أحمد سليمان

مـــلف مفتـــوح : لبنـــــــــــــــــــان بمهـــــب إعتــــــــداءت إســـــــرائيليـــة ومطــــــــــــامع أنظمـــة دمـوية – د. هيثم مناع : ما حدث في لبنان أهم من مفهوم النصر والهزيمة

أســـــئلة الحــــرب والســلم فـي لبنــان … أسئـــــلة المنعطـــــف : ضمـــن ارهاصات العدوان الإسرائيلي على لبنان تلقينا سلسلة مقالات تخص الحدث ، نشرنا القسم الأبرز منها وأرجأنا قسما آخر ، وفي  ذات السياق  ثبتنا مجموعة نقاط كأرضية للتحاور آخذين بالإعتبار بأن الحرب هذه جاءت كمنعطف تاريخي على مستوى النفوذ الأجنبي في الشرق الأوسط . إلى ذلك وردتنا أجوبة المفكر والناشط الحقوقي هيثم مناع ننشرها متضمنة على محاور أسئلة أردناها أن تكون ملفا مفتوحا على الحوار المتعدد لإستقراء المشهد العربي والدولي في آن معا .

د. هيثم مناع : ما حدث في لبنان أهم من مفهوم النصر والهزيمة

  • أن ما يسمى الحرب على الإرهاب والعدوان الأمريكي الإسرائيلي قد أعلنا احتضار الشرعية الدولية في المفهوم الذي ولدت معه بعد الحرب العالمية الثانية.
  • كيف يمكن أن يتحول الموقف المتقدم لأنصار الحرية في العالم في دعم المقاومة والشعبين اللبناني الفلسطيني إلى إنضاج حالة وعي أممية جديدة، كيف يمكن إعادة الفرز بين البربرية والعدالة في تصنيف جديد يجمع العلماني والإسلامي، الكردي والفارسي والتركي والعربي مع قوى التغيير في أمريكا اللاتينية
  • أحمد سليمان : سنبدأ من بعض مواقف برزت أثناء ذلك ، جورج غالوي ، مثلا، ولا نكشف سرا حين نقول بأنه أكثرعروبة إزاء قضية العرب ، وثمة مفارقات جعلت الحكومة الفنزويلية أكثر صدقا من النظام العربي ، إذا أخذنا بالإعتبار وجود علاقات دبلوماسية بين دولة معادية للعرب ـ إسرائيل ـ وأنظمة مثل مصر وقطر والأردن .
    بهذا المعنى ألم تكن فنزويلا صوتا عربيا بإمتياز ؟. ألم تكنبلدا أمريكيا لاتينيا يشّرف العرب بمواقفها التي هزأت من علاقاتها مع إسرائيل ملمحة الى قطعها كليا إذا استمر العدوان على لبنان ؟ فضلا عن سحب سفيرها من إسرائيل … تبدو كذلك بالنسبة لشرفاء العالم (اسرائيل اضحت اليوم  كأنها جارة النظام العربي وشريكة فعلية في مقبل الأيام ) رغما عن أنف الشارع العربي ؟

    هيثم مناع: أولا أنا لا أحب استعمال مصطلح الشارع العربي ويرد عندما يرد على لساني كخطأ شائع كقولنا مثلا النظام السوري عوضا عن استعمال تعبير السلطة السورية الأكثر دقة. والسبب في ذلك برأيي وجود مشكلة مع كلمة المواطنة وكلمة المجتمع وكلاهما يذكّر بالحقوق والحريات، كذلك عدم جرأة لبعض وسائل الإعلام على رفض واضح لمصطلح الرعية القرون وسطي أو المواجهة المصطنعة عند بعض الإتجاهات الوهابية بين المواطنة والانتماء الديني، وجد البعض في كلمة الشارع العربي، حلا سهلا، خاصة وأن هذا الشارع لا يحق له أن يتكون سياسيا ومجتمعيا كحق تنظيم وتعبير وتظاهر، بل كظاهرة الحيطية في الجزائر، أي كأفراد يتذمرون سرا أو ينفسون عن غضبهم علنا حينا وبأسماء مستعارة في معظم الأحيان. الشارع العربي مصطلح تنتجه الدولة التسلطية ومهمة الديمقراطيين الانتقال منه إلى الشخص المواطن والمجتمع المقاوم.

    ثانيا، أنا لا أعتقد بوجود صلة عضوية بين الانتماء القومي والموقف النضالي وفكرة الأشخاص عن العالم وبرنامجهم للتعامل معه. هل ثمة من دمّر في مفهوم الوحدة العربية أكثر من محمد أنور السادات الذي يصر على عروبته وعلى مصريته وعلى إيمانه وعلى هويته الإسلامية بل والسنية؟ بأي حق ينال درجة انتماء غير صدفة قربى الدم وفي جنوب لبنان شهداء أكراد وأتراك كنا نعرفهم في السبعينات قضوا دفاعا عن القضية الفلسطينية.

    إن كان، كما يقول المثل الشعبي العراقي، “عفا دين حزب الله”، فلأنه أظهر الهوة الكبيرة بين السلطات الاستبدادية العربية ومجتمعاتها، والهوة الأكبر مع جيل من المثقفين الذين صاروا مثقفي صالونات في حقبة دخل فيها المرض والأمية والجوع القرى ومدن الصفيح في بلدان الجنوب التي تحولت ثروتها لمادة استعباد داخلي وخارجي. في قاموسنا كحركة حقوق إنسان كنا نتحدث عن قضاء تعليمات ونقصد بذلك محاكم أمن السلطان التي تأخذ قرارها منه بحق كل من يعارضه. اليوم يمكننا الحديث عن ملوك ورؤساء التعليمات الذين ينتظرون كلمة السر ليس من البيت الأبيض، فهذا امتياز لا يتمتعون به دائما، وإنما من كوندي أو رامسفلد. السؤال الضروري:
    كيف يمكن أن يتحول الموقف المتقدم لأنصار الحرية في العالم في دعم المقاومة والشعبين اللبناني الفلسطيني إلى إنضاج حالة وعي أممية جديدة، كيف يمكن إعادة الفرز بين البربرية والعدالة في تصنيف جديد يجمع العلماني والإسلامي، الكردي والفارسي والتركي والعربي مع قوى التغيير في أمريكا اللاتينية. الإدارة الأمريكية في تحديدها لمراتبية الحلفاء وضعت إسرائيل في قمة الهرم وصغار الليبراليين الجدد في البلوعة. على كل من يرفض التصنيف المذل للذات أن يكون في صف التغيير بالمعنى المحلي والإقليمي والدولي.  ويتطلب هذا من الأطراف الموجودة في فوهة المدفع إعادة النظر في خطاب تحالفاتها.
    يجب أن تتحول المقاومة الفلسطينية بتكويناتها المختلفة والمقاومة اللبنانية إلى قوة جذب ليس للجمهور الطبيعي لهما، بل لكل أنصار الحرية داخل وخارج منطقتنا وهذه مهمة صعبة، ولكن لا يمكن لأية مقاومة أن تتحول إلى قوة تاريخية بكل معنى الكلمة عبر الصمود البطولي وحده، بل أيضا عبر تحولها لقوة استقطاب لكل المناهضين لعمليات تدنيس الوعي وتجاوزها  لحدود القوم والمعتقد والمذهب.

    أحمد: على الرغم من استفحال الحرب وضراوتها منذ أيامها الأولى فقد عبر النظام العربي الرسمي عن تقاعسه متجاهلا واجباته إلا انه تحت تأثير التحركات الشعبية  تدخل وفق دور ملتبس هزيل فماذا كانت النتيجة.

    هيثم: النتيجة لم يصنعها التدخل العربي الرسمي. أذكر بتساؤل مشروع لوزير الخارجية القطرية: هل تريدون قرارا غير قابل للتطبيق ولا يحترمه أحد. القرار 1701 أمريكي فرنسي معدل بضرورات تسمح بقبوله خارج حدود إسرائيل. ولكنه قرار جد ردئ ويمكن القول أن نقاط القوة فيه عندما يكون غامضا لأنه في النقاط الواضحة قرار يعطي إسرائيل في نيويورك ما عجزت عن تحقيقه في مارون الراس. إسرائيل خاضت الحرب ببرنامج واضح أسماه أولمرت إعادة لبنان عشرين سنة إلى الوراء. لذا حطمت البنية التحتية للبنان وليس البنية التحتية لحزب الله، قتلت المدنيين أولا، عادت بأخلاق الحروب إلى ما قبل حلف الفضول.. لا عهد ولا قانون كل مدني لبناني هدف لأنه لم يعلن الثورة على حزب الله، كل من يركب سيارة محملة بالخضار هدف عسكري، كل من يسعف بناية مدنية محطمة هدف، كل من يشارك في جنازة يمكن أن يدخل في النعش القادم..
    نحن أمام حالة همجية فوق المحاسبة تحتقر القانون الإنساني الدولي وهيئة الأمم المتحدة وتنال حماية مطلقة من الإدارة الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
    لا شك بأن الإدارة الأمريكية الغارقة في المستنقع العراقي تبحث عن أية نقاط ارتكاز تعيد لها الإعتبار. المشكلة أن ما يسمى الحرب على الإرهاب والعدوان الأمريكي الإسرائيلي قد أعلنا احتضار الشرعية الدولية في المفهوم الذي ولدت معه بعد الحرب العالمية الثانية.
    الآن من يحترم قرارات الأمم المتحدة؟ لا بد من تعبئة الفراغ الناجم عن هذا الاحتضار بتعزيز مقومات العدالة الدولية. لا يجب أن يغيب عن البال أن هناك قبل وبعد الحرب السادسة، لن تكون الأمور كما كانت، لقد زجت الحرب بمئات آلاف الشبيبة إلى الفعل السياسي والتفكير بضرورة الدور السياسي، وهذا إنجاز هائل سيعطي الحياة السياسية دما جديدا إن لم نقل سيكون في صميم عملية غسيل دم أصبحت أكثر من ضرورية.

    أحمد: قيل عن الحرب على لبنان بأنها حرب بالوكالة عن أمريكا من أجل شرق أوسط يتلائم مع النظام الأمريكي المعولم ،الحرب وفقا لهذه المعادلة ستكون بأدوات اسرائيلية وإدارة أمريكية

    هيثم : لم يعد في عالمنا من معنى لحروب وطنية على مقاس الدول وحدودها. هناك تداخل في الاستقلال إذا صح التعبير interdépendance  يحول دون قيام دولة بالحرب لوحدها ولمصالحها الخاصة. وأنا الحقيقة أستغرب من يقول الإدارة الأمريكية تطالب إسرائيل باستمرار الحرب متناسيا أن أحد أسباب الترف الاقتصادي الإسرائيلي والتفوق العسكري هو أن إسرائيل ليست فقط مشروعا صهيونيا وإنما أيضا دولة وظيفية، وبهذا المعنى فهي تحاول تعزيز دورها هذا عبر دخولها طرفا رئيسا في حقبة ما بعد احتلال العراق.

    أحمد : أما بعد وثمة ما يوحي بأن لبنان هو المكان العربي لتصفية الحسابات السياسية بين أطراف اقليمية وأخرى دولية ، بمعنى أدق بأن حزب الله هو الجناح العسكري لكل من سورية وإيران .

    هيثم : أدعي بأنني أعرف حزب الله جيدا، وأدعي أيضا بأنه حزب سياسي حديث (ليس كحداثة أدونيس الانتقائية!) في التركيب والوظيفة، بل أكثر من ذلك أقول إذا كتب أنطونيو غرامشي “الأمير الحديث” فنحن بحاجة إلى غرامشي عربي يكتب “الحسين الحديث” لدراسة تجربة حزب الله بعين علمانية ديمقراطية موضوعية. خارج الأحكام المسبقة والكليشيهات الجاهزة. طبعا هذا الكلام لا يناسب أنصار “معسكر الخير”. لكن كنت أتمنى أن أسمع كلمة “العدالة” على لسان هؤلاء منذ سمعت بمعسكر الخير هذا. لذا أستعيد الآية القرآنية “لقد خاب من حمل ظلما” وأطمح لتقييم لا يظلم الحزب الذي لم يقتل يوما في حرب أهلية ولم يعتد إلا على من اعتدى وطبق قاعدة العين بالعين في ضرب المدن. بكلمة الحزب الذي احترم القواعد الإسلامية التي يعلن عنها والقواعد الدولية للقانون الإنساني التي يقبل بها. إذا كنا نريد من هذا الحزب ألا يتسلح ممن يعطيه السلاح ويأتي إلى مطار بورجيه الفرنسي لعقد صفقة طائرات فرنسية مقاتلة سنكون من السذج. ما هو مؤكد أن أشخاصا من فريق 14 آذار في لبنان تلوثت علاقتهم مع سورية بملفات فساد بينما لا يمكن أن نقول هذا عن حزب الله. حزب الله لديه طموحه الخاص لدور إقليمي كبير يعزز ذلك ضعف القيادات الشيعية العربية في العراق. وقد نجح الحزب كقوة استقطاب فوق مذهبية الأمر الذي لم ينجح به أي فصيل سياسي ديني في العراق. التحالفات طبيعية جدا والطموح ليس في أن تقوم محاور متعارضة بل قيام تحالف إقليمي كبير لدول المنطقة في وجه الأطماع الغربية والاحتلال الأمريكي. لا أفهم كيف يكون التعاون السياسي والعسكري مع رامسفلد أمر طبيعي والتنسيق والتعاون الإقليمي تبعية وعمالة؟

    أحمد: توقفت الحرب … ثمة فريق طويل يصف ذلك بالنصر الكبير ، في حين ان  لبنان تحت الأنقاض بسبب الهمجية الإسرائيلية ، وقد أزهقت هذه الحرب أرواحا ، فضلا عن سحق البنية التحتية للبلاد ، وجل مانخشاه أن  يكون القرار الدولي جاء بمثابة هدنة هشة سرعان ما تؤدي إلى انفجار اعنف

    هيثم : لا أعتقد بأن بالإمكان الحديث عن شرق أوسط بدون عنف ما دامت الإدارة الأمريكية الحالية في مركز القرار العالمي. هم يعتبرون أنفسهم في حالة حرب على الإرهاب والإرهاب كلمة فضفاضة العدوان على غزة من أجل إطلاق سراح الجندي شليط حرب على الإرهاب، خطف أكثر من ستين قيادي فلسطيني من أحمد سعدات إلى عزيز الدويك اعتقال لإرهابيين، يمكن لإسرائيل أن تقصف غدا بناية في صور وتقول بأنها رصدت فيها تحركات لعناصر إرهابية، كما قتلت عمال تحميل الخضرة السوريين ربما لأنهم يحشون الكوسا بالقنابل الإنشطارية.. نحن أمام منطق عبثي في أخطر مواقع المسئولية في العالم. لا يمكن لهكذا إدارة أن تسجل نصرا لأعدائها مهما كان اسمهم.. لذا لاحظنا أنها كقوات احتلال في العراق لم تتوقف يوما عند عدد الموتى من العراقيين. كما أنها لا تأبه لعدد الموتى في لبنان أو فلسطين. ولم تقبل بالحديث عن أية مسئولية قانونية أو أخلاقية عما جرى في لبنان، لأنها في لا وعيها تعتبر ذلك مفتاحا للمسئولية الأخلاقية والقانونية عن جرائمها في العراق. الخطاب الأمريكي سهل جدا وبسيط جدا، حزب الله هو المعتدي ومن حق إسرائيل الرد بالشكل الذي تريد كما تريد أينما تريد. وقد وقعت”هزيمة حزب الله” لأن بوش الإبن هو الذي يقرر من يكسب ومن يخسر؟

    أنا أظن بأن البناء في الجنوب بشكل خاص سيكون أسرع مما يتصور أولمرت وبوش لأن هناك إرادة بناء في عمق إرادة المقاومة والتحدي الذي خلقه العدوان عند الناس.. واعتقد بأن ما حدث أهم من مفهوم النصر والهزيمة. لقد تزعزع الأساس الراهن لدولة إسرائيل (التي فقدت عذريتها الأخلاقية وصارت تكتفي بالحديث عن جيش لا يقهر في غياب الخطاب السياسي والتفاعل السياسي مع جيرانها)، هذا الجيش لا يحمي ولا يكفي لبقاء دولة إسرائيل. لا بد من إعادة النظر بقدرة البقاء استنادا على أسس أخرى غير عنجهية القوة.


    • الحوار المنشور أعلاه ضمن سلسلة حوارات ستجد طريقها الى النور فور جاهزيتها
    • للتفاعل أو المشاركة بموضوعات موازية للملف يرجى مراجعة النقاط المنشورة بمقدمة هذا الموقع
    • لإرسال  موضوعات موازية  على العنوان التالي centeralanculture@yahoo.com أو إدخالها مباشرة بالموقع : اضغــط هـــنا
  • اظهر المزيد

    نشــــطاء الـرأي

    نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

    مقالات ذات صلة

    زر الذهاب إلى الأعلى
    error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
    إغلاق
    إغلاق