قضية الإيدز في الإعلام: وزير ليبي سابق”هم ابتزونا في لوكربي.. وجاء الدور علينا” تفاصيل الصفقة وفقا لصحيفة الراية القطرية
عبدالحميد غانم: يبدو ان المواطن الليبي عبدالباسط علي المقرحي 52 سنة الذي حكمت عليه محكمة اسكتلندية بالسجن مدي الحياة عام 2001 علي خلفية اتهام الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ليبيا بالضلوع في تفجير طائرة الـ(بان أمريكان) فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية عام 1988، سيكون حديث العالم مثلما كان قبل تسليمه عام 1999.
فمنذ أيام قليلة زار القاهرة مسئول ليبي كبير علمت منه الراية ان صفقة مقايضة تدور الان بين ليبيا وأمريكا ومسئولين من الاتحاد الاوروبي بالاضافة الي انجلترا وإيطاليا لمقايضة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني المحكوم عليهم بالاعدام من محكمة ليبية علي خلفية حقنهم لاطفال ليبيين بفيروس الايدز القاتل، بعبدالباسط المقرحي. وقال المسئول الليبي الذي رفض ذكر اسمه ان هذه المفاوضات دار جزء منها في جنيف بسويسرا قبل ان تنتقل الي فرنسا ثم الي دولة أوروبية ثالثة لم يكشف عنها. وكشف المسئول الليبي عن زيارة قام بها مسئول فرنسي للجزائر التقي خلالها بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة طالباً منه التوسط لدي الزعيم الليبي معمر القذافي للافراج عن الممرضات البلغاريات مقابل الافراج عن المقرحي وهو ما نقله الرئيس بوتفليقة للقذافي أثناء لقائهما علي هامش القمة الثلاثية التي عقدت في طرابلس يوم 27 يناير وجمعت الرئيس حسني مبارك والعقيد القذافي والرئيس بوتفليقة.
وكان انفجار قنبلة في طائرة بوينج 747 تابعة لشركة بانام الامريكية في 21 ديسمبر 1988 فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية قد أسفر عن مقتل 270 شخصاً بينهم 11 من سكان البلدة ووجهت لندن وواشنطن اتهامات لكل من الامين فحيمة وعبدالباسط المقراحي بالتورط في التفجير وطالبتا ليبيا بتسليمهما للقضاء في الدولتين الا ان ليبيا رفضت مما دفع مجلس الامن عام 1992 لفرض عقوبات عليها.
وبعد ضغوط أمريكية بريطانية ووساطة سعودية من الامير بندر بن عبدالعزيز والمناضل الجنوب افريقي نيلسون مانديلا وافقت طرابلس في عام 1999 علي تسليمهما الي القضاء الاسكتلندي.
وبعد شهور من المحكمة برأ القضاء الاسكتلندي ساحة الامين فحيمة وعاقب عبدالباسط المقرحي بالسجن مدي الحياة.
ووفق اتفاق لوكربي الذي وقعت عليه ليبيا في أغسطس 2003 مع كل من واشنطن ولندن أعلنت بموجبه رسمياً مسئوليتها عن الحادث ووافقت علي دفع 2,7 مليار دولار أي عشرة ملايين دولار لكل أسرة من أسر الضحايا الـ270.
ونص الاتفاق علي ان تدفع ليبيا أربعة ملايين دولار بشكل مبدئي لكل أسرة بمجرد رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها يلي ذلك دفعة أخري مساوية عندها تسقط الولايات المتحدة عقوباتها ضد طرابلس ثم دفعة أخيرة قدرها مليونا دولار لكل أسرة عندما تزيل واشنطن اسم ليبيا من قائمة الدول الراعية للارهاب. وهو ما تم بالفعل بعد ان وافقت ليبيا في 19 ديسمبر 2003 علي إزالة برامج أسلحة الدمار الشامل والسماح بتفتيش دولي غير مشروط علي منشآتها.
وقامت بتسليم معداتها النووية الي أمريكا سراً لتنهي الولايات المتحدة في سبتمبر 2005 حظراً تجارياً واسعاً فرضته علي ليبيا في عام 1986.
في المقابل تفجرت قضية أخري مروعة لا تقل بل تفوق حادثة لوكربي وهي قيام 5 ممرضات بلغاريات في فبراير عام 1998 يعملن بمستشفي بنغازي للاطفال بحقن 470 طفلاً ليبياً بفيروس الايدز القاتل وأثبتت التحاليل العلمية التي أجريت في سويسرا والنمسا ان عدداً من الاطفال لديهم أكثر من مليون فيروس بالمللي الواحد من الدم وأعمارهم لا تزيد علي الثمانية أشهر وولدوا لامهات غير مصابات وهذا الامر لا يحتمل علمياً الا ان هؤلاء الاطفال قد حقنوا بشكل مباشر ومركز.
أيضاً تقرير منظمة الصحة العالمية جاء في نفس الاتجاه وأكد انه لا وجود لأي طفل ليبي مصاب بالايدز بمدينة بنغازي سنة 1997. أيضاً تقرير كومنديني الذي رأس فريق من العلماء الايطاليين بالمعهد الوطني للامراض المعدية بروما سنة 2000 قام خلالها الفريق ببحث علمي حول إصابة الاطفال الليبيين نشرت نتائج البحث بمجلة أبحاث الفيروسات الارتجاعية في 2002 جاء فيها ان جميع الاطفال أصيبوا من مصدر واحد وان هذا الفيروس معاد خلط مكوناته ومن هنا تم تقديم الممرضات البلغاريات ومعهن الطبيب الفلسطيني الي محكمة بنغازي وضم ملف القضية 60 ألف مستند منها اعترافات المتهمين طواعية وكذلك ضبط الزجاجات المحتوية علي الفيروس بمسكن إحدي الممرضات.
وقضت المحكمة في 6 مايو 2004 بالاعدام شنقاً لجميع المتهمين ثم أعيد الحكم مرة ثانية وتم تأييد الحكم الاول في 19 ديسمبر 2006 والقضية منظورة الان أمام المحكمة العليا بعد وفاة 57 طفلاً منهم طفلان من مصر.
هذا الحكم علي الممرضات أثار غضب الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة ضد ليبيا وطالبوا بالافراج عن الممرضات والطبيب الفلسطيني ويمارسون ضغوطاً شديدة علي ليبيا من أجل ذلك وكان آخرها ما طرحه البرلمان الاوروبي بعد انضمام بلغاريا اليه في ديسمبر 2006 بفرض عقوبات ومقاطعة ليبيا اذا رفضت الافراج عن الممرضات.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه وسط هذه الضغوط الامريكية والاوروبية الشديدة: هل هذه المقايضة بين الطرفين في حال اتمامها سيكون لها تأثير علي أسر الضحايا الليبيين الذين يتمسكون بحكم القضاء الليبي بإعدام الممرضات؟
وهل الاتحاد الاوروبي سيعوض هذه الاسر مادياً كما عوضت ليبيا أسر ضحايا حادثة لوكربي والطائرة الفرنسية؟! أم أن ليبيا هي التي ستتولي تعويض ضحاياها؟!
الاجابة جاءت من داخل مؤتمر الشعب العام الليبي والذي طالب الاتحاد الاوروبي وبلغاريا علي وجه التحديد تعويض أسر الضحايا الليبيين واحترام أحكام القضاء الليبي.
واستدعي وزير الخارجية الليبي عبدالرحمن شلقم سفير بلغاريا لدي الجماهيرية بداية يناير 2007 وأبلغه انه ليس من حق اي دولة أو سلطة التدخل في أحكام القضاء الليبي وان الحملات الاعلامية والضغوط السياسية لا تساعد علي حل المشاكل التي تثور في علاقات الدول وإنما تزيدها تعقيداً ولا سبيل عن الحوار وتعزيز اللقاءات والزيارات المتبادلة وهذا يعني في عرف الدبلوماسية والعلاقات الدولية ان هناك مباحثات وحواراً مستمراً بين ليبيا وبلغاريا والاتحاد الاوروبي للوصول الي صيغة لاتمام الصفقة.
هذا المعني اكده العقيد القذافي نفسه عندما قال يوم 30 ديسمبر 2006: نحن احترمنا منطوق الحكم الخاص بالمقرحي رغم ان جميع الدلائل تؤكد تسييس قضيته ولذلك لا بد من احترام القضاء الليبي.
واردف قائلاً: ان عبدالباسط المقرحي رهينة سياسية يجب اطلاق سراحه او المقايضة عليه او حسب ما يقرره مؤتمر الشعب العام. وبطبيعة الحال لا يمكن ان يطلق العقيد القذافي هذا الامر الا إذا كانت هناك مفاوضات تجري فعلاً لاتمام هذه الصفقة.. وهو الامر الذي بدا واضحاً في قرار مؤتمر الشعب العام بدعم المقرحي والوقوف بجواره والعمل علي اطلاق سراحه بأية وسيلة.
وسار في هذا الاتجاه ايضاً الدكتور مهدي مفتاح امبيرش وزير الثقافة والتعليم العالي السابق والمدير العام الحالي لاكاديمية الفكر الجماهيري بليبيا الذي قال اثناء وجوده بالقاهرة في ندوة عقدت بنقابة الصحفيين ان الاوراق كلها في يدنا الان. هم ابتزونا في قضية لوكربي وجاء الدور علينا لابتزازهم في قضية اطفال الايدز. وهذا حقنا فهناك ضغوط امريكية واوروبية شديدة تمارس علي ليبيا للافراج عن الممرضات البلغاريات ونحن قمنا برد شديد اللهجة علي هذه الضغوط. ولن نتنازل عن حقوق الاطفال الذين حقنوا عمداً بفيروس الايدز. ولكن د. امبيرش توقع الا تتم هذه الصفقة لان اسر الضحايا متمسكون بحكم الاعدام بحق الممرضات البلغاريات بعد وفاة 57 طفلاً من اصل 470 طفلاً.
رمضان الفيتوري رئيس جمعية الاطفال الليبيين المحقونين بالايدز قال ان اسر الضحايا تتمسك بحقها في اعدام المتهمين والتعويض. وكشف اثناء زيارته للعاصمة البريطانية مؤخراً عن بروز اسم متهم جديد في القضية يدعي جون الكسندر وهو من اصل بريطاني متهم بجلب الفيروس الي ليبيا وهو علي علاقة باحدي الممرضات البلغاريات وهو ما يعني خلط اوراق القضية، واعادة التحقيق من جديد بما يعني عملياً انتظار سنوات اخري من التحقيقات. ويري بعض المحللين ان ظهور اسم جون الكسندر كمتهم في القضية يعني اعادة فتح التحقيق من جديد وهو ما سيأخذ وقتاً طويلاً يتم خلاله تسوية كل الامور والمشاكل العالقة بين الطرفين ومنها مسألة التعويضات لاسر الضحايا الليبيين وقيمتها وكيفية دفعها.
لكن هناك معلومة تتردد الان في الاوساط الرسمية الليبية عبر سفارتها بالقاهرة ان جون الكسندر قد يكون من اقرباء احد ضحايا حادثة لوكربي جلب الفيروس الي ليبيا واعطاه لصديقته الممرضة البلغارية بهدف الانتقام خاصة ان المهندس رمضان الفيتوري وهو اخ لضحية من الاطفال توفيت بسبب هذا المرض اكد ان المواطن البريطاني كان يحضر الفيروس الي ليبيا عن طريق مطار جربه التونسي والذي كان يعمل في ليبيا في تلك الفترة!
لكن هناك عدة امور لا بد من تسويتها قبل اتمام هذه الصفقة منها التعويضات التي تطالب ليبيا بها لاسر ضحايا الاستعمار الايطالي وهذه قضية شائكة ومستمرة بين طرابلس وروما منذ عام 1986 بالاضافة الي تعويضات ضحايا الايدز.
وعلي الجانب الاخر هناك امور عالقة بقضية لوكربي وتفجير ملهي لابيل في مدينة برلين الالمانية عام 1986 الذي اوقع ثلاثة قتلي و260 جريحاً من الامريكيين والالمان فضلاً عن عدم الانتهاء من دفع التعويضات لعائلات ضحايا لوكربي وهو ما كشف عنه مساعد وزيرة الخارجية الامريكية لشئون الشرق الادني ديفيد ويلش الذي قال ان وزيرة الخارجية كونداليزارايس التي التقت للمرة الاولي نظيرها الليبي عبدالرحمن شلقم منذ ان اعادت واشنطن اقامة علاقات دبلوماسية مع طرابلس اواخر مايو 2006 اكدت علي ضرورة ايجاد تسوية عاجلة ولاسباب انسانية لقضية الممرضات البلغاريات الخمس والطبيب الفلسطيني.
صحيفة الراية القطرية