بشار سعيد-التهدئة مناورة في إدارة الصراع
ابتداءً من صباح يوم الخميس 19/6/2008م دخلت التهدئة بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية- بوساطة مصرية- حيّز التنفيذ, ليسجل الشعب الفلسطيني فصلا جديدا في صراعه مع العدو الغاصب,الذي قبل مرغما التعامل مع “الإرهاب الفلسطيني”(عنوان المقاومة) من زاوية تختلف عن زوايا الحلول السابقة والاتفاقيات الأمنية والمفاوضات الموصوفة بالسلمية وإنما من زاوية الصراع والمعركة والمواجهة بين مقاومة تتقدم ولم تنكسر واحتلال يتقهقر ولم ينتصر.
وبسبب الحالة الفلسطينية التي أدمنت الخلافات والانقسامات، فقد برزت مباشرة بعد نفاذ التهدئة أصوات ناقدة أو ناقمة, بل أحيانا مخونة للطرف الذي تحمّل عبء إدارة جولة الصراع الحالية كما انه- وللحقيقة- فقد برزت في المقابل أصوات عديدة فلسطينية وعربية (كثير منها خارج حماس وبعضها يمتلك رؤى وبرامج وإيديولوجيات مخالفة تماما لحماس وبرنامجها) تشيد بالتهدئة وبمن أدارها إلى حد اعتبارها انتصارا للمقاومة
لا شك أن هذه ليست المرة الأولى التي يدور فيها حديث حول التهدئة مع العدو الصهيوني ويتم فيها عقد مثل هذه التهدئة وإن كانت هذه المرة تتميز باختلافات هي لصالح الطرف الفلسطيني ويجدر بنا الوقوف أمام مجموعة من الحقائق حول مشاريع التهدئة التي سبقت أو حتى ما يظن البعض أنها تهدئات سابقة :
1- كل ما كانت تطالب به السلطة وتنادي به هو وقف المقاومة وإدانتها سواء العمليات الاستشهادية أو إطلاق الصواريخ أو أسر الجنود والمستوطنين أو قنصهم ولم يسبق ان عقدت تهدئة مع العدو الصهيوني.
2- كانت السلطة باستمرار تتهكم على المقاومة وتهزأ بأساليبها وتحقّر عملياتها دون تحرك حقيقي من السلطة ومن يقف في مربعها لرد هذا العدوان أو وقفه.. ولو في حده الأدنى المتمثل بوقف التفاوض والحوار المستمر معه دون جدوى وبشكل عبثي.
3- كانت حجة السلطة دائما أن وقف العمل العسكري المقاوم ولو من طرف واحد يحرج العدو ويكسبنا تعاطف العالم ويمكننا من مراكمة انجازات سياسية.
4- لقد مرت المقاومة بشكل عام وحماس بشكل خاص بأشكال مختلفة من التهدئة مثل عدم القيام بالعمليات الاستشهادية أو توقف إطلاق الصواريخ وكان العدو هو الذي يخرق هذه الأشكال ويستمر بعدوانه دون أن يتحرك أحد تحركا حقيقيا لحماية شعبنا والدفاع عنه ودون انجازات سياسية تترجم أي تعاطف فلا مكان في هذا العالم للضعفاء المستجدِين.
5- في اتفاقيات القاهرة بداية العام 2005- وضمن نقاط أخرى- توافقت الأطراف الفلسطينية على تهدئة حتى نهاية العام التزمت بها الأطراف الفلسطينية ولم يقبل الطرف الصهيوني الاعتراف بها – باعتبارها شأنا فلسطينيا داخليا كما قال- بل خرقها مرات عديدة وبأشكال سافرة واستمرت المقاومة الفلسطينية الالتزام بها حتى بدايات عام2006.
6- من المهم ملاحظة أن تهدئة 2005 أبرمت تحت مظلة السلطة ولم تكن حماس قد دخلت التشريعي أو الحكومة ومع ذلك التزمت بها احتراما للاتفاق الفلسطيني وتقديرا للمصلحة الوطنية. مما ينقض اي ادعاء يزعم أن حماس كانت تخرق التهدئة لأن السلطة وفتح هما من أبرمها.
7- لم تكن مطالبات السلطة قبل تهدئة عام 2005 , تتضمن أي تفاهم فلسطيني داخلي بل كانت على خلفية رفض العمل المقاوم عموما وإطلاق الصواريخ خصوصا إلى حد إعطاء الأوامر بإطلاق النار على المجاهدين دون أي مقابل لصالح شعبنا من الطرف الصهيوني المعتدي باستمرار..
أما هذه التهدئة فقد شهدت – ولأول مرة- على إقرار العدو بالنديّة والمقابلة مع المقاومة بعد جولات مستمرة من “عض الاصابع”، لم يكن امام الطرف الصهيوني بعدها الا القبول بما كان يرفض مجرد النقاش حوله،كما انها جاءت نتيجة توافق فصائلي معلن ولم تستفرد حماس بذلك رغم حقيقة الوقائع على الأرض، بل ان حماس أعلنت التزامها التام بأن الحفاظ على التهدئة فلسطينيا لن يتم بالقوة العسكرية وإنما بقوة التوافق الوطني وبدافع المصلحة الوطنية المقدرة من الجميع، وفي أول اختبارات صمود التهدئة بعد الاستفزاز الاجرامي باغتيال مجاهدين في نابلس حرصت حماس على عدم رفع الغطاء عن الجهاد الاسلامي لإطلاقها الصواريخ باعتبار ذلك ردا على الاستفزاز، لكنها طلبت أن تتم الردود بالتوافق حيث أن التهدئة تمت بالتوافق. أما الصاروخ الذي أطلقته مجموعة من كتائب شهداء الأقصى فهو مثير للتساؤل حيث أن أي دور لهؤلاء لم يكن حاضرا طيلة فترة الاجتياحات الصهيونية للقطاع ومن ضمنها المحرقة الصهيونية, ومع ذلك لجأت حماس إلى الصف الوطني والقانون وليس إلى أسلوب السلطة في التعقب والاعتقال وإطلاق النار على المقاومين..
وعلينا ان نلاحظ ان العدو وافق على التهدئة بعد الفشل في تحقيق هدفه بإخضاع قطاع غزة وحكومة حماس سواء بالوسائل العسكرية أو من خلال الحصار الخانق متعدد الاشكال ومتعدد الجنسيات كما ان هذه التهدئة أبرمت ضمن شروط حماس في أن تكون متبادلة ومتزامنة.. فهي تشمل كل أنواع العدوان من اغتيال وقصف واجتياح وحصار (نعم وحصار) وقد أقرّ العدو بتبادليتها وأعلن ذلك. وهي تبدأ من الطرفين بنفس الوقت وليس كما حاول الصهاينة أن يلتزم الفلسطينيون ثم بعد أسبوع أو أسبوعين يقدرون هم مدى الالتزام ويخطون خطوة من طرفهم..!! وكذلك ربطها بالإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير الأمر الذي رفضته حماس باعتبار أن صفقة الأسرى أمر مختلف له استحقاقاته التي يجب ان تدفع.
لقد اقتصرت التهدئة في مرحلتها الحالية الممتدة لستة أشهر على قطاع غزة دون الضفة الغربية.. وبالرغم من وجود رأي يعتبر خروج الضفة من التهدئة مصلحة للمقاومة غير أن حماس وفصائل المقاومة تنظر إلى ضرورة امتداد التهدئة لتشمل الضفة الغربية للتخفيف عن أهلنا هناك أيضا ومع ذلك فإنه من المؤلم ملاحظة أن المقاومة في الضفة تتعرض لاستهداف مزدوج من السلطة ومن العدو، وينبغي الضغط على السلطة لتوقف استهدافها للمقاومة قبل الحديث عن امتداد التهدئة مع العدو للضفة.. ومؤخرا منعت أجهزة أمن السلطة فتح بيت عزاء لأحد شهيدي نابلس وهو من الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح مما أدى لإلغاء بيت العزاء.. كما تجدر الإشارة إلى أنه بعد مرور أقل من 24 ساعة على سريان التهدئة قامت مجموعة مجاهدة تابعة لحماس بقنص 3 مستوطنين في رام الله أحدهم إصابته خطرة للغاية..
نعم..هناك تحد حقيقي أمام جميع الفصائل المقاومة لتفعيل مقاومتها في الضفة المحتلة وزيادة الضغط العسكري على جنود العدو والمستوطنين.. مع تأكيد لزوم رفع أجهزة أمن السلطة أيديها وظلمها عن المقاومة.
وبخصوص التزام العدو بالتهدئة فقد عودنا هذا العدو المجرم على عدم احترام أي عهد وأنه لا يقدم لنا أي شيء إلا بصمودنا وقوتنا بعون الله تعالى وقد يخرق التهدئة وينقضها في أي وقت وهنا الأمر واضح بسيط فالمقاومة ملتزمة ما التزم هو وإلا فهي قادرة على أن تجعله ومستوطنيه يدفعون الثمن دما ورعبا في محيط يشمل أكثر من مئة ألف مستوطن حول قطاع غزة قد يصلون إلى أكثر من مائتي الف مع وجود عشرات أو مئات صواريخ غراد ذات المدى الذي يتجاوز25 كم حسب تقديرات العدو نفسه.. وقد جرب ذلك وجرب الاجتياحات والخسائر (وإن عدتم عدنا).
الخلاصة:
ان التهدئة الأخيرة – بما تضمنته من رضوخ صهيوني واعتراف بندية المقاومة له وصمودها أمام آلته ووسائله العسكرية والاقتصادية ومعها شعبنا المجاهد في قطاع غزة.. وبما تضمنته أيضا من فك للحصار وفتح للمعابر تعتبر – أي التهدئة – شكلا من أشكال ادارة الصراع في مرحلة زمنية على طريق تحقيق انجازات لشعبنا ومشروعنا في التحرير وليست هي إنهاء للصراع أو دخولا في تسويات عبثية أو تنسيق أمني أو غير ذلك من أشكال الخضوع إلذي رفضته وترفضه جماهير شعبنا ومقاومتنا الباسلة بكل مضامينها وأشكالها ، فعلى أرض فلسطين وخارجها شعب مجاهد عزيز ينتصر أو يستشهد.
بشار سعيد
Dannawey@yahoo.com
2/7/2008