ربيع دمشق يزهر… على صفحات “فايس بوك”
- سهير الأتاسي لـ”سكايز”: الإرادة على التحدي تشهد اليوم بداية جديدة وأفقاً أوسع وأرحب
- في سورية تمّ القضاء حتى على الهامش البسيط الذي وُلِد مع “ربيع دمشق”
- دمّروا إيمان الإنسان بقدرته على التأثير في الواقع والتغيير فيه.
- لزاماً علينا الآن البحث في كيفية استرداد الشعور بالمواطنة والمسؤولية والإيمان بالقدرة على الفعل.
- سهير الأتاسي : “ منتدى جمال الأتاسي على ال”فيس بوك” هو امتداد لمنتدى ممنوع انعقاده في مقرّه في سورية. وهو الآن إذ يدعو الجميع إلى تعويض ما فات عبر التفاعل والحوار حول قضايا تهمّ جميع المعنيين بمستقبل أفضل للبلد، يبدأ فعلاً تراكمياً يتيح التواصل بين جميع السوريين المهتمين بالشأن العام، سواء كانوا مقيمين في البلد أو مغتربين أو منفيين. تلك فرصة لا يمكن أن تُعَوّض، بالتأكيد سنصل إلى النتيجة الحتمية الطبيعية: التداعي إلى ندوة تُقام في مقرّ المنتدى الذي لم يغلق بابه يوماً، ولم يستجب للمنع. عندها ستكون لديه قيمة مضافَة: أوراق ومداخلات من المغتربين والمنفيين الذين نزهو بهم و بمساهمتهم بانطلاقته على ال”فيس بوك”، إن لم نقل أننا سنحتفل معهم، في مقرّ المنتدى، بعودته وعودتهم إلى أرض الوطن.”
دمشق – “سكايز”: عاد “منتدى جمال الاتاسي للحوار الديمقراطي” بعد إغلاقه عام 2005، بحلة جديدة عبر شبكة الانترنت. فقد أطلقت مجموعة من الناشطين السوريين، على رأسهم رئيسة المنتدى السيدة سهير الأتاسي، صفحة على موقع “فايس بوك” تحمل الأسم نفسه، معيدين إلى الذاكرة فترة ربيع دمشق، حين أنتشرت المنتديات في كلّ المدن السورية بعيد وفاة الرئيس السابق حافظ الأسد.
ومنذ انطلاقة المنتدى الالكترونية، بات يضم في فترة قصيرة 278 عضواً سجلوا انضمامهم الى لائحة الاصدقاء، شارك معظمهم في كتابة تعليقات في الحوارات التي يطرحها المنتدى بشكل نصف شهريً. وحتى رواد المنتدى الأوائل من المعتقلين حالياً، لم يحل السجن دون مشاركتهم، فقد نقل المنتدى مشاركة للمحامي السوري المعتقل أنور البني الموجود في سجن عدرا حالياً على خلفية توقيعه ل”إعلان بيروت دمشق”.
بدأ المنتدى بورقة للمناقشة، قدمها الطالب السوري ملاذ عمران تحت عنوان “الشباب السوري والمشاركة في الشأن العام”، واستمر الحوار حولها لمدة أسبوع تخللته المداخلات وتعليقات كثيرة سطرها المشاركون والقراء على جدار الصفحة. وأطلق في الأسبوع الثاني من المنتدى ورقة عمل تحت عنوان “النضال اللاعنفي” كتبها الصحافي السوري أحمد مولود طيار، كما يتم مناقشة ورقة عن “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي” في الوقت الحالي.
وتسليطا للضوء على النشاط الالكتروني الجديد للمنتدى، كان لـ “سكايز” الحوار التالي مع رئيسته السيدة سهير الاتاسي.
– كيف بدأ منتدى الأتاسي الذي ارتبط اسمه بربيع دمشق؟ وما هي المراحل التي مرّ بها وكيف انتهت تلك التجربة؟
بدأ منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي نشاطه الحواري العلني في 14/1/2001 في الوقت الذي كان “ربيع دمشق” يُزهِر حراكاً مدنياً ديمقراطياً علنياً تميّز بالإقبال على العمل العام، و تشكيل أطر جديدة للحوار والتواصل بين الناس بعد طول يأس وانكماش… و جاء منتدى جمال الأتاسي ليتكامل ويتفاعل مع بقية المنتديات السورية التي تأسّست في تلك المرحلة، وعمل على الاهتمام بقضايا السياسة والفكر والثقافة، وتعزيز قيم الحوار الديمقراطي، ومارس نشاطه من خلال الندوات العلنية المفتوحة والموائد المستديرة.
نشطنا في إطار الشرعية الدستورية حيث يضمن الدستور السوري تلك الفعاليات المدنية كحق للمجتمع، إلا أن حالة الطوارئ المعلنة في البلاد منذ 47 عاماً جعلت المواطنة مؤجّلة حتى إشعار آخر، وأطلقت يد الأجهزة الأمنية في كافة مفاصل الحياة. تقدّمنا بطلب إلى الوزارة المختصة، و هي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بقصد إشهار المنتدى، فرفضت بحجة عدم الاختصاص. وسرعان ما بدأت الفترة التي اتسمت بالتضييق على كافة أشكال النشاط الديمقراطي، ومُنعت منتديات و أُجهضت أخرى، وبدأت الضغوط الأمنية على المنتدى من اعتقال حبيب عيسى الناطق الرسمي باسم المنتدى، إلى الاستدعاءات الرسمية التي تضغط باتجاه إغلاق المنتدى، إلى إغراقه بمبعوثي السلطة والأجهزة الأمنية.. وفي عام 2005 حرص المنتدى على توسيع دائرة نشاطه، فعمل على تأسيس حراك شبابي، و رأى في اهتمامهم بالنضال المطلبي أساساً جوهرياً لاستقطاب شريحة أوسع من المجتمع الذي اعتزل ممارسة الشأن العام. وجاء القرار الأمني للنظام السوري بإغلاق “منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي” ومحاصرة مقرّه حصاراً محكماً معطِّلاً ندواته واجتماعاته، تارةً بذريعة عرضه وجهة نظر جماعة الأخوان المسلمين في ندوة مفتوحة حول “الإصلاح في سوريا” (إلى جانب وجهات نظر عديدة للتوضيح البسيط)، وطوراً بحجّة عدم الحصول على ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل (التي رفضت طلب إشهار المنتدى – كما أسلفنا – بحجّة عدم الاختصاص) متناسياً قصور السلطات نفسها في إصدار قانون عصري ينظم نشاط المنتديات والجمعيات والأحزاب. وكان المنتدى قد امتلك شرعية الأمر الواقع بممارسة نشاطه العلني الحواري طيلة خمس سنوات.
– ما هو سبب ظهور المنتدى على الانترنت في هذه الفترة؟
لم نعتبر في يوم من الأيام أن المنتدى قد انتهى، نحن لم نغلقه بأيدينا، ورغم الاعتقالات والتهديدات والحصار والمنع، كان المنتدى يصرّ على الدعوة إلى ندواته أول سبت من كل شهر رغم يقيننا بأن المنع آتٍ. لقد جاهد المنتدى، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لإبقاء حق التعبير عن الرأي والحوار حياً في الذاكرة والأذهان رغم تكرار المشهد المعهود للانتشار المكثّف لأجهزة الأمن لمنع القلّة التي دأبت على الحضور إلى مقرّه دفاعاً عن حقها البسيط في الحوار، والمضايقات المتنوعة التي بدأت تطال سكّان المبنى والجوار. وفي عودته افتراضياً على ساحة ال”فيس بوك” الاستمرار الطبيعي للدفاع عن حقّه في الوجود وفي شرعيّة فعله الحواري العلني.
– هل يلجأ السوريون إلى الانترنت هرباً من الواقع، هل فقدت الإرادة على التحدي حتى لا نرى سوى سهير الأتاسي من إدارة المنتدى السابقة تقوم بإطلاقه على “فيس بوك”؟
وهل يمكن اعتبار الانترنت خيالاً؟؟ أعتقد أنه واقع فرض نفسه على الجميع وكان له الأثر الواضح في أكثر من تجربة سورية نذكر منها الحملة الشبابية لمقاطعة الموبايل في مواجهة غلاء أسعار الاتصالات: تخفيض، توفير، عدالة”، والحملة ضد مشروع قانون الأحوال الشخصية: “بدنا نمشي لقدام مو نرجع لورا”، وحملة: “لا لظلم وإهمال الجزيرة السورية”. تلك الحملة التي دفعت العديد من الصحافيين إلى كتابة تحقيقات حول ما تعانيه تلك المنطقة من فقر وجفاف وإهمال. القائمون على تلك الحملات أناس حقيقيون، ليسوا وهماً… هم حقيقيون جداً، وقد وجدوا في هذه المساحة خياراً متاحاً وفعالاً للتعبير عن إرادتهم في مستقبل أفضل لحياتهم.
أما عن الشقّ الثاني من السؤال: فأنا أختلف معه تماماً لأني أعتقد أن الإرادة على التحدي تشهد اليوم بداية جديدة وأفقاً أوسع وأرحب. فقد جاءت عودة “منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي” عبر “فيس بوك” نتيجة تفاعل وحوارات بين نشطاء وأصدقاء موجودين داخل سورية وخارجها، قسم كبير منهم من الشباب. وكانت نقطة البداية ثمرة طبيعية لصيرورة نقاشات اهتمّت بمختلف جوانب الحياة في البلد ومعهم نضجت الفكرة وتبلورت وبدأت تأخذ شكلاً منتظماً تجلّى في ورقة نقاش تُنشر كل 15 يوم، ومنسق(ة) حوار مع كل ورقة نقاش، ومادة مستخلَصَة من حواراتنا نتعاون على صياغتها ونشرها في المواقع الالكترونية. ومعنا من أعضاء مجلس إدارة المنتدى الذي تمّ اعتقاله عام 2005، من ينشط على ساحة ال”فيس بوك”. نحن الآن مجرّد منسّقين مؤقتين لأعمال المنتدى، وفي فترة قريبة سنعمل على انتخاب لجنة تنسيق لفترة محددة، وفي كل خطواتنا نقوم بعملية تقييم وتصويت يشارك فيها الكترونياً أصدقاء المنتدى الذين انضمّوا إليه وتحمّلوا مسؤولية الكلمة والحوار والموقف. ونحن نعتبر أن المنتدى مرتبط بمبادئ وأهداف: الحوار ونزع طابع القداسة عن الأفكار والأشخاص والإيديولوجيات. وبالتالي لا يمكن أن يحصر ارتباطه بأشخاص، يبقى بوجودهم ويختفي بزوالهم، الأهم هو استمرارية المبادرة.
– هل تعرضتتم لأية مضايقات بسبب عودة المنتدى على الشبكة، وهل طلب منكم إغلاقه؟
حتى الآن لم يحصل ذلك. طبعاً كل شيء متوقّع وجوابنا على ذلك سيكون بسيطاً بساطة الحقّ الإنساني. حق إبداء الرأي والحوار بين الناس، ذلك الحق الذي تآلف المنتدى حوله. نحن سنستمرّ، سنتحاور، وسنظلّ نتحاور وهم أساساً يحاصرون ساحة ال”فيس بوك” بحجبه ولكننا امتلكنا وسنمتلك كل أساليب كسر الحصار لندافع عن مشروعية حوارنا.
– إن المعارضين ونشطاء الرأي في دول أخرى إيران مثلا أخذوا الانترنت كعامل متمم لعملهم وليس كبديل، أي يستخدم من أجل نقل معلومات عن نشاطات حقيقة تدور على الأرض أو للتواصل بغية تنظيم نشاطات ستجري، لماذا في سورية ينحصر النشاط مؤخراً بالأنترنت؟ هل تفقدون القدرة على القيام بنشاطات عملية على أرض الواقع؟
لا أعتقد أن الوضع في سورية مشابه لأي وضع آخر. في سورية تمّ القضاء حتى على الهامش البسيط الذي وُلِد مع “ربيع دمشق” خوفاً من نضجه. حتى حديثهم عن الإصلاح الذي لم يغدُ كونه تجميلياً وترقيعياً، سُحب من التداول. في سورية دمّروا إيمان الإنسان بقدرته على التأثير في الواقع والتغيير فيه. فصار لزاماً علينا الآن البحث في كيفية استرداد الشعور بالمواطنة والمسؤولية والإيمان بالقدرة على الفعل.
هذا ما نعمل لأجله الآن، هذا لا يعني أننا لن نبدأ بخطوات عملية. فالأوراق التي تمّت مناقشتها في المنتدى عبر ساحة ال”فيس بوك”، طرحت تصوّرات للعمل على الأرض، ونوقشت وتمّ تبنّيها من قبل البعض، وسيتمّ العمل عليها قريباً.
– هل لديكم اي خطة عمل لإعادة المنتدى لأرض الواقع وليس عبر الانترنت فقط؟
منتدى جمال الأتاسي على ال”فيس بوك” هو امتداد لمنتدى ممنوع انعقاده في مقرّه في سورية. وهو الآن إذ يدعو الجميع إلى تعويض ما فات عبر التفاعل والحوار حول قضايا تهمّ جميع المعنيين بمستقبل أفضل للبلد، يبدأ فعلاً تراكمياً يتيح التواصل بين جميع السوريين المهتمين بالشأن العام، سواء كانوا مقيمين في البلد أو مغتربين أو منفيين. تلك فرصة لا يمكن أن تُعَوّض، بالتأكيد سنصل إلى النتيجة الحتمية الطبيعية: التداعي إلى ندوة تُقام في مقرّ المنتدى الذي لم يغلق بابه يوماً، ولم يستجب للمنع. عندها ستكون لديه قيمة مضافَة: أوراق ومداخلات من المغتربين والمنفيين الذين نزهو بهم وبمساهمتهم بانطلاقته على ال”فيس بوك”، إن لم نقل أننا سنحتفل معهم، في مقرّ المنتدى، بعودته وعودتهم إلى أرض الوطن.
– هل لديك أي رسالة للمثقفين العرب حول المنتدى؟
في الحقيقة، أفضّل أن تكون رسالتي لكلّ الناس، لكل المعنيين بقيم الحرية والديمقراطية. فليس هناك ديمقراطية عربية و ديمقراطية غربية أو ديمقراطية مستورَدّة كما يحلو للنظام أن يسميّها، وليس هناك شعب تليق به أو لا تليق به الديمقراطية. أعتبر الحرية والديمقراطية مبادئ وقيم إنسانية عامة وهي من حقّ كل البشر. لذلك أتمنى من كل المعنيين بتلك القيم التواصل معنا من أجل تبادل التجارب و الخبرات و المشاورات وصولاً إلى عالم يسود فيه السلام والازدهار والأمن والعدل.