17 نوفمبر, 2025

طل الملوحي أسيرة حرب متشابكة “المصالح “بل أُضحية قدّم لها كادر استخباراتي مُنظم

  • أدخل النظام السوري قضية طل الملوحي في لعبة للتخاطب بينه وبين الغرب. إذا كانت طل الملوحي طرفًا كما يُشاع أو كما يحاول البعض إقناع العالم، فإنه في هذه الحالة سيتم محاسبتها وفق بروتوكول الدول المعنية.
  • عدم السماح لأهلها بالإفصاح عن اعتقالها إلا بعد شهرين ونصف قائم على تحذير من الأجهزة الأمنية، التي ربما تابعت “التخابر” مع أطراف القضية من داخل السجن عبر كمبيوتر طل الملوحي.
  • بوسع الدبلوماسية المصرية مساءلة أفراد السفارة السورية، حيث تبين استخدام السلك الدبلوماسي كغطاء لأجندة أمنية، وكون التخابر المزعوم تم بمعرفة السفارة السورية وعلى أرض مصرية.
  • لم يصدر المحامي الذي فرضته الدولة تقريرًا مفصلاً، ولم يُسمح أيضًا لأي أطراف حقوقية كان يُتوقع منها دور في نشر تقارير مستقلة، سوى أن الأخبار التي وصلتنا جاءت من مواقع تعيد نشر نصوص وفقرات بدا فيها أنها مكتوبة من ضابط مخابرات.
  • نخلص إلى القول بأننا أمام قضية كبرى، ليس لأنها كذلك في حد ذاتها، بل لأن النظام السوري أرادها على هذا النحو. فقد تم تركيب أيادٍ وعيون وأرجل وأذن واحدة، ما جعل الملف ملتبسًا، ثم راحوا يتحدثون عن عمالة.
  • نستبعد التواطؤ العمد، وفق نص الاتهام الذي يشير إلى التخابر لصالح دولة أجنبية، والذي يُهيَّأ العالم لسماعه من محكمة سورية، إلا أننا في ذات الوقت نشير إلى حقوق يجب أن تُحترم حتى بالنسبة للذين ارتكبوا الجرائم.

 27 ديسمبر, 2010 

أحمد سليمان: الحديث لن يكتمل طالما توجد حقيقة غير مكتملة. أما قبل ذلك، مَن هم رواة الحقائق الكبرى في حالات مثل الاحتجاز، ثم الاعتقال، وبالتالي الاختفاء والمطاردة لكل من يتداول ملفًا أو قضية أصبحت ذات بُعد دولي؟

أجهزة أي نظام عربي عادةً ما تمتلك ما يقوضها، لتصدير أزماتها الداخلية عبر تمرير اتفاقيات، وتأسيس برامج وتحالفات، وأحيانًا هندسة لضرب مصداقية جهة مناوئة.

المكان ليس دمشق أو القاهرة، وليس بتحريض من برلمان أوروبي أو جهات مؤسسية أمريكية أو غيرها، كما يحاول بعض فقهاء الإفك التحريضي — وهم كُثر بلا شك. ولديهم أسباب سننظر فيها حين تتوفر شروط العدالة وقوامها قوانين حرة تنصف الجميع.

نروي إليكم مجددًا، حيث لا رابط واضح بين حدث وقضية، بين متهم ومحكمة سورية تتخذ من دمشق مكانًا «آمنًا»، برعاية ما يمكن وصفه بـ الإمارات المتفرقة، حيث قضاء «اللا نزاهة وتشريع الاستبداد».

على الرغم من اللغط وسوء التقدير الفظيع الذي وقع أثناء الدفاع عن طل الملوحي، وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يتراجع أي شخص ينشط منادياً بحريتها. بل ارتفع سقف المناشدات والمطالبات السلمية لتشمل العديد من الملفات التي ما زال النظام السوري يعتّم عليها.

طل الملوحي الكاتبة والمعتقلة على ذمة قضية بدأت على أنها قضية رأي، وبعد شهور عدة ظهرت معطيات جديدة للاعتقال، والتي امتنعت السلطات السورية عن كشف كل تفاصيلها حتى اليوم. توجد احتمالات وخصوصيات ومحاذير من الاقتراب من القضية، وقد وقفنا إلى جانبها إيمانًا منا بحق الدفاع عن كاتبة لديها ما يُثقّلها من الشجون والاهتمامات والكتابات.

نسرد هنا مسوغات موضوعية جعلت من التعاظم الدولي الإنساني، من منظمات وأفراد، دافعًا لمتابعة الدفاع عن حقوقها.

قضية الشابة والكاتبة طل الملوحي:

إننا منذ البدء ننحاز لجلاء الحقيقة بمعناها الدقيق، فهي أسمى من أن تكون ناطقة باسم فئة أو جماعة أو فرد. بالتالي، لسنا في مكان يجعلنا أسرى أو عبيدًا لمعلومات ترد كرسائل مشفرة، تنقصها الكثير من التفاصيل، التي سنأتي يومًا على ملامسة خفاياها.

حتى مطلع الشهر الثاني من العام الحالي، بالكاد سمعنا عن خبر اعتقال شابة سورية، وفقًا لخبر مقتضب وصل إلى بريد منظمتنا. وقد رجّح الخبر اعتقالها على خلفية كتابات تناولت همومًا إنسانية مشروعة. وبعد حين، انهالت الكتابات لتأخذ شكلًا لافتًا، ولم ننقاد حينها إلى المجازر المعلوماتية التي راحت تنتشر بمعدل يومي: خبر أو إشارة أو حتى حديث هاتفي عابر.

إلى أن شاع قضيتها كسجينة رأي وحينها كان لنا تحرك دولي ملموس أثمر نتائجه في عدد من البرلمانات الأوروبية، إضافة إلى تحركات مستقلة عنا كنا نشجعها. وقد أصدرنا بيانات وتقارير إلى جانب تجنيد آلة إعلامية مواكبة  للإعتصامات السلمية التي ساندناها بقوة .كما قمنا بإنتاج عدد من أشرطة الفيديو كتحية لطل الملوحي ( راجع الفيديو  هنا )،كونها سجينة رأي وفقاً للمعلومات التي تسبب النظام السوري في تأكيدها نظراً لتغييبه أصغر معتقلة واحتكاره المعلومات الصحيحة كخطوة قذرة تهدف إلى ضرب مصداقية نشطاء حقوق الإنسان. حينها قلنا إن النظام السوري يوحي للعالم بأن القضية تخص أمن البلاد، دون مستندات رسمية معلنة، سوى تسريبات وبعض تصريحات يكتبها رجال الأمن ويطلبون من أطراف أن تتبناها. وأبرز الأخبار كان حين صرّح والد طل الملوحي، السيد “دوسر الملوحي”، بأن ابنته ستحاكم في قضية تخص “التخابر مع جهة أجنبية”.

معلوم عن الدولة السورية وآلية احتكارها لأي ملف قضائي قد يسبب حرجًا معينًا، وعمل كهذا لا يمت للقانون بأي صلة. إضافة إلى ذلك، يُعدّ هذا تدخلاً في شؤون المحاكم. لذلك، نجد الأجهزة الأمنية ترتكب تجاوزات لتبدو أمام العالم وكأنها تلاحق أشخاصًا من ذوي السوابق المسيئة لأمن البلاد.

تهم لا حصر لها تُقاس وتُفصل لأي شخص، سواء كان صاحب رأي، سياسيًا، أو مجرد قارئ لصحيفة، أو مُرسل بريد من جهازه الكمبيوتر. هذه هي سوريا التي يقول المسؤولون فيها إنها لم تعد تعاني من اختراقات لحقوق الإنسان؛ رواة بلا شعب، وحقيقة بلا واقع. وهو ذات الوضع كما حصل مع طل الملوحي.

ذات العقلية نجدها اليوم، وربما لأعوام قادمة. تحتكر الدولة السورية ملفًا حديث النشأة يقلقها إذا تم تداوله علنًا، في وقت يمثل قمة الحرج عبر أصغر معتقلة تمتلك معلومات تمثل بالنسبة للنظام السوري عيبًا سياسيًا إذا تم تحريرها وسُمح لها بالكلام عن ملفها بلا رقيب.

لم يُسمح لأحد بتداول ملف طل الملوحي إلا فيما ندر، وعبر هوامش ضئيلة تستقي معلوماتها من أروقة القضاء ومن مشاهدات عابرة. حتى اليوم، نجد أن أغلب ما صدر إعلاميًا هو خلاصة تقارير غرف التحقيق التي نشرتها وسيلة إخبارية تمثل صدى أجهزة ومؤسسات النظام.

لم يسمحوا لعائلة طل الملوحي بتوكيل محامٍ، بل تم تعيين محامٍ من طرف ذات الدولة، التي عُرف عنها عدم احترام حقوق الإنسان منذ تشكيلها وحتى اليوم. بالتالي، يترتب على المحامي المُوكل الالتزام بما تم رسمه مسبقًا، وليس على شابة متهمة مثل طل الملوحي سوى تكرار ما قالته تحت تأثير نفسي وبدني.

على الرغم من هذا وذاك، لم يصدر ذات المحامي الذي فرضته الدولة تقريرًا مفصلاً، ولم يُسمح لأطراف حقوقية كان من المتوقع أن تنشر تقارير مستقلة. سوى أننا توصلنا إلى أخبار تعلنها مواقع تعيد نشر نصوص وفقرات بدت وكأنها مكتوبة بواسطة ضابط مخابرات.

طل أسيرة حرب متشابكة المصالح، ومن هو العميل المفهومي؟

أعين العالم مُنصبة للتعرف على حيثيات أساسية، منها كيف لدولة مثل سوريا، عبر قبضتها الحديدية، أن تجعل شابة صغيرة محور عمل استخباراتي يُنظم وفق ما تُشيّع عنه التسريبات؟

ذهبت تلك التسريبات بحالة تبدو وكأننا أمام جريمة منظمة، أبطالها ضباط يتدرّبون على متابعة فصولها من داخل السجن، مثلاً كالقول إن طل كانت على صلة غير مصرح بها قانونًا مع أحد أفراد قوات الطوارئ منذ الثانية عشرة، وكأن الأحداث والقاصرات يخضعن لذات المساءلة التي تطال من بلغ السن القانوني.

بالرغم من عدم اقتناعنا بالرواية الأمنية التي جعلت من طل الملوحي مسرحًا لمجموعة شبكات تهدف إلى التجسس على ضباط ومسؤولين، إلا أننا سنحاول تقويم الاعوجاج الذي تعمده سيناريو الأجهزة الأمنية.

في وقت مبكر من صباح 14 أكتوبر، اتصلت بي منسقة عربية في برلمان أوروبي مستوضحة دقة المعلومات التي نقلتها بعض المواقع حول طل الملوحي. فكان جوابي:

“مصدر الخبر دولة بوليسية قمعية لا تتسم بأي مصداقية، وعدد زنازينهم أكثر من مدارسها وجامعاتها. برجاء توجهي بالسؤال إلى الخارجية السورية أو إلى سفير دولتكم في دمشق ثم أبلغيني، إذا أمكن.”

وفعلت مشكورة؛ أبلغتني استياء الدولة السورية من الحملات المتصاعدة، والتي كانوا يوحون للعالم بأن مصدرها ألمانيا، ما جعلهم يتوجهون لإطلاق تصريحات عبر الصحف الألمانية. فواجهها رد رسمي برلماني وناطق باسم مجلس حقوق الإنسان.

قبل يوم واحد من اتصال “المنسقة العربية” بي، وصلتني أكثر من إشارة من زملاء خبراء في شؤون المحاكم الأوروبية وآخرين ينشطون في منظمة العفو الدولية. أكدت إشاراتهم القائمة على استنتاج يبين احتمال حدوث أخطاء أمنية أثناء التقصي عن معلومات حصلوا عليها من طل الملوحي، التي كانت تُطلع السفارة كمقيمة عن تحركاتها.

هذا ما أشرنا إليه في مقال سابق بأن طل الملوحي كانت تشارك بأنشطة ثقافية وتقوم بزيارات ذات منحى دبلوماسي بتشجيع من السفارة السورية، التي كأنها نصبت كمينًا لطرف آخر لكنها وقعت فيه.وقد وضعنا تقييمًا للقضية حسب الاعتبارات التالية:

  1. نظرًا لتخبط المعلومات المتضاربة بين النفي والتأكيد والتشويه، لم نعِ تلك التسريبات على أنها دقيقة بما أرادت الأجهزة نشره، إلى أن قرأنا قسماً من ذات الرسائل الأمنية في صحيفة إلكترونية. بناءً عليه، تشكل لدينا إيمان عميق بأن “طل الملوحي” زُجت ضمن مؤامرة أسس لها كادر استخباراتي مُنظم.ونظرًا لبدء تشابك القضية قبل خمس سنوات، أي حين كانت في الرابعة عشرة، فإذا وضعنا في الاعتبار نضج الوعي السياسي عند طفلة، فإن التركيز ينصب على عنصر مهد لأرض خصبة لما تدعيه السلطات من التعامل مع دولة ثانية، ما يوحي بصمت منذ ذلك الوقت من قبل أجهزة المخابرات لغاية يمكن تفسيرها بعمالة “الدولة” المتمثلة بعناصر ذات صلة لصالح جهة خارجية. ليس رمي تهمة كبيرة بمفاعيلها على شابة دخلت سن الرشد حديثًا، أي حين أصبحت طل الملوحي في الثامنة عشرة.
  2. على الرغم من تحفظنا على نص الادعاء الرسمي لافتقاره إلى الاعتبار القانوني، والذي استند في احتجاز طل الملوحي إلى معطيات ومعلومات كانت محتكرة من قبل الدولة السورية، فإن مراقبتنا تشير إلى أنه تم استخدام بريدها الشخصي أثناء وجودها في معتقل مؤكد.

    نذكر تمامًا أنه بعد يوم من اعتقالها، داهمت مجموعة أمنية منزلها في حمص وأخذت كمبيوترها الشخصي. بعد ذلك، طلبوا منها القيام ببعض المراسلات باسمها ووفق ما تم إملاؤه عليها، وربما طلبوا منها إجراء تواصل عبر أدوات الاتصال المختلفة التي تمت مصادرتها وكانت بحوزتهم، مع الأشخاص المرتبطين بأحداث القضية.

    نرجح كذلك عدم السماح لأهلها بالإفصاح عن اعتقالها إلا بعد شهرين ونصف، بناءً على تحذير من الأجهزة الأمنية، التي ربما تابعت “التخابر” مع أطراف القضية من داخل السجن عبر كمبيوتر طل الملوحي.نرجح عدم السماح لأهلها بالإفصاح عن اعتقالها إلا بعد شهرين ونصف، بناءً على تحذير من الأجهزة الأمنية، التي ربما تابعت “التخابر” مع أطراف القضية من داخل السجن عبر كمبيوتر طل الملوحي.

  3. لهذه الأسباب، نطالب بمحاسبتها وفقًا لنص الاتهام إذا ثبت تورطها، وفي الوقت ذاته يجب النظر إلى الدوافع الحقيقية ومن هم المحرضون الفعليون، بل من طلب منها التخابر لصالح دولة أجنبية. بمعنى أدق، يجب مساءلة جهاز أمن السفارة لكونهم متورطين عن عمد حين طلبوا من طل الملوحي المشاركة في أنشطة السفارة الأمريكية، بشرط ألا تغيب عن أنظارهم أثناء الأنشطة.
  4. تشير تحليلات صحفية إلى أن النظام السوري يسعى إلى إظهار الشابة بأنها تعمل لصالح ثلاث جهات مختلفة في وقت واحد: الأمن السوري، السفارة الأمريكية بالقاهرة، وجبهة خدام.
  5. ونضيف احتمالًا أبعد، وهو أن النظام السوري هو المسرح الأساسي للجريمة، والواقع يشير إلى إبعاد طرف رابع يُفترض أن تكون طل الملوحي تعمل لصالحه دون أن تكون منتسبة لجهاز أمني. بمعنى أن السفارة السورية في القاهرة، نظرًا لوجود صلة وثيقة معها، كانت تعمل بإشراف تلك الجهة التي تأخذ من العمل الدبلوماسي غطاء للأنشطة الأمنية. فكانت طل الملوحي ممرًا لبعض ما يصعب عليهم القيام به. لذلك، ننحاز لاحتمال وجود ارتباط أمني غير ممنهج بين طل الملوحي والسفارة السورية
  6. الثابت أن طل كانت تتردد إلى السفارة السورية بشكل منتظم حسب طلب السفارة، باعتبارها مرجعًا لكل السوريين المغتربين. ومن هذه النقطة، كانت مرتبطة عن غير قصد أمني، كونها تكتب وتساند قضايا عادلة. فكان موقف السفارة أن يجعلوا منها عميلاً مزدوجًا مفهومياً دون أن تكون منتسبة لجهاز أمني. يكفيهم سؤالها عن أخبارها بين حين وآخر لتقديم إجابة شاملة عن فترة انقطاعها منذ آخر لقاء معهم.
  7. بناءً على هذا الاحتمال، نجد أن مقاضاتها مكلفة بالنسبة لجهاز أمني متورط أصلاً باستغلال السلك الدبلوماسي كمسرح لنشاطه في القاهرة. وليس غريبًا عن أجهزة مخابرات النظام السوري أنها استخدمت نتائج ذلك ضمن برنامج يخص عملها. بالتالي، تكون طل الملوحي أدت مهمة أمنية مرغمة من داخل غرف التحقيق تحت الضغط والإكراه. إذا كانت متورطة بقدر معين، فإن تورطها نتاج فضول وقع بها ضحية مؤامرة خبيثة.
  8. يوجد خيط يجمع بين طل الملوحي وبين الاحتمالات الواردة، كون أجهزة الأمن على معرفة بتحركاتها وكانت تستفيد من انخراطها بعالم متداخل، خصوصًا أن السفارة السورية في القاهرة كانت مرجعًا لها. وأثناء تلقيها دعوة للمشاركة في العيد الوطني في السفارة الأمريكية، وعند مراجعتها لسفارة بلدها، طُلب منها تلبية الدعوة وفق محددات معينة وقد التزمت بها.

وفقًا لهذه المعطيات، نعتبر طل الملوحي أسيرة حرب ذات مصالح متشابكة، إذ أدخلها النظام السوري في لعبة للتخاطب بينه وبين الغرب. فإذا كانت “طل” طرفًا كما يُشاع، أو كما يحاول البعض إقناع العالم بذلك، فإنه في هذه الحالة سيتم محاسبتها وفق بروتوكولات الدول المعنية. وإن كنا نستبعد التواطؤ العمد (وفقًا لنص الاتهام الذي يشير إلى التخابر لصالح دولة أجنبية) والذي يعرضه العالم عبر محكمة سورية، فإننا في ذات الوقت نشير إلى حقوق تُستحق حتى لمرتكبي الجرائم.

وفقًا للنص الدستوري:
سنعتبر حالة طل الملوحي ما يمكن وصفه بـ “تورط عن غير عمد”، أو أخطاء شابة دخلت نسيجًا من الصداقات والتنقلات الاجتماعية، ما أدى إلى نمط غير مقبول قانونيًا. وفي ذات الوقت، هذا نوع من الأخطاء الذي قد يقع فيه كثيرون، ثم يُصلحون مسارهم عند توفر شروط أساسية مثل الإقامة، المحيط السليم، والعمل المستقر.

نخلص للقول بأنه لا يوجد تورط قائم على وعي وتفكير مسبق. ومع ذلك، هناك خفايا لم تُعلن بعد، بسبب التعتيم على القضية. وعلى الرغم من ذلك، يمكن إخضاع التهمة القائمة على توريط شابة للمراجعة القانونية، مع التركيز على الأشخاص الذين أسسوا لهذا الدور، وربما لكشف القضية الأساسية التي قد تخص فعليًا أشخاصًا ذوي نفوذ.

مع أخذ ذلك بعين الاعتبار، فإن التهمة التي ستُحاكم عليها طل الملوحي قابلة للاستئناف والمناقشة وفق فقرات من الدستور السوري، حيث ينص على ما يلي:

المادة 273 من الدستور السوري:

  1. من كان في حيازته بعض الوثائق أو المعلومات المنصوص عليها في المادة 271، وقام بطبعها أو إفشائها دون سبب مشروع، يعاقب بالحبس مدة تتراوح بين شهرين وسنتين.
  2. يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات إذا قام بإبلاغ دولة أجنبية بهذه المعلومات.
  3. إذا كان المجرم يحتفظ بالمعلومات أو الوثائق المشار إليها بصفته موظفًا أو عاملاً أو مستخدمًا في الدولة، فتكون العقوبة كما يلي: (الاعتقال المؤقت إذا خالف الفقرة الأولى. الأشغال الشاقة المؤبدة إذا خالف الفقرة الثانية.)
  4. إذا وقع الفعل عن خطأ غير مقصود، تكون العقوبة الحبس لمدة تتراوح بين شهرين وسنتين فقط.

توصيات قانونية:

  • العمل على تسلسل أحداث القضية منذ بدايتها عندما كانت طل الملوحي في سن الرابعة عشرة، لتوضيح سياق التورط ومدى وعيها القانوني والسياسي في تلك المرحلة.
  • مقاضاتها وفق شروط القانون المعمول به، مع الأخذ بعين الاعتبار تحفظات المراقبين على الادعاء الرسمي وغياب الأدلة المباشرة التي تثبت قصدها الجنائ
  • النظر في إطلاق سراحها استنادًا إلى نص المادة 271 من القانون، التي تنص على الحبس من شهرين إلى سنتين في حال كان الفعل عن خطأ غير مقصود، مع مراعاة مرور أكثر من عام على اعتقالها، ما يجعل استمرار الحجز غير قانوني.

ملاحظات على خرق قانوني:

يتضح للمتابعين لهذه القضية أن جميع السبل القانونية التي تعزز وضع “طل الملوحي” قد تم اختصارها أو تهميشها. لم يُسمح لها بتعيين محامٍ من اختيارها، ولم تُتاح للمنظمات الحقوقية المحلية والدولية إمكانية حضور الجلسة الأولى، مما يعكس وجود خروقات كبرى تطال أعلى مستويات الأجهزة الأمنية.

الاعتقال كان قائمًا على الاستدراج، إذ تم إبلاغها بالمشاركة في طرح بعض الأسئلة كما يحصل عادة معها، لكنها في هذه المرة تم احتجازها عند الموعد المحدد. كما حضروا الجلسة الأولى دون معاينة حالتها النفسية أو عرضها على طبيب مختص وفق أصول المحاكمات.


ملاحقة أفراد السفارة السورية:

يمكن للدبلوماسية المصرية مساءلة أفراد السفارة السورية، بعد أن تبين استخدام السلك الدبلوماسي كغطاء لأجندة أمنية، مع قيام السفارة بتتبع ما اعتُبر تخابرًا مزعومًا على أراضيها.

دور إقليمي أعوج وقضية شعب:

لقد أسفر تدخل النظام السوري في القضية عن صفقات سياسية غير أخلاقية، منها تسليم الزعيم الكردي عبد الله أوجلان وفق اتفاقات جانبية، وتسليم قيادات ناشطة في الحركة الأهوازية، إلى جانب التدخل في شؤون الجوار في لبنان والعراق. كما لعب دورًا في تنظيم وتمثيل بعض منظمات فلسطينية، مستغلاً من خلالها أدوات تفاوضية مع حركات مثل حماس وحزب الله، والتحالف مع إيران.

على صعيد داخلي، أظهرت قضية “طل الملوحي” مدى ضعف النظام، إذ تكشف كيف استنفرت الأجهزة الأمنية طاقاتها في الهباء، ولم تسعَ سوى لتشويه الحقائق وتحويل ملف قانوني إلى أداة ابتزاز سياسي واجتماعي. فقد تحول دور الأمن من حماية المواطنين إلى انتهاك حقوقهم والقانون نفسه.

الخلاصة:

نحن أمام قضية كبرى ليس لأنها كذلك، بل لأن النظام السوري أرادها بهذا الشكل. تم تركيب الملف بطريقة معقدة، بحيث أصبح ملتبسًا، وأصبح الحديث عن “العمالة” جزءًا من استراتيجيات التشويه.

بناءً على ما سبق، من المؤكد أن هذا الملف لن يُغلق حتى مع إطلاق سراح طل الملوحي بموجب مرسوم أمني أو عفو رئاسي، أو وفق نصوص قانونية تحدد مدة الحبس بين شهرين وسنتين أو حتى خمس سنوات حسب المادة 271. ولن يُغلق أمام الضمير العالمي أو الذاكرة السورية طالما بقيت القضية مغطاة بالغموض المتعمد، لأسباب لا علاقة لها بأمن الدولة، بل لتعزيز سمعة جهاز المخابرات وتشويه الحقائق.

هذا الملف يعكس حالة مئات القضايا الأخرى التي وُصفت بأنها تهدد سمعة البلاد وتضعف عزيمة الأمة، والتي تعرضت خلالها شرائح واسعة من المجتمع للقمع والجوع والمطاردة والاعتقال في سجون سرية وملفات ملفقة.

نخلص إلى القول:

نخلص إلى القول إننا أمام قضية كبرى ليس لأنها ذات حجم استثنائي، بل لأن النظام السوري أرادها بهذا الشكل. فقد تم تركيب أيادٍ وعيون وأرجل وأذن واحدة، ما حول الملف إلى حالة ملتبسة، ثم أضيفت تهمة العمالة عليه.

استنادًا إلى السرد المرتبط بهذه القضية، الحاضرة عند الضمير العالمي، من المؤكد أن الملف لن يُغلق حتى مع إطلاق سراحها بموجب مرسوم أمني أو عفو رئاسي، أو وفق نفاذ شرطها القانوني الذي أشرنا إليه، سواء لمدة شهرين، أو عامين، أو حتى خمسة أعوام وفق بنود دستور البلاد. إلا أن القضية ستظل حاضرة في الضمير العالمي وفي الذاكرة السورية طالما بقيت مظاهر الغموض المتعمد قائمة، لأسباب لا علاقة لها بأمن سوريا، وإنما لتعزيز سمعة جهاز المخابرات وتشويه الحقائق وادعاء حماية المصلحة الوطنية.

إن مصير مئات القضايا الأخرى يؤكد أنها تمس سمعة البلاد وتوهن عزيمة الأمة، الأمة التي تعرض شعبها للقمع، والجوع، والمطاردة، والاعتقال في سجون سرية وملفات ملفقة.

بصدد تعريف الدولة:

الدولة التي يسمونها دولة، تتمتع بتقاليد ما يمكن وصفه بـ”كانتونات مافياوية”، إمارات متفككة لكنها متناغمة، حيث تحولت سوريا إلى مزرعة للفساد السياسي برعاية ضباط الأجهزة الأمنية. وعندما نشير إلى “الدولة”، فإنما نقصد الدولة الفاعلة التي تُدار عبر مؤسسات مدنية، وليس الدولة التي تتحكم فيها مافيات وأمزجة مصالح مجموعة من الضباط والمرتزقة الذين يعتاشون على غياب الدولة الفعلية.

هذه الدولة تعتقل نشطاء مدنيين، كُتّابًا، محامين، أطباء، مهندسين، ودعاة فكر تحرري، وتعرضهم للمحاكمة في محاكم لا تتسم بمعايير المحاكمات العادلة، مستندة إلى قوانين تُطبق كما لو كان البلاد في حالة حرب، رغم أنها لم تشهد حربًا منذ عقود، وهي على وشك تسوية سياسية وسلام استراتيجي مع الجوار والعالم. لكنها، بالمقابل، تقوم بحرب مفتوحة على المجتمع برمته.

أسماء بارزة من ضحايا القمع:

من الأسماء البارزة التي تعكس حجم الملاحقة:

  • هيثم المالح، مهند الحسني، أنور البني، تهامة معروف، راغدة الحسن، فاطمة حاوول، علي العبد الله، كمال اللبواني، حسن صالح، مشعل تمو، محمود باريش، خلف الجربوع، مصطفى حاج بكري، نزار رستناوي.

  • بالإضافة إلى مجموعة من المدونين الشباب الذين شاركوا في حلقات حوارية علنية: طارق الغوراني، عمر علي العبد الله، ماهر إسبَر، حسام ملحم، أيهم صقر، علام فخور، دياب سرية، وطارق بياسي، وسواهم.

هؤلاء جميعًا يُقاسون القمع والتعنيف والملاحقة، وهم مثال حي على واقع الدولة التي تُشرّع “اللا نزاهة” وتستبد بالإنسان.

الواقع المعيشي للمواطن السوري:

في ظل هذه الدولة، يعيش المواطن السوري بين محرقة القمع وسوط التجويع، حيث يستغل أصحاب النفوذ احتكارهم للثروات وكافة مقدرات البلاد، ليبسطوا سيطرتهم على حياة الناس اليومية. هذه هي سوريا اليوم: إمارات متعددة ضمن تابعية سورية واحدة، يحكمها السلاح والفساد والابتزاز، تحت غطاء القانون المزعوم.

إعداد وتوثيق: أحمد سليمان

www.opl-now.org

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب