ربحان رمضان : كردي في بلد “قليل”
بيني وبين والدي رحمه الله واحد وخمسون عام ، فقد كنت وحسب قول البعض ” آخر العنقود” ، وعادة آخر العنقود يكون مدللا ً ، لكنني لم أكن مدلل العائلة لأنه كان يقول عني (رحمه الله) أني حامل السلم بالعرض ..
فلما كنت أتكلم عن المعسكرين الكبيرين ، وعن الحرب الباردة .. بين قوى العملية الثورية التي تمثل المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي ، والأحزاب العمالية في البلدان الرأسمالية ، وحركات التحرر الوطني في العالم ، يسخر مني ، كان يقول أنهما متفقان ..
كل له حصته ..
لم أكن أصدق ، وأدافع عن مبدأ أن النضال الفردي هو جزء من النضال العام لملايين البشر ، حيث أن نضال العامل في انغولا ضد الامبريالية ســــــــــيحقق انتصار ، وانتصاره هو انتصاري .. ومن الواجب أن نقضي على الرأسمال ، وعلى الاقطاع .. وماشابه ..
يضحك مني أيضا ً ، يردد لي ماقاله الدرويش يوم كان هناك شئ يسمّى ” عملية ثورية ” :
يا صديقي! لن يصب النيل في الفولغا
ولا الكونغو، ولا الأردن، في نهر الفرات!
كل نهر، وله نبع… ومجرى… وحياة!
ويضحك ..
وأحيانا ً أخرى كان يلتفت إلي بحدّة ويقول : أي إقطاع تتكلم عنه وقد انتقل الإقطاع لأقطاب النظام ؟!!
انظر إلى الفيلات التي يشيدها المجندون لضباطهم .. من أين لأولئك شراء مزارع وفيلل ؟
يابني ، الفلاح بقي فلاحا فقير، يحتاج للمواد الأولية لتشغيل أرضه ، وتراكتور ، وحصادة .. ولذلك اضطر الكثير من الفلاحين الفقراء ، والمستفيدين من قانون الاصلاح الزراعي إلى تسليم الأرض للتجار والمرشدين الزراعيين الذين يملكوا تلك الأدوات ، ويملكوا ثمن الوقود .
والعامل هو العامل ، بقي كما كان لايملك إلا قوة عمله ..
ياابني ، اللي فوق ضبوا كل شي ..
فأساله : وقضيتنا ؟
أي قضية ؟ ، يسألني وكأنه لا يعرف شئ عن قضية الشعب الكردي البتة (بالرغم أنه هو الذي شجعني على الانتساب للبارتي ) .
فأقول جادا ً : القضية الكردية .
يضحك أيضا ً ويقول : يابني هذا بعيد المنال ، يعني إذا فلسطين رجعت لأهلا بيصير عنّـا كردستان .. مافي محّـبة .
فتعلق عمتي رحمها الله على كلامنا وتقول : والله لشّكل ” بابوجة ” ** على راسي إذا صارت كردستان .
فأقول لهما : سنناضل .
فيسألني : من انتم .
أقول : البارتي ..
فيغشى من الضحك ، ويقول : أي منهما ؟ ** *
فأقول : كلاهما .
يرد علي منهيا ً حديثه :
يابني ، نحن الكرد ، (واحدنا في بلد .. قليل ،
واثنان ، “كثير !! ” ) .
============
* كاتب وناشط سياسي – معتقل رأي سابق .
** البابوجة : الحذاء .
*** حمل شقي الحزب في سوريا (بعد 5 آب – 1965) نفس الاسم ” البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا .