زملاء

ربحان رمضان :كبرتلـــــــــو

– ابراهيم كبرتلو .. ماي نيم از ابراهيم كبرتلو .
* اسـمه ابراهيم كبرتلو .. طوني ترجم اســم الرجل ثم تابع يسأله :
فرم وير ؟-

من بولند .. جئت أتعلم اللغة العربية في بلادكم .. أحببت فتاة مسلمة فأسلمت لأتزوجها ..
* الأحمق يقول أنه من بولونيا .. مو بس هيك ، أسلم وغير اسمه .
** وشو كان اسمه بلا صغرة ؟؟ استفسر أحدهم من طوني .
– عبد السميع اللميّـع ، شو بدك باسمه اي شو رايح تتجوزه ؟؟ !!
الفتية يتكركرون .. يقهقهون بصوت عال في حرم المصلين داخل جامع بني أمية ، المصلون يلتفتون اليهم باندهاش وغرابة فالمكان مقدس ومخصص للعبادة .. الناس موزعون على حلقات حول شــــيوخ يفسرون لهم آيات من القرآن الكريم أوأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم ، وآخرون يصلون الفرض أو الســّـنة .. وحول قبر النبي يحيى تتجمع نســــــــاء معهن أطفالهن جئن تتباركن بالضريح وتنذرن النذور .. امرأة ناشدت النبي يحيي أن يتوســط مع الله ليعافي لها ابنها الوحيد ، الى جانبها فتاة في عمر الورد نذرت له ذبيحة اذا تزوجت من ابن جارهم الســــــمّـان الذي يغســـل شعره بأسوء أنواع البريانطين كي يلمع أمام ناظريها ..
طوني يخلق المواقف المضحكة ، انه أشطر طلاب صفه في اللغة الانكليزية .
– يعدملي ياك ، آر يو ووركينغ ؟
– يس ، أي آم ووركينغ .
* يقول المغضوب بأنه يعمل .
وماذا تعمل ياحمصة الكي ؟
– وات ؟
* أقول ماذا تعمل يامستر كي ؟
_ ياي يا ، في احدى حدائق الزهور .
*ومازال طوني يسأله حسب طريقته الخاصة وهو يجيب وســــامر ، وبســام وزاهر يتقهقهون .. يغشـــــون من الضحك ، حتى ابراهيم هو نفســـه ضحك معهم دون أن يدري بأنهم يضحكون عليه ..

2

درويش القادم من قرية الرحمانية والتي يدّلعونها فيسمونها شـــــــيطانية دخل على الخط فقطع على طوني كلامه قائلا : اعطه هذا الكتاب ، انه أمثال ســــــــــــــــليمان الحكيم(متالوكي سليمان) باللغة الكردية .. اعطه اياه هدية ..
* لكنه لا يعرف القراءة بالكردية ، ماذا تهديه يا درويش ؟؟
= فليكن ، انه هدية رمزية ، وليعرف أن الأكــراد ممكن أن يدينوا وكــغيرهم مـــــن الشعوب بأديان عديدة ، أرجوك قل له أن درويش أهداك اياها .
* انه هديتك ، تنعم يا ..
البقية يضحكون ..
= قل له أنني أدعوه لتناول طعام الغذاء عندي في البيت ( درويش دوزنها في رأسه سأدعوه الى البيت وسأطرح عليه القضية الكردية ، انها فرصة لطرح القضية على المستوى العالمي .. هكذا اعتقد درويش ..
خرجا معا من الباب الشرقي للجامع المؤدي الى قهوة النافورة أو قهوة الحكواتي التي يقرأ فيها أبو دياب الحكواتي على روادها يوميا فصلا من كتاب عنترة بن شــداد ،أو الزير ليلى ، أو تغريبة بني هلال فالتقاه على الباب صديقه دحام ، شو يا .. من وين جايب هاليقطينة ؟
= انه أجنبي من بولونيا جاء الى بلادنا ليتعلم العربية .
انطلقا معا على دراجة درويش الهوائية ، ركب ابراهيم على المنصب خلف درويش فدخلت قدما ابراهيم بين أسياخ العجلة الخلفية مما أحدث عطلا جعل الاثنين يقضيانها مشـــــيا على الأقدام يجران معهما الدراجة حتى وصلا حارة العمادية في قرية عين ترما القريبة من المدينة .
أوصى أمه بتجهيز الطعام ، قال لها أن ضيفا من أوربا الاشــتراكية يزورهم هذا اليوم ، أمه لم ترالضيف لأن كل الضيوف يدخلوا من الغرفة المعدة للضيوف والتي لها باب خاص يؤدي الى مدخل البناية حسب طريقة البناء الاسلامي والذي يحظر رؤية الضيف لأهل المضيف سواء أكانوا رجالا أم نساء ..
= ويل كام ، رحب درويش بالضيف وتابع : وي آر آريش بيبل ..
تململ الضيف .. فقد عانى من النازية الآرية لمـّا كان لاجئا في المانيا الاتحادية سـيما وأنه عرف متأخرا بأن خاله لم يفقد أثناء الحرب العالمية الثانية وانما أعدم في أحد أقبية الجستابو مع بقية المعارضين للنازيين الذين ضمّوا بولندا عنوة الى جانب الشيوعيين والغجر واللوطيين والمعاقين وغيرهم .. ولهذا السبب قدم الى الشرق الأدنى .. ففوجئ لمـّا وجد العرب الذين حكموا نصف الكرة الأرضية ذات يوم ، مضطهدين من اليهود الذين هربوا من المانيا الى فلسطين و التي فتحت لهم أبوابها، وحمتهم من النازية ثم انقلبوا على العرب بحماية الانكليز الذين ساعدوا شريف مكة على الاستقلال عن تركيا العثمانية والتي سلخت بدورها لواء اسكندرونة عنهم بعهود ومواثيق وقعوا عليها وهم ( يضحكون ويلعبون ) فلم يجدوا من يفشــّون

3

قهرهم فيه الا الأكراد الذين وحدّوهم ذا ت يوم بقيادة سلطان الاسلام صلاح الدين، و يوم آخر بقيادة ابراهيم باشا بن محمد علي بك الكردي الأصل ، وأيام أخرى بقيادة فخر الدين المعني ، وكمال جنبلاط ..
طرقت أم درويش الباب لتناول ابنها طعام الغذاء ، كان طعاما بسيطا والمثل يقول : (جود بالموجود ) ..
غرز الشوكة باللحم الضاني ، وضعها في فمه ، مضغها ، مالحة ، شرب جرعة من لبن العيران ، قال للضيف نحن شــــــعب لنا الصدر دون العالمين ، أو .. القبر ، هذا الكلام عربي والقائل عربي الا أن ّ معظم شـــعوب الشرق تغني مثل هذا المقطع من الشــــــــــــعر .. هكذا تعلمنا في المدارس .. أستاذنا يؤكد لنا أننا عرب حتى ولو أننا نرطن بلغة أخرى ..
لم يصبّ شيئا في صحن السيد كبرتلو ، ترك الضيف على راحته ، وليشجعه كان يأكل بشراهة ويتكلم عن الوطنية والأممية والكوسموبوليتية والامبريالية والاستعمار
ولبنان ، والمارينز .. والضيف بأدب وشغف يسمع للحديث ويؤكد قائلا : أول رايت أول رايت ..
شفط درويش كل ّ ما كان موجود على الطاولة ، والتفاحات التي اشـــــترتهن أم رائد جارتهم كي تتوســـــــــط أم درويش لها عند زوجها أبو درويش الموظف في مديرية المالية منذ واحد وعشرين سنة ليؤمن عمل لابنها عبد الهادي الذي ترك المدرســـــة بعد حصوله على الثانوية العامة ..
= نحن مضطهدين يا ســـيد كبرتلو ، نناضل من أجل الغاء المشـــاريع الاســــــتثنائية المطبقة بحق شعبنا في سوريا ..
تصور أننا ممنوعون من الاســــــــــتماع الى الأغاني الكردية ، ومن التكلم بلغتنا في المدارس والدوائر الحكومية .. ممنوع أن نســمي الأطفال بأسماء كردية .. ممنوع ..
قاطعه السيد كبرتلو قائلا : ” وهل للأكراد لغة يتكلمون بها ؟؟”
= نعم بالتأكيد فهي لغة آرية ( هندو- أوربية ) ..
كاد السيد كبرتلو أن يخرج عن طوره الا أن وجوده في دار السيد درويش الذي دعاه وجاء به من منتصف المدينة حتى بيته في عين ترما جعله يعّد على العشـــــرة قبل التفوه بقراره النهائي الذي يرســـــــــــمه أثناء انهماك درويش في الأكل والكلام عن الشــــعب وحقه في تقرير مصيره دون أن يصبّ له حتى فنجان من الشاي الذي بدأ يشربه بعد انتهائه من الأكل ..
تابع درويــش وهو يعيد الصحون الفارغـــة الى الداخل : ” هل تعلم من هو أول من تخوزق في الشرق الأوســط ؟”
قال السيد كبرتلو في نفســـه : ” أنــا ” .
رد درويش وقد عاد بممسحة لمسح الطاولة : ” انه ســــــــــليمان الحلبي ” كردي من قرية كوركان في جبل الأكـراد شمال غربي حلب .

4

وهل تعلم من هو أول من دعى الى تحرير المرأة ؟؟
انه قاسم أمين من كردستان العراق ، ولد في مدينة السليمانية وعاش في مصر .
وهل تعلم من هوأمير الشعراء ؟؟
قاطعه السيد كبرتلو ورد عليه بعصبية وبلغة عربية ، وبلهجة شــامية قحة : ” ولك خلـّصنا” ، ” خود طريق بدي أمشي ” ..
لمـّا خرجا انفتح الباب الآخر للبيت ، أبو درويش ، صاح بابنه لك شو هالقصب مص يانص نصيص ؟
انه أجنبي يريد تعلم العربية ، أجابه درويش .
عاد السـيد كبرتلو لعند الوالد المسـّـن ، قبل يده وعرفـّه بنفسه أنا ابراهيم كبرتلو ، اسمي ابراهيم كبرتلو ، قدمت بلادكم لأتعلم العربية ، لكني سأعود الى المانيا في كل الأحوال ..
ارجع يابني لنشرب فنجانا من القهوة ، قال أبو درويش .
– لا ياعم ، يجب أن أعود الى المسجد فالامام ترك مفتاحه معي .. سيعود المصلون الى بيوتهم اذا شافوا الجامع مسكـّر .

عادا بباص التوزتو الألماني الصنع ن ترجلا في موقف العمارة ، اتجها شمالا ثم الى الغرب نحو مسجد مبني حديثا ، ثلاث مئة عام على الأكثر .
غرف كثيرة مخصصة لطلاب العلم القادمين من الخارج ، في الطابق الأول – الغرفة الثالثة على اليمين كانت غرفة السيد كبرتلو .. فيها كرسي واحد ، وبســـاط ، وفرشة قطنية مكومة على الطاولة في الصدر ، مقشـــــــة بجانب الباب ، وأصيص زهــور فوق طاولة الكتابة التي يقبع خلفها كرســــــــي عمره أكبر من والد جار درويش في القرية( صبحي بيـّاع المخلل ) .
رحب السيد كبرتلو بالضيف ، أسرع لعند جاره في الغرفة المجاورة ..استعار ابريق الشاي ، وقبل أن تغلي الماء كان قد أحضر من عند جاره المقابل ( كأس من السكر)

رشف السيد كبرتلو من كأسه رشفة ، نظر الى الضيف متسائلا لماذا لاينتقل شعبكم لعندنا .. للبلد التي لجأت أنا اليها ؟؟ ســـيعمل الجميع هناك ليل نهار ولن تكون بعد ذلك أية مشــكلة..
لن يكون هناك وقت للتفكير ووجع الراس ..

عندما زاره درويش في الاسـبوع التالي .. فوجئ بموسيقى صاخبة .. الســــيد كبرتلو وثلة من الأصدقاء يرقصون ..
فتاة خلعت شـالها راحت تهتز وكأنها مصابة بجنون هســـتيري ..

5

شاب مستلقي على الأرض ، وآخر يقعد بجانبه يلـّف سجائر ويوزعها على البقية ..
خيوط الدخان أضفت جوا خانقا مشبع برائحة عرق كريهة .

طرق الباب ، فتح السيد كبرتلو واذ بالجيران والشيخ عبد الله امام الجامع والشيخ أبو القعقاع مؤذنه ، والشيخ أبو بكر خادمه في هرج ومرج ، أمسـكو الســـيد كبرتلو من ياقته ورموه خارجا ، وأمروا بقية الشلة بفتح الأبواب والشبابيك ورمي كل مخلفاتـه في الزاوية الشرقية من الجامع حيث يأتي السكارى أحيانا ويبولون هناك .. درويش الوحيد الذي كان من أهل البلد ولذلك حط الشيخ عبد الله كل اللوم عليه وطلب منه ابراز بطاقته الشخصية ليســجل اســمه في القائمة الســـوداء الخاصة بأصحاب السوابق والملحدين .

في السنة التالية مرّ درويش من حارة السـمّـانة التي كان يسكن فيها السيد كبرتلو فوجد أن الجامع قد تبدل ببناية كبيرة وعالية ذات نوافذ واسعة ملونة بلوني الأبيض والأزرق ، تحتها محلات تجارية منها مقهى برســم البيع ، ومحل لبيع القطع الأثرية ، وآخر لبيع مواد البناء ، وثلاثة مكاتب عقارية ، وبقالية ، وبائع خضرة ،
وبائع ورود …

*********

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق