زملاء

أورينت نت يحييّهم : مثقفو لبنان وشرف الانتصار للثورة السورية !

صور
برزت في غضون الثورة السورية، وعلى امتداد سنواتها الأربع العجاف، مواقف مشرفة لعدد كبير من المثقفين اللبنانيين الذين ارتقى حسهم الإنساني بحق ليكون على مستوى الكارثة الإنسانية التي تجتاح سوريا، بعيداً عن التحزبات والانتماءات الضحلة، وكانوا أوفياء لموروثهم الثقافي وإرثهم الحضاري، قبل أي شيء آخر.

صباح زوين: حكايات الموت السوري!
فقبل فترة وجيزة، رحلت الأديبة المبدعة والمترجمة صباح زوين، تاركة بصمة مشرفة تضاف إلى إرثها الإبداعي الحافل، تلك البصمة تتجلى في موقفها الإنساني تجاه ما يحدث في سوريا، فهي لم تنأ بنفسها كمبدعة لبنانية عما يحدث في سوريا، كما فعل رجال الدولة اللبنانية في العديد من المحافل الدولية؛ ذلك الموقف الذي كان كفيلاً بإحداث تغيير كبير في الرأي العام العالمي- لو كان قد تم!

لقد كتبت الراحلة يوماً ما عن الموت السوري الذي يكاد يكون حكاية سرمدية، دون أن تدرك أنها ستكون بحد ذاتها فصلاً من فصول الحكاية السرمدية، من غير أن تكون سورية الهوية! وتناولت إبداع السوريين وابتكارهم في تسميات أيام الجمعة، وتحدثت عن حنجرة القاشوش الذهبية، قائلة: “وساحة العاصي افتقدت حنجرةَ الشاب قاشوش، افتقدت صوتَه وتهكّمَه وعطشَه إلى الحرية، إلى القول الذي لم يقله لا هو ولا الشعب أجمع قبل ذلك اليوم، يوم التظاهر والاحتجاج، وكان قبل ذلك قد انعقد الّلسان طويلاً، خوفاً من العبث، وأتى هو ليفكَّ اللسان عنه وعن كل من كان حوله، بحيوية وتفاؤل، إلا انه ذهب، وقد اقتلعت منه هذه الحنجرة الذهبية لتلتحق بقافلة الشهداء”.

الياس خوري: من قال إن الثورة يجب أن تكون سلمية؟!
لم تكن الراحلة “زوين” هي المثقفة اللبنانية الوحيدة التي حملت على عاتقها معاناة الشارع السوري، فالروائي اللبناني إلياس خوري، الصحفي المرموق في صحيفة (النهار) اللبنانية، وصاحب الأعمال الإبداعية والروائية المميزة، انحاز للثورة السورية منذ الأيام الأولى لها، وخصص مقاله الأسبوعي في صحيفة (القدس العربي) من أجل الدفاع عنها في وجه حملات التيار القومجي المناصر لاستبداد الأسد، وعندما بدأت الثورة مرحلة العسكرة التي وجد فيها أعداء الحرية، مجالا للطعن فيها من جديد، انبرى إلياس الخوري للدفاع عنها بإيمان ووعي وإلمام بتاريخ التحولات الكبرى، في مقال له نشر في (القدس العربي) في أكتوبر عام 2012 قائلاً:
“من قال إن الثورة يجب أن تكون سلمية؟! راجع تاريخ الثورات بالعالم، ربما تبدأ الثورة بمظاهرات ثم ينحاز طرف إلى الجماهير فيحسم الأمر سريعا كما حدث في تونس ومصر حيث وجدت مؤسسات عسكرية لديها حد أدنى من احترام النفس فانحازت لصالح الشعوب فساعتها يمكن إسقاط رأس النظام، ولكن تبقى مسافة طويلة حتى يتم إسقاط النظام ذاته. ولكن المعتاد في تاريخ الثورات أن تكون الحرب هي الاحتمال الأكثر ترجيحا للأسف، الثورات فعل عظيم، لكنه شديد القسوة، الثورة تكون جميلة فقط عندما نتذكرها، ولكن للأسف هذا هو المسار الذي تم فرضه على الثورة، ورأيي أن مشكلة الثورة السورية اليوم هي عدم وجود دعم حقيقي لها”.

أحمد علي الزين: البلاد التي صادرها الحزب!
الشاعر اللبناني أحمد علي الزين، معد ومقدم برنامج روافد الثقافي على قناة العربية، وجد نفسه في خضم الحدث السوري وانعكاساته على الواقع اللبناني بشكل خاص، والإقليمي بشكل عام؛ صحيح أن هذا البعد انعكس سلباً إلى حد كبير على المجتمع اللبناني بسبب هول الفاجعة، ولجهة تزايد عدد اللاجئين السوريين الذين وصلت أعدادهم إلى درجة كارثية، إلا أن المبدع أحمد علي الزين غلّب كفة الهم الإنساني على كفة المنطق المتعصب والموتور الذي يتداوله الساسة، فانحاز للإنسان السوري ومعاناته، وفي هذا السياق يقول الزين:
“سوريون حملوا قتلاهم على ظهورهم عند الظهيرة، مشوا إلى العواصم سألوا أهلها، ألديكم مقبرة كي نخبئ قتلانا؟ فالبلاد حيث ولدنا وقتلنا صادرها الحزب، كلما دفنا واحدا منا على الصبح يعيدون قتله على المساء، فصار، شهيد المساء يشيع شهيد الصبح، وشهيد الصبح يشيع شهيد المساء!!”

يوسف بزي: فضح أكاذيب الممانعة!
غير بعيد عنهما، يبرز موقف الشاعر والصحفي يوسف بزي، الذي تراه قد غرق في الحدث السوري وتجاذباته، أكثر بكثير من بعض مواطنيه السوريين الذين هم بدورهم أيضاً نأوا بأنفسهم عن ثورة شعبهم على اعتبار أنها ثورة يقودها الرعاع، ولكونها خرجت من المساجد!

برغم هذه التبريرات، تجد يوسف بزي ينبري لتعرية أكذوبة الممانعة، وفضح الممارسات الإجرامية، والانتهاكات التي ترتكب بحق الإنسانية تحت مسمى الممانعة، منتقداً بحدة في مقالاته وعلى صفحته على الفيسبوك مشروع حزب الله التابع لولاية الفقيه، وإجرامه اللامتناهي بحق السوريين، ومفسحاً المجال لمساحات واسعة في ملحق (نوافذ) الذي تصدره صحيفة (المستقبل) ويشرف عليه، لإثرائه بأهم النصوص والكتابات عن الثورة السورية.

في مقالته الهامة (الممانعة جريمة ضد الإنسانية) كتب بزي يقول في ملحق (نوافذ) بتاريخ 26/1/2014: “ما يحدث اليوم في كل سوريا هو صراع بين سجين يريد أن يحتفظ بما تبقى له من آدمية، أن يسترد إنسانيته، وبين سجان لم يعد يستطيع البقاء في السلطة إن توقف عن القتل والوحشية. صراع الحياة أو الموت، صراع الحرية والعبودية. ولا غد لسوريا وللمشرق إن لم يكن قائماً على إنصاف الضحايا. تذكرهم ومنحهم العدالة هو الشرط الأخلاقي لوجودنا بلداناً وشعوباً. وأول الطريق نحو تلك العدالة هو وصم «الممانعة» على أنها جريمة ضد الإنسانية”.

ورأى بزي أن” “القوقعة” التي كتبها السوري مصطفى خليفة، عن الرعب المطلق في السجون السورية، ليست رواية أو أدباً، تماماً كما آلاف صور المعتقلين المقتولين في أقبية النظام السوري، تجويعاً وخنقاً وتعذيباً، ليست صوراً. هذه الخمسة وخمسون ألف صورة التي توثق ما أنزله النظام السوري بأحد عشر ألف سجين من سادية تفوق كل وصف، هي فقط مما استطاع تصويره ضابط منشق واحد. لا يمكن تخيل عدد الصور التي لم تلتقط، عدد الذين ذاقوا العذابات المروعة، عدد الارتكابات الفظائعية وعدد الذين قتلوا. لا صور كافية على الإطلاق، ولا شهادات كافية لكتابة كل ما حدث ويحدث”.

أسماء في سجل الشرف!
إلياس خوري، صباح زوين، أحمد علي الزين، ويوسف بزي لم يكونوا هم اللبنانيين الوحيدين الذين عبروا عن أصالة ثقافتهم، من خلال مواقفهم من معاناة الشعب السوري، فقد عبر الكاتب والباحث زياد ماجد عن إيمانه المطلق بالثورة السورية وأصالتها، من خلال سلسلة مواقفه التي توجها بكتابه: «سورية – الثورة اليتيمة»، والصادر عن دار شرق الكتاب أوائل 2014، كما أطلق بعض المثقفين اللبنانيين وعلى رأسهم الصحفي “زياد عيتاني” حملة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”أسماها بالحملة الداعمة للسوريين بوجه العنصرية والتي انضم إليها أكثر من أحد عشر ألف شخص، حتى الساعة، للتنديد بالممارسات العنصرية ضد السوريين، والتي يقودها بعض رجالات السياسة في لبنان.

أن ترحل الأديبة البيروتية صباح زوين حاملة معها إلى العالم الآخر صوراً من عذابات السوريين، أمرٌ لا يحمل شيئاً من الغرابة، فمن قبلها رحلت الأديبة الدمشقية سلمى الحفار الكزبري وهي تحمل معها أصوات المدافع التي كانت تدك بيروت في حرب تموز 2006!

أورينت نت – نور مارتيني

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق