نداء للمعارضة الجذرية كي تتحمل مسؤولياتها التاريخية
المهام المباشرة للانتفاضة
ليس هنالك مجال اليوم للخطب والإعلانات والمطالبات. الوضع يتطلب اليوم أن تمر المعارضة إلى تنظيم الجماهير المنتفضة. فذلك مهمة أكثر من ملحة.
أين تكمن إلحاحية تنظيم الجماهير؟
إنها تكمن أساسا في التطور السياسي للحركة. لم تعد مطالبها مجرد مطالب إصلاحية جزئية. كامل البلاد تطالب برحيل بن علي. لذلك لا بد من تطوير الحركة نحو إمكانيات تحقيق هذا المطلب ولن يكون ذلك إلا بفضل تطوير مبادرة الجماهير.
هنالك مخاطر تهدد بإضعاف الاحتجاجات والدعم الجماهيري الواسع الذي تتمتع به إلى حد الآن. فالأجهزة الأمنية الوفية لبن علي تقف وراء الأعمال التخريبية من فوضى وأعمال عنف وحرق المؤسسات ونهب المحلات ودلك لإعطاء المبررات الكافية للسلطة كي تفقد الإنتفاضة شرعيتها وتبرر بذلك قمعها للحركة الاحتجاجية. وستعلن السلطة أن الحركة الاحتجاجية غدت حركة فوضى تهدد بتخريب البلاد وأن المنقذ الوحيد هو من جديد بن علي. هناك شهادات على أن بوليس بن علي قام بعمليات اغتصاب في القصرين في نفس الوقت الذي تقوم فيه أبواق دعاية النظام باتهام المتظاهرين ووصفهم “بالهمج”. بالتالي فالديكتاتورية لها كل المصلحة في تواصل بعض أعمال العنف الهامشية كي تستغلها في تبرير إعادة الأمن، أي أمنها هي والذي في الواقع لا يعني غير تواصل سياسة العنف والتقتيل وإعادة الوضع السياسي إلى ما قبل انتفاضة الجماهير وربما إلى قيام حملة أمنية أكثر شدة وبأسا عل شعبنا.
لذلك يبدو من الملح أن يتم تنظيم الجماهير حتى تبقى المبادرة السياسية بيديها.
ماذا يعني تنظيم الجماهير؟
إنه يعني بوضوح خلق وتكوين واستنباط سلطة جماهيرية موازية لسلطة الديكتاتورية التي لم تعد قائمة إلا على الأجهزة الأمنية الوفية لها، البوليس والجيش أساسا. هده السلطة الجديدة ستبرز في أول لحظة تكوينها كبديل سياسي واضح للديكتاتورية.
أشكال التنظيم الضرورية
من فوق ومن تحت. يجب على المعارضة الجذرية، السياسية والحقوقية والنقابية والجمعياتية أن تبادر بتكوين حكومة مؤقتة. نقول حكومة بأتم معنى الكلمة تضم شخصيات مناضلة لا غبار على نضاليتها وصدقها مثلا عدنان الحاجي. هذه الحكومة يجب أن تمثل كل المجتمع المدني بمختلف تكويناته السياسية. يجب أن يكون لهذه الحكومة ممثليها ولجانها في الخارج أيضا.
من أين تستمد هذه الحكومة قوّتها؟
من لجان المواطنة التي تمثل تنظيم الجماهير من تحت. هذه اللجان يجب أن يتم تكوينها في كل مدينة منتفضة وفي كل الأحياء الشعبية وعلى الملء وبموافقة الجماهير علنيا. هده اللجان هي التي ستسهر على أمن المواطنين وسلامتهم وهي التي ستحمي المؤسسات والمحلات وتحول دون الأعمال الفوضوية المضرة بالانتفاضة الشعبية وهي التي سترفع صوت الحكومة المؤقتة وتعطي سلطتها كل الشرعية الجماهرية في كامل البلاد.
مهام الحكومة المؤقتة
أول مهامها المباشرة هو تنظيم لجان المواطنة في الأحياء وفي المدن وفي المؤسسات والمعامل وأينما أمكن ذلك وتمكينها من هيكلة تمثل كامل البلاد. على كل التنظيمات بدون استثناء أن تتحول إلى لجان مواطنة تحت إمرة هذه الحكومة وعليها أن تتحمل مسؤوليات مباشرة في تنظيم الشارع وأن لا تكتفي بالبيانات فالوضع ليس وضع بيانات.
ثانيا أن تعلن عن موعد انتخابات عامة حرة ويشرف عليها الشعب مباشرة بفضل لجان المواطنة. يجب انتخاب الوالي والمعتمد والبلديات في أقرب وقت ممكن إذا ما قررت الجماهير المحافظة عل هذه المؤسسات في مرحلة أولى. وبالتالي يتطور فعل الجماهير من حرق هده المقرات إلى الإستحواذ عليها وتطويعها لما فيه خدمة المواطن. علينا أن نتوجه فيما بعد إلى مهمة انتخاب ممثلي الشعب على أساس التمثيل النسبي لكل القوى السياسية المشاركة في الانتخابات وذلك دون استثناء.
لجان المواطنة وانتخابات في كل المدن هو الذي سيركز شرعية الحكومة المؤقة حتى قيام البرلمان الجديد أي الجمعية التأسيسية.
على الحكومة المؤقتة أن تتوجه للشعب التونسي ببرنامجها السياسي والإجتماعي.
أن تتوجه إلى مؤسسة الجيش كي يدافع ويحمي هذه الحكومة. أن يستجيب الجيش لإرادة الجماهير في التحرر من الديكتاتورية. أن يقبل الجيش بسلطة الحكومة المؤقتة وأن يكون تحت إمرتها.
بدون مبادرة الحكومة المؤقتة سيبقى الجيش طليق اليدين ولن يكون له إلا خيار الحل الأمني.
ولكن إذا ما نجحت الحكومة المؤقتة في تنظيم الجماهير وكسبت ثقة الشعب فإن خطابها إلى الجيش سيكون مسموع فهو خطاب الشعب إلى الجيش. وسيصرخ كل الشعب بالجيش. وإذا ما رفض الجيش صرخت الشعب التونسي فسيكون عليه تقتيله وإسكاته بالعنف.
إذا رفضت بعض أحزاب المعارضة هذا الاتجاه في تكوين سلطة موازية للأجهزة الأمنية ما العمل؟
يجب تجاوز كل من يرفض ذلك. سيتم تكوين لجان المواطنة كلما أمكن ذلك وتدريجيا سيتعزز المسار وستمثل نجاحاته الأولية دفع معنوي لا مثيل له وستبين للجميع طريق الخلاص من الديكتاتورية وطريق تفادي الفوضى.
إنه السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد، سبيل الفعل الجماهيري وسد الباب أمام كل المحاولات الرامية إما إلى بقاء بن علي وإما بتعويضه من داخل السلطة.
ثلاث آفاق لانتفاضة اليوم.
إما تمسك بن علي بالسلطة وذلك يعني في كل الحالات مواصلة قمع المواطنين وإراقة الدماء. وستستغل الأجهزة الأمنية التابعة له من بعض أعمال الفوضى ولكن أولا وقبل كل شيء ستستغل عجز المعارضة والمجتمع المدني عن القيام بمبادرة سياسية جريئة.
وإما تعويض بن علي برجل جديد يمثل بديل الأجهزة الأمنية وفي مقدمتها الجيش.هذا السيناريو يمكن أن يمتص غضب الجماهير نسبيا ويستجيب لمطلب الأمن ولكنه لن يغير من نظام الديكتاتورية وستتواصل مؤسساتها. زيادة على أن مثل هدا السيناريو سيؤدي أيضا إلى قمع الحركة إما جزئيا وإما كلايا حسب رد فعل المواطنين.
الإمكانية الثالثة تتمثل في ما ندعو إليه من تكوين سلطة شعبية: لجان المواطنة ثم انتخابات محلية ثم انتخابات عامة فبرلمان جديد ممثل للشعب. هدا يتوقف على مبادرة المعارضة بتكوين حكومة مؤقتة لا ينتظر تكوينها أي ادن من أين كان، فقط يتوقف عل جرأة المعارضة.
نحن نحذر من أن النظام الديكتاتوري لم يلفظ أنفاسه بعد ولازالت لديه الأسلحة الكافية لإخماد الانتفاضة وهو يحظى بدعم أمريكا وفرنسا ولا يمكن قهر هؤلاء إلا بمزيد تطوير مبادرة الجماهير وتنظيمها ثم تنظيمها حتى لا تستنزف قواها في الأعمال الدفاعية البحة وتترك المبادرة لقوى الردة والاستبداد.
نداء للمعارضة الجذرية كي تتحمل مسؤولياتها التاريخية- غسان الماجري