صالح دياب – جزار الكتب
منذ سنة تقريبا، اتصل بي السيد أبو بكر زمال، وطلب مني أن أرشح له أسماء شعراء أو كتاب، كي يعدوا سلسلة أنطولوجيات عن الشعر العربي الحديث، لكامل البلدان العربية.فاستبشرت بالمشروع، وفرحت به. اقترحت على السيد زمال أسماء بعض الشعراء في عدد من الدول العربية، بعد أخذ موافقتهم. ومن ثم اتفقوا معه. و قد صدرت كتبهم، كما قرأت ذلك،في الصحافة. أما حصة سوريا فكانت من نصيبي.
قال لي السيد زمال بأن كتابي عن الشعر السوري، سيصدر في نهاية السنة الماضية، كحد أقصى ضمن تظاهرة ” الجزائر عاصمة الثقافة العربية “. و بأنه علي ألا أزعل مما حصل معي، عندما دعوت إلى ملتقى أدب المهجر، السنة الماضية.إذ حجزوا لي تذكرة ذهاب إلى الجزائر من مدينة مارسيليا، و لم يخبروني بذلك. بينما كنت أنتظر التذكرة في باريس،المدينة التي أخبرتهم أنني سأجيء منها. أضاف السيد زمال أن هناك وجها آخر للجزائر، سأراه من خلال تجربتي في طباعة كتابي، و أن ما حدث معي، يحدث في كل مكان في العالم العربي.
أنجزت الانطولوجيا، و أرسلتها له. فاتصل بي قائلا أن الكتاب رائع، وسيطبعه مباشرة لأن التمويل كبير و جاهز. لكن، هناك فيتو على اسم نوري الجراح، و يتوجب علي حذفه. استغربت طلبه. قلت له أن الكتاب كتابي، و أنني لا أوافق على حذف أو إضافة أي اسم إلى الكتاب، هذه هي ذائقتي وأنا مسؤول أمامها.فأجابني أن نوري الجراح شريك في المشروع. و لا يريد أن يكون في هذا الكتاب. لم أقتنع أو أفهم حجج السيد زمال، ولا الأسباب التي تدعوه إلى حذف اسم، و ضعته في انطولوجيا أنا مكلف بعملها. فرؤساء أقسام ثقافية في عدد من الصحف لا يتوانون عن نشر مقالات عنهم في الصفحة التي يديرونها، و تلعب هنا مصداقية كاتب المقال واسمه و تجربته، والمقال نفسه و لا يشك احد بأن رئيس الصفحة يريد شهرة هو في غنى عنها. أيضا، مواقع الانترنت تتناقل قصائد لكل الأسماء أحياء و أمواتا و من كافة الأجيال، بما فيها الاسم المذكور، فضلا عن الكتب النقدية التي تتناول الشعر. فلا يعقل إطلاقا أن يمنع كاتب عربي أو غير عربي،كاتبا ما،من تناول تجربته، أو وضع قصائد له في أنطولوجيا، في العالم العربي أو خارجه.خصوصا و أنه سبق أن نشرها ووزعها في كتب. بدا لي طلب الزمال أشبه بمزحة ثقيلة، رفضتها رفضا شديدا، وقد صمت الزمال و لم يصر على عملية الحذف. بعد فترة أرسل إلي السيد زمال صورة لغلافيّ الكتاب عبر ملف بي دي اف و ليس غلافا للكتاب مطبوعا.
و قد زادني ذلك طمأنينة، بأن كل شيء يسير على ما يرام. فرحت كثيرا بعدها حين قرأت في الصحافة خبر صدور كتابي نهاية السنة الماضية. فبدأت أرسل للسيد زمال إيميلات و أتصل به هاتفيا، راجيا منه أن يرسل إلي، ولو نسخة واحدة من الكتاب، أو أن يرسل إلي الغلاف الأول للكتاب سكنر، على الأقل.
كان السيد زمال يصر على القول أن كتابي قد صدر، لكن الإجراءات الإدارية الصعبة، و أحوال البريد تمنعه من إرسال نسخة واحدة من كتابي إلى فرنسا، والدليل على ذلك أنه في أحدى المرات أرسل نسختين إلا أنهما عادتا لسبب إداري شديد التعقيد.
بعد مرور شهور على صدور كتابي، كما تقول الصحف و مواقع الانترنت، فكرت أن أجد حلا شخصيا للأمر، فطلبت من الشاعرة الجزائرية بالفرنسية سميره نغروش أن تشتري لي نسخة وترسلها لي. لكنها لم تجد أي نسخة رغم بحثها بحثا عن الكتاب في العاصمة الجزائرية.الشاعر المغربي محمد العمراوي زار الجزائر الشهر الماضي، و بقي فيها حوالي عشرة أيام. و التقى السيد زمال، لكنه هو الآخر لم يفلح، طيلة فترة وجوده في الجزائر بالعودة إلى فرنسا، و لو بنسخة واحدة من الكتاب الذي أعلن عن صدره نهاية عام 2007.
هذا الأسبوع حصل ما لم أتوقعه أو يخطر ببالي. لقد وصلتني تسع نسخ من الكتاب، عاد بها أحد الأشخاص من الجزائر.
فرحت كثيرا، أنا الذي نسي الكتاب كليا، و بات مقتنعا بأنه لم ولن يصدر، واكتفى بالمبلغ الذي دفع له. وهو سبعمائة وخمسين يورو، و الذي تم تحويله لي بعد شهور و خبر نشر الكتاب في الصحف.
ما إن وقع الكتاب بين يدي حتى صعقت بما رأيته من تغييرات.
فما فعله السيد أبو بكر زمال الذي يدير سلسلة انطولوجيات عربية، و تصدر تحت إشراف ” أهل البيت ” في الجزائر،هو خروج كامل على أخلاقيات النشر. فهو لم ينصب نفسه رقيبا كاتحاد الكتاب العرب، فيجبرني، مثلا، على حذف بعض الجمل، أو عدم الموافقة على الطباعة. لقد قام، في جنح الظلام، بما يبز أفعال اتحاد الكتاب العرب و يتفوق عليه، من دون سؤالي. عندما عاث في كتابي ” نوارس سوداء”.قطعا و تبتيرا و تقصّيبا.لقد غير المفردات المحكية الواردة في القصائد ووضع بدلا عنها كلمات بالفصحى، فهو يضيره مثلا أن يقول شاعر” استوطينا “و يجب عليه أن يقول “استوطنا “. وعلى اعتبار أنه لا يعرف المحكية السورية،بدت القصائد التي غير فيها كاريكاتورية. كما حول أسماء بعض أسماء المحافظات السورية، وسماها قرى، ولا أعرف لماذا لا تعجبه لفظة مدينة، هو الذي لا يعلم بالتقسيمات الإدارية لسوريا.أيضا حذف أسماء شعراء و ضعتهم في الكتاب، و أضاف أسماء أشخاص، لم أخترهم. لم يكتف بذلك بل غير و حذف و عدل في مقدمة الكتاب التي سبق أن نشرتها في صحيفة ” القدس العربي” كي تتناسب مع الأسماء التي أضافها والتي حذفها. ولم يردعه عن فعلته، نشري لها، كاملة.
قام بكل هذا، من دون أن يأخذ رأيي أو يستشيرني، في كتابي و مقدمتي. كما لو أنه هو صاحب الكتاب و هو مقدمه. لقد فعل كل هذا في العتمة. لا أجد توصيفا لذلك، غير التعدي على أبسط حقوقي ككاتب، وفعلته نكوث بالعقد و الاتفاق الذي تم بيننا. لم أسمع بشيء من هذا القبيل في الماضي، و أكاد أقتنع بأن هذه سابقة تسجل للسيد زمال وحده و باسمه. لا أعرف بأي سلطة تصرف، ولا بأي حق، حذف و أضاف.
كان يمكنه أن يرفض نشر الكتاب. كان يمكنه أن يتكلم معي و يسألني أو يقترح علي ما يريده. فأوافق أو لا أوافق. كان يمكنه أن يخبرني بعد صدور الكتاب بأنه قام بكل هذه التغييرات. لكنه لم يفعل أي شيء من هذا القبيل.قام بكل شيء في العتمة، و استفحل و استشرى في فعله، و طبع الكتاب. و كأنه يقوم بأمر عادي و طبيعي و يمارس إحدى السلطات المخول بها.لا أعرف بماذا يبرر السيد زمال ما قام به.
يمكن للسيد زمال أن يؤلف دراسات، و يسطّر كتبا عن السيد درويش الذي أضافه مثلا. يمكنه أن يعد انطولوجيا عن قصيدة النثر السورية أو انطولوجيا له وحده. فطالما أن الكتاب سيحمل توقيعه و اسمه.فهو حر بوضع من يضع و وحذف من يحذف.فهذا أمر يخصه وحده و يخص ذائقته.أما أنا فعندي رأي شخصي في تجربة السيد حسين درويش، رأي يجعل دخوله في كتابي عن قصيدة النثر السورية أمرا غير وارد إطلاقا.
لا أعرف إن كان السيد درويش على علم بأنني لم أضعه في الكتاب.و لا أشك أن هناك تواطؤا ما، فأنا لا أعرف إن كان هو نفسه قد أرسل نصوصه إلى السيد زمال، من أجل كتاب أعده، و ليس هذا الأخير، قد اختارها له، مع العلم أن كتابه الذي يتضمن هذه النصوص لم يكن قد صدر، حينها. لا أشك بأن السيد درويش يقبل أن يدخل في كتاب رغم أنف مؤلفه.لقد أدخل السيد زمال السيد درويش في كتابي، رغم أنفي، في العتمة،سرا، و حذف قصائد نوري الجراح.
لا تستحق أعراف الطباعة والنشر كل هذا، مهما كان الغرض الذي دفع الزمال ليقوم بما قام به. السيد زمال أنت الذي يصدر كتبا هل يوافق على أن يقوم كائن من كان، بحذف أسماء و إضافة أخرى،على هواه، من كتابه الذي أعده عن الشعر الجزائري، و يغير في المقدمة و التعريفات، من دون استشارته أو أخذ رأيه؟؟.. لا أعتقد أنه يوافق على أن يقوم كائنا من كان بأن يفعل ما فعله معي.
إن استخدمه كتابي لتحقيق ما يريد تحقيقه، وحذف أسماء شعراء،و إضافة أسماء أشخاص آخرين، و تغييره في المقدمة كما لو كان الكتاب كتابه. ليس إلا شكل من أشكال التسلط، بتقويلي و إجباري على اختيار ما لم أختره.أهذا هو الوجه الآخر للجزائر الذي كنت موعودا به.
يا لبؤس الشعر، يا لفقره، يا لعزلته.يا لوهمه.
لا يحتمل كل هذا. لا يقوى على تحميله كل هذه المصالح والحسابات.
و من يصر أن يدخل أصحابه في انطولوجيا، لا توزع، ربما لا يعرف أن ذلك لن يجعلهم يدخلون في الخلود.فالاستعراضيون و المتصنعون يعرفون حق المعرفة بأن مناصبهم ترفع أسماءهم، و تجعلهم حاضرين ليس إلا، ولن ينفع قفزهم من النوافذ للدخول إلى البيت، ولو بمساعدة مساعدين، فهم سيطردون حتما.
هنيئا لعاصمة الثقافة العربية السابقة، التي يزين شعارها كتاب
” نوارس سوداء” الذي أصر ناشره الذي هو كاتب، يطبع كتبا، على أن يشاركني في تأليفه، و كتابة مقدمته، رغم أنفي.هنيئا لها و للناطقين باسمها، في السنة الماضية، هذه الفعلة الجديدة.
صالح دياب
www.salehdiab.com