محمد الهلالي : مفاهيم عبر أقوال / الديمقراطية / العقل / التسامح
يعرف أندري لالاند في قاموسه الشهير (القاموس التقني والنقدي للفلسفة) الديمقراطية على الشكل التالي:
“الديمقراطية هي الدولة السياسية التي تعود فيها السيادة لأغلبية المواطنين دون تمييز على أساس الميلاد أو الثروة أو القدرة”.
هذا تعريف مقتضب وإيجابي، ولمعرفة كل جوانب هذا المفهوم الذي اغتنى بتجارب التاريخ يمكن تتبع مجموعة من التعريفات الدالة.
يقول ابراهام لنكلن: “الديمقراطية هي حكومة الشعب، من طرف الشعب، ومن أجل الشعب”. لكن الكاتب أوسكار وايلد يرى العكس تماما: “اليمقراطية هي قمع الشعب، من طرف الشعب ومن أجل الشعب”. ونفس الفكرة يؤكدها جورج كليمانصو بتعبير مغاير: “الديمقراطية هي قدرة القمل على التهام الأسود”.
أما نوام تشومسكي فينتقد هذا المفهوم قائلا: “تحل الدعاية في الديمقراطية محل العنف في الديكتاتورية”. ويقدم جورج إيلكوزي انتقادا آخر مفاده “أن علاقة الديماغوجية بالديمقراطية هي نفس علاقة البغاء بالحب”.
وفي المقابل نجد مونتسكيو يعرف الديمقراطية تعريفا مثاليا: “إن حب الديمقراطية هو حب العدالة”.
وكتبرير لهذه المفارقة في التعاطي مع الديمقراطية نورد قولة ختامية للفيلسوف الفرنسي جاك دريد الذي قال: “أن نكون ديمقراطيين معناه أن نتصرف ونحن على علم أننا لا نتواجد ولا نعيش أبدا في مجتمع ديمقراطي”.
2. السياسة
يعرف أندري لالاند السياسة بأنها بالمعنى العام “كل ما يتعلق بالحياة العامة في مجموعة بشرية منظمة”. أما بالمعنى الخاص فهي “كل ما ينعلق بالدولة والحكومة في تقابلهما مع الوقائع الاقتصادية… أو مع مختلف أنشطة الحياة الحضارية”.
أما بخصوص مضمون المفهوم فلقد اتفق العديد من المفكرين والسياسيين على أنه لا فرق بين السياسة والحرب في الطبيعة، وإنما الفرق بينهما هو فقط في الدرجة.
يقول ك.ف.كلوسفيتس: “ليست الحرب إلا استمرارية للسياسة بوسائل أخرى”. ويدقق ونستن تشرشل الأمر قائلا: “السياسة أخطر من الحرب، ففي الحرب لا يمكنكم أن تقتلوا إلا مرة واحدة، أما في السياسة فتقتلون عدة مرات”. أما ماو تسي تونغ فيلاحظ “أن السياسة هي حرب بدون إراقة الدماء، أما الحرب فهي سياسة دموية”.
وإذا كان الفيلسوف اليوناني أرسطو قد عرف الإنسان “بأنه حيوان سياسي”، فإن السياسية سيجولين روايال تقدم تحفظا من خلال تأويلها لتجربتها حيث ترى “أن الشعب لا يهتم بالسياسة إلا حينما لا تهتم به السياسة”. ولقد سبق لعالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر أن قاال: “لا مكان للسياسة في قاعة الدروس بالجامعة” مركزا على خصوصية المجال المعرفي وقدسيته، لكن أين توجد السياسة إذا كان الفكاهي الفرنسي كولوش (صاحب مطاعم القلوب) لم يعثر عليها حتى في البرلمان. فلقد لاحظ “أن نصف النواب نائمون والنصف الآخر مستعد لإجراء أية صفقة…”.
وإذا كان نيكولا ماكيافيل قد قال: “ليس كل شيء سياسة، ولكن السياسة تتدخل في كل شيء”، فإن أغرب وأعمق تعريف للسياسة هو الذي قدمه الشاعر المفكر بول فاليري حين قال: “السياسة هي فن منع الناس من الاهتمام بما يعنيهم”.
3. العقل:
تم تمجيد العقل باعتباره الميزة الماهوية للإنسان، ونجد ذلك عند أرسطو (وهو الموقف الذي سنعثر على صداه عند ابن رشد) كما نجده عند ديكارت الذي يقول “إن العقل هو أعدل قسمة بين الناس” ويرجع الاختلاف فيما بينهم بصدده إلى كيفية استخدامه.
إلا أن الحياة بينت أن علاقة الإنسان بالعقل هي أكثر تعقيدا. فباسكال يقول “إن القلب هو الذي يحس بحضور الله وليس العقل”، وهذا تعبير عن عجز العقل في المجال الميتافيزيقي، وهو ما يؤكده شامفور بقوله “لقد عجز العقل عن البرهنة على خلود الروح مما اضطر الدين إلى إثبات ذلك عن طريق الوحي”. وهنا يتضح التعارض التاريخي ما بين العقل والوحي.
وتتوالى الانتقادات الموجة للعقل. فأوجين يونسكو يرى أن “العقل هو حمق الأقوى، خلافا للحمق الذي هو عقل الأضعف”. وينتبه هلفثيوس إلى “أن الناس يغضبون في غالب الأحيان ضد العقل حين لا يكون العقل لصالحهم”.
وأحسن تعبير عن هذه الحالة هو ما لا حظه الكاتب أوسكار وايلد، أي “أن الإنسان حيوان عاقل يغضب كلما لما طلب منه التصرف وفق مبادئ العقل”.
ويحذرنا شامفور إلى أنه مهما كانت جناية العقل على البشر كبيرة “فيكفي أن نفترض حالة إنسان بدون عقل” لتتبين لنا بشاعة ذلك.
4. التسامح:
يحتل مفهوم التسامح مكانة مركزية في الحياة السياسية والفكرية على حد سواء. بل ويرتبط ارتباطا وثيقا بالفكر الحقوقي ونضالاته. لكن هذه المكانة الحساسة حسب غوته ليست إلا “مرحلة انتقالية، حيث يجب على التسامح أن يقود إلى الاحترام”.
وإذا كان هناك أمر لا يمكن التسامح معه قطعيا حسب جاك ألن ليجي فهو اللاتسامح. بقول: “لا تسامح مع اللاتسامح، ولا مجاملة مع الذين لا يريدون الاكتفاء بأخذ موقعهم في المجتمع والانخراط في اللعبة الديمقراطية”.
كما أن التسامح في نظر فرانسوا ماري أروي هو “ميزة الإنسانية. فكلنا نقائص وأخطاء ولهذا يجب أن يسامح بعضنا حماقات البعض الآخر”.
ولا يمكن أن نغفل هنا كون مفهوم التسامح يحيل بالخصوص على الجانب العقائدي الديني وما ينتج عنه من صراعات وإقصاءات. وهذا ما يوضحه هنري بينا رويز حين يقول بأن “بعض الناس يؤمنون بالله، وآخرون يؤمنون بعدة آلهة، وفئة ثالثة تتبنى موقفا غامضا، وفئة أخرى تتبنى الإلحاد. وهؤلاء جميعا مدعوون للعيش جماعيا. لذلك يجب أن تضمن للجميع حرية الاعتقاد والمساواة في الحقوق”.
إن أدنى ما يمكن أن تتصف به الحياة الإنسانية هو ارتكازها على التسامح كخطوة أولى نحو الحق في الاختلاف.
محمدالهلالي : شاعر مغربي وزميل مشروع مشترك منذ مجلة” كراس ” وإلى الآن