إلى دماء الشهداء الثلاثة في القامشلي
الرسالة واضحة في جريمة النظام , ليس فقط أنه يريد أن يثبت , مرة أخرى , أنه مالك هذه الرؤوس على طريقة الحجاج , بل إنه يريد , بالإضافة إلى الاعتقالات التي لا تتوقف و بالإضافة لمحاولته إخراس أي تعبير أو تبادل حر للآراء على الانترنيت , أن يحاصر و يقضي على جيوب المقاومة التي تجرأت على التعبير عن توقها إلى الحرية..هذا هو أساس سياسة النظام الذي يعمل على عودة سيطرة الصمت و الخنوع التام على النخبة و المجتمع في نفس الوقت..هذا لا علاقة له أبدا بتقدم المشروع الأمريكي الإسرائيلي , قبل خمس سنوات احتاج الأمريكان لأسبوعين فقط ليشقوا طريقهم إلى بغداد عبر أكوام من البشر الذين سحق نظام صدام إنسانيتهم و مقاومتهم لدرجة أصبحت فيها التسليم لسلطة الأقوى ممارسة طبيعية , إن نظام بشار الأسد في سحقه مرة تلو الأخرى لأية محاولة لممارسة السياسة أو أي تعبير و لو كان بسيطا عن الاحتجاج سواء من طرف النخبة أو المجتمع فإنه لا يقضي فقط على أية إمكانية لمقاومة مجتمعية حرة تعبر عن مصالح هذه المجتمع أو فئاته أو نخبه بل يقضي على قدرة المجتمع ككل على الدفاع عن نفسه أمام أية غزوة قادمة..لهذا القمع علاقة بالتأكيد بظهور شكل معارض نخبوي جدي كإعلان دمشق , لكن البعد الأكثر خطورة هو تراجع مستوى حياة معظم السوريين لدرجة إفقار عام للشعب و إطلاق تغييرات عميقة في الوضعية الاجتماعية و في الوعي العام الذي يشكل مصدر الخطر الحقيقي على النظام الذي يخلق بنهبه المنفلت نقيضه الذي لن يتحرر و لن يحقق العدالة و المساواة و الحياة الكريمة إلا بهزيمة سياسات و قمع النظام أي باختصار بهزيمة النظام , و يريد النظام بالتالي عبر سياساته القمعية و التمزيقية أن يترك نقيضه هذا أي الجماهير التي يقوم بإفقارها و تجويعها عاجزة فاقدة قدرتها على الدفاع عن النفس..إن القضية اليوم ليست في محاولة استعادة وحدة المعارضة و لا في المضي بالجدال بين أقسامها فيما يتعلق بالعلاقة مع أمريكا و إيران أو مع 14 آذار في لبنان مثلا فهذه قضايا يتكفل الواقع الفعلي الموضوعي بحلها , إن الدور الأهم هنا , كما أزعم , هو في تنظيم مقاومة كل السوريين ضحايا سياسات النظام , ليس مجرد توسيع جيوب المقاومة..من الأكيد هنا بالاستنتاج من طبيعة الجريمة التي نفذها النظام في القامشلي و من طبيعة النقاشات التي شغلت المعارضة و بالتأكيد الشارع السوري أن واحدة من القضايا الأساسية هنا هي في أن نعيد الأمور إلى نصابها و نعيد تأكيد الحقيقة الأساسية لعلاقة النظام القهرية بالمجتمع السوري ككل : أن النظام عدو حقيقي لكل السوريين الذين يوغل في إفقارهم و أن البديل القادم يجب أن يعني حياة أفضل لكل السوريين المهمشين من أية طائفة أو قومية أو فئة , أن يعني الحرية للجميع و العدالة للجميع و المساواة بين الجميع , من القضايا الأساسية في هذا المجال هو إعادة صياغة و تأطير العلاقات بين السوريين العاديين ضحايا قمع و نهب النظام , كردا و عربا و أرمن و آشوريين , سنة و علويين و دروز و مسيحيين , من الواضح هنا أن هذه العلاقات تخضع لمنطق النفعية السياسية و لمنطق الفوقية النخبوية الذي يعني قيام تحالفات بين النخب دون أن تعني توحيد الجماهير في معركتها من أجل حريتها و لقمة خبزها و دون أن يعني هذا حتى صياغة خطاب نخبوي سياسي إستراتيجي أو آني موجه إلى الجماهير بضرورة العمل المشترك دفاعا عن حياتنا التي يغتصبها النظام ( مثال العلاقات بين النخب في العراق و لبنان ماثل أمامنا )..لكننا اليوم لسنا بوارد انتقاد أداء النخبة , إننا بوارد أن نباشر عملا إنقاذيا توحيديا من الأسفل لشتات الشعب الذي يحاصره النظام بسياسات الإفقار و التجويع من جهة و بآلته القمعية من جهة أخرى..إن الرسالة هنا واضحة بسيطة موجهة لكل سوري : أن دماء الشهداء الثلاثة في القامشلي تعني كل سوري , كل سوري محروم من الحرية و من حقه في حياة كريمة , و أن حلم الأكراد بالحرية هو جزء أساسي من حلمنا جميعا بالحرية , أن قمع الآخر القومي و الطائفي لن ينتج إلا طغمة تقمع الجميع , أن تفتيت الناس صاحبة المصلحة بالتغيير هو جزء أساسي من عملية إضعافها الدائمة التي يمارسها النظام , و أن النضال من أجل الحرية يخص كل مقهور في كل مكان من الوطن إن لم يكن العالم بأسره..يقتل النظام من جديد , تختلف أسماء الضحايا و عناوين بيوتهم , لكنهم جميعا بشر يستحقون الحياة , كما نستحق نحن , أهاليهم و جيرانهم و نظرائهم الفقراء , الحرية…..
مازن كم الماز