ملاحظات حول حقوق الإنسان في سورية
في هذه الجلسة سأحاول استعراض لقطات من الوضع الراهن لحقوق الإنسان في سوريا. لا أظن بأن هذا التقديم أو هذا العرض السريع سيكون كما اعتاد معظمكم، أي بصراحة عرض لموضوع الاعتقال التعسفي، مراجعة لموضوع المفقودين وقضايا التعذيب، سوء المعاملة في السجون والمنع من السفر..، سأتعرض لكل هذا بالتأكيد ولكن إن كان منكم من ينتظر أن يكون هذا موضوع المحاضرة، أرسله إلى تقرير هيومن رايتس ووتش الأخير أو أدبيات منظمة العفو الدولية أو التقارير المصرية العربية، وبإمكانه أن يجد ذلك بسهولة وفيها وفرة وتجميع للمعلومات الخاصة بهذه الإنتهاكات.
أظن بأن حقوق الإنسان اليوم تتطلب قراءة شاملة (Global) لا قراءة شمولية (Totalitarian) مؤدلجة أو اجتزائية منتقصة. قراءة شاملة (Global) بمعنى تناول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، كذلك الحقوق البيئية لأنها قضية جد هامة في الوضع السوري. من هنا قد يعتبر البعض ربما أنني أتكلم بالسياسة عندما أتحدث عن المشكلات الهيكلية الاقتصادية الأساسية، أو في علم الاجتماع السياسي عندما أتكلم عن بنية السلطة التسلطية وعلاقة عناصر استناد السلطة التسلطية بحالة الطغيان الأمني التنفيذي على السياسي، والطغيان التديني على المدني مثلاً. كذلك في محاولة تناول إشكالية العلاقة في ظل عناصر الاستنفاذ السائدة للطاقات المجتمعية هذه في الخناق المحكم على ضرورة إعادة رسم معالم العلاقة بين المواطن والوطن، أي بين الحقوق الأساسية للأشخاص والمنظومة السياسية السائدة.
سأحاول أن ألقي نظرة سريعة على الوضع الاقتصادي، صديقي أستاذ الاقتصاد في سورية عارف دليلة يقول بأن هناك اقتصادان، اقتصاد لا يعرف الأزمة والركود هو في حالة ازدهار دائم، في حالة وفرة دائم بل في حالة الأزمة والركود يزداد اكتنازاً، هذا الاقتصاد هو اقتصاد القلة، أعضاء الشركة المشتركة من هم في السلطة وشركاؤهم خارج السلطة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى اقتصاد القلة الساحقة وهؤلاء كلما ازدهر الاقتصاد أو مال إلى الركود، خسرت البلاد أم فقرت، هم في حالة فقر متزايد وللأسف يذكرنا وضعهم بالرأسمالية في القرون التاسع عشر في بريطانيا حيث لا علاقة للفقير بالوضع الاقتصادي العام. هناك أوضاع بشرية تتحدد بسياسات رسمية الوضع السوري وهذه السياسة التي عرفت باسم تخطيط أو تنمية اقتصادية مخططة هي اليوم يتيمة النسب والهوية، لا نجد لها تعبير أو تعريف منسجم ومتجانس، العديد من الشركاء في السلطة، في الحزب الشيوعي على سبيل المثال، عبر صحيفة النور مثلاً، تسأل وتطرح أسئلة أساسية حول تعريف القطاع العام اليوم في الحكومة السورية بمختلف مكوناتها ومختلف وزرائها بشكل أساسي رئيس الوزراء والوزراء ذوي الصلة بالاقتصاد كوزارة الاقتصاد، المالية، التخطيط، الزراعة.. هل هناك بالفعل تصور اقتصادي يأخذ بعين الاعتبار التحولات السريعة التي تعيشها سوريا، في ظل ما يمكن تسميته بالرأسمالية الوحشية الصاعدة كما يمكن أن نتصور تعامل السلطة التنفيذية معها، حيث تذكرني بلعبة كنا نلعبها ونحن صغار لعبة الكراسي، 6 كراسي و7 أشخاص يدورون حول الكرسي وفي كل مرة يصفر الحكم يجلس من يدور ويبقى شخص بدون كرسي، نحن هنا أمام لعبة كراسي رأسمالية لحوالي 3 إلى 4 آلاف مشارك يتزاحمون على مقاعد أساسية لا يتجاوز منطق السعة الاقتصادية لعشرين أو لـ 25 منهم. وبالتالي قسم كبير منهم سيتطاحن بشكل لا أخلاقي وبشكل يستغل فيه كل الوسائل الممكنة وبشكل أساسي وأولاً، قوة العمل، أي الضحايا الأساسيين: القوة المنتجة في البلاد والتي لم يعد من الموضة اليوم أن نتحدث عنهم كعمال المصانع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، جمهور البطالة المقنعة، العمال والتقنيون الذين يعملون في القطاع الخاص الجديد، والعمال الذين يعملون في قطاعات الخدمات على اختلافها ومعظمها قطاعات خاصة، إضافة لكوادر الصناعات الخدمية الجديدة. كل هذه الفئات بالتأكيد ينال بعضها شيء من الحماية نتيجة الخبرة التي يتمتع بها وحاجة الرأسمالي له، في حين أن البعض نشعر بأنه محروم من الحد الأدنى للحقوق الاقتصادية بحيث يعيش مستوى معيشته حالة انخفاض شبه مزمنة. هذا من الناحية العامة البنيوية والتحولات السريعة التي نشهدها اليوم في إطار رسملة وتخصيص الاقتصاد السوري، ولكن هناك تهديدات عامة منظورة منذ سنوات ولم يجر بعد تناولها كتهديدات حقيقية رئيسية للاقتصاد السوري بحيث يتم التصدي لمخاطرها، خاصة وأننا رغم كل عملية الخصخصة وكل عملية انفتاح المجال في القطاع الخاص لازلنا أمام ما أسميته بالطغيان الأمني التنفيذي على السياسات العامة في البلاد. وبالتالي لا يمكن الحديث عن رأسمال خاص مزاحم في القرار الاقتصادي. بقدر ما يمكن الحديث عن رأسمال جبان يفضل الخيمة الأمنية العامة على حريات اقتصادية وعامة بحيث لا يغيب وحسب التنافس الحر وإنما كل حقوق العاملين في حال التسريح أو الحرمان من الحقوق الأولية.
أول هذه التهديدات باستعارة من الاقتصادي نبيل سكر (1): هو استمرار الوضع الاقتصادي بشكله الحالي وبما أسميته بتعبيري الذي أتحمل مسؤوليته، الرسملة الوحشية السريعة في البلاد يؤدي إلى انخفاض في مستوى المعيشة، تزايد البطالة، واستمرار تدني القدرة التنافسية في سوريا.
التهديد الثاني لا علاقة للسلطة به لكن من مهماتها إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية وفق هذا التهديد وهو قائم على تدني إنتاج وتصدير النفط الخام بسبب تآكل المخزون النفطي.
التهديد الثالث يأتي من معدلات الزيادة السكانية، والتي تبلغ في سوريا 2.7 % سنوياً التركيبة الفتية أي الشباب دون العشرين يشكلون أكثر من 53% من مجموع السكان هذه التركيبة تلقي بالضرورة بحوالي 300 إلى 350 ألف شخص في سوق العمل سنوياً وبالتالي نحن أمام تهديد مباشر لحق العمل، هذا التهديد سيزيد النسبة المئوية المقدرة حاليا بـ 18 إلى 21% إذا لم يجر إعادة النظر بالسياسة الاجتماعية الاقتصادية في البلاد وفق خطة منظورة جديدة.
التهديد الرابع : يأتي من التوتر الأمني الخارجي الذي يفرض شئنا أم أبينا على سورية أعباء عسكرية يمكن تسميتها استمرار العسكرة أو نسميها الدفاع العسكري الضروري أو الدور الضروري للمؤسسة العسكرية في الدفاع عن الأمن القومي في مواجهة الخطر الخارجي، خاصة أن الجولان مازالت محتلة، فلسطين مازالت مركز توتر أساسي، الكيان الإسرائيلي يملك أكبر خزان للأسلحة في حوض البحر الأبيض المتوسط بعد فرنسا، وبالتالي لسنا أمام ما يمكن تسميته بحالة الترف التي تسمح بأن يناقش هذا الموضوع خارج إطار عملية سلمية جدية وشاملة توقف العدوان والتهديد الإسرائيلي.
التهديد الخامس: يمكن أن نجمل فيه كل مترتبات ونتائج الاحتلال الأمريكي للعراق بدءاً من زيادة التوتر الأمني وانتهاءاً بمليون ونصف عراقي الآن أصبحوا مليون ومائة ألف عراقي جاؤوا إلى سورية كنتيجة للأوضاع المأساوية في بلادهم (2).
هذا الوضع وهذه التهديدات تطرح علينا بالتأكيد مشكلة أساسية هي مشكلة أزمة الحقوق الاقتصادية الأساسية في سوريا اليوم، هذه الأزمة تزداد إذا عرفنا بأن النقابات تابعة(3)، أي أنها تحت وصاية الحزب والجبهة. بمعنى أنه لا يوجد في البلاد تعبيرات نقابية بإمكانها أن تطالب أو أن تتحرك خارج نطاق السياسة العامة للسلطة التنفيذية، ناهيكم عن تقييد كل الحقوق الأساسية للنضال المطلبي مثل حق التظاهر وحق الإضراب. الأمر الذي يجعل من مهمة الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مهمة إضافية للمقاومة المدنية في المجتمع، من واجب نشطاء الحركة الحقوقية، والمعارضة السياسية الديمقراطية التصدي لها، لأن هناك نوع من حالة التجميد لإمكانية الفعل النقابي المستقل حتى اليوم.
ننتقل للحقوق الاجتماعية: بالإمكان القول أن الحراك الاجتماعي خاصة في قضية مشروع الأحوال الشخصية كان أكثر فعالية وأكثر قوة من الحراك الاقتصادي الاجتماعي، فقد تمكنت عدة جمعيات وعدة تحالفات بعضها مع أطراف قريبة من الجبهة الوطنية التقدمية، ومن أطراف أيضاً تنتمي إلى اليسار الماركسي (تيم) كما أنها تنتمي للوسط المثقفي اليساري، تحالفت فيما بينها لمواجهة أي تراجع يحدث على صعيد الحقوق الأساسية للمرأة يتم التعبير عنه في قانون جديد للأحوال الشخصية أكثر تراجعاً من القانون الحالي، خاصة وأن سورية من الدول العضو في اتفاقية السيداو.
كذلك، يمكن القول بأن هناك فجوة تم استثمارها من العديد من الجمعيات النسائية والجمعيات المدافعة عن الجماعات المستضعفة، نتيجة تركيز السلطات السياسية على الخصم والمعارض السياسي ومنظمات حقوق الإنسان، يمكن تشبيه الصورة بما رافق سياسة بوش –ديك تشيني في الشرق الأوسط وكيف استفاد منها عدد كبير من بلدان أمريكا اللاتينية لأنه لم يكن بالإمكان التركيز على كل مناطق العالم بالنسبة للإدارة الأمريكية. في سوريا استثمرت أوساط أهلية عديدة ليست في صراع مباشر أو مواجهة مباشرة مع السلطة السياسية استفادت من هوامش عديدة لتقوم بعمليات تفعيل وتنشيط للعديد من الحقوق الأساسية الاجتماعية والمتعلقة بالجماعات المستضعفة، في حين أن ما يتعلق بالحقوق التقليدية الأساسية التي تمس الفاعل السياسي أو الناشط السياسي، والناشط المدني الحقوقي. ويمكن القول أننا في حالة هبوط حر ((chute libre هذا الهبوط الحر يتجسد في جعل مسألة الحركة خارج البلد مسألة مرتبطة مباشرة بأجهزة الأمن: السفر، النشاط ، تنظيم محاضرة، اجتماع عدد من الناس مهما قل ولو لقضايا تتفق فيها تماماً مع الجبهة الوطنية التقدمية، مثل قضية غزة، قضية مواجهة الاحتلال، مواجهة تهويد القدس، الدفاع عن الجولان.. قضايا عديدة وطنية نجد أن الترخيص الأمني والموافقة الأمنية فيها لا يختلف عنه بالنسبة لأي محاضرة مثلاً عن مشكلات الاقتصاد السوري، أو عن المسيحيين في الشرق، هنا نحن أمام نوع من التراجع الكمي والنوعي، حيث هنا أذكر في العام 2002 وجهت اللجنة العربية لحقوق الإنسان الدعوة إلى 14 ناشط سياسي ومدني من سوريا على امتداد العام، فقط كان واحد منهم ممنوع من السفر. حين كنت في شهر تموز/يوليو الماضي في دمشق وطرحت السؤال على حوالي 12 زميلا ومثقفا في إمكانية دعوتهم لندوات لا علاقة لها بالوضع السوري، شخص واحد كان لديه ترخيص بالسفر من أصل 12، أي نسبة معاكسة تماماً.
بالنسبة للاعتقال التعسفي بالتأكيد الاعتقال اليوم ليس كمياً، خاصة في أوساط المعارضة العلمانية، هناك اعتقال مقنن مدروس ومحدود العدد، مثلاً في أول حملة اعتقالات رابطة العمل الشيوعي والخلايا الماركسية اقتيد 92 شخص إلى السجن هم من استطاع الأمن أن يحدد طبيعة علاقتهم بالرابطة، في حين أن من اجتمع في المجلس الوطني لإعلان دمشق كانت قائمة أسمائهم موجودة ولكن جرى اعتقال حوالي 23 شخص إلى 25 شخص وبقي منهم 13 حكموا بعامين ونصف. بمعنى أنه يوجد الآن عقلية انتقائية تركز على النوعية مع عقلية المثل وعقلية الرسائل الموجهة عبر المعتقل، فعندما يعتقل هيثم المالح بالتأكيد نحن أمام اعتقال رمزي، يقول لكل الشبيبة التي تعمل في منظمات لحقوق الإنسان بأن اعتقال شخص في التاسعة والسبعين من عمره يعني بأن كل واحد منكم يمكن أن يكون في أي لحظة موضوع اعتقال، فثمن “السمعة السيئة” من اعتقاله ليس بنفس القدر، بمعنى أن توجيه هذه الرسالة هو وسيلة ترهيب وترغيب للحركة الحقوقية لإدخالها في شكل من أشكال التدجين. الأسلوب الذي جرى في تونس قبلاً وفي مصر حيث لم يكن يحتاج إلى اعتقال أحياناً (مناظرة في جلسة أو عشاء مع مدير مركز وإخباره بأن بالإمكان وضعه في السجن 5 سنوات نتيجة كذا وكذا فيمتلك الحدس الضروري لما هو ممنوع وما هو مسموح!). هنا نفس الشيء لكن الاعتقال طرف مباشر. طبعا هناك أناس يستلمون قبل الاعتقال ملاحظات، أو ما يمكن تسميته بالإنذار، وأحياناً يوجد سقف أكبر لبعض الأشخاص عن البعض الآخر لخلق حالة تشويش عامة وهذا التشويش نراه جلياً للأسف فمثلاً قابلت أعضاء في 8 جمعيات هذا العام، وكل جمعية طلبت أن تلتقي بي لوحدها، في حين السنة التي قبلها عقدنا اجتماع لـ 7 جمعيات مع بعضها. ويعود هذا لأجواء الترهيب والخوف إضافة لبيئة الإتهامات المتبادلة: فلان يتم غض النظر عنه، فلان سمح له بالسفر، فلان قابل الضابط الفلاني… باختصار هذه الثرثرة غير المجدية نجحت الأجهزة الأمنية في خلقها في أوساط الحركة الحقوقية. واليوم هناك حالة تشوش، حتى الاعتقال لا يضع حدا لها للأسف. وأظن أن هذا الوضع غير الصحي ينعكس سلباً على حركة حقوق الإنسان وينعكس سلباً أيضاً على اختيارات الحركة لذلك فقد اقترحت على الجميع وجود مشاريع مشتركة، دراسات ميدانية مشتركة، تجديد في الأسلوب توسيع في نطاق العمل الحقوقي والخروج من منطق إما أن نصدر بيانا عاجلا أو نحن عملاء للسلطة.. هذا منطق خاطئ ولا يمكن أن يمنح الحركة روح المتابعة والتقدم.. كلنا يتذكر عندما اهتم الإعلام بحوادث سجن صيدنايا، أصبحت صيدنايا قضية من هو معني بحقوق الإنسان ومن هو غير معن، حتى أصبح البعض يعرف أن من ألقى القرآن في الأرض (هذا إذا ألقي القرآن؟) هو من الطائفة العلوية (كذا). للأسف وُظفت المأساة بشكل طائفي وكيدي وبشكل تعيس. اليوم لدينا قائمة بـ 79 اسم لا نعرف عنهم شيئاً، لا أحد يتحدث عنهم أو يطلب معلومات عنهم أو يتوجه للأمم المتحدة ليقول لدينا مجموعة من الناس لم يزرها أحد ولم يتصل بها أحد ولا يعرف أحد بمصيرها هل هي حية أم ذهبت بالأحداث. فهذا الخبر لا يستجلب صحافة وضجيجا. للأسف نحن في هذا الحال، بمعنى أننا في مسيرون كحركة حقوقية أكثر منه أصحاب مبادرة نقوم بتحركات تعتمد الاحتياجات الأساسية، وليس وفق سلوكيات تجري وراء الاحتياجات الإعلامية. هذه مصيبة كبيرة. لذلك مثلاً في موقع الفيس بوك كثير من الزملاء يطالبونني: أين أنت من قضية طل الملوحي، بمعنى إذا حدثت حادثة وتحدث الناس عنها علينا أن نكون في المقدمة ولو أن هذه الحادثة هي جزء من موضوع أساسي وشامل هو مثلاً عودة الاعتقال للنساء في سوريا بعد أن غابت هذه الظاهرة. وقد بدأت هذه العودة بفداء الحوراني التي اعتقلت لعامين ونصف ثم تتابعت لتشمل محجبات وسافرات(4).. الكثير من الناس سألوني عن السلفية (آيات): لماذا لا تدافع عن السلفية المعتقلة وهل لأنها سلفية، وكنت أضحك فكل من سألني هذا السؤال سألني بعد أن أفرج عنها، ولم يسألني أحد وهي في السجن عندما تبنينا حالتها وتحركنا من أجلها. في هذا الجو غير الصحي إن صح التعبير الوضع مؤلم، ونحن بشر نتأثر ونحزن عندما نوضع مسبقا في دائرة الإتهام، عندما يعمل الناشط الحقوقي (وهو في حالتنا يعيش من أجل حقوق الإنسان ولا يعيش من حقوق الإنسان) بصمت ومثابرة، يراسل من أجل المعتقلة فريق العمل الخاص بالاختفاء القسري أو اللاإرادي، يوجد مراسلات سرية وفق ما يسمى بالإجراءات 1503 فترد السلطات السورية بأنها موجودة في سجن دوما وتذكر سببا لاعتقالها، في هذه اللحظة يجري تحويل هذا الملف من فريق العمل الخاص بالاختفاء القسري إلى فريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي وفي الحالتين أنت أمام ما يسمى بالإجراءات السرية 1503 إذا أنا كشفت ما يحدث معي في هذه الإجراءات مع أي معتقل من حق السلطات السورية أن توقف التعاون مع الأمم المتحدة ومع فريق العمل. هذا ما حدث في تبني حالات رياض سيف وعارف دليلة..، هذا ما يحدث مع كل المعتقلين، من عرب وسوريين، وبالتالي إما أن نرضي مراهق في العمل العام يحاول أن يظهر كبطل عبر معتقل أو معتقلة بأن نقول كيف نعمل ولماذا نعمل بهذه الطريقة أو أننا أصبحنا مشبوهين وأصبحنا لا نقوم بما علينا، للأسف نحن في هذا الجو(5) وهذا الجو هو نتيجة العنصر الثالث الذي أود التحدث عنه وهو الخطاب السياسي السائد.
لعل الحديث في الخطاب السياسي السائد والوضع السياسي السائد للسلطة والمعارضة من أكثر المواضيع تعقيداً وحساسية. ومن المفيد قبل إسبوعين ونيف من الذكرى الأربعين “للحركة التصحيحية” القول أننا أمضينا، جميعنا، عشرية غير عادية بحال من الأحوال، عقد زمني صعب وقاس. لقد كانت المنطقة في العشر سنوات الأخيرة مركز العالم بالمعنى الجيو-سياسي والاستراتيجي وبمعنى الصراعات الأهم لإعادة رسم خريطة الهيمنة في العالم. بالتالي لم يكن من السهل لا على المعارضة ولا على السلطة السورية أن تتعامل بخطة مسبقة وبعقلية هادئة، كان هناك حالات تخبط كثيرة وحالات ضياع كثيرة وبالتأكيد فإن المنعكس الأمني الذي ظهر قبل 11 سبتمبر، لأن اعتقالات ربيع دمشق انتهت في 9 سبتمبر 2001 أي يومان قبل 11 سبتمبر كانت بحسابات وقرار داخلي محض دون أي مرجعية إقليمية أو دولية، هذه السياسة الأمنية تعززت كثيراً والدور الأمني أيضاً أصبح مركزياً للبقاء حيث اهتزت الخارطة وصار الحديث في مشكلة البقاء وعدم البقاء بعد المجاهيل الكثيرة التي طرحتها مسألة احتلال العراق. الصورة الكلاسيكية بأن التغيير يأتي من الداخل ومن تحت أو أن هذا الشكل هو الأنسب من أجل التقدم المجتمعي، هذه الصورة تهشمت. كان هناك مليارات الدولارات من أجل ضربها في العقول وفي الواقع عبر التجربة العراقية. لذلك كنا نقول للعديد من الذين عرضوا أموال ومساعدات لدعم المشروع الأمريكي، نقول لهم من التفاهة أن تظنوا أنكم أول من عرض عليه المال أو عرض عليه الدعم لأن هذا جرى من قبل لغيركم، وسيجري من بعد لغيركم، والمشكلة هي في أن نبقى متماسكين في حقب العواصف الكبيرة، نمتلك القدرة في زمن الأزمات على عدم خسارة البوصلة السياسية المدنية التي تعتبر مصلحة الناس، مصلحة الإنسانية، مصلحة البشر في منطقة مستهدفة هي الأساس وليس المصالح الشخصية أو المصالح المباشرة لهذا الحزب أو ذاك.
في سوريا بدأت نتائج الإحتلال تظهر أكثر وتخرج هذه الأقلية الصغيرة من أقليتها بعد الحراك اللبناني وبشكل أساسي بعد اغتيال الحريري وخروج القوات السورية من لبنان، هنا ظهرت مجموعة استعجالية أسميها هكذا إن أردت أن أكون مهذباً ومراهقة سياسياً إن أردت أن أكون صريحاً أكثر. مجموعة مختلفة في ألوانها بعضها إسلامي وبعضها علماني، بعضها شيوعي سابق وبعضها مازال يعرف نفسه بالماركسي الثوري. هذه المجموعة اتفقت على أن هناك فرصة تاريخية (لإسقاط السلطة في دمشق). وبعد أن كان النضال الديمقراطي يتركز على مثلث الحقوق في التنظم والتجمع والتعبير، في أطروحات مثل ضرورة عقد مؤتمر وطني عام من أجل سورية لكل أبنائها، ضرورة قيام سلطة قضائية مستقلة، ضرورة المحاسبة في قضايا الفساد ودمقرطة المؤسسات على اختلافها وإعادة السلطة التنفيذية إلى مكانها الطبيعي أي كجزء من سلطات موزعة بشكل متزن ومتوازن وبنفس الوقت إجراء التعديلات الدستورية المناسبة لكل هذه الموضوعات مثل تعديل ديباجة الدستور وإلغاء المادة الثامنة إلى غير ذلك من أطروحات عملية للخروج من نفق المنظومة التسلطية، تحولنا إلى من يوزع المناصب الوزارية الجديدة ويتحدث عن تاريخ لاعتقال رئيس الدولة.. يعني لا يمكن أن ننسى هذا وهو موجود على صفحات الأنترنيت حتى المحجوبة منها، ويمكن أن يراها أي مواطن سوري. العديد في حفلة سحب الأقوال يقول أنه لم يحكي هذا، لكن الواقع أنه حكى. هناك اتجاه متهور بشكل أو بآخر ضربنا كلنا. وللأمانة التاريخية “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي” لم يكن كذلك، فمشروع إعلان دمشق كان مشروعاً تجميعياً، كيف يمكن أن نجمع أكبر عدد من الاتجاهات بأقل قدر من المواقف الملزمة وخاصة في الإقليمي والدولي منها، لكن بنفس الوقت مشروع يمتلك الأسس الضرورية لوضع ديموقراطي في البلاد. هذا هو التصور على الأقل ولا أتحدث عن النص هذا هو الموجود في ضمير ووعي الذين صاغوا هذا المشروع الظاهر والباطن، أي أن وعيهم الباطن والظاهر يقول نحن نريد وضعاً ديمقراطيا يحدد ويفرز في بيئة صحية أفضل المواقف الوطنية والسياسية الدولية والإقليمية. بالطبع لم يمض عليه إلا القليل من الزمن، حين طعن في الصميم بقيام “جبهة الخلاص”. هنا وقعت حركة الإخوان المسلمين في خطأ سياسي وأخلاقي كبير كلف الإعلان ثمناً سياسياً وأمنياً كبيراً. فحركة ضعيفة داخل البلد الثمن الذي دفعته أطراف الإعلان بقبولها أكبر بكثير مما يقدمه وجودها فيه، (الكل يعرف بأن حركة الإخوان ضعيفة جداً إن لم نقل ميتة داخل سوريا، ومع ذلك كان هناك التزام واحترام لما أسميناه التضامن مع مبدأ المشاركة للجميع في عملية التحول الديمقراطي)، فإذ بها تتصرف لوحدها، وبأحسن الأحوال باتصال بشخص أو شخصين لا أكثر ممن هم قريبون من تصورها، عند قرار تحالفها مع السيد عبد الحليم خدام، فتنظم مشروعا موازياً تماماً يختلف في نقاط أساسية وجوهرية مع إعلان دمشق. خدام جاء يحمل معه عفش تاريخه، مع كل الأحقاد وعقد شخصنة الصراع مع أقطاب السلطة مع ما يترتب على ذلك من نتائج ليس لنا فيها لا ناقة ولا جمل كديمقراطيين. وفي هذه اللخبطة ظهرت فئة البين بين والجالس على السرجين على سرجين ممن كان يهمس بآذاننا “دعهم يجربون”؟؟. للأسف لم يكن هناك وضوح وصراحة سياسية وجرأة على الأمانة السياسية بحيث نقول بأن هذه عملية تخريب للمشروع الديمقراطي يمكن أن تودي بالمعارضة كلها وتمزقها. لذلك كتبت “من يعول على من” و”إلى أين هم ذاهبون”.. أكثر من مقال وللأسف كانوا يظنون أن ما أقوله لاسترضاء قريب لي في موقع مهم بالسلطة. لم يكن هناك نقاش جدي لأطروحة مترتبات ما يجري في زعزعة الثقة بالمعارضة عبر هذه المراهقات السياسية والتي أعطت النتائج التالية، والبقية تعرفوها ولا حاجة لأن نقول أن هذه التصرفات حرقت سالف حركة المعارضة الديمقراطية. وللأسف حتى اليوم لا أحد ينتقد بل نحن من يُنتقد ونحن من يُتهم، لأننا انتقدنا ما مزق المعارضة في صميمها أو من داخلها. فحتى تاريخ تكون جبهة الخلاص لم يكن أحد قد اعتقل من إعلان دمشق. إذن من الأمانة القول أن المشاكل بدأت داخل الإعلان وبدأت للأسف عمليات تحميل المعارضة الديقراطية أكثر مما تستطيع. بالتأكيد من حق السياسي أن يحلم بل يمكن القول أن مبرر وجود السياسي بالمعنى النبيل هو القدرة على امتلاك الحلم، لكن ليس من حقه أن يتوهم وأن يسقط في ترهات كهذه.
توافقت هذه الفترة مع ما يمكن تسميته بالعطالة الانتخابية(6)، وأقول الانتخابية ولا أقول الديمقراطية لأنه لا يوجد ديمقراطيين لا مؤسسات ولا دول هذه العطالة الانتخابية تجسدت في 3 تجارب انتخابية، أعطت حماس في فلسطين، تواجد إخواني برلماني جيد في مصر وشلل في اتخاذ القرارات في لبنان. أصبحت الانتخابات في ذهن الناس تعادل الأزمة والعطل والاستعصاء حتى لا نقول انسداد الأفق. هذا إضافة إلى أن الثقافة الديمقراطية ليست عميقة في المجتمع الواسع. هي ثقافة نخبوية ولها أيضاً من يقاومها حتى اليوم، وفي التجربة المعاشة نجد أن الكثير من عناصر مقاومتها يستخدمها كمنديل الكلينكس. وإلى اللحظة هناك من يقول هذا إنتاج غربي، يساعده في ذلك من حوّل الديمقراطية لإيديولوجية جديدة “يروج” لها ويتعيش من “فتاتها” دون أن يجسدها واقعا حتى في هياكل عمله العام..
يوجد اليوم أزمة عميقة لمفهوم الديمقراطية عبر عملية هدم لهذا المفهوم قامت به قوات الاحتلال الأمريكية في العراق، والتي أعطتنا أكبر انتهاكات لحقوق الإنسان في أقل فترة ممكنة في الأزمنة المعاصرة في المنطقة، صدام حسين في الحكم منذ 1968 لكن هناك أناس بخمس سنوات قاموا بمجازر لم يخطر على البال بأن تحدث بهذا الشكل وهذه السرعة وهذه الكثافة. ورغم كل عمليات التجميل للوضع العراقي والتستير على المجازر والجرائم الجسيمة، الإنسان العربي لا يقرأ تقرير الخارجية الأمريكية أو تقارير من تدفع لهم السفارات الأمريكية، بل تقرير الوقائع من لحم ودم في مجازر حكومات المنطقة الخضراء وقوات الإحتلال. هذه الهزة بالتأكيد أثرت على المشروع الديمقراطي في المنطقة، وعلينا أن نتذكر اليوم أننا أمام عملية استفادة لكل السلطات العربية مما يمكن تسميته بالإحباط الديمقراطي. التشديد الأمني والملاحقات تمر من الماء إلى الماء وكأنها مسألة عادية. هناك تراجع عام في المنطقة كلها وسوريا تعيش هذا التراجع، وتدفع الحركة الديمقراطية الثمن وهي في أضعف حال يمكن فيه أن تواجه أو تقف في وجه هذا التراجع. لأنها هي نفسها بحاجة لإعادة النظر ولإعادة التقييم ولإعادة البناء.
في هذا الوضع، أرى أن قضية حقوق الإنسان تعود بقوة، ليست كأداة توظيف أيضاً على طريقة توظيف الديمقراطية من قبل الغرب أو استعمال في حرب باردة أو ساخنة، حقوق الإنسان باعتبارها العنصر الأساسي الذي يخلصنا من تناذر ضعف المناعة الذاتية الذي زرعته الديكتاتورية وعززته الضربات الخارجية ويتأصل مع تحويل المنطقة إلى منطقة للاستعمال والتوظيف أكثر منه منطقة مشاركة في صناعة العالم على الصعيد القومي، ومنطقة تعتز بكرامة مواطنيها على صعيد الوطن. من هنا أصبحت حركة حقوق الإنسان المشترك الضروري الضامن الأهم للمناعة الذاتية للأشخاص والجماعات وليس بوصفها مجرد ملف اعتقال تعسفي كما أسلفت في بداية مداخلتي.
كيف نحمي الجماعات والأشخاص من القهر والعنف كمنظمين أساسيين للعلاقات بين الناس؟ كيف يمكن إعادة بناء الثقة بالإنسان كشرط واجب وجوب لدولة عادلة حرة يشعر المواطن بأنها دولته لا الكابوس الجاثم على رأسه والقامع لحرياته والحارم له من الوجود كإنسان. بالتأكيد الجامع المشترك اليوم هو الحقوق الإنسانية: المدنية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وهي القادرة على أن تشكل ما يمكن تسميته بالوسيلة التعبوية الكافية لمقاومة أي استبداد داخلي أو استعباد خارجي. ليس من العيب أن يكون البرنامج الحقوقي هو البرنامج السياسي والمدني بآن واحد معاً خاصة في ظروف مشابهة لظروفنا، التي تشبه فترة الثلاثينات في أوربا، وحقبة الدكتاتوريات في أمريكا اللاتينية، حيث لجأت منظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية والنقابات إلى نفس نمط المقاومة المدنية. من هنا لابد من أن ننتهي من منطق صناعة قوة افتراضية من فوق من الخارج وأن نحدث القطيعة مع التجربة العراقية أو التناذر العراقي. لابد من أن نضع حد لفكرة النفخ والتكبير الخارجي وكأن بإمكانه أن يغير في موازين القوى الداخلية. فمهما تلقى أي حزب أو مجموعة من 12 أو 15 شخص كما يحدث اليوم من مساعدات مالية من هذا الطرف أو ذاك ستبقى مجموعة لا علاقة لها بالمجتمع السوري وستبقى مهمشة، من الممكن أن يخرج من حثالة المجتمع من الجائعين بكل المعاني والمفلسين بكل المعاني من ينضم لها.. ولكن تبقى حالات فردية. نحن لا نتحدث عن الكتلة المادية الأساسية للمعارضة الديمقراطية التي هي أساس التغيير وأساس التعامل مع غد مختلف.
من الضروري التأكيد على ثقافة المواطنة بمعنى إعادة تنظيم العلاقة بين الأفراد والجماعات لأن التغيير لا يمكن أن يكون له معنى ومبنى في غياب مجتمع ينتج كوادر ديمقراطية وممارسات مدنية، ولا ينتج كوادر تعيد إنتاج الاستبداد نفسه.
نحن نعيش اليوم عملية إغلاق على فكر النهضة وإغراق بلغة العبودية الفردية الجماعية طائفية وغيبية ولدينا أيضا مشكلة الفرد العبد الذي يخشى من السلطة الأمنية ويخشى على مستقبله ولا يفكر إلا بالمعنى الأناني الفردي السلبي وليس الأناني بالمعنى البناء بمعنى التفكير بضرورة الدور ضرورة الفعل والمشاركة العامة. من هنا راهنية التغيير في العقليات وفي البنيات وليس في الواجهات فقط . أهمية إعادة بناء الوعي الذاتي من المكونات البناءة في الذاكرة الحضارية للناس المتحفزة للبحث عن أفضل نتاج الجعبة الإنسانية المعاصرة والرافضة لأي استعباد أو استئصال مسبق. التزام يبحث عن أليات حماية الحقوق الإنسانية وليس المناصب السلطوية الجديدة. ماذا أحضرت لنا العناصر المشاركة في الحكم بالعراق اليوم؟ مجموعات تمارس ما مارسه المستبد الشخص كل على وعصبياته وليلاه، تقاسمت الجرائم والغنائم في الكارتل الإستبدادي الفسادي في العراق باسم الديمقراطية، هذه الديمقراطية لا نعرفها في قاموسنا.
أنا من المدافعين عن كون البناء المدني المواطني هو نقطة الارتكاز الأساسية في هذه المرحلة وليس البناء السياسي الحزبي بالمعنى الضيق للكلمة. وأظن بأن التجارب التي جرت هي اليوم تجارب للدراسة والتقييم وليست تجارب للاستمرار، واستمرارها كاستمرار التجمع الوطني الديمقراطي أي استمرار الاسم والرائحة ولا العدم، وهذا يسري على تجمع إعلان دمشق، لا فرق بينهما في نقطة الاستنفاذ التاريخي، ولا أحد أفضل من أحد.
نحن بحاجة إلى إعادة تشكلات نضالية قائمة على العلاقة المباشرة بالناس وبدون ذلك لا يتعدى وجودنا ما يمكن تسميته استراحة المناضل أو استراحة المعارض سموها ما شئتم، أما أن تعتبروا ما يجري من فرقعات هنا وهناك من أجل الحديث عن حالة فردية هذه ليست مقاومة مدنية ولا برنامج معارضة سياسية ديمقراطية. أنا أظن بأن المقاومة المدنية والعمل من أجل التغيير بحاجة إلى أشخاص آخرين بعقلية أخرى هؤلاء الأشخاص للأسف اليوم لم يتموضعوا بعد في الموقع الأمامي لذا نشهد حالة فراغ المستفيد الأول منها الأوضاع القائمة، واستعمل كلمة المستفيد بالمعنى السلبي، نحن نتمنى أن يقوم الحاكم بالخطوات العملية لتمزيق منظومة التسلط وفتح آفاق الحقوق والحريات، ولو بادر بها لوحده وطلب المجد التاريخي لاستحقه، لكن هذا لا يحدث، على العكس من ذلك لسنا وحسب أمام عملية تباطؤ بل تراجع كبير في الحريات الأساسية وفي مكاسب عديدة كان المواطن يتمتع بها ولم يعد. من هنا الخطر ومن هنا ضرورة العودة للناس من أجل إعادة رسم تصورات المستقبل السياسي للبلاد وإعادة بلورة أشكال للمقاومة المدنية.
من الضروري القول أن الطرف الأكثر إبداعاً في النضال المجتمعي والمدني ليس من يسمي نفسه حقوقي ومدني وسياسي، وإنما هو الفنان السوري الذي يقوم بدور أهم بكثير من أي رجل سياسي في البلد من الجبهة الوطنية والمعارضة سواء بسواء. الدور الذي تلعبه الدراما السورية في ثقافة النقد وتوسيع أفق الناس وتعزيز الإبتكار والخلق ومعرفة التاريخ والواقع أهم بكثير من خطاب السياسي الحالي. وبرأيي أن المشروع التنويري التغييري يشهد بداياته من أوساط التعبير الفنية وليس في هذا قراءة متشائمة للواقع، هذه فقط محاولة لوضع الإصبع على الجرح لأنه بدون تشخيص صحيح لا يمكن معالجة الأوضاع.
• سهرة مع جمع من الأصدقاء نهاية أكتوبر 2010
1- من دراسة لنبيل سكر بعنوان: مستقبل الاقتصاد السوري بين التهديدات والفرص، نشرت في السفير البيروتية. طبعا كما ينقص النفط تزداد أزمة توفر المياه وتبرز قضية التصحر وهي مشكلة كبيرة تحتاج لتناول خاص.
2- سألني أحد الحضور عن رد الفعل الشعبي من الإخوة العراقيين فأجبته بأن المرء يشعر بالإعتزاز من موقف الشعب السوري من اللاجئين العراقيين بشكل عام ولا يمكن التحدث عن حوادث هامة سلبية أو تمييزية..
3- هذه التبعية جاءت بقرار من رئيس الجمهورية في 1980 بعد إضراب اليوم الواحد في 31/3/1980 حيث التسمية في القيادة والتدخل في الإنتخابات والسياسة. ومن تعبيراتها العقوبات التي برزت مؤخرا في اتحاد نقابات المحامين الذي حرم المحامي حبيب عيسى والمحامي مهند الحسني من ممارسة المهنة لعام ومدى الحياة على التوالي. ومن المفيد التذكير أن كل من المهندس نزار رستناوي والمحامي أنور البني والمحامي مهند الحسني والمحامي هيثم المالح من المدافعين عن حقوق الإنسان قيد الإعتقال اليوم.
4- قائمة زوار السجن النسائية في سورية هذا العام كانت استثنائية وشملت الدكتورة تهامة معروف والسجينة السياسية السابقة رغدة الحسن والحقوقية نادرة عبدو ومنال إبراهيم إبراهيم وفاطمة أحمد حاوول وهدية علي يوسف.
5- سألني أحد الأصدقاء العرب عن التحامل على سورية بسبب موقف الممانعة والصمود لها، فأجبته بأننا نعاني من مزاودتين، الأولى من الأخوة العرب الذين يبصرون نصف الملف الوطني وينسون أن الكتلة الأهم من المعارضة الديمقراطية السورية لا تختلف مع السلطة في موقفها من المقاومة وأحيانا لها موقف وطني أكثر راديكالية، وأن على الإخوة العرب أن يدركوا أن المناعة الحقيقية لسورية إنما تأتي من المواطن الكريم والدولة الراعية العادلة، والثانية من المزاودين العرب، أو عرب الخدمات في حوانيت الترزق من الملف السوري من القاهرة إلى واشنطن، وهؤلاء لا علاقة لهم بالجسم الأساس في النضال المدني داخل سورية. وأوضحت في إجابتي أن أهم شخصيات العمل الحقوقي والثقافي والسياسي تستنكر العقوبات المفروضة على سورية، بل لقد كتبت وصرحت بما هو أقوى من تصريحات رسمية في الموضوع. وقد كنا، كمجتمع مدني سوري، من المحذرين الأوائل للمشروع الإسرائيلي الأمريكي لحذف البند السابع في مجلس حقوق الإنسان الذي يتناول الأراضي العربية المحتلة بما فيه فلسطين والجولان المحتل، إلا أن الوفد الرسمي السوري مثلا، لا يجرؤ على بناء جماعة ضغط مع المنظمات الحقوقية ذات المصداقية في جنيف ونيويورك لأنه يعتبر ذلك إعترافا بها.
6- سأل أحد الحضور عن سبب التركيز على العطالة الإنتخابية وعدم الحديث عن العامل الأمريكي في تراجع هجمة الفوضى الخلاقة. فسألته قل لي بصراحة لماذا كانت كونداليزا رايس تلتقي بأيمن نور ومدير مركز القاهرة ثم صارت تلتقي بمديري المخابرات في الإمارات ومصر والأردن والسعودية؟ لقد اقتنعت الإدارة الأمريكية بأن ما تدفعه للبدائل لا يتعدى مساعدة سماسرة محليين لها وأن أي تغيير سيحمل أطرافا معادية لا عناصر صديقة.