المعارضة مسؤولية وطنية: على طريق نهوضها أم تقويضها؟
لقد أصبح معروفا أن الخطاب السياسي الديموقراطي المعارض في سوريا قد أخذ بعدا تعدديا بتعدد التيارات المشتركة في بنية إعلان دمشق تنظيميا، وبتعدد الخطابات والأصوات الفكرية والسياسية التي منحت الإعلان تميزه في تاريخ الحراك السياسي الديموقراطي في سوريا، بوصفه قد شكل سقفا موحدا لشتى التيارات الوطنية من أقصى (اليمين إلى أقصى اليسار) .. هذا إن صح الحديث عن يمين ويسار في مجتمع نزعت منه السياسة: بساحاتها وتموجاتها وتلوناتها ليكون التناقض الرئيسي فيه: سلطة غاشمة في مواجهة مجتمع أعزل .. سلطة تتغول يوميا على الدولة لتلتهمها، بوصف الدولة مؤسسة وطنية حقوقية تقوم على فصل السلطات الثلاث … إذ بلغت التسلطية الأمنية درجة الالتهام للسلطات الثلاث واقع أن تغدو سوريا كيانا سديميا هلاميا بلا عمود فقري يرتكز إليه في صيغة مؤسسة القضاء الذي تحول إلى استطالة من استطالات الأظافر والمخالب الأمنية، حيث يغدو القضاء مظلة لشرعية ومشروعية نظام المخابرات…ثم تأتي المراسيم الجمهورية لتعزيز قوة ومشروعية (القضاء الأمني) بإعفاء المخابرات من (الجرائم) المرتكبة وهم يقومون بواجباتهم (الوطنية المقدسة) نحو مواطنيهم ..
إن ما نقصده في السياق السوري لتعبير: أقصى اليمين وأقصى اليسار ..هو المعنى الإيديولوجي دون أن يكون مشبعا بمحتواه الاجتماعي الطبقي بسبب الوثنية الأسدية للنظام الأمني القادر على تفصيل الطبقات والشرائح الاجتماعية وتشييء الفاعليات السياسية وفق المشيئة الوثنية للسلطة …
وعلى هذا تغدو الصراعات في سوريا هي صراعات أهواء ونزوعات أهلية ونزوات وشائجية تحل محل الصراع الطبقي، الذي يميز المجتمع المدني في النظام الرأسمالي … وعلى هذا فاليمين واليسار هو تمثيلات ايديولوجية اجتمعت تحت سقف الإعلان، حيث تشير إلى تعايش الإسلامي مع العلماني والاشتراكي مع القومي مع الليبرالي .. وللقارئ الحق في أن يؤّول من هو المقصود باليمين ومن هو المقصود باليسار – بسبب اضمحلال التمايزات داخل المجتمع لصالح التمايز الأساسي المشار له بـ (سلطة متغولة / مجتمع مأكول ) أي سلطة بمقدار ما (تتغوّل)، بمقدار ما يراد للمجتمع أن (يتخورف)، لكنها من وجه آخر بمقدار ما تزداد السلطة استبدادا وديكتاتورية بالمعنى القاع للطغيان، بمقدار ما يزداد المجتمع – في المقابل – توحدا حول مسألة الحرية والديموقراطية بلا شروط، بالمعنى القاع للديموقراطية، أي بغض النظر عن هوية الديموقراطية ان كانت ليبرالية أم شعبية، اجتماعية أم فردية .. لكن مع ذلك ثمة تمايز بين خطابي الداخل والخارج لقوى الإعلان أحزابا، وأفرادا مستقلين شكلوا بعدا نوعيا مميزا للإعلان من حيث قدرته على التحرر من شروط الأحادية الحزبية وهرميتها التراتبية ..
من الواضح –إذن- أن يكون خطاب الداخل أكثر نعومة أمام أظلاف الغول الذي بلغ في تغوله درجة افتراس لحم الطفولة عندما يتهم طفلة (طل الملوحي) بالعمالة للدولة العظمي الأكبر في العالم التي تحتاج مع كل –عظماها- إلى تجسس الأطفال، ولعل هذا هو المقصود بـ(التقدم في الإصلاح الممنهج) على طريق حقوق الإنسان الذي يتحدث عنه الشاب الوريث للأمريكان حسب ويكيليكس، حيث نظن أن حكمة الشاب هذه…!!!! هي الطريق الأقصر إلى مستقبل حرية سوريا أكثر من فعالية المعارضة ذاتها … حيث الاستخفاف بالعالم ومؤسساته ومنظماته الدولية ومبعوثيه الدبلوماسيين، وذلك من خلال إطلاقه الذرائع المضحكة لاعتقالاته لقادة إعلان دمشق بسبب (صلتهم بجنبلاط) دون أن يحسب حسابا بأنه سيستقبل جنبلاط بحفاوة ويبقى المعتقلون بسبب الصلة به في السجن ..!!! بل تبلغ (فهلويتهم) أن يتحدث ممثلو المجتمع الدولي (المحكمة الدولية) أن السلطات السورية تعاملنا وكأننا أطفال ..إذ يرسلون 40 صفحة ليس فيها أي معنى، وذلك تذاكيا: هازئا أو ساخرا من غباء المنظمات الحقوقية والقانونية الدولية ..حيث تداخلت في أذهانهم –كنوع من الذهان- صورة علاقتهم بمجتمعهم وصورة المجتمع الدولي أو شكل علاقتهم بقضائهم الأمني والقضاء الدولي، أو مثلما يتم تطمين المجتمع الدولي على مستقبل حقوق الانسان في سوريا .. ما دام لديهم قضاء كمحكمة أمن الدولة (النورية) … نظن أن درجة التثبت الذهني والنفسي بالسلطة لدى الشاب ورهطه هو أقصر الطرق لخسارتها …
ومن الواضح أن خطاب الذين يعيشون في الخارج، ويتابعون الحراك السياسي ويقرؤون يوميا الصحافة الغربية، من الصعب عليهم أن ينتجوا خطابا مماثلا لأشقائهم في الداخل … فعندما تكتب الصحف البريطانية البارحة –مثلا- ضد الحكومة التي رفعت رسوم التسجيل الجامعي،بأنهم “عصابة من الكذابين” .. أو يسمع عبارة متداولة بشكل يومي عن طوني بلير بأنه كان كلبا عند بوش، وهذه لغة أعرق الديموقراطيات في العالم أو أن يرد المئات على ساركوزي بأنه هو (الأزعر) عندما وصف قادة الشغب في الضواحي بأنهم (زعران)، ..فلن يستعظم المرء الحديث او يستكبره أويستكثره عند وصف أجهزة المخابرات لدينا بأنها (عصابات أمنية)، أو تسمية لصوص الفساد بأنهم طغم لصقراطية تتشكل من تحالف (رعاع الريف وحثالات المدن)، سيما عندما نعلم جميعا أن قادة عصابات التسلط الأمني اليوم كانوا جلادين مباشرين، باعتبارهم يمثلون اليوم الجيل الثاني والثالث الأمني في تاريخ التسلطية (الأسدية)،أي هم الذين كانوا يعذبون بأيديهم، ليس التعذيب الجسدي والضرب بأسياخ الحديد، والشبح، والسلخ، وقلع الأظافر .. مما لا نعرفه مباشرة – والشكر لله – بل مما عرفه مئات الآلاف من الشعب السوري الذين نجوا من الإبادة الجماعية، أو المفقودين الذين سمّتهم المنظمات العالمية تحت التعبير المجازي “ابنكم ليس هنا” وفق عنوان تقرير امنستي عن المفقودين المقدرين بـ 17 ألف مفقودا .. ولو أن هؤلاء المفقودين (17 ألف)، بالإضافة إلى عشرات آلاف المبادين جماعيا في المدن السورية، هم ميليشيات مسلحة فعلا كما يدعي إعلام النظام، لما كان بقي لقوى النظام من أثر ليس في سوريا فحسب، بل وفي الشرق الأوسط .. إن لم نقل في العالم .. ليس التعذيب الجسدي الذي قاموا به فحسب بل الإقذاع اللفظي مما يمكن أن يشكل موضوعا مثيرا لدراسة علاقة الملفوظ العنفي بالممارسة العنفية للمخابرات السورية، التي لا نعرف من أين أتتهم رقة الحواشي التي يهب للدفاع عنها أخوان لنا في المعارضة لمراعاة مشاعرهم …هذا اللهم إذا كان قد تبقى لها من أثر في دواخلهم الجوف …
-من منطلق الحوار مع إخوتنا في الإعلان في الداخل (داخل بطن الوحش أو الغول)، أي من منطلق تفهمنا لحقهم في أن لا يسحقوا في بطن الوحش … هل يجوز للبعض أن يسمي خطابنا النقدي القائم على توصيف بنية النظام بأنه تحالف خلاصة (رعاع الريف وحثالات المدن) بأنه خطاب طائفي .. لماذا لا يعترض علينا حتى الآن ممثلون وأصوات من المدن على اعتبارنا لحثالاتها المدينية قوى من قوى السلطة .. أين الطائفية في صيغتنا هذه، ما دمنا نوحد الجميع من تمثيل المدينة والريف بوصفهم تعبيرا عن العالم السفلي الذي انتهت إليه سوريا في صورة نظامها العصبوي!؟ إلا إذا كان الموصوفون بهذا التوصيف السوسيولوجي الاجتماعي -وليس الهجائي- يستشعرون في دواخلهم انتماء طائفيا ما محددا وموصوفا !؟
هل يجوز لإخواننا في الداخل – الذين نعتقد أننا بخطابنا ندفع عنهم بما هو غير متاح لهم – أن يوصفونا بهذه الصفات بأننا من جماعة الشتائم والتعابير القيمية .. هل يجوز لهم أن يضعوا معايير (الدولة الدستورية) لانتقادنا والتشنيع علينا، انطلاقا من أن هذه المعايير تتناقض مع خطابنا النقدي، بينما هي لا تتناقض مع النظام ما دون الانكشاري المملوكي … فلنسمع أو لنقرأ هذه التوصيفات لمعايير الدولة الدستورية التي يغدو خطابنا – وليس ممارسة النظام الأمني المافيوي العصبوي- مدانا بدلالة هذه المعايير، يقول الإخوة في افتتاحية النداء: “لذا كان من المشروع لحق الاعتراض أن يتبدى في أرقى أشكال الصراع الاجتماعي، ومن ثم أن يتخذ من السياسة والاهتمام بالشأن العام أسلوبا وطريقة. الأمر الذي لا يجعل الاعتراض هوية ثابتة مغلقة على حاملها، بل يجعله مجرد مرحلة تتداولها الأحزاب والجماعات في سبيل تحقيق أهدافها وبرامجها. فمن يكون معترضا منها اليوم قد يصير مواليا غدا، وبالعكس سينقلب الموالي معارضا. وذلك دواليك في إطار مشاركة وطنية مفترضة، لايزعم فيها أي فريق امتلاك الحقيقة والمعرفة المطلقة، كما لا يمكن له تبرير حيازة السلطة ومصادر القوة باستمرار، فالكل مشاركون في تجربة تاريخية تخضع دوريا لتقويم عامة المواطنين، وتصويتهم في الانتخابات مصدر كل شرعية وتداول.”
هذه المعايير النظرية التي يمكن مناقشة أرقى الديموقراطيات في العالم على ضوء اقترابها أو بعدها عنها لتقويم ديموقراطيتها، تساق في سياق الحديث عن النظام المافيوي العصبوي في سوريا الذي هو الأكثر بعدا وتناقضا واحتقارا لهذه المعايير الدستورية في العالم، حيث لا ينافسه على التناقض معها سوى كوريا الشمالية لكن دون ما تملكه كوريا الشمالية من قوى كرامة وطنية فعلية على الأرض، وليس قوة شفوية تسكن في الكلمات ولا تخيف سوى أهلها وجيرانها من قومها الأقربين.
الغريب أن هذه المعايير لم يضعها الأصدقاء للكشف عن بعد النظام عنها، بل للكشف عن بعد المعارضة وانكفائها عنها .. وإذا بالمسؤولية تقع علي عاتق المعارضة في عدم احترام هذه المعايير للدولة الدستورية .. حيث مشكلة سوريا ليس في تباعد نظامها أو تعارضه أو تناقضه مع هذه المعايير الدستورية .. بل مسؤوليتنا نحن كمعارضة .. حيث يقول لنا أصدقاؤنا شركاؤنا في المعارضة أننا نحن المشكلة، وليس النظام الاستثنائي عالميا في شذوذه عن قيم الدولة المدنية وقيم حقوق الانسان .. فيقول لنا الأصدقاء الشركاء في الوطن والمشروع الوطني الديموقراطي التغييري السلمي .. بأن علينا كمعارضة أن نفهم قاعدة :”ومن المفهوم هنا، أنه لا يمكن للشتائم والتعابير القيمية أن تسهم في صياغة برامج التغيير المأمولة، مهما دعمتها الاستعارات اللغوية والجمل الثورية، فتلك أمور لا تنفع إلا في شجار الشوارع أو حلبات المصارعة، ووحده الخطاب العقلاني يمكن أن يكون مفيدا ويؤهل المعارضين للقيام بمهامهم بجدارة. كما أن ردات الفعل ونزعات السخرية والتنفيس عن الغضب والمزاج الشخصي، لا تبني سياسة ومواقف مسؤولة، فالعواطف كما الحقد موجه سيء في السياسة، حسب قول شهير”
وهكذا يبدو أن الخلل الدستوري في سوريا، ومن ثم الابتعاد عن أرقى أشكال الصرارع الاجتماعي من خلال اللجوء إلى الشتائم والتعابير القيمية التي لا تنفع إلا في شجار الشوارع …. إنما تتحمل مسؤوليته المعارضة التي تفتقد للخطاب العقلاني الذي يؤهل (المعارضين للقيام بمهامهم بجدارة… الخ)…
في الحقيقة هذه أول مرة نسمع فيها صوتا يريد أن يقدم نفسه بوصفه صوتا جماعيا لقوة معارضة يمكن أن يكون منسحقا مازوشيا إلى هذا الحد … حيث يتمكن الآخر بشراسته ووحشيته أن يحتل داخله بكل هذه السادية … فيتضاءل أمام جلاده إلى الحد الذي يتبنى خطابه .. ولهذا ما كان لنا سوى عملية التأويل وهي أن أصواتا فردية تحاول أن تزعم أنها ناطقة باسم الجماعة، وذلك لأن المسائل حينما تحيل إلى مجال النفس فمن الصعب حتى الآن على علم النفس إلا أن يتقصى الصور النفسية في حالاتها الفردية … إذ لم يتطور علم النفس الاجتماعي إلى الحد الذي يمكن فيه أن يتقصى ظواهر عامة إلا في الحدود التقريبية … مثل استقراء حالة الرعب البسيكولوجي الذي لحق بيهود المحرقة، حيث كانوا يمضون جميعا إلى أفران الغاز بصمت وسكون، ولم يلاحظ حينها –حسب ملاحظة حنة أرندت- أي اعتراض أو تمرد أمام الأفران … أو ما حاول أورويل أن يرصده تخييلا روائيا وهو ينتج عالما مناظرا لعالم الفاشية، عندما يتحول البطل -بطل الانهزام الداخلي- إلى منفذ طوعي بإرادته (المستلبة) لإرادة الأخ الكبير (القائد) الذي استطاع رجاله أن يجوفونه من الداخل ليحلوا محله مغتصبين إرادته طوعيا …
إنها في بلادنا ظواهر ذاتية –بعضها مجوف وبعضها مكلف- بدأت منذ ما قبل الإعلان في أوساط المعارضة، واستمرت ما بعد الإعلان، إذ بدأت بتسويق فكرة المشاركة في (انتخابات مجلس الشعب)، لكن الغطرسة الأمنية لم تقدم لهم أي معطى يمكن تسويقه، لتسويق الفكرة التي سرعان ما ماتت في أرضها بفضل القوى المستقلة المنقطعة بنيويا عن أي ميراث شمولي سلطوي حاكم أو (معارض) في صفوف الإعلان …
المحطة الثانية العلنية لاضمحلال الذات على طريق تلاشيها – التي ربطها ليوكاش وغولدمان بالتشييء – الذي هو تشييء السلعة: (السلعة وثن) في العالم الرأسمالي، وتشييء السلطة (السلطة وثن) في العالم السفلي الذي يقوده تحالف (الرعاع والحثالات) في بلادنا سوريا … حيث الدفع باتجاه تسويق فكرة أننا لا نريد عزل النظام السوري، ومن ثم الدعوة للعالم الغربي “أن ينصح النظام لا أن يعزله” وهو مطلب سلطوي أمني بامتياز يتزيّا بزي العقلانية والوطنية الزائفة… ومن ثم ترتب على ذلك الدعوة إلى اعتبار المحكمة الدولية تحديا وطنيا يشمل السلطة والمجتمع … طبعا هذا الروح كان يذكى في أحد الأوساط الحزبية الأساسية في الإعلان: بعضها لأسباب دوغمائية مرتبطة بموروث ثقافته (القوموية) التي تعتير أن النظام نظام ممانعة ومقاومة، وبعضه الآخر لأسباب انتهازية تسعى لتخفيض سقف الحراك الديموقراطي إلى مستوى عدم رغبتها بأي صدام مع النظام ما دون الفاشي ..
لكن قوى المستقلين الفاعلين الأساسيين في قيام إعلان دمشق هم الذين أحبطوا هذه الخطوات … بل إن روح إدانة المعارضة بوصفها المسؤولة عن عنف النظام بسبب (عنفها اللفظي /الشتائمي) الذي لا يستوعب العنف الجسمي والغريزي (للأخوة المخابرات) … تمت محاولة تسويقه من جديد تحت عنوان العمل من أجل (معارضة سلمية)، حيث العنوان ذاته يشير إلى محمول الخطاب ووظيفته المكتظة بالإيماء الدلالي الذي يوحي وكأن مشكلة العنف في سوريا هي مشكلة المعارضة، وليس مشكلة نظام شمولي دموي يقف على تاريخ من حرب الإبادة ضد المجتمع .. وذلك عن طريق استخدام إحياء (منتدى الأتاسي)، لكن قوى المستقلين الذي قطعوا منذ زمن طويل مع التاريخ الشمولي الحزبي تصدوا لهذا الاختراق وأحبطوه بالتعاون مع مديرة المنتدى كريمة القائد التاريخي للمعارضة السورية جمال الأتاسي، وهي نمرة الأنوثة الوطنية المتحدية المتوثبة اليوم لكل التهديدات والاستدعاءات المخابراتية السيدة سهير الأتاسي …!!
على كل حال وفي خاتمة هذه المقاربة : نقول إن المثال المعياري عن الدستورية التي يقدمها الأصدقاء قد تناسب السويد أو سويسرا كنموذج للمقارنة وليس سوريا سلطة ومعارضة … فسلطة على هذه الدرجة من التغوّل والتوحش لا يمكن إلا وأن تنتج نقيضها، وجهها الآخر في صورة المعارض الذي يتمتع بروح معنوي شجاع قادر على مواجهة كل هذا القبح والبشاعة والدناءة والفساد، روح يليق بالتاريخ الوطني لسوريا … بمواجهة سلطة غاشمة مدججة بثقافة الكراهية والحقد نحو مجتمعها، كره متوج بانتهاك ذروة الطفولة والشيخوخة معا (الطفلة طل الملوحي والشيخ هيثم المالح)، هذا المجتمع الذي حولته هذه القوى البربرية إلى مقبرة للصمت و نفق مغلق لثقافة الخوف …لابد من مواجهة ثقافة كراهيته لأهله، بثقافة الاحتقار المجتمعي لمن يخون الدم وحليب وحضن الأم، لابد من التأجيج الدائم لثقافة الغضب المطهر للداخل من أدران الجبن والخنوع والممالأة والنفاق، الذي يحلو دائما للمخابرات أن تسمي هذا الغضب المجتمعي الساطع بأنه (شتائم)، حيث هذا تعليقهم الدائم على مقالاتنا وحوراتنا على الفضائيات … وذلك ليغطوا على حقيقة أنهم بذاتهم شتيمة وسبة لذات هذا الوطن وتاريخه وقيمه ورموزه …
مع ذلك نقول: إن كل هذه التمايزات ممكنة في إطار إعلان دمشق داخلا وخارجا وبما يمثله من تعددية …لكن حذار حذار من أولئك الأفراد الذين يدفعون من أجل الاختراق لإحداث الفراق (الطلاق) الذي برعت به المخابرات السورية على مدى عقود … ومثالها الحي اليوم هو صورة الجبهة الوطنية التقدمية التي يحلم البعض في أوساطنا في بلوغ نموذجها الأمثل …!!!