جول كامبانا او إيفان كاركاشيان : الواجهة المغربية/ تقرير خاص صادر عن لجنة حماية الصحفيين: القضايا المسيسة في المحاكم، وقانون الإعلام، والمضايقات تضعف المكتسبات التي حققتها الصحافة في البلاد
شعر أحمد رضا بنشمسي الذي يبلغ من العمر 33 عاما، وناشر المجلة المغربية الأسبوعية المستقلة “تيلكيل”، بأن ثمة من يحاول توجيه رسالة له. ففي غضون بضعة أشهر، أصدر عليه قاضيان حكمين بدفع غرامات باهظة جدا في قضيتي تشهير ما كانتا ستجتذبان أي اهتمام لولا هذا الحكم القاسي.
بدأ الأمر في آب (أغسطس) 2005، عندما أدانت المحكمة بنشمسي بتهمة التشهير ضد عضوة البرلمان حليمة عسلي المؤيدة للحكومة، والتي رفعت شكوى بسبب قيام المجلة بنشر مقال قصير تناول بالسخرية خبرتها المزعومة “كشيخة”، أو راقصة شعبية. وفي المحاكمة، لم يقدم بنشمسي أو محاميه أي دفاع—لأنهما لم يكونا في المحكمة. فقد بدأ القاضي المحاكمة قبل 15 دقيقة من موعدها المعلن، وبغياب أي جهة تمثل الدفاع، سارع إلى إصدار الحكم: السجن شهرين مع وقف التنفيذ على بنشمسي وزميل آخر له ودفع غرامة بدل أضرار بمقدار مليون درهم (ما يعادل 120,000 دولار أمريكي).
وبعد شهرين من ذلك، أدانت محكمة أخرى بنشمسي بتهمة التشهير، وكان ذلك إثر قيام رئيسة منظمة لمساعدة الأطفال بمقاضاة مجلة “تيلكيل” وثلاث صحف مغربية أخرى لنشرها خبرا غير صحيح مفاده أنها تخضع لتحقيقات بتهمة الاختلاس. وعلى الرغم من أن مجلة “تيلكيل” نشرت تصحيحا واعتذارا، إلا أن المحكمة أمرتها بدفع 900,000 درهم (ما يعادل 108,000 دولار أمريكي)—وهو مبلغ يزيد بعدة أضعاف عما فرضته المحكمة على الصحف الثلاث الأخرى.
وفي ذلك الوقت، كانت تلك الغرامات ضمن أعلى الغرامات التي تفرضها المحكمة في قضايا التشهير في المغرب—تزيد عن تسعة أضعاف المبلغ المعتاد في قضايا كهذه، بحسب ما قاله محامون وصحفيون مغاربة.
وقال بنشمسي الذي أدهشته هذه التطورات إنه علم من مصدر في القصر الملكي بعد عدة أشهر، بالدافع وراء هذا الهجوم القضائي ضده. فقد قال للجنة حماية الصحفيين في مكاتب مجلة “تيلكيل” في وسط مدينة الدار البيضاء، “فهمت أن نقطة البداية كانت مقالا كتبته عن الملك [قبل شهرين من المحاكمة] وقلت فيه إنه لا يتمتع بمهارات جيده في مجال التواصل وإنه ينبغي عليه أن يتدرب. ويبدو أن هذا التعليق قد تم تفسيره كإهانة مباشرة”.
ومن حسن طالع مجلة “تيلكيل”، أسقطت المدعيتان أخيرا مطالباتهما المالية بعد إجراء مفاوضات مع المجلة. ولكن قضية مجلة “تيلكيل” كانت استهلالا لموجة من الهجمات القضائية التي استهدفت سلك الصحافة المغربية المستقلة التي أخذت تزيد من جرأتها. ومنذ عام 2005، فرض على خمسة صحفيين على الأقل غرامات مالية باهظة، كما صدرت أحكام بالسجن مع وقف التنفيذ ضد خمسة صحفيين آخرين، وصدر حكم على صحفي آخر بمنعه من مزاولة مهنة الصحافة. وكانت المطبوعات التي نشرت انتقادات للنظام الملكي هدفا لتلك الهجمات القضائية، وكانت العقوبات شديدة جدا ضد الكتاب والمحررين الذين يعتبرون خارج نطاق سيطرة القصر الملكي.
فرضت تلك العقوبات الأخيرة وسط بروز اتجاهات بعيدة الأمد ومثيرة للقلق: ففي خلال السنوات الخمس الأخيرة، فرضت أحكام بالسجن لفترات طويلة على ثلاثة صحفيين مغاربة بسبب مواد قاموا بنشرها—مما وضع المغرب في فئة واحدة مع تونس بوصفها البلد التي تحدث فيه أكثر حالات سجن الصحفيين. وقد دفعت تلك العوامل مجتمعة لجنة حماية الصحفيين لوضع المغرب في أيار (مايو) ضمن فئة الدول التي شهدت أشد تراجع في حرية الصحافة.
تمثل المحنة التي مر بها بنشمسي الضغوطات غير المتوقعة والمتزايدة التعقيد التي تمارسها السلطات المغربية على الصحفيين لردع أي انتقادات غير مرغوب فيها، وتقليل الاستهجان الدولي. فعلى العكس من القمع الواضح الذي تمارسه بعض الدول المجاورة، استغلت السلطات المغربية الملاحقات القضائية التي تستهلها أطراف أخرى، والقضاء المسيس من أجل قمع الصحافة. وإضافة إلى المحاكم، فقد كثفت السلطات المغربية أساليب ضغط أخرى مثل الامتناع عن نشر الإعلانات في صحف معينة، واستخدام وسائل الإعلام الحكومية لمهاجمة الناقدين، والتخطيط السري “لتظاهرات” ضد الصحف الجريئة.
وفي فصل الربيع من العام الحالي، بدأ مسؤولون حكوميون مناقشة تعديلات على قانون الصحافة والنشر في البلاد تنص على تأسيس مجلس وطني للصحافة ومنحه سلطة حجب الإعلانات ومنع الصحفيين من ممارسة المهنة بسبب انتهاكات أخلاقية مزعومة. وأبقت التعديلات على الحظر الذي تمت صياغته بلغة غامضة على مظاهر عدم احترام الملكية، والإسلام، والتشهير بمؤسسات الدولة مثل الجيش والقضاء. وعلى الرغم من تخفيض عدد المخالفات التي قد تؤدي إلى سجن الصحفيين، فإن التشريع المقترح يزيد الحد الأعلى للغرامات بسبب الانتهاكات المزعومة للقانون.
ردا على هذه الاتجاهات المثيرة للقلق، قامت لجنة حماية الصحفيين بإرسال وفد إلى الرباط والدار البيضاء، حيث أمضى أعضاء الوفد 10 أيام عقدوا خلالها اجتماعات مع صحفيين مغاربة ومسؤولين حكوميين لتحري أمر القيود المفروضة على الصحافة، وتقييم تأثيرها، والتعبير عن قلق اللجنة للمسؤولين. وعلى الرغم من تفاخر السلطات بحيوية الصحافة، وجدت لجنة حماية الصحفيين أن المغرب أصبحت تعتمد على نظام خفي من وسائل السيطرة القضائية والمالية للتحكم بالصحفيين الجريئين. ويظهر السجل أن أوضاع حرية الصحافة هي بعيدة عن الصورة البراقة التي يصفها المسؤولون والعديد من الصحفيين.
لقد أوهنت جهود الحكومة المغربية حماس محرري العديد من الصحف المستقلة. كان أحد ضحايا قضايا التشهير الباهظة الصحفي أبو بكر جامعي، وهو ناشر سابق لمجلة ووجه انتقادات متكررة للقصر. وقال جامعي ، “لقد تم استخدامنا كأدوات من أجل التوضيح للآخرين أين هي الحدود المسموحة بها”. لقد أثرت موجة الاعتداءات على الصحافة على صورة المغرب على الساحة الدولية بوصفها دولة عربية في طور التحول الديمقراطي، وتشكل نسبيا واحة لحرية الصحافة في المنطقة، التي عادة ما يعاني فيها الصحفيون من البطالة أو المحاصرة. ويزعم الملك محمد السادس والمسؤولون الحكوميون إنهم يقودون نظاما ملكيا دستوريا، ويصرون على أن المغرب هي في طور تحول ديمقراطي، ويعلنون على الملأ إنهم يشجعون الصحافة الحرة، وقد وجه قادة دوليون، بما فيهم الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، عبارات المديح للمغرب بسبب التقدم الذي أحرزته في الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
على الرغم من النظام الحكومي البرلماني ووجود مجتمع مدني حيوي، إلا أن السلطة الحقيقية تظل بيد الملك وما يسمى “المخزن”، وهو بمثابةحكومة ظل تتألف بصفة أساسية من مسؤولين في القصر، وكبار قادة الأجهزة الأمنية، والجيش تعمل في الخفاء وتقود عملية صنع القرارات الأساسية. ويقول ناقدون إن الملك الشاب وجماعة صغيرة من المرتبطين به يراكمون السلطة بدلا من أن يعملوا على توزيعها كما تتطلب الديمقراطية الحقيقية. وقد أدى التهديد المتنامي الناجم عن الإرهاب إلى تفاقم الأمور. فقد حدثت تفجيرات متعددة في الدرار البيضاء في 16 أيار (مايو) 2003، وأدت إلى مقتل 44 شخصا، وحدثت اعتداءات أخرى أقل تأثيرا منذ ذلك الوقت. لقد أدى التطرف العنيف مصحوبا بتنامي الحركة الإسلامية إلى إبقاء القصر في حالة توتر، وربما أدى ذلك ببعض المغاربة إلى الاستعداد لوضع شؤون الأمن في موقع أهم من الحريات المدنية.
وكان الملك الحسن الثاني قبل وفاته في تموز (يوليو) 1999، والذي حكم البلاد لمدة أربعة عقود تقريبا، قد خفف من الرقابة على الصحافة وأتاح المجال أمام مجموعة جديدة من الصحفيين الشباب بأن لا يكونوا مرتبطين بالدولة أو بالأحزاب السياسية المعارضة. وفي البداية أخذت الصحافة الجديدة تتناول القضايا السياسية بانفتاح أكبر، ولاحقا أخذت تتناول بالبحث محظورات سياسية قديمة مثل الانتهاكات واسعة الانتشار للحقوق الأساسية، والفساد. تراجعت الرقابة الذاتية أكثر عندما اعتلى الملك محمد السادس العرش في تموز (يوليو) 1999، وكان يبلغ من العمر حينها 36 عاما، ووعد بتطبيق تغييرات ديمقراطية، وسمح للمعارضين في المنفى بالعودة إلى البلاد، وعزل إدريس البصري، وزير الداخلية الأسبق الذي وجه القمع السياسي تحت حكم الحسن الثاني، وأثناء الفترة المعروفة باسم “سنوات الرصاص” مما أكشبه سمعة سيئة. وفي فترة أحدث عهدا، عمد الجيل الجديد من الصحفيين إلى تحدي ما يسمى المؤسسات المقدسة والتي كان من الممنوع تقليديا تحري شؤونها من قبل الصحافة—وهي، وبدرجات متفاوتة، الإسلام، وقضية سيادة المغرب على الصحراء الغربية التي هي موضع نزاع وتخضع لسيطرة المغرب منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، وكذلك النظام الملكي ذاته.
كان للملك علاقة مضطربة مع صحافة البلاد، ووجه لها النقد بأنها تسعى للإثارة، كما أنه امتنع مثل والده عن قبول إجراء مقابلات مع الصحف المغربية منذ توليه مقاليد السلطة. تزايدت انتهاكات حرية الصحافة خلال السنوات الماضية. فوفقا للبحث الذي أجرته لجنة حماية الصحفيين، صدرت منذ عام 2000 أحكام قضائية ضد 33 صحفيا، إما بالسجن مع وقف التنفيذ، أو السجن الفعلي، في حين تعرض ثمانية آخرون للاعتقال. كما تم منع ثلاثة صحفيين من مزاولة مهنة الصحافة لفترات متفاوتة، وحظرت السلطات أصدار 23 مطبوعة أو فرضت الرقابة عليها.
قال محامي حقوق الإنسان، عبد العزيز النويضي، إن الجيل الجديد من الصحفيين أخذ “يلعب دورا سياسيا من خلال نشر مواد حول جوانب النقص في تطبيق الديمقراطية والتعددية، والقضايا الساخنة مثل الفساد وميزانيات القصر، وتجارة المخدرات”، والحياة الشخصية لكبار السياسيين. وأضاف بالقول “أصبح هناك صحفيون شباب لا يهابون شيئا ويظنون أننا في مجتمع ديمقراطي. وكانت حساباتهم مقتصرة على علاقاتهم بالقراء. وأصبحت النخب السياسية والنظام الملكي تخشى هؤلاء الناس، لاعتقادها أنهم لا يراعون أي حدود”.
ثمة جانب دولي فيما يتعلق بسجل حرية الصحافة في المغرب. فمنذ اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في الولايات المتحدة، أصبحت المغرب حليفا في الخط الأمامي في الحرب على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. ويعتقد أن المغرب استضافت واحدا من ما يسمى المواقع السوداء التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، حيث يجري التحقيق مع أشخاص تعتقلهم السلطات الأمريكية. وفي عام 2004، منحت الولايات المتحدة للمغرب وضع “حليف رئيسي من غير أعضاء حلف الناتو”، ووقعت مع المغرب اتفاقية لحرية التجارة. وعلى الرغم من أن المساعدات الأمريكية للمغرب صغيرة نسبيا، إلا أنه مؤهل لتلقي مساعدات تصل إلى 750 مليون دولار ضمن المنح المقدمة بموجب حساب التحدي الألفي الذي تدعمه الولايات المتحدة، ويوفر مساعدات تنموية لبلدان حليفة بشرط الالتزام بعدة عوامل من ضمنها حرية الصحافة. إن فرنسا هي الشريك التجاري الأكبر للمغرب، وتتبعها إسبانيا؛ وتوفر كلاهما مساعدات اقتصادية كبيرة للمغرب. وخلال العقد الماضي، قدم الاتحاد الأوروبي للمغرب مساعدات اقتصادية واجتماعية تبلغ 1,6 مليار يورو (ما يعادل 2,1 مليار دولار أمريكي)، وتعهد الاتحاد الأوروبي مؤخرا بتقديم مساعدات تبلغ 650 مليون يورو (ما يعادل 870 مليون دولار أمريكي) خلال السنوات الثلاث المقبلة لدعم الإصلاحات الاقتصادية.
عمد مسؤولون حكوميون والعديد من الصحفيين المغاربة إلى التقليل من شأن القيود الأخيرة على الصحافة، واعتبروها عائقا منعزلا في مسيرة الديمقراطية، ووصفوا وضع الصحافة بأنه أفضل مما كان عليه في عهد القمع السياسي في الماضي القريب. ولكن عبر العديد من الصحفيين عن قلقهم من أن حركة التحرر بدأت تتراجع إلى الوراء وأن الحكومة أخذت تقلص تدريجيا الحريات الصحفية التي تم اكتسابها خلال العقد الماضي، وذلك من خلال استهداف الأصوات الأكثر جرأة في وسائل الإعلام. وقال إدريس كسيكس، وهو روائي ومن المحررين المخضرمين، “أنا لست متفائلا جدا، فبعد أن أمضيت 15 عاما في ممارسة مهنة الصحافة، شهدت كيف كان عملها على مر ذلك الوقت. وأشعر أننا قبل سبع سنوات قمنا بفتح النافذة على مصراعيها. … كان بإمكان الناس أن يقولوا ما يدور في أذهانهم.
ومنذ عام 2003، أخذنا نغلق النافذة شيئا فشيئا. وأشعر أننا نضع ستارة حديدية. النافذة ما تزال مفتوحة، ولكن هناك ستارة حديدية”. ويذكر أن كسيكس كان قد اعتزل الصحافة بعد أن أصدرت محكمة ضده في كانون الثاني (يناير) حكما بالسجن مع وقف التنفيذ لفترة ثلاث سنوات.
مما لا شك فيه أن الصحافة المغربية المطبوعة تقدمت خطوات مهمة منذ تسعينات القرن الماضي، حتى أنها تعد الآن ضمن أكثر الصحف الناقدة في العالم العربي. وتكثر في المغرب المطبوعات الخاصة—يبلغ عدد الصحف اليومية 17 صحيفة إضافة إلى عشرات الدوريات باللغتين العربية والفرنسية—وتعرض هذه المطبوعات وجهات نظر الحكومة والمعارضة وآراء مستقلة. وهناك بضعة مطبوعات على الأقل تنشر تعليقات سياسية كان من شأنها أن تتسبب لكاتبيها بالتعذيب أو الاختفاء أو بمصير أكثر خطورة أثناء الأيام الحالكة في عهد الحسن الثاني.
المعدلات الكبيرة للأمية بين المواطنين المغاربة تبقي على مبيعات الصحف في حدود متدنية جدا—قدر صحفيون ومسؤولون حكوميون أن عدد قراء الصحف مجتمعة يبلغ حوالي 300,000 شخص ضمن شعب يصل تعداده إلى 33 مليون نسمة. تسيطر الحكومة إلى حد بعيد على وسائل البث الإعلامي المتنفذة، حيث يحصل معظم المواطنين على الأخبار منها. ومع ذلك، فإن الصحافة المطبوعة، وخصوصا الصحف الناطقة باللغة الفرنسية، تصل إلى السكان الأكثر تأثيرا في المجتمع المغربي، وكانت في بعض الأوقات، تشكل ميدانا مهما للحوار العام والمعارضة.
أما المطبوعات السياسية الأكثر جرأة—التي تظهر استعدادا لتحري نشاطات الشخصيات المتنفذة، وتتابع الفساد، وتعالج المواضيع السياسية الحساسة مثل النظام الملكي—فربما يصل عددها إلى ست مطبوعات. وكانت أكثرها جرأة على الإطلاق الصحيفة الأسبوعية الرائدة التي ينشرها أبو بكر جامعي “لو جورنال إبدومادير”. وكان أبو بكر جامعي الذي يبلغ من العمر 39 عاما، رائدا في الصحافة المغربية المستقلة الجديدة. كما أن العديد من الصحفيين الذين يعملون اليوم في الصحافة المغربية المستقلة تعلموا المهنة في هذه الصحيفة، أو في الصحيفة الشقيقة الناطقة بالعربية “الصحيفة” خلال العقد الماضي.
أطلق أبو بكر جامعي صحيفته في عام 1997، عندما بدأ الملك الحسن الثاني بتخفيف القيود عن الصحافة. وسرعان ما بدأت الصحيفة بتحطيم المحظورات السياسية من خلال إيراد تغطية صحفية عن ضحايا القمع السياسي في عهده، والكشف عن الفساد في عالم الأعمال، والدعوة إلى استقالة الوزير البصري الذي كان مرهوب الجانب.
على الرغم من الجرأة الكبيرة للصحيفة منذ بداية عهدها، ظل الأمر حتى اعتلاء الملك محمد السادس سدة الحكم بعد سنتين على تأسيس الصحيفة عندما أصبحت الصحافة الجرئية التي يمارسها أبو بكر جامعي هدفا لانتقام الدولة. ففي عام 2000، قامت السلطات بحظر بعض أعداد الصحف التي يصدرها جامعي بسبب نشرها مقابلة مع رئيس حركة جبهة البوليساريو، التي ظلت تسعى لاستقلال الصحراء الغربية منذ سبعينات القرن الماضي. وبعد أشهر من ذلك، تم حظر الصحيفتين حظرا دائما بعد أن نشرتا رسالة مثيرة ظهرت في عام 1974—كتبها القائد اليساري السابق محمد البصري—زعمت إن رئيس الوزراء السابق عبد الرحمن اليوسفي كان متورطا كناشط سياسي في مؤامرة فاشلة لاغتيال الحسن الثاني عام 1972. وكانت الكاتبة مارفين هاو في كتابها الصادر عام 2005، “المغرب: صحوة الإسلاميين وتحديات أخرى” قد اقتبست من اليوسفي قوله إنه لم يتعامل أبدا مع المدبر الرئيسي لخطة الانقلاب.
وفي عام 2001، عادت الصحيفتان إلى النشر تحت اسمي “لو جورنال إبدومادير”، و “الصحيفة الأسبوعية”—وسرعان ما صدر ضدهما حكم قضائي بدفع غرامة مقدارها 2 مليون درهم (ما يعادل 240,000 دولار أمريكي). وفي تلك القضية، تم اتهامهما بالتشهير بوزير الخارجية محمد بن عيسى في تقرير شكك في صفقة شراء مسكن رسمي في العاصمة الأمريكية واشنطن.
تمكن أبو بكر جامعي من مقاومة تلك القضية وملاحقات قضائية أخرى—إضافة إلى ابتعاد جماعي للمعلنين—حتى هذا العام. وغادر البلاد في شباط (فبراير) بينما كانت السلطات القضائية تعد لمصادرة ممتلكاته بعد صدور حكم قضائي آخر تجاوز الرقم القياسي في قضايا التشهير. وفي نيسان/إبريل 2006، أقرت محكمة الاستئناف في الرباط الحكم بدفع غرامة بدل أضرار تبلغ 3 مليون درهم (ما يعادل 360,000 دولار أمريكي) ضد جامعي والمراسل الصحفي فهد العراقي في قضية تشهير رفعها كلود مونيكي، رئيس المركز الاستراتيجي الاستخباراتي والأمني الأوروبي الذي يتخذ من بروكسل مقرا له. فقد قال كلود مونيكي إن صحيفة “لو جورنال إبدومادير” قد شهرت به في مقال طويل على ست صفحات شكك في استقلال التقرير الصادر عن المركز البحثي الذي يرأسه حول الصحراء الغربية المتنازع عليها. وقد اعترض مونيكي على عنوان المقال الذي وصف التقرير بأنه تم “التحكم به عن بعد” من العاصمة، الرباط، كما اعترض على ما أوحى به المقال بأن التقرير قد يكون ممولا من الحكومة المغربية. وأصدرت المحكمة أيضا حكما بفرض غرامة على جامعي والعراقي تبلغ 100,000 درهم (ما يعادل 12,000 دولار أمريكي).
قال كلود مونيكي للجنة حماية الصحفيين في حزيران (يونيو) إن التقرير لم يصدر بتكليف من أي عميل. وإن المنظمة بحثت القضية بمبادرة ذاتية منها نظرا لأهميتها الدولية.
ونظرا لأن جامعي غير قادر (وغير مستعد) لدفع مبلغ الغرامة، وخشية منه بأن السلطات ستعمد إلى إغلاق صحيفته بدلا من مبلغ الغرامة، قرر الاستقالة من منصبه والانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية بصحبة زوجته وطفليه.
وبالنسبة للصحفيين والمحامين ونشطاء حقوق الإنسان المغاربة، كان هذا الحكم أوضح إشارة حتى الآن على قيام السلطات باستخدام المحاكم لتصفية الحسابات مع الصحفيين المستقلين. وقد انسحبت صحيفة “لو جورنال إبدومادير” من المحاكمة بعد أن تم منعها من تقديم شهود من الخبراء. ولم تقدم المحكمة أي تفسير للأسس التي اعتمدت عليها في تحديد مبلغ الأضرار. وعلى الرغم من أن هذه الملاحقة القضائية كانت قضية مدنية لا مصلحة للدولة بها، إلى أن مدعي عام الدولة تطوع بتقديم دعمه الكامل لمونيكي من خلال بيان قدمه للمحكمة.
وكما هو الحال مع بنشمسي، فقد يكون أحد الأمور الصغيرة غير الجديرة بالملاحظة أثار هذه العقوبة الشديدة. فقد قال جامعي إن مصدرا في القصر أخبر المجلة إن “لو جورنال إبدومادير” أثارت سخط المسؤولين عندما نشرت في العام 2005 صورة للملك على غلافها ظنا منهم أنها غير لائقة، وأيضا أن الانتقام من المجلة كان جزءا من استراتيجية أكبر للضغط عليها.
وقال عبد الرحيم برادة، وهو أحد المحامين عن “لو جورنال إبدومادير”، للجنة حماية الصحفيين، “لقد وجد النظام فرصة لتصفية حساباته مع أبو بكر جامعي وفريق التحرير الذي يعمل معه، لأنهم كانوا يمارسون الصحافة كما يجب: بصدق، وأمانة، وشجاعة”.
إن ما يميز أبو بكر جامعي والعاملين معه عن سائر الصحفيين المغاربة، هو الاعتقاد الراسخ بوجوب إخضاع المتنفذين للمساءلة، بما في ذلك الملك، الذي يعتبر “مقدسا” بموجب القانون المغربي. وكان جامعي قد ثابر على الإشارة إلى تقاعس القصر عن الوفاء بالوعود التي قطعها بتحقيق ديمقراطية أكبر، كما كشف عن المدى الذي سيطرت فيه أعمال ومشاريع الملك على القطاع الخاص. أما منتقدو أبو بكر جامعي فيتهمونه بأنه يفرط في تسيس الأمور وأنه يضمر مشاعر شخصية ضد الملك، بسبب تركيزه المتكرر على شؤونه. وقال جامعي إنه كان ببساطة يمحص في تصرفات السياسي الأكثر نفوذا في البلاد—وهو ما ينبغي على الصحفي الجيد أن يفعله.
وقال جامعي في مقابلة جرت معه في بلدة كمبردج في ولاية ماساشوستس الأمريكية، حيث يقطن حاليا ويشغل خطة باحث في مؤسسة نيمان في جامعة هارفرد، “لقد كان الموضوع الأساسي لصحيفة لو جورنال هو التمحيص في شؤون الملك وكبار التجار في المغرب. وكنا نحن الصحيفة الوحيدة التي تتناول شؤون الملك، وهو الفاعل السياسي الرئيسي في المغرب”. وكانت صحيفة “لو جورنال” وشقيقتها السابقة “الصحيفة” (انفصلت الصحيفتان في عام 2004) هما المطبوعتان الوحيدتان اللتان أتاحتا المجال لجميع الآراء السياسية، بما في ذلك المعارضة الإسلامية القوية في البلاد.
هذه المقاربة الجريئة ذاتها أجبرت صحفيا مغربيا بارزا آخر على مغادرة البلاد بعد جولة مع المحاكم. علي المرابط هو موظف سابق في وزارة الخارجية المغربية ويبلغ من العمر 48 عاما، وتحول إلى العمل الصحفي المستقل، وكان ناقدا دائما للمسؤولين الحكوميين والشخصيات العامة. وبعد أن انضم في أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي إلى صحيفة “لو جورنال” التي أسسها جامعي، واصل المرابط مسيرته وأسس مجلة “دومان” الأسبوعية المستقلة، وقد حظرتها الحكومة في عام 2000. وبعد ذلك أطلق مطبوعتين جديدتين ساخرتين، وهما “مجلة دومان” الناطقة بالفرنسية، و “دومان” الناطقة بالعربية، ولكن بحلول عام 2003 أودع السجن لإمضاء عقوبة بالسجن لمدة ثلاث سنوات بسبب اخلاله ب “الاحترام الواجب للملك” و “المس بالمؤسسة الملكية و بالوحدة الترابية “. وقد برزت هذه الاتهامات بعد أن نشر المرابط صورا مركبة ورسوما كاريكتيرية عن الملك، إضافة إلى مقابلة مع أحد معارضي النظام الملكي في المغرب الذي طالب بحق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية. وقد أطلق سراح المرابط بعفو ملكي عام 2004، وذلك قبيل زيارة قام بها رئيس الوزراء إدريس جطو إلى واشنطن. ولكن مصائب المرابط القانونية لم تنته عند هذا الحد.
في عام 2005، وبعد سنة واحدة على خروجه من السجن، أصدرت محكمة مغربية حكما غير مسبوق على علي المرابط بعد محاكمة سريعة ومنعته من مزاولة مهنة الصحافة لمدة عشر سنوات، وذلك جراء قضية تشهير رفعها ضده رئيس جمعية مغمورة مؤيدة للحكومة تدعى جمعية أقارب ضحايا القمع الصحراويين. قام المتحدث باسم هذه الجمعية، وهو موظف حكومي، بمقاضاة علي المرابط بتهمة التشهير بعد أن كتب مقالا للصحيفة الإسبانية اليومية “إلموندو” أشار إلى المواطنين الصحراويين المقيميين في مدينة تندوف الجزائرية بوصفهم لاجئين، مناقضا بذلك موقف الحكومة المغربية التي تعتبرهم سجناء لدى جبهة البوليساريو المتمردة. ورغم أن المقال لم يأت على ذكر تلك الجمعية أو المتحدث باسمها، أحمد خير، إلا أن المحكمة الجنائية وجدت المرابط مذنبا.
ويعيش المرابط حاليا في إسبانيا ويعمل في صحيفة “إلموندو”؛ وقد عمدت الحكومة المغربية إلى منع دخول أعداد الصحيفة التي تحتوي على كتابات لعلي المرابط. ويقول المرابط إنه يعتقد إنه كان هدفا لانتقام سياسي، ويرى العديد من الصحفيين أن ذلك صحيح.
وقال عبد العزيز كوكس، وهو ناشر صحيفة مستقلة، “بالطبع كانت القضية مختلقة. أنا لم أكن أتفق دائما مع أسلوبه … ولكن المغرب بحاجة لعلي المرابط. المغرب تحتاج لصحيفة دومان”.
في اجتماعيهما مع لجنة حماية الصحفيين عقد في نيسان (إبريل)، أنكر رئيس الوزراء إدريس جطو ووزير الاتصال نبيل بن عبدالله تورط الحكومة في موجة الملاحقات القضائية ضد الصحفيين. وعبرا عن الأمل بأن الذين تركوا العمل الصحفي سيعودون للمهنة قريبا. واستثنى بن عبدالله من ذلك علي المرابط—واصفا قضيته بإنها “مشكلة” دون إضافة تعليقات أخرى. وقال إدريس جطو إنه فيما يخص الحكومة، فإن القضية ضد أبو بكر جامعي كانت “نزلت من السماء” وإنها كانت “بيد القضاء”.
وأضاف إدريس جطو، ” المشاكل الأربع أو الخمس التي واجهتنا، تمت معالجتها في كل مرة من قبل القضاء. نحن نلتزم بسيادة القانون في بلادنا”.
وأقر الوزير نبيل بن عبدالله بأن الغرامة التي فرضت على جامعي تبدو باهظة نظرا للظروف المحيطة بالقضية. وقال إنه يأمل بأن جامعي سيكون “شجاعا بما يكفي كي يتوصل إلى صفقة” ويعتذر من مونيك، المسؤول من مركز الأبحاث. وأضاف، “لكنه مفرط في كبريائه ولن يفعل ذلك”.
يسارع المسؤولون الحكوميون إلى التأكيد على أن الأحكام القضائية الأخيرة ضد الصحفيين ما هي إلى شذوذ عن الوضع الطبيعي. ويفضلون استعمال عبارات مفادها أن حرية الصحافة تعتبر بخير بالمقارنة مع الماضي السياسي والظروف السائدة في العالم العربي. وقال إدريس جطو للجنة حماية الصحفيين، “لم نسع أبدا للتسبب بالضرر لصحفنا او صحفيينا، نحن فخورون بأن يكون لدينا صحافة هي الأكثر حرية وحيوية في المنطقة”.
ومع ذلك، يظل مسؤولون مثل بن عبدالله يشددون على أنه ثمة حاجة لضبط ما يعتبرونه صحافة تشهيرية. وقال بن عبدالله “كل ما نحتاجه هو صحافة حرة تتطور في بيئة ديمقراطية—وليس صحافة فوضوية تنتهك القانون وتمارس التشهير ضد الجميع دون خضوع للحساب. إن هذا الأمر لا يجوز حتى في البلدان الديمقراطية. وهناك عادة عشرات قضايا التشهير التي تنظر بها محاكم تلك البلدان”.
وهذا كلام صحيح إلى حد ما، ولكن في المغرب يظهر أن ظروف القضاء مرتبة ضد مصلحة الصحافة.
ينص دستور البلاد الذي تم وضعه عام 1996 على أن القضاء “يجب أن يكون مستقلا عن السلطتين التشريعية والتنفيذية”، ولكن في الواقع، يوجد اعتقاد منتشر على نطاق واسع بأن القضاء يسوده الفساد ويخضع لتأثير “المخزن”. حتى كبار المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم المسؤولين الذين التقت بهم لجنة حماية الصحفيين في نيسان (إبريل)، أقروا بصراحة بوجود مشاكل في هذا الصدد. وقال الوزير بن عبدالله، “أحد أهم المشاكل التي بحاجة إلى حل في المغرب الجديد تتعلق بنزاهة القضاء”.
الوزير عباس الفاسي هو وزير دولة دون حقيبة ويلي رئيس الوزراء في السلطة، وقد عبر عن هذا الأمر بصراحة أكبر، إذ قال خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة “المساء” اليومية المستقلة في شباط (فبراير) 2007، “على القضاة أن يستمعوا إلى ضمائرهم، وليس الى الهاتف النقال”.
وقال محامون للجنة حماية الصحفيين إن القانون المغربي لا يتطلب من المدعين في قضايا التشهير إظهار تعرضهم للضرر، كما لا يتطلب من القاضي شرح أسس تحديد التعويض. ومن الناحية العملية، القضاة أحرار في فرض أي مبلغ للغرامة طالما أنه لا يتجاوز المبلغ الذي يطالب به المدعي.
وقال يونس مجاهد، الأمين العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية للجنة حماية الصحفيين “التقينا مع وزير العدل وأثرنا هذه المسألة. وفي جميع القضايا التي تعرض على المحاكم من السهل على وزارة الداخلية أن تتدخل، فليس هناك استقلال للقضاء”. ووفقا لعدد من الصحفيين، فإن وزارة الداخلية، التي تخضع لتأثير قوي يمارسه مسؤول كبير يدعى فؤاد عالي الهمة، تتدخل بصورة جد مؤثرة في الشؤون الصحفية. ويتهم هؤلاء الصحفيون وزارة الداخلية بأنها وراء حالات مضايقة الصحفيين العديدة، بما في ذلك القضايا المسيسة في المحاكم، وحملات التشهير ضد الصحافة في بعض الصحف. وكان فؤاد عالي الهمة زميلا سابقا في الدراسة للملك، ويعد من أكثر مستشاريه نفوذا. وعلى الرغم من الطلبات التي تقدمت بها لجنة حماية الصحفيين للالتقاء به، إلا أنه لم يكن متفرغا لعقد اللقاء.
انتهك القضاة أيضا المعايير الأساسية للمحاكمات العادلة. فعندما قام القاضي محمد العلوي بمنع المحامين المدافعين عن أبو بكر جامعي من استدعاء شهود رئيسيين أثناء المحاكمة التي عقدت في العام الماضي، استند إلى تفسير مثير للخلاف بشكل كبير للقانون الذي ينص على أنه يمكن للشاهد الإدلاء بشهادة فقط إذا قدم الدفاع أيضا أدلة توثيقية ذات صلة. وكان العلوي هو القاضي ذاته الذي حكم على المرابط بالسجن في عام 2003، ومنعه من مزاولة مهنة الصحافة لمدة 10 سنوات في عام 2005.
وقال محامي حقوق الإنسان البارز عبد الرحيم برادة، “في البلدان غير الديمقراطية مثل المغرب، القضاء ليس مستقلا. فالقضاة يفتقرون للتدريب وهم غير متكونين في ثقافة حقوق الإنسان. والقاضي هو جندي لصالح نظام معين، والة من الالات التي تخدم نظام الحكم في جميع الدول العربية”.
وعلى الرغم من توجيه طلبات متكررة للالتقاء بوزير العدل محمد بوزوبع، أو أي مسؤول آخر في وزراة العدل، فان وفد لجنة حماية الصحفيين لم تتح له فرصة التحدث الى أي من المسؤولين في هذه الوزارة.
وقال صحفيون ومحامون إن الأحكام التي تصدر عن المحاكم عادة ما تعكس المناخ السياسي السائد، والموقع الاجتماعي للمدعي. وقال الصحفي في صحيفة “المساء”، علي أنوزلا، “عندما يقوم مواطن عادي برفع دعوى قضائية ضد صحيفة، لا تتجاوز الغرامة التي تفرضها المحكمة في العادة مبلغ 100,000 درهم (ما يعادل 12,000 دولار أمريكي)، ولكن عندما يكون هذا المواطن في موقع سياسي، تكون الغرامة أعلى بكثير”.
إن الفرق في الغرامات التي تفرض ضد الصحف المستقلة والصحف المدعومة من الدولة يعكس هذا الواقع السياسي. المراسل الصحفي الإسباني الشهير إغناثيو سيمبريرو، الذي كان يغطي الشؤون المغربية لصحيفة “إلبياس” اليومية لسنوات عديدة، تعرض لهجمات من وسائل الإعلام المدعومة من الحكومة بسبب تغطيته الصحفية الناقدة للسياسات المغربية. وفي عام 2003، رفع سيمبريرو قضية تشهير ضد الصحيفة اليومية المؤيدة للنظام الحاكم “أوجوردوي لو ماروك” عندما اتهمته بأنه جاسوس إسباني. ويعتقد سيمبريرو إن هذه التهمة تم تحريكها بسبب قيامه بكتابة خاتمة للترجمة الإسبانية لكتاب ألفه الصحفي الفرنسي جين-بيير توكوي عن النظام الملكي. وأورد الكتاب رأيا في الملك محمد السادس بعيدا كل البعد عن المجاملة. وقد طالب سيمبريرو في دعواه بتعويض مقداره 150,000 درهم (ما يعادل 18,000 دولار أمريكي)، وفي أيار (مايو) حكمت المحكمة بتعويضه مبلغ 10,000 درهم (ما يعادل 1,200 دولار أمريكي). وفي نيسان (إبريل) ألغت محكمة الاستئناف قرار التعويض، وفقا لسجلات المحكمة التي راجعتها لجنة حماية الصحفيين. وقد استند القاضي في قراره إلى أن سيمبريرو هاجم سمعة المغرب.
المشاكل المتعلقة بالمحاكم تتفاقم جراء القوانين التقييدية التي تحكم الصحافة، وبصفة رئيسية قانون الصحافة الصادر عام 2002. يجرم القانون “كل من أخل بالاحترام الواجب للملك وأصحاب السمو الملكي اللأمراء واللأميرات” و” كا من مس بالدين الاسلامي أو بالمؤسسة الملكية أو بالوحدة الترابية” —وهي كلمات رمزية تعني مطالبة المغرب بالصحراء الغربية. كما يعاقب القانون بالسجن وبغرامة مالية نشر ما تعتبره السلطات المغربية “خبرا زائفا” أو”اخلالا بالنظام العام”. وتصل العقوبات القصوى إلى السجن لمدة خمس سنوات؛ كما تتمتع الحكومة بسلطة إلغاء ترخيص أي مطبوعة، وتعليق الصحف، ومصادرة أعداد الصحف التي تعتبر تهديدا للأمن العام. وتوفر اللغة الغامضة التي يتسم بها القانون وسيلة مفيدة للمدعين العامين والقضاة لمعاقبة—أو ردع—الصحافة الناقدة. وقال الصحفي بنشمسي، “يمكنك أن تنتهك القانون كل يوم، ولكن عندما يرغبون بمعاقبتك فإنهم يقولون إنك انتهكت الأمن العام”.
المسودة الجديدة لقانون الصحافة، والتي يباهي بها المسؤولون الحكوميون بوصفها خطوة كبيرة للأمام، تبقي على معظم القيود الواسعة الموجودة في القانون الحالي. وهناك عقوبات بالسجن على العديد من ما يسمى المخالفات الصحفية، على الرغم من أن الوزير بن عبدالله وصفها بأنه عقوبات “رمزية”. يرد في مسودة القانون أيضا زيادة على الغرامات من حد أقصى يصل إلى 100,000 درهم (ما يعادل 12,000 دولار أمريكي)، إلى مليون درهم (أي ما يعادل 120,000 دولار أمريكي). وأكثر ما يثير القلق في مسودة القانون الجديد أنها تنص على تأسيس “مجلس وطني للصحافة” يتألف من 15 عضوا يعينون من قبل الملك والصحفيين والناشرين. كما أن إحدى بنود مشروع القانون تمنح للمجلس سلطة منع الصحفيين من مزاولة مهنتهم، وفرض عقوبات اقتصادية على الصحفيين الذين ينتهكون ميثاق شرف لم يتم تحديده حتى الآن. وقال يونس مجاهد، الأمين العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية ، إن بعض بنود مشروع القانون يتم تخفيفها أثناء سير عملية صياغة القانون.
يتفق معظم الصحفيين على أن القيود الحكومية على الصحافة لا تتبع نمطا معينا ولا يمكن توقعها، وتعتمد أحيانا على السياق السياسي. عندما قام إدريس كسيكس بالمساعدة على إطلاق مجلة “نيشان” في عام 2006، كان يأمل بتأسيس مجلة عربية رفيعة تتناول السياسية والثقافة والمجتمع في المغرب تناولا نقديا. ولكن بعد أربعة أشهر فقط على إطلاقها، تم حظر مجلة “نيشان” ووجد كسيكس نفسه خارج دائرة العمل الصحفي.
كانت المخالفة التي ارتكبها كسيكس هي قيامه بنشر مقال على عشر صفحات في كانون الأول (ديسمبر) 2006 لتحليل النكات المغربية الشائعة حول الدين والجنس والسياسة. تصف إحدى تلك النكات رجلا على مدخل الجنة، حيث يبحث الله والنبي محمد عن اسمه في سجل الداخلين ولا يتمكنا من إيجاد الاسم. وبعد أن يظهر الخوف على الرجل، يضحك الله ومحمد ويقولان “شكرا لك على المشاركة في ’الكاميرا الخفية‘”. وتصف نكتة أخرى الملك محمد السادس على أبواب الجنة يبحث عن والده، الملك الحسن الثاني، ويقول له الله “من غير الممكن إنني خلقت مثل هذا الرجل”.
بعدة عشرة أيام على صدور ذلك العدد من الصحيفة، أمر رئيس الوزراء، إدريس جطو، بحظر المجلة لقيامها ب”المس بالدين الإسلامي”—على الرغم من أنه غير مخول قانونيا بإصدار مثل هذا الأمر. ولاحقا على ذلك، أصدرت محكمة في الدار البيضاء حكما على كسيكس وعلى المراسلة الصحفية سناء العاجي التي كتبت المقال، بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ بعد إدانتهما بتهمة “المس بالدين الاسلامي”، وهي مخالفة بموجب قانون الصحافة المغربي. وكذلك فرضت المحكمة غرامة على الصحفيين مقدارها 80,000 درهم (ما يعادل 9,000 دولار أمريكي)، وأوجبت الناشر بنشر اعتذار. ووفقا لمجلة “نيشان”، بثت محطتان تلفزيونيتان مملكوكتان للدولة، وهما محطة “دوزام” ومحطة “آر. تي. إم” (M2 و RTM) أخبارا مثيرة للمشاعر حول حظر المجلة واتهمتاها بإهانة الإسلام وشجبتا الصحفيين المعنيين معلنة اسميهما. وخلال 24 ساعة من بث تلك الأخبار، تلقت المجلة 50 تهديد بالقتل عبر الهاتف والبريد الإلكتروني، كما تظاهر طلاب وقاموا بحرق نسخ من المجلة في جامعة قنيطرة في مدينة قنيطرة الواقعة في الشمال الغربي.
شرعت الحكومة في استجابتها هذه عندما قام موقع إنترنت إسلامي بمهاجمة مجلة “نيشان” لقيامها بنشر مواد “معادية للإسلام”. وانتشرت الأخبار بسرعة عن النكات التي نشرتها “نيشان” إلى الكويت، حيث استغلت المعارضة السياسية في برلمان الكويت هذه الفرصة لإحراج الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي كان حينها في رحلة إلى المغرب، وانتقدته المعارضة لسفره إلى ذلك البلد في الوقت الذي لا يظهر فيه احتراما للإسلام.
دافع مسؤولون مغاربة عن قرار حظر إصدار المجلة والحكم بالسجن مع وقف التنفيذ على الصحفيين، بوصفه وسيلة لتفادي احتجاجات المعارضة الإسلامية القوية في البلاد. ودعا رئيس الوزراء إدريس جطو قرار حظر مجلة “نيشان” بأنه “أحد أصعب القرارات التي اتخذتها” وقال إن الغرض كان حرمان الإسلاميين من وسيلة ينتقدون فيها الحكومة. وقال الوزير بن عبدالله، الذي زعم إن الحكومة ليس لديها أي مشكلة مع الرسومات التي تم نشرها، “قررنا سحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين، ووجدنا بالنهاية أننا كنا على صواب”. وأضاف بالقول، “كون المحاكمة أصبحت في طي الماضي، وأن مجلة نيشان عاودت الصدور ولا أحد من صحفييها في السجن، فقد تبين أن طريقة تعامل الحكومة مع القضية كانت طريقة ذكية. … وعليك أن تكون مطمئنا أن هذا الأمر لا يشكل تراجعا. وإنما هو طريقة سياسية للخروج من المأزق”.
قال كسيكس للجنة حماية الصحفيين، “لقد كانت القضية تتعلق بمحاولة الحكومة النيل مني، وفي الوقت ذاته لاسترضاء الإسلاميين. أعتقد أن الحكومة تدبرت أمرها جيدا للوصول إلى توازن في هذا الأمر”. وقال كسيكس أيضا إنه أصبح هدفا للعقاب قبل عامين من الحادثة، إذ أثار غضب مسؤولي القصر عندما قام بنشر مقال مثير حول الأجر الذي يتقاضاه الملك وميزانيته، في مجلة “تيلكيل” الناطقة بالفرنسية التي انبثقت عنها مجلة “نيشان”. وكان أحد مسؤولي القصر قد قال له لاحقا إنه كان محظوظا كون التقرير الذي نشره كان موثقا بعناية.
هذا العدد الكبير من الملاحقات القضائية ضد الصحافة المستقلة أرسل رسالة قوية إلى جميع الصحفيين، وقال عديدون إن الصحف عمدت إلى التخفيف من لهجتها في التغطية السياسية وشؤون القصر. وقال كسيكس، “أعرف أن الجميع بدأوا بممارسة الرقابة الذاتية، ولكنهم لن يعترفوا بذلك”. ومع الحكم المعلق فوق رأسه بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ، قرر كسيكس اعتزال الصحافة، مفضلا ذلك على ممارسة الرقابة الذاتية.
وقال نور الدين مفتاح، محرر مجلة “الأيام” الأسبوعية، “لا توجد أية ضمانات، فلديهم الحق برفع قضية كل أسبوع”. وكان قد صدر ضد نور الدين مفتاح حكم قضائي بالسجن لمدة أربعة أشهر مع وقف التنفيذ إضافة إلى زميلة في المجلة، على خلفية تهمة وجهت ضدهما عام 2006 بتكدير النظام العام من خلال نشر مقالات “زائفة”. وكانت المراسلة الصحفية مريم مكرم قد نشرت تحقيقا مثيرا تضمن حديثا لأحد أطباء العائلة المالكة عن تفاصيل خاصة في حياة الملوك الذين خدمهم. ويقول صحفيون إن مجلة “الأيام” فقدت قدرا من جرأتها في خطها التحريري منذ تلك القضية. ولا يبدو أن نور الدين مفتاح ينازع هذا الزعم. ويقول إن القضية أجبرت مجلة “الأيام” أن “تأخذ ما يلزمها من وقت حتى تصبح أكثر حذرا، وأن تلجأ حتى إلى الرقابة الذاتية، وخصوصا قبل تناول قضايا تعتبر من المحظورات”.
ويشعر أخرون بالرهبة جراء هذا الأمر، إذ علق بنشمسي من مجلة “تيلكيل” بالقول، “لقد أصبحنا بالتأكيد أكثر حذرا إلى حد كبير، إذ فهمنا أن أي شيء، حتى الكتابات والصور الأقل ضررا، قد تقود إلى ملاحقات قضائية، والله فقط يعلم النتيجة”.
تستخدم السلطات الإعلانات كوسيلة فعالة أخرى لمكافأة أو معاقبة الصحفيين. إذ قال العديد من الصحفيين إن الشركات التي تملكها الدولة والوكالات الحكومية عادة ما تحجب الإعلانات التي تعد من مصادر الدخل الرئيسية عن الصحف الجرئية.
وقد عمدت الشركات الخاصة المقربة من الملك والحكومة أيضا إلى سحب إعلاناتها من الصحف التي دخلت في خلافات مع الحكومة. ووفقا لأبو بكر جامعي، عندما تم حظر مجلة “لو جورنال” لفترة مؤقتة في عام 2000، خسرت المجلة 80 بالمئة من إعلاناتها. وأشار ناشر مجلة “الأسبوعية الجديدة”، عبد العزيز كوكاس إن مجلته المستقلة كانت تربح ما يقارب 100,000 درهم (ما يعادل 12,000 دولار أمريكي) شهريا من الإعلانات. ولكن منذ أن اتهم بإلاخلال ب”الاحترام الواجب للملك” في حزيران (يونيو) 2005 بسبب نشر مقابلة مع ناديا ياسين، وهي ابنة القائد الإسلامي البارز الشيخ عبد السلام ياسين، حصلت المجلة خلال هذه الفترة بأكملها على إعلانات بقيمة 250,000 درهم (ما يعادل 30,000 دولار أمريكي). وقال إن الشركات الكبرى مثل الخطوط الملكية المغربية، وشركة “أو. أن. آيه”، وشركة ميديتيل، توقفت عن شراء الإعلانات من المجلة.
التفاوت في حجم الإعلانات بين الصحف المستقلة والصحف المؤيدة للحكومة هو تفاوت واضح. فالصحف المؤيدة للحكومة مثل الصحف اليومية “أجوردوي لي ماروك” و “لو ماتين” تمتلئ صفحاتها بالاعلانات. وأشار الصحفي علي أنوزلا بينما كان يتصفح العدد الصادر في 2 نيسان (إبريل) من صحيفة “لو ماتين”، “لا يوجد في صحيفة لو ماتين أي صفحة تخلو من الإعلانات”.
وإذا كان الضغط باستخدام وسيلة الإعلانات أمرا ينم عن الكثير من اللطف والمراوغة، فقد لجأت الحكومة إلى المضايقات العلنية في عام 2006. وتجلى ذلك فعندما نشرت مجلة “لو جورنال” تقريرا خاصا عن الرسوم الدانمركية المثيرة للخلاف التي تصور النبي محمد، ضمنت التقرير صورة من وكالة فرانس-برس تظهر قارئا يحمل صحيفة يومية فرنسية أعادت نشر الرسوم. أما الرسوم الحقيقة فظهرت صغيرة جدا وبالكاد يمكن تمييزها، ومع ذلك عمدت صحيفة “لو جورنال” إلى حجب تلك الرسومات تفاديا لأي خلاف.
فخلال بضعة أيام، أعدت الشرطة منطقة للمتظاهرين خارج مكاتب صحيفة “لو جورنال” في مدينة الدار البيضاء. وحضرت عدة باصات صغيرة تحمل لوحاتها حرف “j” الذي يشير أنها تتبع لبلدية الدار البيضاء، ونقلت 100 شخص تقريبا للمشاركة في التظاهرة. وشاهد مراسلون صحفيون ومصورون تواجدوا في المكان أشخاصا يعرفون بأنهم من موظفي البلدية، كانوا يوزعون على المتظاهرين يافطات وأعلاما مغربية. وتم التقاط صور للباصات ولموظفي البلدية من قبل مجلة “لو جورنال” وعدة مطبوعات مستقلة، بما في ذلك الصحيفتين اليوميتين الناطقتين بالعربية “الأحداث المغربية” و “الصباح”.
ووفقا لشهود عيان، استخدم موظفو البلدية مكبرات صوت وهتفوا بشعارات ضد المجلة. وقال عدة أشخاص من المتظاهرين للصحفيين إنه قد تم إحضارهم من قبل سلطات البلدية. وقالت امرأة لمراسل مجلة “لو جورنال” إنها اضطرت للحضور إذ قيل لها إن البلدية ستكافئها—على الرغم من أنها لا تعلم بتاتا ما هو سبب التظاهرة.
في اليوم التالي، تواجد المتظاهرون أمام المطبعة التي تطبع المجلة في مدينة الدار البيضاء. ووفقا لتقرير نشرته مجلة “لو جورنال، كانت السلطات المحلية في هذه الحالة أيضا قد قامت بتنظيم المتظاهرين ونقلهم بباصات تابعة للبلدية. وحددت المجلة هوية عدة موظفين تابعين للبلدية شاركوا في التظاهرة. وقال متظاهرون خلال مقابلات أجرتها معهم المجلة وصحف أخرى إنه قد تم إحضارهم من قبل وزارة الداخلية.
قامت المحطتان التلفزيونيتان (2M) و (RTM) التابعتان للدولة بتضخيم الحدث. فقد اتهمت محطة (2M) المجلة بأنها “تسير ضد الرأي العام من خلال اتخاذ مواقف ضد القيم المقدسة للبلاد”.
وزير الاتصالات المغربي، بن عبدالله، امتنع عن الاجابة عن أسئلة متكررة وجهتها له لجنة حماية الصحفيين حول ما إذا كانت الحكومة قد نظمت التظاهرات ضد مجلة “لو جورنال”. ومع ذلك، فقد أقر بأن التلفزيون الذي تملكه الدولة “أخطأ” في تغطية مجلة “لو جورنال”، ولكنه لم يقدم أية تفاصل حول هذا الشأن.
تتضمن الصحافة المغربية المستقلة بعض الصحفيين “الواقعيين” ممن يسعون للتوصل إلى تسويات ضمن الحدود الحالية لحرية الصحافة، وكذلك صحفيين “مثاليين” ممن لا يقبلون بأنصاف الحلول ويرون أن مهمتهم تتمثل بدفع الحدود بصرف النظر عن العواقب. ويكمن في جوهر هذا الجدال، مسألة تحديد إلى أي مدى يجب إخضاع الحكومة والملك للمساءلة. ويقول بنشمسي الذي يصف نفسه بأنه “واقعي” أو “برغماتي”، وما تزال صحيفته تنشر تغطية ناقدة، “لن أدعي أنني بقوة الدولة، لا يمكنك أبدا البدء بصراع قبل أن تعرف توازن القوى بين الطرفين”.
ويرى أخرون فجوة متنامية بين لغو الحكومة وواقع الصحافة. ويقول عبد الحميد أمين، وهو رئيس جمعية مغربية مستقلة لحقوق الإنسان، “تواصل السلطات القول إنه يحق للمرء التعبير عن نفسه في جميع القضايا باستثناء ما يعد من المحظورات [تابو]” وأضاف “لماذا يقول بعض الصحفيين إن هناك تقدما في موضوع حرية التعبير؟ لأنهم اعتادوا على الرقابة الذاتية بعد سنوات من ممارستها”.
يعمد المسؤولون الحكوميون، بطريقتهم الخاصة، إلى إثارة السياق ذاته. إذ أنهم يقللون من شأن القيود على الصحافة من خلال مقارنة الأوضاع الحالية للصحافة مع الأوضاع التي كانت سائدة أثناء النظام القمعي في عهد الملك الحسن الثاني، أو مع الظروف بالغة السوء للصحافة في الشرق الأوسط ككل.
مع ذلك، هذه المقارنات مضللة إلى حد بعيد. فعلى الرغم من التحسن الذي طرأ على ظروف الصحافة خلال عقد التسعينات، وجدت لجنة حماية الصحفيين أن حرية الصحافة تراجعت إلى حد كبير خلال السنوات الخمس الأخيرة. وعلى الرغم من كل التقدم الذي جرى في المغرب، إلا أنه يتوجب عمل أشياء أخرى كثيرة في بلد يصف نفسه بأنه يتبع نظام الملكية الدستورية.
وبعد مرور ثماني سنوات على حكم الملك محمد السادس، ينبغي على قادة المغرب ترجمة أقوالهم إلى أفعال لإظهار التزامهم المعلن بنشر الديمقراطية وحرية الصحافة. توفر المراجعة الجارية لقانون الصحافة حاليا فرصة مناسبة للحكومة المغربية لإنهاء الإجراءات التي تسمح بسجن الصحفيين أو منعهم من العمل، كما جرى في بلدان عربية أخرى يعتبر القمع فيها أشد وطأة. كما توجد حاجة إلى إصلاح القضاء لإنهاء الملاحقات القضائية المسيسة والحيل القذرة. وبعد كل شئ، فإن القضاة الذين يصدرون أحكاما أثناء تغيب الدفاع من قاعة المحكمة يجعلون اعلان المغرب عن دعمه للتحديث وسيادة القانون عبارة عن شعارات فارغة من أي مضمون.