زملاء

أحمد سليمان : معمودية الدم السوري والعدالة الفالتة / ثورة و انتكاسات ومستقبل مجهول

 

قبل أي شئ لا بد للعالم ان يفهم حقيقة ثابتة ، تتمثل بواقع منظمة الأمم المتحدة ، فقد اثبتت هذه المنظمة بأنها اصبحت راعية للعدالة الإقصائية ، فحدث في كواليسها وسنّت عبر مواثيقها قرارات ساهمت بتعزيز وتشريع الجرائم التي يرتكبها رؤساء بحق شعوبهم ، بالتالي نحن أمام عدالة تحتاج لمراجعة وتطوير ، على اعتبار ان هذه القوانين اصبحت بنودا قديمة وفالتة .

سنوات والعالم كله يتفرج على مشاهد دموية بدأت بتونس ومصر ثم ليبيا واليمن واستقرت في سوريا ، منذ سنوات بدأت في مارس 2011 ثورة من دمشق ودرعا وحمص ثم الرستن ودير الزور وبعد عام في حلب ، ثم تحررت الرقة قبل عام ونصف ، لتستلمها قوى الجهالة والبربرية ، زرعها ذات النظام قبل انسحابه التكتيكي من المدينة ، وهكذا ببساطة كان مبرمج دخول داعش بتغاظ واضح من قبل النظام ، بعد اختراقها من هذا الأخير وتهيئة الدور المناط به ، وهو اسباغ صورة مشوهة عن الثورة، وايهام العالم بأن ما يحدث ليس بثورة ، ثم الاشارة من خلال ذلك إلى السوريين وايهاهم ببديل غير مأمول .

كل شيئ واضح ولا لُبس فيه ، أما اللافت لليوم ، لم نقرأ قرارا دوليا حازما ، سوى بعض ادانات لا تستحق حتى التأمل فيها.  انسحب هذا القصور الفظيع حتى على مستوى بعض كتاب ومفكرون ومثقفون كنّا نتوقع منهم دورا احتجاجيا فاعلا، ضد القتل والقصف والتدمير للإنسان والوطن .

مرت اعوام كانت الأكثر وحشية ودموية ، تخطت معايير الحروب والإقتتال منذ ما يزيد عن مائة عام ، الحرب على سوريا وشعبها ، ليس من قبل من أوهمنا حافظ اسد ونظامه بأنه عدونا ، بل يقود الحرب في هذه المرة أغبى مخلوق عرفته البشرية ، وهو أصلا يجمع بين الحماقة والتخريف على هيئة مسخ ، سليل عائلة مجرمة لم تنجب لبلادنا إلا سموم وويلات ومجازر ، ابن و ” حافظ ” لنهج  أكثر من مجازر ، بل تدمير بحق شعب وبلاد وهوية  … إبن ذات العائلة التي احتلت سوريا .

لا يختلف اثنان ، ان أطرافا نشأت ضمن الفوضى التي عزز دورها النظام ، بهدف تسفيه الثورة واختراقها ، كانت الفوضى التي زرعها النظام في بيئات معينة ، محاصرة مناطق ومنع امدادات الطعام والشراب عنها ، لتقتحمها بأشكال مختلفة عبر القصف بالطائرات والصواريخ ، في حالات كثيرة تم استخدام قنابل النابالم وخزنات محشوة بمتفجرات ، وعندما يئس من السيطرة استخدم هجوما كيميائيا واسعا على غوطتي دمشق ، وقبل ذلك على منطقة خان العسل في حلب .

الإشكالية تمثلت بالعدالة الدولية ، وهيئات اممها التي اثبت شيخوختها امام حل النزاعات والأزمات ، ليس في سوريا فحسب ، انما في عدد من دول العالم ، مع كل هذا وذاك . مازلت مثل كثيرين في سوريا وخارجها ، مؤمن بعدالة ثورتنا على النظام الفاشي ، في ذات الوقت اضع في الحسبان اننا نحن السوريين ، وقعنا بفخ نصبه لنا تجار الحروب وأجهزة المخابرات ، أولئك الذين راحوا يتقاذفون بنا إثر مرة ، في وقت تشرذم المعارضة التاريخية التي أنتمي واعتز بثقافتها منذ ما يزيد عن ربع قرن .

جحـــــا الأســـــد :

بالرغم من احتقان البلاد على خلفية التراكم الفوضوي الفاجع والمميت ، كان رهاننا قائم على بنية الشعب السوري بكل شرائحة واطيافه ، ذلك ان الفوضى المريبة هي مُركبة ، نتاج برمجة ممنهجة من ذات النظام الذي تحول لمجموعة عصابات ،  هؤلاء ، يتم إدارة رؤوسهم من قبل مخابرات دولية اسست لنفسها بؤر تتحكم بطبيعة الصراع في سوريا ، وكذلك تعرف كم عدد السنوات التي رسمتها لهذه الحرب حينا ، لتفلتها بأحايين أُخرى تحت مسميات تأخذ مكانها بأروقة أممية وعدالة فالتة ، من هذه الخاصية يتم فهم انتخابات المهزلة التي تم  الإعداد لها . بشكل اقرب الى الكوميدية الهزلية .

هكذا ، بعد فشل النظام السوري بالرغم من تحصنه وراء دعم دولي، والسماح بتدخل سافر لكل من روسيا وايران وعصابات  “حالش “والمالكي الى جانب تحالف ضمني مع عصابات “داعش “، وخسارته في جبهات قتالية بمواجهة قوى الثورة ( كما هو ثابت للعالم وللسوريين خصوصا ) تبين ان بشار أسد ليس سوى اضحوكة للتهريج ، وها هو حاول خداع السوريين بإنتخابات مُبكرة ليته فعلها قبل أعوام ثلاثة ولبى مطالبات السوريين ، أو انه استمع إلينا في العام في 27 ماي 2006 حين رشح نفسه للإنتخابات ومنع اي شخص منافس لترشيح نفسه،(راجع مــانفيســـتو 27 ماي/ من أجل دحر أعرق دكتاتورية إغتصبت الدولـة) كان قد جنّب البلاد ويلات ، أكثر من نصف مليون بين شهيد وفقيد وسجين ، وأكثر من عشرة مليون نازح ومشرد داخل بلد تتقاسمه أطماع محلية ودولية ، وقرابة أربعة مليون منتشرون في بلدان الجوار والعالم، بين لاجئ وهارب ومجهول الهدف و المستقبل –  أنجز انتخابات ورأينا على شاشات التلفاز وأشرطة الفيديو المسربة آلية جمع المنتخبين، بل ارغامهم فيما كانت طائرات ( حُماة الوطن ) تقصف المدنيين في المناطق المحررة ، إنتخابات بلاشك … لكنها ممرغة بدم السوريين .. في محاولة غبية لم يسبقها مثيل .

 

كان قد جنّب البلاد ويلات ، أكثر من نصف مليون بين شهيد وفقيد وسجين ، وأكثر من عشرة مليون نازح ومشرد داخل بلد تتقاسمه أطماع محلية ودولية ، وقرابة أربعة مليون منتشرون في بلدان الجوار والعالم، بين لاجئ وهارب ومجهول الهدف و المستقبل –  أنجز انتخابات ورأينا على شاشات التلفاز وأشرطة الفيديو المسربة آلية جمع المنتخبين، بل ارغامهم فيما كانت طائرات ( حُماة الوطن ) تقصف المدنيين في المناطق المحررة ، إنتخابات بلاشك … لكنها ممرغة بدم السوريين .. في محاولة غبية لم يسبقها مثيل .

إنه أكثر من منتصر تعترف فيه ثلة من الحمقى وعائلته ، مع ذلك أعلن نتائج بفوز كاسح له على 24 مليون سوري ومما لا شك فيه فلو انجزت مؤسسة ابحاث حيادية استطلاعا سوف تكتشف بأن 90 بالمائة يرفضون استمراره كرئيس ، بل يطالبون قوى العدالة والحرية في العالم تقديمه لمحكمة الجنايات الدولية كمجرم حرب قتل وشرد وسجن من السوريون مالم يحدث في حروب كُبرى .

اختراقات  :

تم التركيز على اختراق الثورة من هوامش وثغرات عدة ، ابرزها من عدم وجود وعي كامل لدى القيادات الشبابية ، اضافة لقلة التمويل خصوصا في العام الأول ، الى جانب دخول اطراف اقليمية مقابل تحالفات تمت بين النظام وممن اخرجهم من سجونه و ووظفهم . فضلا عن وجود روسيا وايران بما في ذلك عصابات واحزاب متمرسة بالحروباستقدمها من كل بؤر العالم، في نفس الوقت كانت تنشأ مجموعات تتوزع وتقوي تكوينها الغريب عن الجسد السوري الوطني والنقي ، تلك المجموعات متمثلة بــ داعش وقبلها “جبهة النصرة “في بداية تشكيلها ، هذه الأطراف أصبح لها آياد وأقدام وعقل يبرمج حساباته وفق البيئة الأمنية ،  البعض منهم اندمج مع تكفيريين غرباء ومهاجرين ، فهؤلاء جميعا تلاقت مصالحهم ، كل حسب اجندته بمن فيهم مجرمين أطلقهم النظام من سجونه، بعد أن وزع عليهم أدوار محددة ، آخذين من خبرتهم الطويلة بمشاريع الارتزاق تحت مسمى الجهاد ، بالطبع فإن بذلك جهاد أحمق ، الذي هو اصلا من صلب أهداف العائلة الحاكمة وعصاباتها المنحلة عن كل قيم البشرية .. العصابات الملتزمة بميثاق دموي لم يسبق له مثيل ، هؤلاء جمعهم ساهموا بتشويش الرأي العام المحلي والدولي .

لم يمر وقت طويل للفخ الذي نصبه النظام للرأي العام الدولي، محاولا خلق صورة مشوهة عن الثورة السورية ، ليخرج في هذه المرة ضابط سابق في الاستخبارات البريطانية معلنا عن أن وكالة المخابرات الأميركية ” سي اي آيه” و الاستخبارات البريطانية دفعتا دولا خليجية لتمويل وتسليح تنظيمات مسلحة في مقدمتها داعش . وقد كشف “تشارلز شويبردج ” ضابط الإستخبارات البريطانية في جهاز مكافحة الإرهاب، أن : الإستخبارات البريطانية والأميركية تقفان وراء كل الأحداث الدراماتيكية التي تعصف بدول في الشرق الأوسط مثل سوريا والعراق وليبيا. مستفيضا بشرحه عن تفاصيل مثيرة حول دور واشنطن ولندن في صناعة ذات الارهاب الذي يحاربه اليوم ائتلاف ضم قرابة ستون دولة ، ان هذا التحالف كما لو انه جاء وفق سيناريو يهدف للإيقاع  بدول المنطقة في حرب غير معروف لها نهاية . العنوان حرب على الارهاب ممثلة بداعش التي تحولت بلمحة بصر الى جيش بإمكانات تعجز دولا من امتلاكه .

دور كردي مُلتبس :

كتبت ذات مرة  ممازحا بعض أصدقاء ( الشعب الكردي قوميتان ) بكل أسف اعتبروني وقتها  ” حاقدا” و” لم أحترم العشرة ” ،،، اي حقد أو عشرة لا ادري  ( اتضح لي بأن المزحة تلك قد تحمل وجها للحقيقة ) .. احيل الى غوغل قبل أكثر من عقد ونيف   ، فأنا بطبيعتي انطلق بكل شيء من كوني سوري ، ولا أحد يعلو فوق النقد ، خصوصا حين يكون الموضوع مرتبط بخيانة الدم والوطن والثورة .

 

هنا ، اعاود كي اقول يوجد لدى الشعب الكردي قوميتان ، أين المشكلة اذا قمنا بفرز داخل تشكيلاتهم السياسية الحزبية ؟؟ سنلاحظ وجود ولاء لدى كثيرين منهم للنظام ، يمكننا تسميتهم بأكراد الأسد ، بالطبع يوجد من يعارض بشراسة وهم نسبة عالية .

كما في أساطير المنافقين بإسم الأديان ، ( داعش نموذجا ) تنتشر ظاهرة الإمارات السلفية التي طبختها أجهزة مخابرات عائلة الأسد ، ايضا انتشرت دعوات “داعشية ” تقودها منظمات كردية  ،  كما لو انها في اللباس الفانتازاي تكرر منطق حزب بعث آخر ، جناح كردي بقيادة جماعات تربت في سهل البقاع في لبنان  ،  بإشراف غازي كنعان شخصيا الذي اغتيل من قبل أجهزة بشار أسد  .  أعني الجناح السوري لحزب عبدالله أوجلان والذي يرأسه صالح مسلم .

ومع انطلاقة الثورة راح البعض من الأكراد وعلى طريقة ” داعش ” لكن بشكل علني راحوا يضربون بسيف النظام ، فأقتنعوا بأن أساطيرهم في تحقيق حكما خاصا بهم يمر عبر تحقيق حلم  بشار أسد  بضرب الثورة ، فكانت أول سكين قاصمة غير متوقعة .

كما ﻻحظ العالم ، بعض الكرد يبحثون عن اقليم خاص بهم من جهة ،هذا في العام لقسم كبير من الأكراد  ( ذلك حقهم ولكن ليس في ظروف مفخخة وليس من خلال خداع الثورة الفتية) ، اما القسم الآخر منهم راحوا يفرضون شروطا ،  فنجدهم انخرطوا في مؤسسات الثورة ليشتغلوا على تكريس واقع سابق لأوانه ، ولوحظ كثير من العثرات تتقدم بنية غير جوهرية وتضع عصي أمام الثورة . كأن بهم يشتغلون لتعزيز مكاسب سياسية في أحلك الظروف ، ﻻ بل يرغبون ان يتم التعامل معهم بأنهم مدللون من قبل الجميع ، هكذا بدون اي مشاركة مثل عموم السوريين في ثورة يواجهها ذات النظام بالطائرات والنابالم ، فيما يمد بعض الكرد اليه يد ناعمة بل دعما لمقاتلة ابناء الوطن الواحد . وثابت للعيان انسحاب جيش الأسد من مناطق وبلدات ذات الغالبية الكردية بعد ان تم تسليم مؤسسات الوطنلعصابات كردية تعمل بتنسيق مع مخابرات الأسد ، فراح الكرد يعلنون عن مناطق للحكم الذاتي وقد كان ذلك خنجرا  بخصر الثورة  .  

وفق هذا المشهد الغادر المخزي ، تأخر الطرفان الكرديان بحسم مشاركتهما لصالح الوطن السوري …  فيما النظام الذي كان يتوغل بقتل الجميع بدون اي تمييز ، الى ان نتج عن انقسام الكرد إلى مجموعة تشكيلات إلتحقت بعد عام ونيف بالثورة وما يوازي ذلك دخول قوات حزب كردي  ( بي كي كي ) له امتداد في تركيا . بات جزءا من معادلة النظام بل جناحا عسكريا له . كما ( حزب الله – حالش ، و قوات الصدر والمالكي والحرس الإيراني )  أدى ذلك الى تعزيز دور النظام  ” بورقة الأكراد  ” مقوضا بإعادة الجنسية للكرد الذين بعد ان تم تجريدها لــــ 150 ألف منهم . وإذ بالنظام يلوح عبر الكرد تقسيم البلاد .

ﻻشك بأن الأكراد تعرضوا لقمع واضطهاد ، لكن ذلك في مقام واحد كسائر السوريين ، كما إنهم إلتحقتوا بالثورة بعد عام ونيف ، اعني القسم الآخر من الكرد الذين انتبهوا للفخ الذي نصبه بشار أسد ، نجدهم يطالبون بتعامل مميز لأنفسهم و يتغاضون عن دماء أكثر من 250 ألف شهيد قدمتهم الثورة  ؟

الواضح ، شرب البعض منهم مقلبا سياسيا ، تحت مسمى حماية مناطقهم التي تركها النظام لهم طعما كي يتجنب خصومة 2 مليون كردي ويجعلهم يحاربون عبر تحالف واضح مع مليشيات الأسد . بمزيد من التورط والمشاركة بقتل السوريين ، في خطوة خيانة بحق بلد وثورة .. فالمنطق السليم هو المطالبة لجميع السوريين بحقوق متساوية

تنسيق نشطاء 2010 :

سنوات ثلاثة غاب عن الإعلام فيها مقدمات ( الثورة الشعبية في سوريا ) اسس لهذه المقدمات ما يمكننا وصفة تنظيما مدنيا شارك فيه عدد من كتاب ونشطاء عبر الشبكات الإجتماعية سبق ذلك مطالبات من أجل اطلاق سراح المعتقلين على خلفية إبداء رأي أو كتابة مقال ، أو قارئ ومستمع لنشرة أخبار لقناة فضائية تشير الى اعتقالات غير قانونية ، أو الى ناشط يدين محاكم الدولة في سوريا ، والتي هي اصلا آنذاك ليست سوى مخفر شرطة من أجل تشريع الفساد السياسي وهيمنة المخابرات لسلطات القرار، وكل من يخالفهم . أو يحتج ، أو يطالب بتطبيق قوانين البلاد يكون مشروع معتقل لسنوات ، أو تلفق بحقه تهمة تجعله معزولا واسير جلسات تحقيق تؤدي به الى طرد من وظيفته.

كما حصل مع مثقفوا ونشطاء إعلان دمشق ، وقد توجت الأنشطة بين نشطاء حقوق الإنسان وعدد من المثقفين والسياسيين المستقلين بما يشبه تناغما مدنيا حول فكرة دعم الحريات والديمقراطية يعتبر الطريق السليم للتحوّل المدني ، ذلك من خلال تبني قضايا ذات اهداف تتلخص بسجناء الرأي والإشهار بالفساد السياسي .

من هنا كان طريقنا وقضية “طل الملوحي ” ساعدتنا بالتعرّف على جوانب لم نكن نصدفها بقضايا تمثل أكبر بكثير من قصة معتقلة ، وقد جمعت حولها أكبر تحالف .. اضافة ” للجوع ” الكبير للعمل العلني من قبل النشطاء ، وافتقار المناخ الذي يساهم بصناعة الرأي والتعريف بالإنتهاكات ونشأتها المتأصلة في جسد نظام يتعامل مع مواطنيه بنوع من التهميش والقسوة .  كان أول عمل مشترك متقن يطالب بتحرير المدونة طل الملوحي ، تطورت المطالبة تدريجيا مع ردود فعل النظام آنذاك الذي جعل من قضيتها لُعبة للتخاطب الإعلامي مع الغرب وأمريكا .

في ذات الوقت ارتفع سقف مطالب النشطاء فتحولت قضية الملوحي بأحايين كثيرة إلى شعار يلخص معناناة السوريين منذ وصول عائلة الأسد الى الحكم ، وقد طويت قضيتها بحكم 5 سنوات ( من المفترض اطلاق سراحها في 27 ديسمبر من هذا العام ) كان ذلك قبل شهر من أول تحرك يدعو لإسقاط النظام وإلتقت المطالبات جمعها بثورة شعبية

قبل الثورة بشهر :

قبل ما يزيد عن شهر من بدء شرارة الثورة دعا نشطاء لإعتصام على ان يليه مظاهرة في وقت لاحق  متوسمين ان يؤسس لحالة أكبر. ( شخصيا وصلتني دعوة وقمت بتحويل مضمونها لزملاء أعمل واياهم بأنشطة حقوقية ، كانت تربطني علاقة متية بــ السيدة سهير الأتاسي وقد رافقت كل مراحل التهديد والإستدعاءات التي كانت تبلغني عن مضمونها اسوة بعملي في منظمة مدنية تتابع اخبار نشطاء الديمقراطية  – وقد انقطع الإتصال بعد أول اعلان لها عن مشاركتها في مظاهرة نتج عنه اعتقالها الى جانب 300  ناشط أبرزهم المفكر طيب تيزيني  ، والكاتبتين حسيبة عبدالرحمن وناهد بدوية ) بالرغم من الدعوة التي يقف خلفها أفراد إلا انه صدرت بعض آراء من شخصيات سياسية مازلنا نبني عليها آمالا بالتغيير أقله على المستوى الفكري … تلك الآراء تستغرب متسائلة عن مُعين المكان والزمان مُعتبرة الدعوة و مصدرها خارج سوريا ، ذلك طبيعي لأن المزامنة يحددها الداخل وهو أعلم بمجريات الحدث وعلى صلة مباشرة ، على هذا الأساس قمت بمراسلة بعض من وقع نظرنا عليهم من مشاركين في ذات الحملة . سألتهم عن طبيعة الدعوة ، لكنم أكدوا بأن الدعوة مبادرة عفوية من الداخل ، ثم توالت الدعوات التي تتراوح بين ( الإصلاح الديمقراطي والمطالبة برحيل النظام السوري )  .

 في هذه الأثناء وردت بعض تعليقات لا تتبنى التظاهر، الى جانب آخرين راحو يدلون بتعليقاتهم الي شخصيا، لا بل راح البعض يتحدث عن شق صفوف النشطاء ، وتحريضهم على تبني خطابات راديكالية لا يتحملها النظام وتعرض نشطاء الداخل للإعتقال ، بات المشهد بين اتهام لي واستهجان من قبلي ، في ذات الوقت كان ثمة طابور منافق يتواصل مع الجميع يثير فتنة مشبوهة . و فهمنا بأن ذلك ناتج عن غيرة وحساسية من أنشطة عامة يشارك فيها الجميع .

اما البعض منهم راح يحاججني لماذا لا انزل الى دمشق ، وانا المحروم حينها من دخول بلدي كوني ضمن لائحة المعرضين للإعتقال ، في وقت كان النظام وبعض طبالوا ( الجبهة الرجعية – الاحزاب الرسمية ) يتحدثون الى جانب مسؤولي النظام بأن الحالة السورية فردوساً ، وان سقف الحريات فيها معقول ، أما سجناء الرأي فهم مجرد مشاغبون تتم معاقبتهم . في هذا السياق احيل لمقال منشور بتاريخ 1 فبراير 2011 في موقع أشرف عليه ” نشطاء الرأي ” : بعنوان ” الطريق إلى الحرية مُعبد بالدماء ..تونس ، مصر ، سوريا ” فيه اجابات واضحة وصريحة عن دعوات تكللت بعد انشطة مشتركة .

في كل مرة يخرج علينا نخبة من ” معارضين أومعارضات ” ولا ندري من اي صالون بدأت معارضتهم ؟ وما هو عمر معارضتهم ؟ كنا وما زلنا جل ما نقرأ لهم تعليقا يخص ادانة القتل الذي يمارسه نظام منافق ، يمارس البطش والترويع والإجرام بشعبنا .  وأيضا أذكر وبشكل كبير تحقيقا انجزته  في 24 ديسمبر 2009  عن   ” قضاء” اللا ” نزاهة وتشريع الإستبداد ”    ذكرت فيه عن ظاهرة التشييع السياسي ، هذا  التحقيق هيأ لي خصومات في حينه مع البعض . إلا الثورة جمعتني بهم مجددا ، ومن دافعت عنهم في ذلك التحقيق أغلبهم الآن ينظرون بمضامين ما قلته قبل سنوات وقد اصبح الرفاق القدماء ومن كانت مواقفهم هادئة قادة في الثورة .

الطـائفة كذبـة سياسـية :

كثر الحديث واللعب على الجانب الإيماني ، الديني ، المذهبي ، الإثني ، القومي ومسميات لا حصر لها ، تلخص طبيعة الهندسة الوراثية الخبيثة  تمتهنها منظومة لم توفر جهدا قذرا إلا واستخدمته من اجل الحفاظ على بنيتها . حدث ذلك طيلة عقود في لبنان ، تعثر المشروع الطائفي وإدارته من قبل عصبيات ودول من خارج الجسد اللبناني .

في هذا البلد الجميل ،جمعتني الصدف بأصدقاء رائعين وايضا تعرفت على بشر غير اسوياء ولم أندم قطعا ، فكان بيتي المتواضع يجمع كثيرين ، كتّاب وشعراء ومعارضين ، نجتمع نهاية كل اسبوع في    ”  المدوكا ” ثم نختم نهارنا بحضور أمسية شعرية وعرض مسرحية ، كان يحدث ذلك في محيط مساحتة 1000 متر في شارع الحمرا بحكم اقامتي في بيروت .

لم اطرح على اي كان سؤال يخص طائفه مع انني كنت اعيش في بيروت والكلام عنها سرعان ما تحضر امامك صور صراع مدمى طيلة عقود تحت مسمى طائفي .

ما يوازي ذلك المشهد حيوية العيش في لبنان ، ناسه ، من جنوبه الى شماله ، شيئ يشدك للإقراب منهم، انا السوري من قلائل اندمجوا، دخلت بيوت اصدقاء من كل الملل والاديان ، بالرغم من تحفظات البعض منهم حتى بعد عقد ونيف من العيش بينهم ، كان ذلك طبيعي بالنسبة لي بالرغم من قسوته ، اذا ما راجعنا سر تحفظاتهم ، وقد كان وراء ذلك ما يمكنني تسميته بعقاب نظام أساء جيشه واجهزة مخابراته ، دمر نفوس وقتل وسرق مؤسسات واعتقل واغتال كثيرون .

كانت ثمة لقاءات ، لا تخلوا من المزاح والتهكم فيما يحصل في سوريا ولبنان ، وما يجمعنا ربما كان أبعد من استنكار لواقع فرضته ظروف سياسية ، بالرغم من توفرالثقافة المضادة وبكثرة ، الى جانب ازدهار المناخات والتجارب الشعرية بمواجهة سائد سلطوي غث . لم يغب عن بالي لحظة حين ادخل شارع الحمرا الذي تعرفت فيه على كتّاب و شعراء اعتدت منهم ابتسامة الأمل ورقة الحديث ، عباس بيضون ، يحيى جابر و يوسف بزي ، عقل العويط و صديقي ربيع خليل الذي توفي في الصين ، كثيرون احببت فيهم حضور الإنسان على كل اعتبار … كان ذلك فهما وسلوكا عهدته منهم طيلة سنوات اقامتي الثلاثة عشر في بيروت التي منحتي كل شيئ … وانا الهارب من بشاعة نظام حرمني كل شيء .

وأيضا في بيروت ، كنت أتعرف على اشخاص طارئين أكتشف فيهم وحدة الخوف والهزيمة والقلق قادمين من سوريا المعتقلة بفم ذئب وجيش ثعالب منتشر في كل مكان ، بالرغم من شيء ، وفي بيروت ، من كان في الصباح مضطربا نجده في السهرة متزنا يفيض بثورة ويطالب بإسقاط النظام .. هنا سافتح قوسا يخص اخوتي من كل الطوائف ، بالطبع لغاية أخلاقية بمثابة اجابة على ” حواري ” دحشوا انفسهم بين ثورة شعبنا وراحوا يثيرون حديثا ليس في وارد أخلاقنا ( كانت علاقتي جيدة ببعض شباب الدروز من السويداء و من ساحل المعارضة اليسارية أغلبهم مثقفوا القرى العلوية الى قسم من اسماعيلي سلمية وما بينهما من كرد عفرين و قا مشلي ) .

كنت السوري المتأمل لرفاق أحب صداقتهم . حديثنا يطبعه يرفض قوى الجهالة البربرية السياسية وخطاب القمع المتمثل بنظام حافظ أسد آنذاك . أنا السوري المؤمن بإرادة شعبنا ، ما زلت أتفحص روحي ووعي كل صباح ، وان كانت الظروف تبدلت ، اعلنت ثورات واطيح بحكومات ، ثم تسلق برابرة من نوع مختلف أفلتهم أكثر من جهاز مخابرات في العالم واذ بنا نواجه نشيدا يهجم علينا بمسمى ديني يشبه أخلاق من هندس ونظّم ذات القمع واضعا على ذات الرؤوس أكثر من حذاء عسكري صنع بمعامل المخابرات .

نحر طائفة :

كان لي رأي في غير مكان حول علاقة النظام بالعلويين ، يبدو لي ان طائفة بفروعها الخمسة ، كما لو انها غير موجودة كمثيلاتها من الطوائف ، فقد صادر حافظ الأسد كل ما يمت من نشاط او طقس ديني لها ، لوحظ عدم السماح بإعلان مرجعية علنية لهذه الطائفة ، فتحولت بأحايين كثيرة الى جزء منسوب لعدد من اجهزة مخابرات برعاية أب سياسي هو حافظ الأسد . ، أقول هذا الكلام بالرغم من معرفتي الحقيقية للظلم الذي تعرضوا الى عتاة المعارضين السياسيين الذين سجنهم حافظ أسد في اقبيته ، حيث نالوا احكاما مضاعفة وتم تعذيبهم بشكل اقسى ، أولا كونهم معارضين وثانيا كونهم ينتمون للطائفة العلوية .

اليوم  ، وأنا اراجع رسائل وردتني  ، قارنتها بتعليقات منشورة بأكثر من مكان وقع نظري على ابسط وابلغ تعليق . ربما بذلك اشارة هامة كما أراها ، ربما نذير استفاقة من قبل ” العلويون ” كون غالبيتهم مؤيدون ، حيث استطاع النظام خداعهم واوهمهم بأن بقاء عائلة الأسد سيحميهم ، إلا ان الأحداث المتواترة كشفت أكاذيب من هذا النوع حين قايض بشار أسد أكثر من مرة ضباطا ايرانيين وشخصيات ومقاتلين من حزب حالش وسواهم لكن في ذات الوقت لم يوافق مثلا على مقايضة شيخ كبير في طائفته وتركه يقتل ، في محاولة خبيثة من النظام لإحداث شرخ كبير في المجتمع السوري يبدو فيه الصراع طائفيا. وقد تمنى ” النظام ” مقتل “موفق غزال ” بأيد متطرفون كي يبرر بطشه و قصفه للسوريون  ، وكذلك لثبيت رغبات قتل وانتقام تصدر من مؤيدوه

مع نهاية مدوية وبشعة من هذا النوع للشيخ “الغزال ” استطاع بشار أسد للتظلم امام العالم من جهة واقناع المترددين من ذات الطائفة للوقوف الى جانبه من جهة ثانية ، وهنا كما أسلفت آملا ان يكون رسالة توحي بأنها لسان حال شريحة كبيرة تشكلت مؤخرا بعد آخر مقايضة للنظام حيث تجاهل أسرى كثيرين من الطائفة العلوية وعمل على اطلاق 16 راهبة مقابل 151 سيدة سورية كان يعتقلهن النظام ، واقرأ  ســـــؤالا واحدا لا سواه  ” بأي قاموس بالدنيا بتموت طائفي منشان عيلة ؟  ” .  نخلص بقولنا : أن عصر الطغاة الذين انتجتهم عائلة الأسد قد انتهى ، وما تلاحظونه ليس سوى مسوخ في طريقهم الى الإنقراض ، أما ســــــــوريا التي نريدها لمن يؤمن بأنها وطنـــــاً نهائياً للجميـــــع ،  لذلك أي فكر انقسامي ، ديني ، أو قومي ، إثني أو شعبوي أو عشائري يسعى لهدم إرادة شعبنا غير مُرحب به .

اعتصام قصر العدل :

ما زلت أحتفظ بمسودة بيان كان يُفترض نشره قبيل اعتصام وزارة الداخلية في دمشق ، حيث تم التخاطب والتنسيق مع أصدقاء و زملاء من أجل توظيف التحرك السلمي على نحو يؤدي الى نتائج مرجوة . لابد من العودة الى سنوات ثلاثة مضت بل قبل شهر واحد من الثورة حين بعثت لي سيدة تنشط معنا في الداخل السوري برسالة على بريدي الخاص ، تخبرني عن استحالة العمل الجماعي في ظل مشاحنات تسيئ لأي نشاط . وقد قرأت مضمون الرسالة في ذات الصفحة التي كنت قد أنشأتها من أجل  اطلاق سراح الدكتورة تهامة معروف وسائر المعتقلين ، أذكر بأنه تم تعيين بعض النشطاء كأدمن للصفحة من بينهم الشاعر فرج بيرقدار  وذات السيدة التي اقدر نضالاتها عاليا حين كانت موزعة حياتها بين تحقيقات وانشطة .. كنت وما زلت مثل كثيرين من الكتاب  ، متبنيا ذات الأنشطة   ، عبر منظمة مدنية كان لها شرف الدفاع عن أول مدونة سورية تحولت قضيتها لجزء هام   ، بل مستوعب كبير من مقدمات الثورة .. وقد وقع نظري فجأة لأفتح ايملي واستل منه عدد من مخاطبات سيدة   ، شاء النضال العاصف في بلدنا ان يخطفها من بيننا  و تتحول الى ( نجمة سياسية ) لم يعد يطالها اصغر سوري اشعل الثورة .

بقلب أبيض أختم :

اتذكر في هذه اللحظة طفلة مقطوعة الرأس ، نسوة مقدسات ذُبحن بصمت … ثوار سوريين أرواحهم تغطي سماء العالم … عشاق متيمون بالعدالة ، إلى أكثر من قساوسة أحرار ، امثال غسان سلطانة ، يوسف الجادر ، عبد القادر الصالح ، مشعل تمو ، الى وطني الذي يتنفس في رئة السماء …. لتسقط الشعارات المسعورة التي يعلنها تجار الدين ، مرتزقة السياسة وعبيد المال . مع كل هذا وذاك ، لدي ايمان عميق ، بأن شعبنا قادر على تخطي الفخ الذي تنصبه ثقافة اللحى الملوثة والمتفجرات ، هذه العقلية الخرقاء هيأ لها بشار أسد .

 

  • أحمد سليمان : شاعر وكاتب سوري يعيش بألمانيا، لديه دواوين شعرية خمسة و كتاب نثري وعملان سرديان وكتاب متعلق بالأبحاث الديمقراطية

 

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق