محمد الهلالي : حكومة من ورق
ومن المسؤول عن معظم الاعتقالات والاغتيالات والمعتقلات السرية؟ ومن المسؤول عن تخريب قطاع التعليم عبر التعريب البليد والذي استهدف تفقير أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة ودفعهم كضحايا لكل أشكال التطرف السلوكي والعقائدي، ؟ إن الحكومات المغربية المتعاقبة على الحكم هي آليات تنفيذية لسياسة قائمة
سبق للزعيم الصيني ماو تسي تونغ، مؤسس الصين الحديثة، أن وصف الامبريالية ب “نمر من ورق”، وكان يقصد بذلك أن الصين أقوى من أن يخيفها نمر شبح رغم ما يدعيه من قوة وجبروت. ويمكن أن نصف الحكومة المغربية، منذ الاستقلال إلى اليوم، مع بعض التحفظ بخصوص حكومة عبد الله إبراهيم، ب”حكومة من ورق”.
لا يعني ذلك أنها حكومة لا تملك سلطة قراراتها وليست مسؤولة عن أفعالها فقط، وإنما يعني ذلك أيضا أنها بقدر ما تعاني من هذه الوضعية التي تشبه عملية خصي مسبق ولا مشروط، بقدر ما تعني أن هذه الوضعية تريح الوزراء وتجعلهم يستريحون في لا جدوى السياسة التي يمارسونها بالنسبة لبلدهم.
فما معنى أن يكون المرء وزيرا وهو يعرف أنه مهمته “تنفيذية” بدون خلفية إيديولوجية وبدون مرجعية سياسية؟ يعني ذلك أن الأحزاب لا جدوى منها، وأن المغاربة استخلصوا من التجارب السابقة أن فكرة اليسار واليمين واليسار المتشدد واليمين المتطرف لا توجد إلا على صفحات الجرائد وفي ملفات المخابرات وفي السجالات السياسية. أما بالنسبة للدولة، فلا يوجد إلا برنامج واحد، وإيديولوجية واحدة، لذلك نفهم شخصا مثل”أحرضان” الذي قال لما سئل عن برنامجه السياسي: “برنامجي هو الله، الوطن، الملك”.
إذا لم تقد التعددية الحزبية إلى تعددية في أنماط التسيير والتدبير، إلى اختلاف في النظر إلى القطاع العام والقطاع الخاص، إلى تقدير مختلف للقطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والأمن والنقل… فما جدوى “طبخ الرؤوس” و”والحرب الضروس” من أجل السلطة؟
إن الخطأ لا تتحمله الأحزاب وحدها، فالدولة تبنت خيارا هو ديمقراطية الواجهة، فأنشأت أحزابا من أجل الواجهة، وقمعت أحزابا وقزمتها وأنهكت مناضليها لكي تحولها إلى أحزاب للواجهة، ولم يبق خارج هذه الواجهة إلا التيارات الراديكالية النخبوية تنظيميا.
يمكن مواجهة الحكومات المغربية بالأسئلة المشروعة التالية: من المسؤول عن تسير عملية تحرير الصحراء منذ سنة 1975؟ كيف تمت إدارة هذا الصراع في جانبه العسكرية والإدارية والدبلوماسية والسياسية؟ كيف صرفت الأموال الطائلة التي خصصت لهذه المعضلة؟
ومن المسؤول عن معظم الاعتقالات والاغتيالات والمعتقلات السرية؟ ومن المسؤول عن تخريب قطاع التعليم عبر التعريب البليد والذي استهدف تفقير أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة ودفعهم كضحايا لكل أشكال التطرف السلوكي والعقائدي، ؟
إن الحكومات المغربية المتعاقبة على الحكم هي آليات تنفيذية لسياسة قائمة مسبقا، والأدهى والأمر من ذلك، هو أنها لن تحاسب لا على ما قامت به من ممارسات “مقننة” ولا على تجاوزاتها ومغالاتها في التعاطي مع الوقائع، ما دامت آلية “محاكمة الحاكمين “منعدمة،ولم يحل محلها إلا “الإعفاء” بدون متابعة.
هناك أحداث سياسية راهنة تدل، رغم طابعها الجزئي، على العشوائية في إدارة أمور البلاد. فيمكن العودة مثلا لملف “أمينتو حيدر” وكيف لم تتمكن لا الداخلية ولا الخارجية وهما وزارتا سيادة، من معالجة قانونية رزينة لملف شخصي يخص مواطنة مغربية، ما دام المغرب يعتبر أن كل من في تندوف، من المحتجزين ومحتجزيهم مغاربة. وتحول الملف بسبب الكيفية غير المقبولة التي عولج بها إلى قضية دولية. فلو أن الوزارتين سيتعاملان مع كل مغربي رفض جنسيته بنفس الطريقة لغادر معظم المغاربة البلاد عبر الطائرة عوض الموت في البحر…
ويعتبر إغلاق جريدة “لوجورنال إيبدو” عملا انتقاميا وليس قرارا سياسيا يصدر عن حكومة تسبح بحقوق الإنسان أكثر من الحقوقيين الفعليين أنفسهم، حكومة تريد أن تصنع الصوت الذي تريد أن تسمعه، معبرة بذلك عن تجاهلها للدور الحيوي الذي تؤديه الصحافة النقدية المعارضة، أما الصحافة الببغائية فلا قيمة لها ولا مبادئ لها. ما الذي سيربحه المغرب في جميع المجالات من إغلاق هذه الجريدة؟ هل أصبحت تهدد أمن البلاد والعباد؟ هل يمكن لدولة أن تخاف من جريدة؟
ثم هناك أخيرا ملف النقل الحضري بمدينة الرباط، التي هي مقر جميع السلطات السيادية والحكومية، بل وهي مقر جميع الجمعيات الحيوية تقريبا التي تعتبر جزء من الضمير الحي لهذا البلد، ورغم ذلك، فلم يأخذ أي شيء من هذا بعين الاعتبار. لقد تحولت الرباط إلى جحيم، إلى الحد الذي دفع إحدى النقابات الوطنية، وهي المنظمة الديمقراطية للشغل، إلى الإعلان عن إضراب لموظفي الإدارات العمومية احتجاجا على تردي أوضاع النقل بالمدينة، وسبق لشبان، منذ مدة، أن أحرقوا حافلة ب”ديور الجامع”، كما احتجز شبان آخرون حافلة ليلا، بباب الحد، وأرغموا سائقها على نقلهم إلى مكان سكناهم…
يحتاج ملف النقل الحضري بالرباط إلى مساءلة وزير النقل ووزير الداخلية، كما يحتاج إلى لجنة تحقيق برلمانية للتقصي في ظروف تفويت صفقة النقل الحضري لشركة “ستاريو” بدون ضمان المصالح الحيوية للسكان، وضمان حق من حقوقهم البسيطة ألا وهو حق التنقل في أمان. لقد تركت السلطات العنان لكل من هب ودب، وبكل الوسائل من بينها تلك التي تستعمل في نقل البضائع والحيوانات لنقل البشر…
قال أحد سائقي الطاكسي كتعليق للوضع في المدينة “أن ملك البلاد زار المدينة مؤخرا، ولم يرقه الوضع، وغضب على المسؤولين…”، وحتى وإن كان هذا الكلام من نسج خيال هذا السائق، فإنه يتعين على سكان الرباط وما جاورها، حسب هذا المنطق، أن يعاقبوا جميع الأحزاب السياسية في الانتخابات المقبلة، وأن يبعثوا جميعا بتظلماتهم للديوان الملكي… وهذه هي نتيجة حكومة الورق.
- محمدالهلالي : شاعر مغربي وزميل مشروع مشترك منذ مجلة” كراس ” وإلى الآن