28 أغسطس, 2025

أمراء الإرهاب السياسي في سورية يحاورون دعاة الفكر والتحرر الاجتماعي ويحجرون عليهم في زنازينهم

كل كتابة عن الزيف التنظيري والشطّار المفسدين في سورية ستكون بمثابة دعاية تُفرح قلوب الذين يحتضنون الظلم وفق أيديولوجيتهم المفلسة. كأن لهذا النظام نيّة ألا يغادر كهوف التأخر، ويصرّ على مواصلة نشاطه الهمجي عبر اعتقال كوادر المجتمع السوري.

الحكم في سورية، والبعث الذي يقف كمشهد استعراضي طويل، يلخّصه نبيل فياض قبيل اعتقاله: “واحد وأربعون عامًا من الحكم البعثي كافية لإشعار المرء بأنه لا ينتمي حتى إلى اللاانتماء.”

نبيل فياض، المفكر والمدافع عن حقوق الأقليات، يُكرَّم من قبل أمراء الإرهاب السياسي في سورية، ويُحجَر عليه لأنه يمثل واحدة من أبرز إجابات الفكر الفلسفي الحديث. بذلك وقع النظام وأجهزته في مأزق يرعاه التيار الديني الرجعي المتطرف في أجهزة السلطة والنظام، الذي أشار إليه نبيل فياض وفق الآتي ذكره: “وكيف أستطيع تعريف التبعّث؟ دون إطناب بعثي ممل، التبعّث صرعة لا تنقصها البذور الماورائية، تقدّم نفسها للغير وكأنها ديانة أرضية تقفل الزمان والمكان، لا يطالها الباطل لا من فوق ولا من تحت، لكن لا تقوم لها قائمة في ظل وجود مطلق آخر منافس.”

تشخيص دقيق لحالة نظام بدأ ينهي نفسه من الداخل، تمامًا كما لو أننا في أيام نهاية الإمبراطورية العثمانية التي أنتجت جهابذة الدولة البوليسية في تركيا. لا ينسى نبيل فياض نقده للأساليب القديمة، اعتقادًا منه بأنه يدافع عن حقوق الأقليات، ويشير بأنه:

ليس وطنيًا ولا قوميًا، ولا علاقة له بالعروبة المزعجة، كأنفلونزا الصيف، إلا عبر اللغة التي اضطر آسفًا لتبنيها، كلغة أولى غير أخيرة، بسبب ظرف جغرافي-اجتماعي. ويضيف: لست بعثيًا ولا ناصريًا، ولا أكره شيئًا في العالم أكثر من شعار “وحدة، حرية، اشتراكية”، بكل ترتيباته الغبية، عفلقيّة كانت أم اتحاد-اشتراكية؛ والشعار الشقيق الآخر الأكثر استلابًا لكل ما اسمه عقل أو منطق: “أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة”.

يقول حسين عجيب في سياق وصفه التجمع الليبرالي في سورية: هو إطار ثقافي مفتوح لأفراد مختلفين في المنطلق والنشأة الثقافية والاجتماعية، ومختلفون كذلك في المشاريع الفردية. بعضنا جاء من العلم، وبعضنا من الأدب، وبعضنا من الفكر. نشترك في الاهتمام بالحاضر المعاش، وجميعنا يرغب في الحوار واكتساب الخبرات والمعارف. ليس فينا من يعتقد بامتلاك أو احتكار الحق والصواب، وقد خرجنا من ثنائية المعارضة أو الموالاة إلى الموقف الفردي. وبالكاد بدأنا بالكلام ومحاولة الحوار المفتوح، حتى انهالت التهم والمضايقات. ولا أستطيع منع نفسي من التساؤل المرّ مجددًا: ما الذي يفسّر الخفة التي يُعامل بها القتل والدم والعوز في بلادنا، والتعصب والجمود التي يُعامل بها الكلام والحوار؟!

الكلام كان لحسين عجيب، ملخصًا فكرة التجمع الذي أُعلن عن تشكيله قبل أيام بمبادرة مجموعة مثقفين وكتّاب مثل جهاد نصرة، والدكتور إلياس حلياني، والكاتب أيهم صالح، ويتحدث باسمه نبيل فياض.

وتقول المصادر الواردة إن الاعتقالات ستشمل كل الناشطين في التجمع الليبرالي في سورية، بدأت مع نبيل فياض، ومن ثم الكاتب جهاد نصرة الذي اعتُقل ظهر يوم البارحة في مكان عمله، وصادروا حاسوبه وبعض المقالات المنشورة.

والحال في سورية اليوم، على الرغم من كل محاولات التخدير للمواطن السوري بذريعة الإصلاح، يُلاحظ عمق الأكاذيب والتلهّي. وكل يوم يؤكد النظام التزامه عبر جرّ البلاد إلى انفجار مجهول. ويُجدر الإشارة إلى أنه ثمة مراوغة واستهتار بمصير عدد من نشطاء الرأي والديمقراطية، بدءًا بالمحامي حبيب عيسى، والبروفيسور عارف دليلة، والدكتور عبد العزيز الخير، والمهندس فواز تللو، والطبيب وليد البني، إضافة إلى النائبين السابقين رياض سيف ومأمون الحمصي، على الرغم من استنكار منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية.

ما يؤكد تشخيص السلطة بأنها ضد كل فكرة انتقادية للأشكال المترسخة، وسوف تكون مستهدفة من قبل النظام الذي يُمنهج القمع ويبرّر العنف كوسيلة للدفاع عن عجزه السياسي. في هذه الأثناء، كيف سنطالب بفصل القضاء عن القرار السياسي دون أن نتعرض لجرائم مصدرها النظام الذي جعل المجتمع ومؤسساته ملحقًا نفعيًا له؟ من وجهة ثانية، لم يعد إلغاء قانون الطوارئ مطلبًا بقدر ما هو فاتحة أولى وخيار شعبي وسياسي ومدني، أقله في بلاد تحكمها نظم على مقاس المسؤولين، وفي ظل أجهزة تشرّع وتبرّر إذلال المواطنين، فضلًا عن التدخل في شؤون القضاء بطرق مخابراتية. وقد لا تعني للكثيرين “المواطنة السورية” أي شيء، فيما الدولة باتت موضع مساءلة بالنسبة للمواطن. وعليه، يترتب على أهل الحكم انتظار إجابات قائمة على رفض ادعاءات التغيير، لأن أظاليل وفساد وانتهاكات وحفلات تعذيب مستمرة تنتهي بموت المعتقل، ما يوحي أن الدولة برمتها تمثل جنحة يعاقب عليها دستور البلاد.

أحمد سليمان

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب