال أحد المصابين لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا خلال زيارة الفريق لإحدى النقاط الطبية:“كنا جالسين في البيت، وسمعنا صوت قصف بالصواريخ، ثم بدأ الجيران بالصراخ، وطلبوا المساعدة، وعندما ركضنا إليهم وجدنا النساء وقد أصبحن على الأرض، أمّا الأولاد فكانوا يلفظون أنفاسهم، وبعد وصولي إلى منزلهم أصابني الدوار وبدأت بالاستفراغ، وزحفت على ركبتاي حوالي كيلومتر حتى قام أحد المواطنين بإسعافي، كان هذا بزملكا، الرائحة كانت ثقيلة جداً، لم أستطع تمييزها بالمطلق كانت تشبه رائحة الحرق قليلاً”.وأضاف الشاهد واصفاً الأعراض التي حدثت له عند بدء الهجوم: “شفتاي بدأتا بالرجفان والانتفاخ، وعيناي بدأتا بالرجفان أيضاً، وانعدمت الرؤية أمامي، وكان جميع الناس مرميين على الأرض ويصرخون، وكان هنالك العشرات من الشهداء، وكان لون وجوههم أصفراً وجاحظي الأعين ومفتوحي الأفواه، عائلة كاملة من بيت جيراننا كانت تنازع الموت ولم أستطع إنقاذهم، وحاولت إنقاذ بعض النساء، بعد أن كانوا يصرخون ويطلبون النجدة، وكان الأطفال يرجفون بشكل مخيف وكانوا يتساقطون الواحد تلو الآخر” ويضيف: “بدأ الزبد يخرج من فمي عدت إلى البيت فوراً، فوجدت عائلتي وقد أغمي عليهم، وقام أحد المواطنين بمساعدتي في نقلهم إلى النقطة الطبية بعد عدم تمكني من قيادة السيارة”. شهادات المعتقل في سجون النظام فائق المير: “كنت في الغوطتين” .

شهادات المعتقل في سجون النظام فائق المير:

“كنت في الغوطتين” فائق المير قيادي في حزب الشعب السوري، أمضى سنوات طويلة قبل الثورة السورية في سجون النظام السوري، وكان قبل اعتقاله من الأخير قد تنقل بين الغوطتين عقب المجزرة، ونشر على صفحته على الفيسبوك العديد من الشهادات فقد كتب يوم 24/8/2013:

“الهجوم العنيف الذي تشهده جبهة جوبر منذ الصباح، لا أعتقد أنها تندرج في إطار خطة عسكرية عند الطاغية لاقتحام الحي. بل تأتي في إطار جلب الانتباه المحلي والدولي وفي إطار ترتيب موضوع الكيماوي بما يتناسب مع رواية النظام وشركائه الروس، بعد أن ظهر لهم أن المجتمع الدولي مو قادر يبلع هيك مجزرة وهيك جرائم. الرواية المرتجلة على عجل وتقول أن القذائف الكيماوية أطلقها المسلحون من حي جوبر باتجاه الغوطة.  وهاهم يلاحقون العصابات هناك ويعثرون على الدلائل التي كانت مراسلة سما والأخبارية السورية جاهزتين باللباس الميداني والخوزة لتوثيقها وتصويرها. ألا يكفي أن يكون مكتوباً عليه: صنعت بالسعودية هل تريدون أكثر من هيك دليل؟! إلا أن الصواريخ الكيماوية الثماني اللي سقطت على المعضمية بعد ساعتين، في الخامسة صباحاً أزعم أننا رأيناها وهي تسقط من قاسيون ومن الفرقة الرابعة على المعضمية. اللهم إلّا إذا كنّا (مو عارفين الشام منيح) وكان حي جوبر هو على قمة أو سفوح قاسيون ؟! ثم إذا كانت العصابات هي من أطلق الكيماوي لماذا دبابات وطائرات السفاح كانت جاهزة لقصف هذه المناطق والتقدم لاقتحامها (جوبر، المعضمية)؟! يمكن كانوا رايحين لينقذوا الناس من الكيماوي، ولهيك كانت طوابير الشبيحة من ال 86 والسومرية و…. جاهزة وكانت محملة بالمعدات الطبية والاسعاف، مو متزنرة بالأسلحة والسكاكين وبقية عدة القتل.أنه العهر والإفلاس السياسي بعينه. في 25/8/2013 كتب فائق المير مرة أخرى على صفحته على الفيسبوك: “فاجعة الكيماوي التي ألمّت بالغوطة الشرقية ـ عدا شهداء المعضمية ـ الموثقين حتى الآن 1730 شهيد ارتقوا، خمسة وسبعون بالمائة منهم من زملكا أم الصمود والفاجعة، وخمسة عشر بالمائة منهم من مناطق أخرى من عين ترما، والباقي من المسعفين والكوادر الإعلامية والطبية، والكلام عن شهداء كثر بينهم من دوما وسقبا وحمورية غير دقيق. فهناك حالات فردية. العدد مرشح للزيادة ووصوله لحوالي الألفي وخمسمائة مصاب بسبب بعض الإصابات الخطرة ، وبسبب – وهو الأهم- وجود الكثير من العائلات والأفراد المفقودين والذين مايزال أهاليهم يبحثون عنهم. هناك الكثير من البيوت التي لم تفتح بعد والبعض الذي تهدم بفعل الغارات التي أتبعت القصف الكيماوي، وهناك الكثيرين من الذين هامو ا على وجوههم وماتوا في المزارع والحقول ناهيك عن المزارع القريبة التي لم يجر البحث فيها بعد. من أفظع الحالات وأشدها قسوة وصفعاً للضمير الانساني حالة الشهيد البطل ابن مدينة زملكا، وأحد شباب الثورة الأستاذ “رشاد الشماس” الذي وجد شهيدا في غرفة النوم مع زوجته الحامل وثلاثة أطفال هم كامل العائلة. أيها القتلة …أيها البرابرة: هل وصل الحقد إلى الأرحام حتى تلاحقوا الجنين إلى رَحم أمّه؟ المجد والرحمة لك رشاد ولزوجتك ولأطفالكم أكبادكم التي كانت تمشي على الأرض وقتلها السفّاح. المجد والرحمة لشهداء المجزرة. المجد والرحمة لشهدائنا الذين بتضحياتهم ومعهم نصعد إلى الحرية”.

العسكري يوسف شمس أحد المقاتلين في الغوطة قال في وصفه للدقائق الأولى التي تلت القصف مباشرة : “في الساعة الثانية والنصف فجراً وردنا خبر أن الصواريخ التي سقطت على مدينة زملكا محملة بالمواد الكيماوية، وذلك حسب الأخبار التي وردت، فأسرعنا لإسعاف المصابين الذي كانت أعدادهم كبيرة جداً، ولم نكن نعرف ماذا حصل بالضبط ، ولكن أثناء مشينا كنّا نشعر بضيق في التنفس، أغلب المصابين كانوا أطفالاً ونساءً، وكان هناك عائلة كاملة مكونة من الجد والجدة والابن وزوجته وأولادهم وجدو في حمام أحد البيوت وقد قاموا برش أنفسهم بالمياه، ربما اعتقدوا أنّه سيكون سبباً في نجاتهم، فقمنا بوضعهم في السيارات لنقلهم لأقرب نقطة طبية، حتى أننا قمنا بنقل المصابين والشهداء في نفس السيارات للإسراع بمعالجتهم، وذهبنا إلى عدة مناطق وكانت طرق الإسعاف متشابهة لزيادة عدد الضحايا والمتشرين في كل مكان، رأيت طفلاً على درج أحد الأبينة، وشاهدت داخل أحد البيوت أماً كانت قد قامت باحتضان طفلها الصغير أمام المروحة، وكان قد أغمي عليهما هما الاثنان، وكانوا قد وضعوا جانبهما قوارير من مادة الخل و بعض البصل ظناً منهم أنه ربما سيساعد في إنقاذهم”.

خالد البيك أحد المصابين من عين ترما، والذي أسعف إلى نقطة طبية في حمورية قال: “كنا جالسين في الحي بحدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، ثم سمعنا صوت سقوط خمسة صواريخ في عين ترما، فذهبنا إلى مكان سقوط الصواريخ الخمسة لمساعدة الناس هناك، ولكن تفاجأنا بوجود العشرات من المواطنين مرميين على الأرض وفي الشوارع، وذهبت لأبحث عن أخي واسمه علاء فوجدته مرمياً على الأرض وكانت هناك مادة بيضاء مثل الزبد قد سالت من فمه، وحاولت إسعافه ثم فقدت الوعي، ولا أعلم بعدها ماحدث ولا أعرف أين أخي وإن كان استشهد أم لا”. كان خالد أثناء إدلائه بالشهادة يشعر بعطش شديد، و بشبه تخدير “تنميل” في منطقة الوجه والقدمين، وبضيق تنفس.

من الحالات المأساوية التي بثتها وسائل الإعلام و وثقتها العديد من مراكز التوثيق، كانت حالة طفلة لم تتعرف على والدتها التي ترقد بجوارها على سرير مجاورلسريرها ،وبقيت مصرة أنها ليست والدتها، و قالت الأم: “كنا جالسين وفجأة سمعنا صوت سقوط صاروخ، ثم سمعنا الناس تنادي أنه قصف بالمواد الكيماوية، ثم طلبوا منّا الذهاب إلى أعلى البناء، ثم ذهبنا إلى أعلى البناء وأثناء تواجدنا سقط صاروخ آخر تأثر جميع الناس على إثره، وعندها غبت عن الوعي وأضعت عائلتي جميعها من بينهم زوجي وأولادي، واستيقظت وأنا موجودة في هذه النقطة الطبية، وجاء “سلفي” أخ زوجي وأخبرني بوجود ابنتي هنا، وذهب وأتى بها، وقال أنه لا يعلم مكان بقية الأولاد”، لكن الطفلة التي تسمع الحديث تقاطع الوالدة قائلة : “أن هذه ليست والدتها، وهي تحلف أنّ هذه السيدة ليست والدتها، وتقول والدتي اسمها سمر المصري، أمّا هذه السيدة فليست والدتي”.، ووفقا للطبيب المشرف على العلاج فإن الطفلة تعرضت لفقدان ذاكرة مؤقت ما يلبث أن يذهب تدريجيا إثر تماثلها للشفاء”.

في شهادة للناشطة الحقوقية رزان زيتونة – المخطوفة مع فريق عملها في دوما – نُشرت في عدد من وسائل الإعلام جاء ” إلى جانب إحدى النقاط الطبية وقف شخص وهو يبكي ويلوح بيديه. قال أنه أنقذ ثلاث سيدات إلى المشفى، في الطريق وبسبب الاستعجال والارتباك دهس شخصا فقتله، وعندما وصل إلى المشفى ركن شاحنته الصغيرة أمامها بانتظار أن يبت بأمره بخصوص الشخص الذي دهس، وبعد دقائق غارت طائرة الميغ واختارت تلك النقطة بالذات التي تقف فيها الشاحنة فأحالتها ركاما! من يمكن أن تحصل معه أحداث مماثلة خلال ساعات قليلة من حياته، ويبقى على إيمانه بأن الدنيا ليست على أبواب القيامة؟”

قصة استشهاد عائلة مصطفى و كيفية التعرف عليه

من القصص المؤلمة التي ما زال حتى اللحظة يظهرمنها الكثير قصة استشهاد مصطفى و جدته و أخيه، يقول أحد أصدقاء الشهيد مصطفى :”في الساعة الثانية النصف انضرب الكيماوي كانوا نايمين ، دقت عليهم الباب جارتهم أم قاسم قالت لهم :”عم يقصفونا “،مصطفى كان معه أخيه ياسين و جدتهم، نزل ياسين ومعه مفاتيح السيارة فما استطاع الوصول للسيارة فقد أغمي عليه ووقع على الأرض، كان مصطفى ينتظر خروج جدته فأغمي عليه على الدرج، الجدة التي كانت بالبيت في الطابق الثالث أغمي عليها، جاء أفراد من الجيش الحر فوجدوا مصطفى بالطابق الأول أسعفوه وما انتبهوا لياسين لبعد كذا ساعة، حتى جاء عمهم للشبين و وجد ياسين و كان ما يزال حياً فاسعفه لكنه لم ينجُ فقد كان يلتقط أنفاسه الأخيرة، واستشهد ياسين و دفنوه أعمامه، عندما عادا للبيت كانت الجدة ما زالت حية أسعفوها و بقيت كم ساعة بالمشفى واستشهدت،أما مصطفى كان مفقود واندفن مجهول الهوية”، أحد أصدقاء مصطفى المقيم في فرنسا تعرّف عليه من خلال صور الجثث المنشورة في الإعلام فأخبر من تبقى من أهله عن ذلك .

سُجلت شهادة لأحد العسكريين عن لحظات القصف إذ قال:

أحد الأماكن التي أشك بأنها قد تكون مكان صدور الصواريخ القصيرة المدى التي قصفت بعض مناطق الغوطة هي “القابون” وتحديداً من أماكن تمركزالوحدات الخاصة الواقعة بين جوبر و القابون و برزة،وهي منطقة يتم إطلاق صواريخ أرض أرض – و راجمات و هاون غيرها منها،و يوم الضربة الكيميائية كنت في مكان عال في الغوطة الشرقية، هناك أمر تكتمت عن تفاصيله حتى أتمكن من التحقق من مكان الصواريخ التي شاهدتها و صورتها، وهذه إحداثيات المكان .

33.54703,36.333536، والفيديو موجود ، يظهر انطلاق صواريخ ذات دفع محدود ولكن النار التي تخرج منها لاتشبه صواريخ الجيش الحر المحلية الصنع،فنحن نعلم صواريخنا ولون النار التي تخرج من خلفها،هذه الصواريخ لها لون يشبه لون احتراق المغنيزيوم ،والتشبيه هو من ذاكرتي لأني أعرف لون الاحتراق للمغنيزويوم – شاهد اللون في الملحق (3)- و يضيف الشاهد : “أمر آخر حصل يومها و في ذات الوقت من الساعة الثانية إلا ربع تقريبا إلى قرابة الساعة الرابعة فجراً و بشكل متكرر كنت أسمع و سمعه الكثيرون صوتاً شبهه البعض بصوت (إزاحة كنبة) وهو بشكل عام أقرب إلى صوت صفارة إنذار، و أكاد أجزم أنه إنذار عسكري،لأني كنت أعتقد أنه من الصواريخ، لأنه كان يصحب صوت الارتطام لبعض الصواريخ أو الاطلاق، وضربة الكيماوي ، لحقتها ضربة عسكرية للغوطة، والقصف كان بمعدل 100 -200 قذيفة في الدقيقة (ولا أبالغ) واستمرت من السادسة صباحاً للتاسعة حتى هدأت تدريجياً، وأفشل الكيماوي خطة ما علم بها النظام،و لم يتوقع أن يبقى من يصد هجومه و اقتحامه، وفشلت باقي خطتهم”.

شهادة قصي زكريا فاجأت سامنثا باور سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة ممثلي الدول في مجلس الأمن الذي انعقد عقب المجزرة بأيام ،بعد أن طالبت من الناشط السوري قصي زكريا وهو أحد الناجين من مجزرة الكيماوي التي وقعت في المعضمية الوقوف أثناء نقلها لقصته، والتي وثقت من خلالها انتهاكات النظام السوري ،ونقلا عن نشطاء سوريين حضروا الجلسة، فإن إحضار قصي زكريا إلى مجلس الأمن أثناء أنعقاد الجلسة تسبب بغضب سفير النظام السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري ، وقصي زكريا هو أحد ناشطي منطقة المعضمية، وكان قد أدلى بالعديد من الشهادات في أمريكا بعد أن وصلها مؤخراً بهدف إطلاع الرأي العام الامريكي على مجازر النظام في منطقة المعضمية، وخاصة بعد استخدامه للسلاح الكيماوي.

جمع الجثث و دفنها في المقابر الجماعية و رحلة البحث عن المفقودين

أشار الموثقون والشهود أن المشافي الميدانية على امتداد مناطق الغوطة امتلأت بآلاف النساء والأطفال والرجال المصابين و الضحايا، وهي بالأساس مشافي غير مطابقة للشروط الصحية بسبب الحصارالطويل و القصف المتواصل، وجميع النقاط الطبية التي استحدثت كمشاف ميدانية في بداية الأمر ثم جرى تطوير عملها وإمكانياتها لتصبح نقاط طبية للاسعاف والاستشفاء، جميع هذه النقاط تقريبا استحدثت في أماكن غير صحية، العامل الوحيد الذي أمكن مراعاته فيها هو أن تكون في منطقة آمنة نسبيا من القصف، مكانياً تكون النقاط الطبية عبارة عن أقبية أو صالات فارغة قسمت بشكل يدوي بالأغطية والستائر وفيها عدد محدود من الأسرة والتجهيزات الطبية الأساسية، و قد غصّت جميعها بالضحايا والمصابين الذي توزعوا على أرضيات الردهات والممرات وحتى الطرقات أمام مداخل تلك المشافي والنقاط الطبية، و الكثير من الجثث التي كانت تنتظرمن يتعرف عليها من ذويها بانتظار الدفن وضعت عليها ألواح ثلجية ريثما يتم دفنها بسبب ارتفاع درجة الحرارة و الخوف من تفسخها، وبدأت رحلة البحث عن الضحايا والمصابين داخل البيوت على أسطحتها،و في الشوارع، فكان من المأساوي أن معظم الأطفال الذين تعرضوا للمواد السامة لم تكتب لهم النجاة ، أما استشهدوا في أسرتهم لحظة القصف وهم نيام، أو فارقوا الحياة بعد وقت قصير من وصولهم للنقاط الطبية التي كانت تعمل في ظروف بالغة السوء، فيما كانت المعاناة بالنسبة للنساء المصابات مضاعفة، نظرا لضيق الأماكن وعدم وجود ردهات خاصة تتيح خلع ثياب النساء قبل غسلهن من آثار المواد السامة، و بقي في الساعات  الأيام التالية للمجزرة يتدفق مصابون على النقاط الطبية كما سجل الموثقون من مشاهداتهم في “كفربطنا”، البعض من المصابين أجاب حول سبب التأخر في توجههم لتلقي العلاج، بأنهم سبق وذهبوا الى نقاط طبية أخرى وجرى تخريجهم لكن حالتهم ساءت بعد عودتهم للمنزل، والبعض الآخر كان في حالة خوف واضطراب أو لم يجد من يسعفه أو كان ينتظر أن يتحسن من دون معالجة، لذلك تأخروا في التوافد الى النقاط الطبية.

مأساة المفقودين بعد المجزرة و المقابر الجماعية

بسبب نقل الشهداء والمصابين إلى مختلف النقاط الطبية في بلدات ومدن الغوطة، تعذّر على الكثير من الأهالي إيجاد أبنائهم وذويهم بالسرعة المطلوبة، خاصة أن معظم الشهداء قتلوا وهم نيام وجرى إخراجهم بثياب نومهم من غير هويات شخصية أو أي شيء يدل على شخصيتهم، ومع الحر الشديد لشهر آب/ اغسطس وعدم وجود كهرباء وثلاجات لحفظ الجثامين كان هناك اضطرار في العديد من الحالات لدفن الشهداء المجهولين قبل تعرف ذويهم عليهم و وداعهم، وقد تسببت حالة الذعر التي حصلت بعيد القصف بتشتيت أفراد العائلات ونقلهم إلى نقاط طبية مختلفة على امتداد الغوطة الشرقية، وفي كل نقطة زارها الموثقون كان هناك أهل يسألون عن أبنائهم ويحاولون معرفة مكان إسعافهم وما إن كانوا استشهدوا أم لا، وهو ما يقضتي أن يدوروا النقاط الطبية جميعها.

تم حفر القبور الجماعية في المقابر لتتسع للعدد الأكبر الممكن من الشهداء، كما حصل في إحدى مقابر زملكان حيث قال الشخص المسؤول عن المقبرة لأحد فرق التوثيق : “أنه تمّ دفن 140 شهيداً وشهيدة هنا، كانت عائلات بأكملها؛ آباء وأمهات وأطفال موثقين جميعهم، وقد حفرت القبور بشكل ملاصق لضيق الوقت و حتى أن أحد القبور دفن فيها خمسة عشر سيدة مع بعضهم البعض”. و مما جاء في هذا السياق بشهادة الناشطة الحقوقية – المُغيّبة – رزان زيتونة: ” في إحدى مقابر زملكا، كان الأب يقف على قبر طويل يبدو بلا نهاية. هنا دفنت زوجته وطفله. وإلى جانبهما عائلة فلان، وعائلة فلان. وفكرت، إن كان بينه وبين نفسه يحسد العائلات التي ذهبت بجميع أفرادها إلى تلك القبور الضيقة ولم تترك وراءها من يعيش ألم الفقد.ولا تزال أصوات الاشتباكات قريبة جداً وعلى أشُدّها. ولا أحد من الحاضرين يكترث، وهم منهمكون في الحفر وإهالة التراب على الأحبة. مشرف الدفن يشرح كيف تتلاصق الجثامين التي بلغ تعدادها 140 في هذه المقبرة الصغيرة.، صوّر صوًر، يقول. هنا آل فلان، ويقوم بتعداد أسماء أفراد العائلة، وهنا آل فلان.. ونحن ننظر وكأننا يجب أن نرى العائلة ونلقي التحية على الوالدين ونداعب الأطفال، لكننا لا نرى إلا تراباً غير مستوٍ وبضعة أغصان جافة من نبات الآس رميت فوقه كيفما اتُّفق. في ردهات تجميع الجثامين في كل بلدة، تجمع الأهالي للبحث عن أبنائهم. تدخل سيدة مسنة وهي تتوسل للموجودين أن يرشدوها إلى جثمان أبنائها واخوتها إن كانوا قد استشهدوا. يساعدها الشبان في رفع الغطاء عن وجوه صف الشهداء المجهولين الذين ينتظرون من يتعرف إليهم. شهيداً تلو الآخر تمر عليهم. تشهق لدى رؤية أحدهم، ثم تتمالك نفسها وتقول ليس هو. تنتهي من البحث، وتنطق بالحمد بصوتها المتهدج لأن احتمالات موت أحبتها قلت بمعدل نقطة طبية واحدة. في الأغلبية العظمى من الحالات، تفرق أفراد العائلة بين النقاط الطبية على امتداد الغوطة. ومن شفي منهم واستعاد قواه، بدأ رحلة البحث عن عائلته من بلدة إلى بلدة. كان الجميع غاضبين، بالكاد يتمالكون أنفسهم قبل أن ينهاروا بالبكاء. كلما فشلوا في العثور على أحبتهم في الردهات بين المصابين والشهداء، أو في قوائم الأسماء التي تمكن الإداريون من تسجيله”.

استمرت النقاط الطبية والمراكز الإعلامية باستقبال العديد من المراجعين على مدى أيام بعد المجزرة،و الذين لايزالون يبحثون عن أفراد عائلتهم ممن فقدوهم يوم حصول المجزرة،  وذكر العسكري يوسف شمس، وهو أحد المصابين الذين ساعدوا في علميات الاسعاف الأولى : “بعد إسعافي إلى النقطة الطبية، وتماثلي بعد عدة ساعات للشفاء، بدأت رحلة البحث عن الأهل والأقارب في المشافي والنقاط الطبية، منهم من كان قد استشهد مع عائلته ومنهم من بحثنا عليه دون جدوى وإلى الآن هنالك العديد من أقربائنا لا نعلم مكان تواجدهم بالضبط، ولا نعلم إن كانوا أحياء أصلاً أم قد لقوا حتفهم، وعند مراجعة الأشخاص المسؤليين عن الدفن، كان بعض الناس يتعرفون على أقربائهم عن طريق الصور وبعضهم لا يجد أحداً منهم، ولا تميز حتى أماكن الدفن، وما زلنا حتى الآن نعثر على شهداء مدنيين داخل بيوتهم، وعملية البحث لم تتوقف بعد، وما زلنا نعثر على العديد من الجثث، وهنالك إلى الآن أشخاص في السرير لا يستطيعون الحركة أو الوقوف “.

أحد المواطنين في المقبرة الجماعية بزملكا قال: “مع الارتفاع السريع لحالات الوفاة التي حصلت بعد القصف بالكيماوي، وارتفاع عدد الشهداء للمئات، لم يبق للأهالي خيار إلا بحفر قبور جماعية، وذلك لضيق الوقت ولعدم وجود قبور تكفي لجميع الشهداء، فتشاركو بالقبور بعد مشاركتهم باستنشاق الكيماوي، ومن هذه المقابر الجماعية مقبرة زملكا الجماعية التي قام أهالي الحي بحفر مساحة واسعة ودفن عدد من الشهداء ومنهم عائلات بأكملها وقد قام فريق الرصد الميداني في مركز توثيق الانتهاكات والمتواجد في الغوطة الشرقية بمقابلة بعض الشهود في هذه المقبرة وتحدثوا بألم عن أسماء عائلات بأكملها، كانو قد عرفوهم وعاشوا معهم أمل الحرية، و هنالك آلالاف المفقودين عن ذويهم ولا نعلم عنهم شيئاً، وأنا كنت مختاراً للحي وكنت أقوم بتوزيع الخبز عليهم وأعرفهم شخصاً شخصاً، والآن لم يبق منهم أحد، وهنا تحت هذا التراب هنالك العديد من الجثث أطفال ونساء، وأنا على استعداد على نبش هذه القبور قبراً قبراً، وأنا مسؤل عن كلامي، وهنالك العديد من النساء من بينهم، لأنّ الجميع من الأطفال والنساء كانو نياماً، وكل الموجودين في هذا المقبرة والذي يبلغ عدده المئات تمّ توثيقهم بالاسم”.

هل دفن بعض الضحايا أحياء ؟ انتشرت إشاعات بين بعض الأهالي تقول أنه ربما تم دفن بعض الضحايا أحياء و هم في حالة غيبوبة، مما أثار الذعر لدى الكثيرين، و أشار مركز توثيق الانتهاكات إلى أنه تواردت أخبار عن خمس حالات على الأقل لأشخاص كانوا في عداد الشهداء، ولكن تبيّن أنهم كانوا في غيبوبة، ولم يكونوا قد فارقوا الحياة بعد، فقام فريق مركز توثيق الانتهاكات بسؤال طبيبن – كلاهما اختصاص عام –  حول هذه الحالة، أجاب الطبيب الأول باستحالة وقوع مثل هكذا حالات، خاصة في حالة توقف القلب وتوقف المريض عن التنفس، أمّا الطبيب الآخر فعزا الحالة إلى ضعف التشخيص، حيث أن هناك أشخاص يكونون في حال الصدمة وليس في حالة وفاة، ويستيقظون من هذه الصدمة لاحقاً، بعكس حالات الوفاة التي يكون قد أصيب الشخص فيها بحالة تسمم تفقده حياته على الفور، وهذا ما أثار شكوك البعض و التيما زالت قائمة حتى اللحظة  قد عبّرعن مخاوفهم حيال ذلك الكثيرون .

رصد نفوق عدد كبير من الحيوانات

أكد جميع شهود العيان والمسعفين نفوق الحيوانات التي تعرضت للغازات السامة في المناطق التي جرى قصفها، وقال” هيثم محمد صالح العربيني- 50 عاما” وهو من المصابين الذين تم نقلهم إلى لنقطة الطبية في مدينة دوما : “الحيوانات قد ماتت جميعها ومنها القطط المتواجدة في الطرقات”.

أحد الشهود من مدينة زملكا قال : ” كان مشهدا الحيوانات الميتة مؤلما ، فقد رأيت بأم عيني عشرات القطط و الكلاب النافقة، و بعض الجيران الذين يربون حيوانات بيتية نفقت جميعها، حتى الحيوانات لم تسلم من الغازات السامة و من القصف حتى فبعضها طاله القصف المدفعي و ما رماه الطيران من قذائف أيضا “.

أعداد الضحايا و المصابين

لم يُعرف بشكل نهائي حتى اللحظة عدد الضحايا ، فقد تضاربت الأرقام بين منطقة  أخرى ، وفي إحصائية شكلت مفاجأة ارتفع عدد الضحاياها بشكل لافت، إذ وصل وصل عدد المصابين خلال الست ساعات الأولى بعد القصف إلى أكثر من 10 آلاف إصابة، كان منها أكثر من 3000 إصابة بحالة حرجة، كما بلغ عدد شهداء الغوطة الشرقية فقط أكثر من 1700 شهيد 67% منهم نساء وأطفال، وأكدت عدة مصادر أن العدد أكبر من ذلك، خصوصاً مع تعذر الوصول إلى المنازل التي دمرها القصف والغارات الجوية بعد الاستهداف

  • التحقيق فصل من عمل توثيقي نادر وهام للدكتورة خولة حسن الحديد ، وننصح المنظمات الحقوقية المتخصصة اعتماده كمرجع في أبحاثهم
اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق