د. كاترين ميخائيل :ايدلوجية الحجاب في العراق
|
منذ مائة عام كتب الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي :
اسفري فالحجاب يا ابنة فهر هو داء في الاجتماع وخيم
كل شئ الى التجدد ماض فلماذا يقر هذا القديم ؟ اسفري فالسفورللناس صبح زاهر والحجاب ليل بهيم ويقول أيضا : مزقي يا ابنة العراق الحجابا أسـفري فالحياة تبغي انقلابا مزقيــه واحرقيــه بـلا ريــث فقـــد كــان حارســا كذابــا ألن تغضب عظام الزهاوي علينا ؟ ألا يقول لنا انهض ايها العراقي الابي من النوم العميق لتخاطب الذين يظلمون نساء بلدك وانشد لهم من جديد ، إلى أين يمضي العالم وإلى اين انتم ماضون ؟ كابوس ثقيل نزل علينا وعليكم ايها الرجال . في كل العالم بما فيها السعودية والكويت تطالب المراة بحقوقها الا نحن في العراق نخطو خطوة الى الامام لنأتي بنساء الى الساحة السياسية بنسبة 25% , ونعود لنخطو خطوتين الى الوراء لنرجع ونلبس الحجاب للمراة ونعيدها الى عصر الحريم الذي لم يعد يتفق مع العصر الحديث . |
اما الرصافي فقد كان له جزء خاص في ديوانه سماه ” النسائيات ” وخصصه للدفاع عن قضية المراة . كان الرصافي يعارض رجال الدين ويدعو الى السفور ببيت شعر يقول :
واكبر ما اشكو من القوم انهم يعدون تشديد الحجاب من الشرع
سؤالي الى كل الذين يفرضون الحجاب .او الذين يكتبون على الحيطان ( الحجاب او التيزاب ) ّّّّّّ. الم يكن الزهاوي والرصافي اولاد العراق ؟ الم يهمهما الشرف العراقي ؟ الم يكونا مسلمان ؟ انا لن اطالب المراة العراقية ان تنزع الحجاب لكن اطالب المتزمتين ان لا يجبروني للبس الحجاب . دعوني البس ما اشاء وفق قناعتي واحترامي لنفسي اولا ثم المجتمع ثانيا. ارجوكم اتركوا الامر لي .
هل اصبح المتزمتون بالدين اليوم غيارى على العراق والعراقيات ؟ هؤلاء الذين ياخذون من الحجاب ايديولوجية اسلامية بحتة. هؤلاء لم اجدهم يوما مهتمين باقتصاد ونفط العراق ,و البرنامج الدراسي والتربوي , والخطط التنموية في العراق , وتطوير حياة الانسان العراقي , لكن الايدلوجية الوحيدة لهم هي الحجاب وبعدها ياتي التدخل الشخصي في حياة الفرد مثلا المأكل والملبس وعدم سماع الموسيقى وفرض الصوم والصلاة. بالشكل الذي يرغبون في عزل المراة في البيت وكانها عبدة للرجل يامرها بلبس الحجاب كما يشاء . ويكون النظام الفحولي القديم قد عاد الينا ، ليقول كل شئ تحت امرة (الملا) الذي لا يمتلك حتى شهادة الابتدائية ،انا دكتورة قضيت كل حياتي في العلم والمعرفة يجب ان اخضع لما يقره الفحل الذي لا يملك من المعرفة والثقافة شيئا , اليس هذا بنظام للرق ؟ يلبسني الحجاب والعباءة السوداء وفق مزاجه . اذا كان في المنطقة (ملا) تربى في الدول الجارة المتطرفة يرثي لحالي بأن يجب ان البس الحجاب والجبة والعباءة السودة والجواريب السوداء فماذا أفعل ؟ اما اذا كان الملا منفتحا قليلا فمن الممكن ان البس الحجاب مع بنطلون بهذا اكون محجبة متطورة . يجب ان اطلب الحرية وانا في بلدي . كنت افكر أنه بزوال صدام سننفتح الى الحرية شيئا فشيئا . لكن الذي حصل الان بدأ صراعنا الجدي مع الذين يرغبون ان يرجعونا الى الوراء . وفي قمتها كانت تصريحات احد اعضاء الجمعية عندما اتهم المنظمات النسوية العلمانية( بالاباحية الاخلاقية ) والدعوة الى حريات بلا حدود . انا اسال عضو الجمعية كم منظمة نسوية من التي اتهمتها سرقت اموال الدولة مثلما عمل بعض اعضاء حكومتك وانت احد المسؤولين عن هذه الاموال ؟ هل السرقة عجز اخلاقي ام لا ؟ عندما نطالب بحقنا هذا عمل لا اخلاقي وعندما تتعدون على حرياتنا هل هذا اخلاقي بنظرك ؟ اصبحنا لا نعرف اين تكمن القيم الاخلاقية ؟ هذه هي الاسس في علم الايدولوجية الحجابية .
في تقارير نشرت في الصحف الاجنبية تقول خطفت زينو القشطيني ووجدت جثتها مغطات بعباءة سوداء . كانت زينة سافرة تلبس الجينس . تعرضت داليا للضرب والشتم من قبل الاسلاميين لانها كانت تلبس تي شيرت مع جينس , اختطفت فتاة اسمها الهام عندما كانت توزع مناشير تتعلق بحقوق المراة . في كركوك استهدفت السافرات بالرش بالاسيد ( الحامض الكيمياوي ) الذي يحرق الجلد .
في السبعينات وانا طالبة في جامعة الموصل كانت نسبة الاناث الى الذكور 33% كنا نجلس في مدرج في الصف الاول عددنا 100 طالب كان بيننا 3 محجبات فقط , الكل يحترمهن. لم ندخل معهن في نقاش ولم اسمع أن احدا اعترضهن , ولم اتذكر أنه ظهرت اية اساءة بحقهن او أسأن لاحد سوى انهن كن منعزلات لا يحضرن اي نشاط اجتماعي مثل الحفلات والسفرات والمهرجانات الطلابية . لم يقفن يوما معاديات لاحد . كنا احيانا نتحدث فيما بيننا بعطف عليهن نشعر ان هذا الحجاب مفروض عليهن وننظر اليهن بنظرة المغلوب على امرهن .اما اليوم ف 95% من طالبات الجامعة محجبات . لكن السؤال هل جميع المحجبات كان ذلك برغبتهن ام فرض عليهن للاسباب التالية :
1- الحملة الايمانية التي بدأئها الدكتاتور صدام والان يكملها ابطالها المتزمتين من رجال الدين وقادة بعض الاحزاب السياسية الذين لايختلفون عن صدام في ديكتاتوريتهم وغبنهم للمراة . وهنا اشير الى بعض رجال الدولة الذين وراءهم احزاب دينية متخلفة . وجامعة البصرة تشهد على ذلك .
2- التبجح بالاخلاق والشرف والحشمة والعفة .
3- الخوف من شبح العنوسة ، وهم يعتقدون ان العريس هذه الايام يفضل المحجبة على غيرها .
4- تلبس المراة الحجاب لاسباب اقتصادية . لان السافرة تحتاج ان تصبغ وترتب شعرها . وهذا مكلف حاليا .
5- ا الوضع الامني وكثرة حالات الاختطاف وقتل النساء من قبل الوهابيين والسلفيين والمتطرفين القادمين من الدول الجارة واكثرها ألما ً بعض الميليشيات التي تعتقد انها جاءت لتحافظ على الشرف العراقي . حيث يقاس الشرف العراقي الآن بقطعة قماش مساحتها مترين مربعين . او بعباءة سوداء تغطي المراة من رأسها حتى اخمص قدميها تخفي انوثتها الرقيقة وتصبح شبحا اسودا . واحيانا يجري السؤال هل هذا رجل ام امراة ؟ الم يكن تجنيا على انوثتها التي خلقت بهبة من ربها . وهناك الكثيرين الذين يربطون الحجاب بالعفة هل يعني ان المراة العراقية قبل سنتين او ثلاثة وكانت غير مغطاة الشعر بانها كانت غير عفيفة والان رجعت الى الصواب واصبحت عفيفة؟ لماذا نطالب المراة ان تتمتع باخلاق عالية لكن لا نطالب الرجل ان يتمتع بهذه الأخلاق ؟ هل يعلم المتذرعون بالايدولوجية الحجابية ان الكثيرات من النسوة يستعملن الحجاب من أجل ممارسات غير اخلاقية . او خداع العائلة واعطاء انطباع بأنه مادام الحجاب موجودا فالشرف مصان . لكن ماذا تحت الحجاب ؟ هذا مثال نشرته جريدة نييورك تايمس بتاريخ 9/6/05 خبرا جاء فيه ” استغلت مسافرة مصرية ارتداءها العباءة والنقاب وحملها سجادة صلاة في حقيبتها لانها من النوع الذي لا يقطع فرضا في محاولة تهريب 48 هاتفا محمولا (موبايل) و48 شحن و33 سماعة هاتف تبلغ قيمتها 90 ألف جنيه مصري وكانت المسافرة الحاجة بدرية قادمة الى مطار القاهرة الدولي من السعودية بعد ان ادت العمرة . وكانت الراكبة قد نفت امام مدير ادارة الكمارك في مطار القاهرة وجود اشياء معها تستحق رسوما كمركية واقسمت بحجتها وعمرتها واشياء اخرى . لكن المفتشين عثروا في حقائبها على 48 شاحنا مخبأ داخل سجادة صلاة فاستدعى المدير موظفة في الشرطة لتفتيشها ذاتيا على اعتبار ان تفتيش النسوان من قبل الرجال لا يجوز خاصة عندما يكن محجبات ومنقبات وبتفتيش الراكبة الحاجة بدرية عثر على 48 جهاز موبايل داخل حقيبة يد مخبأة تحت العباءة وعدد من السماعات حول جسدها .”
مثال اخر ,عشت التجربة المريرة في الجزائر في بداية التسعينات عندما كانت جماعة عباس مدني المتطرف يفرض على النساء لبس الحجاب والحايك الذي هو عبارة عن قطعة قماش طويلة تلفها المراة على جسمها بطريقة تشبه الساري الهندي لكن الحايك يبدأ من الرأس حتى القدمين بحيث يقيد حركة المراة كثيرا اذ تبقى منشغلة بتثبيته على رأسها ومن ثم تضع الخمار تحت عينيها ليغطي انفها وفمها. سمعت نساء الجزائر المغلوبات على امرهن يتذمرن امامي . كنت ادرس في الجامعة فتتشكى الطالبات من لبس الحجاب وكان الحجاب لدى الاسلاميين هو الاقتصاد والسياسة والتعليم والادارة والدولة والايدولوجية لذ اصبح الشغل الشاغل للدولة والشعب والاعلام . ونتيجة التطرف اللامعقول كنت اسمع من طالباتي” اصبحنا نكره الحجاب لانه اصبح يحول النقاش الى معركة يتخللها العنف والقتل ” لكن الذي حصل أن الكثيرات من النساء يستعملن الحجاب بحجة صيانة الشرف . ركبت سيارة تاكسي وانا ذاهبة الى الجامعة سالني سائق السيارة ” لماذا انت غير محجبة ؟ اجبت انا عراقية .اجابني العراقيين خيار الناس ، واضاف قائلا : ربنا لم يطلب من المراة ان تلبس الحجاب بل طلب الستر بلا حجاب . سالته لماذا تقول هذا ؟ اجاب انا سائق تاكسي كل يوم تركب في سيارتي عشرات المحجبات لكنهن” بلا حجاب الدين” .اضاف السائق البسيط انا لن اسمح لبناتي ان يتحجبن . المحجبات تركن عندي انطباعا سيئا جدا . واضاف قائلا: عباس مدني يفرض الحجاب على الجزائرية وبناته يدرسن في جامعات لندن غير محجبات . حلال ان يتمتع هو واهله بالحرية الغربية وحرام على بنات الجزائر ان يتمتعن بحريتهن في بلدهن ،هذا هو النفاق الديني؟
وهكذا في العراق اصبح الحجاب موضوعا مهما على الصفحات الاولى في الصحف اليومية ، واخذت الفتيات يتفنن بالحجاب والوانه وكيفية ربطه . هناك ربطة ايرانية , واخرى سلفية ثالثة عراقية وهكذا تطول قائمة الموضة الحديثة بالنسبة للحجاب ،واصبح الشغل الشاغل لرجال الدين ومن ثم الكتاب والباحثين واكثر من ذلك اصبح الشرف والاخلاق العراقية يقاسان بهذه الخرقة ! الم تسالوا انفسكم بأن هذا اساءة الى الدين قبل ان يكون اساءة الى المراة المسلمة . دراسات ينهمك عليها الباحثون وانا واحدة منهم هذه الدراسة اخذت عندي اكثر من شهرين . علما ان هذه مسألة شخصية بحتة . اذا كان الحجاب ذو جذور دينية فهو اذن علاقة عمودية بين الانسان وربه لا علاقة لاي انسان ولا رجل دين ان يفرضها على المراة . واذا كان للحجاب اصول تاريخية واجتماعية اذن ممكن ان تكون قابلة للتغيير وفق متطلبات الحياة وتطور المجتمع .
تشير دراسات كثيرة بان لا علاقة للدين بالحجاب واترك هذا الجانب للمتخصصين في مقالة كتبها السيد عبد الخالق حسين بخصوص الحجاب ذكر فيها ” يحاول الاسلاميون تبرير الحجاب انه فرض عبادي جاء به الاسلام لحماية المراة وسترها والحفاظ على عرضها . ففي المدينة المنورة كان الشباب يتعرضون للاماء ليلا عند خروجهم لقضاء حاجة . فان عرفوها حرة تركوها وان كانت أمة لمسوها . فمفهوم الحجاب في الاسلام هو انه للنساء الحرائر فقط ولا يشمل الاماء . فقد منع الخليفة عمر بن الخطاب الاماء من لبس الحجاب , رغم كونهن مسلمات , وكان يطوف شوارع المدينة بحثا عن الاماء المحجبات فيضربهن بدرته حتى يسقطن عنهن الحجاب , ويقول لهن فيم الاماء يتشبهن بالحرائر ؟ (- طبقات ابن سعد 127/6 .) اذن ليس الغرض من الحجاب عدم اثارة غرائز الرجل, لان الامة الجميلة التي تسير بدون حجاب وكاشفة صدرها , (لان صدر الامة ليس عورة) , قد تثير غرائز الرجل اكثر مما تثيرها احدى الحرائر, ويبدو ان السبب الرئيسي كان تمييز الحرائر من الاماء . وبما انه لا توجد اماء الان (من الناحية القانونية ) فلماذا اذا تلبس المسلمة الحجاب ؟ واخر تبرير للحجاب صرح به العلامة الشيخ عبد الستار البهادلي ممثل السيد مقتدى الصدر في البصرة ذاكرا للتلفزة البريطانية عن سبب اصرار الاسلاميين على فرض الحجاب بالقوة فقال ” (ان الحجاب للمراة مثل اطار الصورة) فانها اجمل في الاطار منها بدونه “. انك تكفر يا سيادة الشيخ , المراة خلقها ربها كائن حي وفقا للاية التي تقول “وان خلقناكم ذكرا وانثى لتعارفوا” هذا دليل قاطع انها كائن حي اذن كيف تشبه هذه الانسانة التي ولدتك وأرضعتك من حليبها الطاهر وانت اليوم تعيش بفضلها حيث سهرت الليالي على تربيتك . والان تنكر جميلها لتقول لها انها صورة وتكون جميلة باطار. الا تخاف ربك ؟
كانت الحكومة العراقية تنظر بعين نصف مفتوحة لكل الخروقات واكبر دليل على ذلك أنه لم يكن للحكومة العراقية اي رد فعل عندما أصدر رئيس جامعة الموصل أمرا منع بموجبه جميع الموظفات وطالبات الجامعة من لبس البنطلون حتى جاء شهر رمضان لياتي ببدعة جديدة بمنع طالبات الجامعة من غير المحجبات الدخول الى الجامعة .مما ادى الى اضراب 1500 طالبا وطالبة عن الدوام . مما اضطره الى التراجع وعودة الطالبات الى مواقعهن الدراسية . اي تعليق من قريب او بعيد للحكومة على هذا ؟ فالحكومة مشغولة بتوزيع حصص الدولارات . وانا اشاهد الاخبار لمحت عيني بعض النساء في مجالس البلدية للمحافظات وهن مقيدات بالعباءة والحجاب والكفوف السوداء ،عطفت عليهن بأنهن فقدن كل انوثتهن وتحولن الى شبح اسود يجلس على الطاولة . جيئ بهن بمهمة سياسية ليقلن للجهات العلمانية انا موجودة امثل التيار الديني المتطرف . مهمتنا أن نجلس امام صف من الرجال فقط . ومهمتنا الثانية اطاعة ما يقول الرجال من حزبنا او قائمتنا . واكثر من ذلك نظام الحصص في الوزارات ينطبق على الحجاب ايضا المحجبات يتكاثر عددهن في الوزارات التي تستولي عليها الاحزاب الدينية اذا كان الوزير من الحزب الاسلامي ياتي بكادر نسوي محجب . وبعكسه الوزارات التي يكون وزيرها علماني تقل نسبة المحجبات فيها , يا للكارثة ان تصنف الوزارات باسم وزارة المحجبات واخرى وزارة الاكراد وهكذا تعمل هذه الحكومة الى تفتيت وحدة الشعب العراقي بتبني الافكار الطائفية المتخلفة .
نشرت ايلاف في 199 05 ( كشفت مصادر مطلعة عن اصدار الامين العام لمجلس الوزراء العراقي خضير عباس قرارا بطرد جميع الموظفات غير المحجبات في المجلس ونقلهن الى ادارات اخرى مؤكدة انه تم فعلا توزيع خمس موظفات على تلك الادارات حتى الان) .
اما في ” جمهورية البصرة ” فقد قتلت شابة جامعية فقط انها شاركت زملائها في سفرة مدرسية ونحن في القرن الواحد والعشرين ، اسألكم بالله عليكم هل قتلت في زمن الرسول امراة وهي تتلقى العلم ؟ وهذا يناقض الاية التي تقول (اطلب العلم ولو في الصين ) كل هذا والحكومة العراقية ” صم بكم ” على كل الذي يحصل فالكل مشغول , حصل على الدولارات لكن اين يخفيها او يهربها ؟ .
وانا اكتب هذه المقالة زارتني صديقة عزيزة هي السيدة خالدة عبد الجبار روضة . زوجة الدبلوماسي المعروف حكمت سليمان وروت لي حكايتها مع العباءة قالت : ” في الاربعينات تخرجت من الثانوية وكان علي ان اقدم الى دار المعلمين العالية . اخبرتني والدتي بان الجامعة مختلطة شباب وشابات ، ومع التحاقي بالجامعة يجب ان البس العباءة السوداء . اعتصمت في البيت قائلة :اذهب الى الجامعة بدون عباءة . اعترض والدي . زاد اعتصامي شدة جلست تحت الشمس الحارة فوق السطح في شهر اب وانا ابكي منادية ” الجامعة بدون عباءة” حتى جاء والداي لاقناعي بالنزول من السطح والكف عن البكاء ، وفي اليوم الثاني وكان اخر يوم لتقديم الاوراق ذهبت سافرة اقدم اوراقي وكنت الاولى من الطالبات السافرات . عند تخرجنا من الجامعة كان معظم زميلاتي قد تحررن من استبداد العباءة وخرجن الى السفور . مضى علينا اكثر من نصف قرن وقد نسينا العباءة . واضافت السيدة خالدة بنفس السنة التي دخلت الى الجامعة صدر قرار من عميد كلية الطب يامر طالبات كلية الطب بنزع العباءة لانها تعيق حركة الطالبة في المختبرات الجامعية . واستقبلت الطالبات القرار بفرح عارم.
واضح جدا بأن هناك صراعات عنيفة بين العلمانيين والاسلامين على الحجاب لابل هناك صراعات بين الاسلاميين على الحجاب ، وهناك اكثر من راي على الحجاب والاراء المطروحة هي:
1- الحجاب الزامي على كل امراة مسلمة . يعني مصدره الدين لا مفر منه ، وهو بمثابة الهوية الاسلامية .
2- للحجاب جذور تاريخية في الاسلام لم يعد لها ما يبررها في ايامنا لان الحجاب ( فرض الجلابيب للتمييز الطبقي بين الحرائر والاماء) , ,(لحماية قريبات الرسول من تحرشات المنافقين ) لا يلائم العصر والحياة العصرية الحديثة ومن ثم كل شئ قابل للتطور بما فيه اللبس لذا نزعه او التخلي عنه غير حرام .
3- لا علاقة للحجاب بالاسلام بل أن اصل الحجاب جغرافي كانت المراة تلبسه لحماية نفسها من عواصف الصحراء الرملية في الجو الحار وفي الشتاء تلبسه بسبب البرد .
وجدت في الريف العراقي النساء والرجال يضعون على راسهم غطاء يحميهم من شمس الصيف دون التزمت بتغطية الرقبة او تغطية الشعركله وفي الشتاء البارد تضع المراة العربية و الكردية والمسيحية واليزيدية هذا الغطاء. دون ان يواكب هذا الغطاء التحفظ عن المصافحة او حجب المراة في زاوية ليس فيها رجال لذا نحن النساء العلمانيات لم يضايقنا ولم نعترض عليه . هذا الغطاء هو ضرورة جغرافية فرض على هذا القوم رجاله ونساءه . الذي يضايقنا ان الحجاب المفروض من قبل الاسلاميين يوعز التمييز بين الجنسين .
4- راى اخر يقول ان الحجاب جاءنا من الاتراك .
ايهما الصحيح ، أنا اوجه سؤالي الى الباحث العراقي د. رشيد الخيون الاخصائي بالتاريخ الاسلامي ليحل هذا اللغز الكبير الذي تبنته القوى المتطرفة المتزمتة كايديلوجية لسياستها المستقبلية في العراق سبق وكتب عن هذا الموضوع لكن ارجو ان يوضح اكثر عن الحجاب والعباءة ربما يسعفنا قليلا لحسم الصراع مع المتزمتين .
بهذا الخصوص يذكر الدكتور كاظم حبيب في مقالة نشرها بعنوان واقع المراة في المجتمع العراقي : “حصل تراجع فعلي على حياة المراة العراقية للاسباب التالية . التأثير الصارخ لرجال الدين الذين لا يقرأون القران قراءة سليمة عقلانية واعية لامور الدين والدنيا والعصر الحديث والتغيرات الطارئة على هذه الحياة . وكذلك المشعوذين والسحرة واللاعبين بعقول كثرة من الذكور البسطاء والمسيطرين على عقول نسبة كبيرة من النساء وعلى تصرفاتهن وممارساتهن اليومية . وقوع المراة حبيسة العباءة المركبة والحجاب الخانق الذي لم يأمر به القران ولا السنة المحمدية ولا الخلفاء الراشدين ولا علماء الدين المدركين لامور الدين والدنيا , بل بعض اولئك الذين قرأوا القران بصورة خاطئة وغير عقلانية وظالمة ووفق ما يريدون مسبقا للنساء المسلمات . انها تجسد الرغبة الجامحة لدى الرجال في الهيمنة على المراة والغيرة غير العقلانية عليها . وهي تنطلق من وعي مسطح ونزعة جنسية ذكورية ازاء المراة . ان من ينظر الى المراة المثقفة والمتعلمة في عراق اليوم . تلك المراة التي كانت في العشرينات قد وضعت العباءة جانبا, نراها عادت إلى العشرينات من القرن الماضي , وهي ازمة فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية يعيشها الشعب العراقي وتعيشها المراة بالذات . كما يلعب الارهاب الديني المشوه دورا كبيرا في كل ذلك , وهو ما يفترض مواجهته والتصدي له بكل حزم .” ان تحليل الدكتور كاظم حبيب جاء ليذكرني بألامي عندما ارى المراة في العالم المتحضر تتسابق لتنافس اخيها الرجل في جميع ميادين الحياة بينما الذي يحصل في العراق هو العكس اننا نرجع الى عصر الحريم الذي يشجع النظرة الدونية للمراة . اذن كيف تريدون ان تبنوا العراق الجديد يا ايها القادة الجدد ؟ انكم تنادون بالديمقراطية” انكم تبنون ديمقراطية عرجاء ؟ ” هذا ما جاء في الدستور اللاعقلاني الذي عزز دونية المراة في المادة 39 . والمادة 90 الذي اعطى لرجال الدين التدخل بامور الدولة والعائلة وستكون سلطة الدين فوق القانون.
في مقالة نشرها د فالح عبد الجبار بعنوان الدين والدولة في الصراع على دستور العراق جاء فيها ” مساعي اسلمة الدستور تترافق مع عمل قاعدي ل(اسلمة ) المجتمع , بفرض الحجاب ( المراة هي الهدف الاول دوما) , وفصل الجنسين , بل تحريم المصافحة , وغلق دور السينما , ومنع الموسيقى (جرى تحطيم محلات بيع الاشرطة ) , وغلق محلات حلاقة النساء , علاوة على تحديد نمط معين من حلاقة الرجال ( اغتيل عشرات الحلاقين في بغداد وجوارها ) وبهذا تختزل الاسلمة سياسيا الى احتكار الفقهاء و الاسلاميين لحق الحكم تنفيذا وتشريعا . كما تختزل اجتماعيا الى اختراق المجال الخاص للفرد , وفرض منظومة قيمية محددة (محافظة في الاغلب ) للملبس والمأكل والمشرب وغير ذلك . عدا هذا لا يملك الاسلاميون برنامجا .” هنا يؤكد تحليل د. فالح على سيطرة ولاية الفقيه على الدستور والقوانين العراقية وفي مقدمتها سيكون قانون الاحوال الشخصية وستكون ايدولوجية الحجاب هي المنطلق لكل القوانين الاخرى في الاقتصاد العراقي وخطة التنمية الجديدة والعراق الجديد وتصبح الديمقراطية هي الديموقراطية الحجابية . لا وجود للمواثيق الدولية في الايديولوجية الحجابية .
هل هذا يتماشى مع المادة 17 من مسودة الدستور التي تنص : لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الاخرين والاداب العامة .
اذا كان للحجاب اصول اجتماعية نكون قد خالفنا القانون . اذا اجبرنا المراة على لبس الحجاب نكون قد جنينا على حريتها الشخصية . ومن ثم خالفنا الدستور الذي صوتت عليه المراة العراقية عندما وقفت بطوابير تتحدى الارهاب العالمي . هل هكذا تكون مكافئتها ؟
في المادة 35 فقرة واضحة جدا تقول تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني , ولا يجوز الاحتجاز على هذا الاساس . اذا كان للحجاب اصول دينية اذن هذه الفقرة تنفي الاكراه الديني.
المادة 44 من الدستور تشير لجميع الافراد الحق في التمتع بكل الحقوق الواردة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الانسان التي صادق عليها العراق , والتي لاتتنافى مع مبادئ واحكام هذا الدستور . انا اسأل الميلشيات التي تجبر النساء على لبس الحجاب ،هل دخل أحدهم دورة ترشدهم إلى ماهية الاتفاقيات الدولية وكيف يجب الالتزام بها اذا وقع العراق عليها ؟ ام هم في غنى عن فهم القانون العراقي والعالمي لانهم يملكون ثقافة عالية فوق القوانين والاصول العالمية !
اسمع الكثير يقول ان الحجاب زاد للتعبير عن الهوية الاسلامية اذن لماذا المراة تدفع ضريبة التعبير عن الهوية الاسلامية دون الرجل ؟ اسأل العراق بلد اسلامي 96% من سكانه مسلمون . ويمارس الدين الان بالشكل الذي يريده المسلم اذن لماذا يتعامل الاسلام مع نفسه وهو الضحية . الاسلام يحكم الان لم اجد القائد يتعامل مع نفسه كضحية , ويظهر ان الاسلام السياسي حتى لو تواجد في السلطة فهو يعتبر نفسه ضحية وهو يتصرف بهذا الشكل لانه عاجز عن اقناع الناس بسياسته اولا ثانيا انه عاجز عن مواكبة التحضر والتطور العالمي بكل اشكاله الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي ولهذا يرغب الرجوع الى نظام البداوة واحد مؤشراتها الاساسية هي الايديولوجية الحجابية .
بالاضافة ان هذه الفئات المتطرفة داخل السلطة او خارجها لا تملك برنامجا سياسيا شاملا للعراق غير برنامج الحجاب والتحجب وكل القوانين الاخرى تنطلق منها . انا انتظر ان اجد نفط العراق هو الاخر يتحجب قريبا .
سؤال اطرحه , لو قدم سائح الى العراق قادما من زاخو والسليمانية فسيجد في كل مدن كردستان بأن المراة تعمل وتدرس وتجالس الرجال في كل المناطق وتساهم في المجال السياسي والاقتصادي ثم يتوجه الى الموصل كي يجد المراة ملفحة بالحجاب بالوان مختلفة . لايجد شعر امراة غير القليلات منهن من غير المسلمات . ينزل الى بغداد ليجد 90% من نساء بغداد محجبات بالوان والقسم الاخر تغطيها العباءة السودة اما اذا توجه الى الجنوب فسيجد السواد القاتم على المراة من راسها حتى اخمص قدميها . هذا هو العراق اليوم . الحجاب الذي يفرض على الشابة العراقية وهي تتذمر منه كل لحظة من حياتها دون الاخذ برايها لكنها امام الغبطة الدينية المتصاعدة تصمد منتظرة باب الفرج . اود ان اضيف لدي العشرات من صديقاتي المقربات محجبات . انا اكن كل احترام لهن لانهن لا يتدخلن بملابسي ولا بما اطرحه , هنا تكمن الديمقراطية نحن احبة رغم اختلاف وجهات النظر . الذي اذكره انا لست ضد الحجاب لكن يجب ان لا يفرض على المراة العراقية اتركوها تختار ما تلبسه . اتركوها تعبد ربها بالطريقة التي تريدها دون ان يتدخل رجل الدين او الدين بحياتها الشخصية . خلقها ربها انسانا كاملا اذن عليها ان تقرر كيف تلبس وكيف تعيش حياتها الشخصية . في كل المواثيق الدولية للمراة والرجل حق الاستقلالية بعد عمر البلوغ الذي هو 18 عاما . اذن اتركوها لتقرر بنفسها تلبس الحجاب ام لا ؟ دون ضغط من المجتمع او الدولة او الرجل الديني .
كيف نعالج الوضع :
1- رفض الزام المراة العراقية ارتداء الحجاب او العباءة , بل ترك الخيار لها .
2- سن قانون يعاقب كل من يضايق المراة المحجبة او السافرة في الشارع .
2- عدم السماح لرجال الدين بالتدخل بامور الدولة اي فصل الدين عن الدولة .
3- عدم مضايقة المراة السافرة ايا كانت ومن اية ديانة او طائفة كانت .
4- اعتبار حجب فرص العمل عن المحجبة او غير المحجبة نوع من التمييز العنصري وتوجيه عقوبة قانونية على من يمارسها .
5- عدم الضغط على الطالبات المحجبات في الجامعات للتخلي عنه عنوة . عدم الضغط علىالمحجبة لابل يترك الامر الى قناعتها .
6- توفير الامان للمراة عند ذهابها ورجوعها الى البيت ومن ثم توفير الامان لها في الدائرة سواء المحجبة او غير المحجبة .
7- فرض الحجاب هو مخالف لما جاء في مسودة الدستور بالذات المواد التالية رقم14 , 15 , 16 , 17 , 35 , 44 ,45 يجب ان يعاقب كل من يخالف الدستور .
8- تشجيع الشكاوي وتوفير مراكز للنساء اللواتي يتعرضن للمضايقات بسبب اللبس الحجاب او عدمه .
8- يجب أن يلعب الاعلام دوره بتثقيف عامة الناس عن الحقوق الفردية لكل مواطن سواء كان في العمل او في الاماكن العامة مثل المدارس , الاسواق , المواصلات , وغيرها .
9- يجب اعادة النظر بالمادة 39 , 90 من مسودة الدستور العراقي .