بشير البكر / دمشق عاصمة القمع للعام 2008 ندوة باريس بين منظمة “مراسلون بلا حدود” و”لجنة اعلان دمشق”
البيانات والحملات الإعلامية لم تعد تؤثر على النظام السوري ضرورة البحث عن إستراتيجية فعالة و وسائل أفضل.
عقدت منظمة “مراسلون بلا حدود” و”لجنة إعلان دمشق” في فرنسا مؤتمراً صحفياً في 19 شباط 2008، وذلك في مقرّ المنظمة. وكانت الكلمة الافتتاحية لرئيس المنظمة روبير مينار، والكلمة الرئيسية للكاتب والناشر السوري فاروق مردم بك. وقدّم محمد العبد الله، نجل الصحفي السوري المعتقل علي العبد الله، مداخلته من بيروت مباشرة، مكان إقامته حالياً. حضر المؤتمر العديد من الإعلاميين والصحفيين والمهتمين بالشأن العام السوري.
بدأ روبير مينار، رئيس المنظمة، حديثه عن الأسباب الموضوعية التي استوجبت الدعوة لذلك المؤتمر الصحفي بالمشاركة مع الأصدقاء السوريين. فذكر بدايةً حملة الاعتقالات الجديدة التي شنّتها السلطة السورية في نهاية شهر كانون الأول، وأشار إلى كونها حملة مستمرة ومفتوحة. ثم عرّج على ذكر ميشيل كيلو وأنور البني وبقية المعتقلين الذين مازالوا خلف قضبان السجون بعد أن تمّت محاكمتهم. أضاف إلى ذلك، مشاعر السخط التي تنتاب منظمة مراسلون بلا حدود، تجاه الالتباس الحاصل في أذهان الناس الذين يعتبرون أن كثرة وسائل الإعلام في سورية إنما تدلّ على تعددية حقيقية وعلى تطوّر فعلي في مجال الصحافة والإعلام. وفي الواقع، لا تتعدى تلك الوسائل كونها وسائل ترفيهية، وليس هناك أي تطوّر على الإطلاق في هذين المجالَين. ذكر مينار على سبيل المثال لا الحصر، حال العديد من مواقع الانترنت المحجوبة في سورية، والشباب الذين يُعتقلون بسبب نقاشاتهم على مواقع الانترنت حيث تفرض السلطات على أصحاب مقاهي الانترنت مراقبة الروّاد والمواقع التي يتصفّحونها والتعليقات التي يشاركون بها. وختاماً تحدث عن أهمية مكانة سورية في المشهد الإقليمي، سواءً بالنسبة للقضية اللبنانية أو للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتأثير ذلك على سياسة بعض الدول التي تلتزم الصمت إزاء انتهاكات الحريات وحقوق الإنسان داخل الحدود السورية، فتترك بذلك للنظام السوري إمكانية استغلال موقعه الجيوسياسي على أكمل وجه.
شكر المثقف السوري فاروق مردم بك الجهود التي تبذلها منظمة مراسلون بلا حدود دفاعاً عن حرية الصحافة في العالم وفي البلدان العربية.
وبدأ مداخلته بالحدث الأبرز على الساحة السورية الداخلية: اعتقال 12 شخصية سورية، بينهم ثلاثة صحفيين، إثر انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وعزلهم لمدة تتجاوز الشهر، ثم إحالتهم إلى المحكمة بذريعة التهم التالية: نشر أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة، إضعاف الشعور القومي، الانتساب إلى جمعية سرية تهدف إلى تغيير كيان الدولة، إثارة النعرات الطائفية والمذهبية.
أول صحفي هو فايز سارة، أحد مؤسسي الجمعية السورية لحقوق الإنسان ولجان إحياء المجتمع المدني. شارك في عدة مؤلّفات منها: موسوعة فن الكاريكاتور العربي. سبق واعتُقل لمدة عامين، كما تعرّض لكافة أنواع التعسف: استدعاءات أمنية، مضايقات، تحقيقات وتحريات.
والصحافي الثاني: علي العبد الله الذي بدأ نضاله بوصفه صحفياً في منظمة التحرير الفلسطينية، ثم اضطر لترك لبنان إلى تونس عام 1982 إثر الاحتلال الإسرائيلي. اعتُقل بدوره حال رجوعه إلى مطار دمشق الدولي، واختفى ستة أشهر في الفرع الأمني الأسوأ صيتاً. اعتُقل مرة أخرى عام 2005 لمدة خمسة أشهر بسبب نشاطاته في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي، ليُعتقل من جديد مع ابنه محمد إثر تجمّع سلمي أمام محكمة أمن الدولة حيث طالبا برفع حالة الطوارئ. كذلك تمّ اعتقال ابنه الآخر: عمر العبد الله.
أما الثالث فهو: أكرم البني الذي يجسّد المثال الأبرز عن صلابة الديمقراطي السوري، حيث تجسّد مسيرته وحدها قصة ثلاثين عاماً من القمع وإنكار حقوق المواطنين السوريين في الحرية والكرامة. قضى أكرم ستة عشر عاماً من حياته (1978-2001) في السجن في ظروف رهيبة انعكست بخطورة على صحته. لذلك أتى متأخراً إلى عالم الصحافة، لكنه أصبح ناقداً متيقظاً إلى السياسة القمعية التي تمارسها السلطة في سورية، وتجلّى ذلك في مقالاته المنشورة في الصحافة اللبنانية الحرّة. ولعله من الأهمية بمكان الحديث عن الأضرار الجسيمة التي أصابت ومازالت تصيب العديد من أفراد عائلته جرّاء تعسّف سياسة النظام القائم. المحامي الناشط أنور البني، شقيق أكرم، يقبع خلف قضبان السجون. زوجته روزيت سبق واعتُقلت مرتين، استمرت المرة الأولى مدة ثلاث سنوات. ولم يوفّر الاعتقال التعسفي أخته سحر، وزوجها مصطفى خليفة الذي بقي قيد الاعتقال ثلاثة عشر عاماً تاركاً لنا شهادة لا يمكن للإنسانية احتمال فظاعة سجن تدمر الموثّق فيها. وهكذا يتجاوز مجموع فترات اعتقال أفراد أسرة البني وحدها الستين عاماً.
ثم وضع مردم بك اعتقال هؤلاء الصحفيين الأحرار في سياقه مذكراً بحالة الطوارئ المعلنة في سورية منذ 45 عاماً، والقوانين الاستثنائية التي تجيز للسلطة فرض القيود على حق الاجتماع والإقامة والتجوّل، وتعطيها الحق في اعتقال أي شخص تعتبره خطراً على النظام العام وعلى أمن الدولة دون محاكمة، كما تجيز لها تفتيش البيوت ومراقبة البريد والاتصالات الهاتفية، وإخضاع الصحافة والمطبوعات للرقابة. ولخّص تلك التجاوزات بوصفها إلغاء لكل الحريات الأساسية والعامة، بل وبعض الحريات الخاصة.
وأوضح أن تلك التشريعات هي التي تنظم الحياة السياسية في سورية، وليس الدستور السوري الذي صدر بعد 11 عاماً. حيث أن الدستور يعطي للمواطنين حق المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ويقرّ بحرية الرأي والتعبير، ويحظر مراقبة أو اعتقال أو تعذيب أو إهانة أي فرد من أفراد المجتمع بسبب رأيه، كما يمنع انتهاك البيوت والبريد والاتصالات الهاتفية. وتكمن المشكلة في أن بنود الدستور تلك، وعلى الرغم من كونها حقوقاً أساسية للمواطنين، إلا أنها تنتهي جميعها باصطلاح سحري ينقضها مباشرةً: “طبقاً للقانون”، أو “بحسب أحكام القانون”، أو “في حدود القانون”، وفي الواقع ليس هذا القانون المعتمَد إلا قانون الطوارئ. ويُضاف إلى ذلك كله مراسيم وأحكام وتدابير إدارية تصيب بشكل خاص بعض مكونات الشعب السوري. على سبيل المثال القانون 49 الصادر سنة 1980، والذي يقضي بحكم الإعدام كل مواطن يُشتبه بانتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين. كذلك المرسوم رقم 93 للعام 1962 الذي جرّد 150000 كردي من جنسيتهم السورية في محافظة الحسكة، وزادته سوءاً السياسة المستمرة في التمييز الممارس بحق الأكرد كمنعهم من تعليم لغتهم ومن نقل تراثهم الثقافي عبر أجيالهم، وحتى من العمل في وظائف عامة.
وبممارسة ما يسمّوه “الحزام العربي”، أدّت المساعي المبذولة في سبيل إقصاء أكراد سورية عن أكراد العراق وتركيا إلى مصادرة أموال وترحيل آلاف العائلات بعيداً عن منازلهم.
طيلة ثلاثين عاماً من الحكم المطلق لحافظ الأسد، حوّل القمع الرهيب الذي عرفته سورية في عهده، والذي أدى إلى عشرات الآلاف من القتلى، عدا المفقودين والمنكوبين، حوّل البلاد إلى “مملكة الصمت”. إلا أن بعض المثقفين والمعتقلين السياسيين السابقين والمدافعين عن حقوق الإنسان كسروا جدار الصمت في “ربيع دمشق” الذي لم يتعدّ أشهراً عدة أعقبت رحيل الديكتاتور السابق عام 2000 ووصول ابنه إلى سدّة الحكم.
ومنذ إجهاز السلطة على بوادر انفتاح خجولة، تعرّض مطالبو تشييد سورية دولةً للقانون، إلى ثلاث حملات اعتقال من معالمها: اعتقالات تعسفية، محاكمات جائرة، أحكام طويلة الأمد، منع سفر، تسريح تعسفي من العمل الحكومي.
أول تلك الحملات عام 2001، طالت الوجوه البارزة في إعلان دمشق من أمثال رياض الترك، رياض سيف، وعارف دليلة. عارف دليلة: اقتصادي بارز وأحد مؤسسي لجان إحياء المجتمع المدني، حوكم بالسجن عشر سنوات وجُرِّد من حقوقه السياسية والمدنية لمجرد كشفه عن بعض ملفات الفساد ومطالبته بالإصلاح الاقتصادي لصالح الشعب السوري.
ثم اعتقلت السلطة السورية عام 2006 مجموعة مثقفين سوريين موقّعين على إعلان دمشق بيروت-بيروت دمشق، يدعون من خلاله إلى إصلاح العلاقات بين البلدَين بعد الخراب الذي تعرّضت له بسبب الوصاية التي مارسها النظام السوري على لبنان. وذكر مردم بك المؤتمر الصحفي الذي أقيم مع مينار في ذلك الوقت، والوقوف عند حالة الصحفي والكاتب ميشيل كيلو، أحد أبرز مؤسسي هذا الإعلان. جرت محاكمة كيلو بتهمة إضعاف الشعور القومي، النيل من هيبة الدولة، وإيقاظ النعرات الطائفية والمذهبية. في ذلك الوقت، قرّر قاضي التحقيق إخلاء سبيل كيلو إلا أن تدخّل شخصية سياسية من الصف الأول أوقف ذلك القرار.
وأضاف مردم بك أننا نواجه اليوم الحملة الثالثة من الاعتقالات، والتي طالت ما يقارب أربعين عضواً من المجلس الوطني لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي. أُحيل اثنا عشر منهم إلى القضاء (واللائحة قابلة للازدياد يوماً بعد آخر) بنفس التهم الوهمية المعتادة مُضاف إليها تهمة: الانتساب إلى منظمة سرية. هم: فداء حوراني، علي العبد الله، أكرم البني، أحمد طعمة، جبر الشوفي، وليد البني، ياسر العيتي، فايز سارة، محمد حجي درويش، مروان العش، رياض سيف، وطلال أبو دان. اثنا عشر مواطناً سورياً أدركوا الخطر الذي يهدد البلاد – دولةً ومجتمعاً – بسبب عزلها عن محيطها الإقليمي والدولي، وبسبب نظام سياسي واقتصادي ضالّ. لم يكونوا إلا جزءاً من 160 شخصية سورية يمثّلون تيارات سياسية وأيديولوجية مختلفة، اجتمعوا في مؤتمر للمجلس الوطني لإعلان دمشق في 1 كانون الأول الماضي. اعتُبر هذا الاجتماع بمثابة خطوة هامة ونوعية للحركة الديمقراطية في سورية.
وأضاف مردم بك أنه من الضروري تعريف الأصدقاء الفرنسيين والأوروبيين بالحصيلة النهائية التي تبّناها المجتمعون في المجلس الوطني، ونشرها على أوسع نطاق ممكن، حيث أنها تدحض كل الاتهامات الموجهة إلى معتقلي إعلان دمشق والتي قد تعرّضهم لسنوات طويلة من السجن. فمن خلال إدراكه “الأزمة المعيشية الخانقة والمرشحة للتفاقم والتدهور” التي يعيشها الشعب السوري، أطلق المجلس الوطني لإعلان دمشق “دعوة مفتوحة لجميع القوى والأفراد، مهما اختلفت مشاربهم وآراؤهم السياسية وانتماءاتهم القومية أو عقائدهم أو وضعهم الاجتماعي، للالتقاء والحوار والعمل معاً من أجل الهدف الجامع الموحّد، الذي يتمثّل بالانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد إلى نظام وطني ديمقراطي”.
وكان تعريف هذا الانتقال بأنه: “عملية سلمية ومتدرّجة، تساعد في سياقها ونتائجها على تعزيز اللحمة الوطنية، وتنبذ العنف وسياسات الإقصاء والاستئصال”. كما وضع المجلس هدفاً له ” إعادة بناء الدولة المدنية الحديثة، التي تتأسّس على عقد اجتماعي يتجسّد في دستور جديد، يكون أساساً لنظام برلماني، ويضمن الحقوق المتساوية للمواطنين ويحدّد واجباتهم، ويكفل التعددية وتداول السلطة، واستقلال القضاء وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان والمواطن والالتزام بجميع الشرائع الدولية المتعلقة بها”. ورأى المجلس أن عملية التغيير الديمقراطي المشار إليها “تتضمن احترام كل مكونات الشعب السوري وحقوقه وتأسيسها على قاعدة المساواة التامة أمام القانون، وإيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، وضمان حقوق الآثوريين (السريان)، في إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً”.
وأضاف مردم بك معلّقاً أن النداء المستمر من أجل فتح حوار وطني حقيقي وتلك الأفكار التي توصّل إليها المجلس الوطني لإعلان دمشق، نجدها الآن في قلب الاتهامات الموجّهة إلى معتقلي الإعلان، وكل ذلك بحجج واهية.
وقبل أن ينهي مداخلته، أخصّ بالحديث فداء الحوراني التي انتُخبت رئيسة للمجلس الوطني لإعلان دمشق، ولفت الأنظار إلى أنها أول سيدة تُعتقل وتُحال إلى القضاء منذ العام 2001. طبيبة نسائية ومديرة مستشفى في حماة، نشرت عدة مقالات ودراسات ذكر منها دراسة مقارنة تتعلق بالنظم الدستورية في سوريا. أُحيلت إلى القضاء بعد أربعين يوماً من عزلها في زنزانة منفردة، وهي حالياً في سجن دوما للنساء. وخاطب مردم بك الضمائر الإنسانية الحرة من أجل القيام بحملة دولية عاجلة تطالب بإطلاق سراحها على الفور، خصوصاً وأنها تعاني من مرض مزمن. كذلك تحدث عن رياض سيف، رئيس هيئة الأمانة العامة لإعلان دمشق والذي ينال النصيب الأوفر من سوء المعاملة منذ اعتقاله، وتستدعي حالته الصحية التي تدعو للقلق (فهو يعاني حالة متقدمة من سرطان البروستات وانسداداً في شرايين القلب، وقد تم منعه من السفر الذي كان ضرورياً في حالته لغرض العلاج)، الإفراج عنه دون قيد أو شرط.
وفي مداخلته، أوضح محمد العبد الله أن والده قد تعرّض للضرب المبرح لدرجة تسبّبت له بثقب في طبل الأذن. علم ذلك من والدته التي تزور والده مرة أسبوعياً. كما علم أن قاضي التحقيق يمنع حتى الآن محامي الدفاع من الحصول على أقوال كافة معتقلي إعلان دمشق. وأضاف أن التهم التي ووجه بها العبد الله هي نفس التهم التي تُوجّه عادةً للصحفيين ولنشطاء حقوق الإنسان: نشر أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة، أو إضعاف الشعور القومي، وأنه حتى الآن لم يصدر عن القاضي القرار الاتهامي الذي يحدّد نوع التهم: هل هي جنايات أم جنح، وبالتالي يحدّد الحدّ الأقصى الذي يمكن أن يقضيه المعتقلون في السجن. ونوّه أنه في كل مرة يتم فيها اعتقال ناشط سياسي أو صحافي أو ناشط في مجال حقوق الإنسان، لا يتمّ التحقيق معه في نشاطاته السياسية أو الحقوقية والتي تمثّل التهم المباشرة الموجَهة إليه، ولكن يتمّ استخراج أقواله وكتاباته ومقالاته ومراجع سابقة لتُقدَّم ضدّه في محاكمته. وضرب مثلاً مثول علي العبد الله أمام محكمة أمن الدولة عام 2005 حيث كان الاتهام يتعلّق بقراءته بياناً في منتدى جمال الأتاسي، ومع ذلك كان التحقيق قائماً على أربع مقالات نُشرت له سابقاً في عدة صحف.
وأوضح أنه لا يلمس جدية في تعامل المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين مع هذا الملف، وأنه كان لافتاً منذ أسبوع مقابلة رئيسة الوزراء السويدية مع صحيفة الحياة حيث أنها لم تأتِ على ذكر موضوع حقوق الإنسان في سورية أو معتقلي إعلان دمشق وكافة معتقلي الرأي والضمير، بل كان كل اهتمامها ينصبّ على ملفات سياسية تهمّ الاتحاد الأوروبي: سياسة سورية في لبنان والعراق وفلسطين.
واعتقد محمد العبد الله أن البيانات والحملات الإعلامية لم تعد تؤثر، وأنه يجب البحث مع المنظمات الدولية التي تعنى بملف حقوق الإنسان والحريات وحرية الصحافة عن استراتيجة مشتركة وعن وسائل أفضل. وذكر مثال ما حصل في أوروبا الشرقية وجنوب أفريقيا وكيف تمّ تعريف كل المواطنين بالنشاطات السياسية والسير الذاتية لكل معتقل من المعتقلين.
وفي ردّ على سؤال مينار حول احتمال عودته إلى سورية في هذه الظروف، اعتقد العبد الله أنه سيتم اعتقاله حال عودته، لذلك هو يفكر بالبقاء في بيروت في الوقت الراهن.
سأله أحد الصحفيين عن أداة الضغط الناجعة التي يمكن أن يمارسها المجتمع الدولي على النظام السوري لإلزامه باحترام حقوق الإنسان، خصوصاً في ظل عزلة إقليمية ودولية يعيشها النظام في الوقت الراهن. اعتبر العبد الله أن تخصيص ملف حقوق الإنسان وعزله عن بقية الملفات السياسية على مستوى المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين، هو خطوة جيدة. وبالطبع وضعه باستمرار في المرتبة الأولى من الاهتمامات، وبالتالي عدم التعامل معه كمجرد ورقة يتم الضغط بها فقط عندما يُطلب من النظام السوري مطالب سياسية.
وبعد حديث أحد الصحفيين حول الرد العكسي الذي يمكن أن يحدث عندما يتمّ التركيز على أحد النشطاء، مثلما حدث في حالة رياض سيف وضجة المطالبات الأمريكية والأوروبية بخصوصه وخصوص مرضه ومنعه من السفر، فيأتي ردّ النظام بالاعتقال، أشار العبد الله أن ردود الأفعال الدولية لم تتعالَ إلا بعد اعتقال رياض سيف. أضاف أنه من المفهوم أن الوضع الصحي لرياض سيف يستدعي التركيز عليه، ولكنه طالب بأن يكون الاهتمام بكل المعتقلين على حدّ سواء.
وسأل مينار عن رأي وردة فعل النشطاء السوريين الديمقراطيين على سياسة ساركوزي تجاه سورية حيث تختلف النبرة لتتحدث عن حوار مع سورية. أجاب العبد الله أنه إذا كان الحوار حول ملفات سياسية تتعلق بالعلاقات الفرنسية السورية، فلا تعليق لديه على الموضوع، ولكنه تحدث عن ضرورة إقامة حوارات بين فرنسا وسورية فيما يخص ملف حقوق الإنسان، على أن تتعامل فرنسا مع هذا الملف كملف أساسي.
عبّر روبير مينار عن قلقه إزاء هذه الاعتقالات الجديدة التي تُضاف إلى مئات الاعتقالات التي جرت وتجري بحق نشطاء الرأي وحقوق الإنسان، وأكّد أنه على الغرب التطرّق بشكل دائم لملف حقوق الإنسان عند الحديث عن سورية. وذكّر أن هؤلاء النشطاء يعملون بشكل سلمي ويطالبون بحوار وطني مفتوح وصولاً إلى تغيير تدريجي نحو الديمقراطية.
اعتبر أحد الصحفيين أنه من المستحيل فصل الجانب السياسي عن جانب حقوق الإنسان في الموضوع السوري، وسأل عن التكتيك المقترَح للوصول إلى حلّ بهذا الخصوص. فأكّد مردم بك على ضرورة فصل الملف السياسي الإقليمي عن ملف الدفاع عن حقوق الإنسان بوصفه ملفاً يُلزم كل البشر بالتحرّك لمناصرته بغض النظر عن المواقف السياسية. ودعا إلى الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل مطلق، غير مقيّد بشرط، لأن تلك الحقوق إنما هي قيم إنسانية عامة علينا النضال من أجلها حيث هي منتَهَكَة.
وأضاف مينار أن الديمقراطيين الغربيين يتعاملون مع ملف حقوق الإنسان في سوريا باعتباره درجة ثانية، فيعطون بذلك الأولوية لتقييم دور سورية في المنطقة: إيجابي أو سلبي نسبةً إلى المشهد الإقليمي، ثم يتناولون موضوع حقوق الإنسان داخل سورية بشكل عَرضي. ويختلف هذا التناول بحسب الأوجه المختلفة لمقاربة وتقييم الدور السوري في المنطقة فيما يخص الملفات الشائكة. على هذا الأساس دعا مينار من جديد إلى فصل ضروري للملف السياسي عن ملف حقوق الإنسان في سورية، كما دعا الديمقراطيين الغربيين إلى التحرك من أجل ملف حقوق الإنسان، وإلى مناصرة معتقلي الرأي والضمير ومنهم معتقلي إعلان دمشق، وذلك بغض النظر عن الأجندات الدبلوماسية. وخصّ بالذكر البرلمان الأوروبي ومسؤوليته في الاستمرار في تبني مواقف حاسمة لصالح هؤلاء المعتقلين.
وتحدث مينار عن التنسيق الذي سيتم بين منظمة مرسلون بلا حدود وبين شبكة تؤسسها جيزيل خوري للدفاع عن حرية الصحافة في فلسطين، سورية، لبنان، والأردن.
اعتبر أحد الصحفيين أن فصل الملف السياسي عن ملف حقوق الإنسان لن يؤدي إلى نتيجة، وأنه يجب باستمرار مطالبة النظام السوري بالإفراج عن المعتقلين والضغط من جهة أخرى بخصوص ملفات يُعنى بها النظام.
وأجاب مردم بك أنه يقصد بفصل الملفَّين الاستمرار في الضغط فيما يخص حقوق الإنسان بغض النظر عن العلاقات السياسية التي تتغير وتتراوح بين سيئة وحسنة. وبالتالي هي دعوة إلى عدم تسييس ملف حقوق الإنسان كي لا يصبح سلاحاً بيد أصحاب النفوذ في العالم يستخدموه بدرجات متفاوتة حسب النظام القائم.
بشير البكر / كاتب سوري مقيم في فرنسا