أشرف عبد القادر : هل الأقليات طابور خامس ؟!
ثمة مشكلة جوهرية تواجه العالم ˝العربي˝ و˝الإسلامي˝ في بداية القرن الحادي والعشرين، وإذا لم نحلها ونواجهها بشجاعة فكرية وأدبية لن نخرج من دائرة العنف والحقن الطائفي التي تشتد يوماً بعد يوم وهي مشكلة الأقليات .
فكما نعرف أن العالم ˝العربي˝ و˝الإسلامي˝ عبارة عن فسيفساء من الأجناس والأديان، لكن هوسنا بنقاء الأصل العربي ونقاء وحدة الدين هي أساس بلائنا، فما زالت نرجسيتنا الدينية الفردية والجمعية تقف عائقاً لرؤية الأمور كما هي، فتضخم ذاتِنا أوصلنا إلى مرحلة الانفصال عن الواقع، بمعنى أننا نرى الواقع كما نريده نحن ، لا كما هو موجود في الواقع، لذلك فكلنا مرضى بحاجة لعلاج نفسي طويل الأمد لنرى الواقع كما هو ، فلازلنا في مرحلة الطفولة الفكرية والنفسية، حيث الطفل ابن السابعة يعتقد نفسه أنه مركز الكون، وأن الكون بمن فيه مسخر له، لأنه يفكر بالوهم والخيال، ومن المفروض أن هذه مرحلة عمرية يمر بها الصغير ثم يجتازها لينتقل من مبدأ ” اللذة ” إلى مبدأ ” الوقع ” بإحباطاته وآلامه ، فمبدأ اللذة الصبياني هو الذي يطلب من الواقع إعطاءه نتائج مخالفة لقوانينه، هذا الفكر السحري الأسطوري هو الذي صورنا بأننا “خير أمة أخرجت للناس” ، و أن” ديننا هو الوحيد الصحيح” ، وبلغ من هذياننا بلغتنا العربية أن جعلنا لغتنا هي ” لغة أهل الجنة “. هذا التقوقع علي الذات وحبها لدرجة العبادة ، وعدم الاعتراف بالآخر المغاير “اليهودي والمسيحي و البهائي والكردي … ( والأمازيغي ) *** إلخ ” جعلنا نظن أننا الوحيدون في العالم، ونسينا أننا لا نمثل إلا نسبة بسيطة جداً جداً من سكان العالم أقل من 5 %.
لكن لماذا لا يعترف المسلمون العرب بحقوق الأقليات ؟؟
لأنهم يعتبرونهم خنجراً مغروساً في خاصرة “الوطن العربي” لتفتيت البلاد وهدم الدين، فما زال الفكر القومجي مسيطرا على فكر الدهماء الجاهلة والمجهلة في “الشارع العربي” ، ولما لا ونحن ” أمة واحدة ذات رسالة خالدة “، وبنظرة محايدة على أرض الواقع نرى كذب هذا الشعار، فالعالم العربي ما كان أبداً أمة واحدة، بل كان أقاليم مختلفة ، لثقافات مختلفة دخلت الإسلام طوعاً أو كرهاً، لكنها لم تكن أمة واحدة . لكن سيادة الفكر الشعبوي هو الذي رسخ هذه الفكرة الخاطئة ، وجعل المناداة بإعطاء الأقليات المضطهدة في العالم العربي حقوقها ، هي دعوة للتفكك والتشرذم ، وبما أننا مصابون بعقدة الاضطهاد ، وحيث أن فكرة حقوق الإنسان والأقليات نصت عليها القوانين الدولية الآتية من الغرب “الكافر”، فهو إذن مخطط يهودي صليبي … شيطاني… الهدف منه تقسيم “الوطن العربي الإسلامي” وهدم دينه.
وسأضرب مثلاً على تهافت هذا الفكر المريض، فالمسلمون في فرنسا – مثلاً – أقلية ولكن تتمتع بحقوقها الدينية والمدنية، وأشهد أنني عندما أصلي الجمعة في أحد جوامع باريس – وما أكثرها – أجد أن البوليس الفرنسي يأتي يوم الجمعة بصفة خاصة لينظم حركة المرور في هذا اليوم حتى يتم المسلمون صلاتهم في أمن وأمان، لماذا يفعل الفرنسيون ذلك؟ لأنه هناك احترام لحرية أي عبادة ، هناك حق لكل إنسان كفله الدستور الفرنسي لكل المقيمين على أرض فرنسا دون تفرقة لدين أو جنس، فمارس دينك الذي تحب ولكن لا تمس أديان الآخرين، فحريتك تنتهي عندما تمس حرية الآخر، لأننا كلنا سواء، لا فرق بين مواطن ومواطن إلا بإتقان العمل، فلم تتحيز فرنسا لدين معين وتنص عليه في دستورها، بل أعلنت أنها جمهورية “علمانية” ، أي تمارس فيها جميع الأديان على قدم المساواة وبلا أي تفرقة، كما تقول قاعدتنا الفقهية ” أنت حر ما لم تضر”، ففي فرنسا وأوربا وأمريكا حريتك الشخصية مكفولة بالقانون ، تتدين أو لا تتدين ، تؤمن بدين أو لا تؤمن ، هذا متروك لك ، لأن الغرب حل مشكلة الأقليات وفصل الدين عن الدولة منذ قرون طويلة.
ففكرة أن حصول الأقليات على حقوقها هي دعوة “يهودية – مسيحية” لتفتيت ” البلاد العربية ” فكرة خاطئة بل مجنونة، بل إن عدم أخذ هذه الأقليات حقوقها الدينية والمدنية كاملة كما نصت عليها المواثيق الدولية هو سبب الفتنة الطائفية النائمة تحت الرماد، و تهدد بالاشتعال في أي وقت .
فمثلاً أقباط مصر، مازالوا يعانون من عدم تمتعهم بكامل حقوقهم الدينية والمدنية أسوة بإخوتهم المسلمين، فهل إعطاؤهم حقوقهم أو عدم إعطائهم هذه الحقوق هو الذي يضمن أمن مصر واستقرارها ؟ فالاستمرار في تجاهل حقوقهم والتعامل معهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، أو كأنهم رعايا، أو على أحسن الأحوال “أهل ذمة” كما يروج المتأسلمون، هو الذي سيشعل مصر ناراً وسيكون سبباً في تقسيمها بعد أن تسيل الدماء أنهاراً …
بل إلى متى سيظل السنة في طهران محرومين من بناء مسجد ليمارسوا فيه صلواتهم ؟
وإلى متى سيظل الشيعة في الخليج محرومين من بعض حقوقهم ؟
وإلى متى سيظل الأكراد مشردون وهم الذين بلغ عددهم 30 مليون ولهم لغتهم الخاصة وتقاليدهم وزيهم الخاص، بدعوى أن إعطاءهم حقوقهم سيؤدي إلى تقسيم تركيا وإيران وسورية ؟
هناك مثل مصري يقول ” كل وقت وله أذان” ، وأذان القرن الحادي والعشرين هو مبدأ المواطنة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأقليات (… )
إذا لم نتسلح بالشجاعة الأدبية والفكرية ، ونتخلص من سياسة النعامة في حل مشكلة الأقليات في “العالم العربي” فستشتعل نيران الفتنة بين أبناء البلد الواحد، مما سيؤدي إلى زعزعة جل “البلدان العربية” التي هي عبارة عن فسيفساء، فلنغلق باب الفتنة بإعطاء الأقليات حقوقها لنساير عصرنا ونعيش روح حقبتنا، فالضمانة الوحيدة لأمن واستقرار بلادنا هو أن يكون الكل سواسية أمام القانون كأسنان المشط، وكفي شرقنا التعيس ما به من نيران ومظالم ومآسي صنعناها لأنفسنا بأنفسنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*** إضافة من الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان على اعتبار أن الأمازيغ بشمال إفريقيا أيضا شعب مهضوم الحقوق من طرف الأنظمة العربية الحاكمة ، ولكن بفارق مهم بينه وبين باقي مكونات ما يسمى ظلما بالعالم العربي الإسلامي ويتجلى هذا الفارق في كون هذا الشعب يشكل الأغلبية الساحقة لساكنة شمال إفريقيا . وقد قامت الكاتبة في إطار نضالها دفاعا عن عدالة القضية الأمازيغية بمراسلة صاحب المقال من أجل أن يستدرك هذه الحقيقة / المفارَقة المرة ، حقيقة كون الأمازيغ أغلبية ساحقة ولكن مهمشة ومهضومة الحقوق ، وليسوا أبدا أقلية كما يعتقد خطأ كثير من المثقفين العرب ، إنها حقيقة لم يكن منتظرا من كاتب بدا شجاعا وموضوعيا وجاد مثله أن يتجاهلها …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلته وبتصرف الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان عن الموقع الفرعي للكاتب أشرف عبد القادر بموقع الحوار المتمدن – العدد: 1845 – 2007 / 3 / 5