قراءة في مُقابلة الرئيسِ بشار للوول ستريت جورنال
منْ يقرأُ مقابلةَ الرئيس السوري في صحيفة “وول ستريت جونال” يشعرُ بالمَهانة. بغضّ النظر عن أية عوامل أخرى، هذا رئيسٌ يتكلّم عن سياستِه وعن أحوالِ البلد، بطريقةِ “يا أرض اشتدّي ما حدا قدّي”. الشعبُ في المقابلة تابعٌ ذليلٌ تشكّلُهُ سياسةُ الرئيسِ وفقَ ما تريدُ. هو شعبٌ موافقٌ على الدوامِ مثلُهُ مثل نائبِ حوران أيّام زمانْ الذي كان ينامُ في المجلس، حتى إذا ما لكزَهُ أحدُهم خرجَ من النومِ وصاح: موافق.
هدفُ هذا المقالِ ليس تَسَقّط كلامَ الرئيسِ، وإنّما محاولةٌ لكشف الطريقة التي يفكّرُ بها صاحبُ القرارِ الأوّل أو الوحيدِ في سورية. الأمرُ الذي يهمّ كلّ سوري.
تابعُوا مع الرئيس
“إذا أردتَ أنْ تتحدثَ عن تونس ومصر، فنحنُ خارج هذا الأمر. وفي النهاية، نحن لسنا تونسيين ولسنا مصريين (قالها حسني مبارك وأركانُ نظامه أيضاً بأنّ مصر غير تونس) وكلّما كان لديكَ ثورة فإنّ من الثابت أنه سيكون هناك غضب، لكن هذا الغضب يتغذّى من اليأس. اليأس مرتبط بعاملين داخلي وخارجي. الداخلي هو ما نُلام عليه كدولٍ ومسؤولين، أما الخارجي فهو ما تلامون أنتم بشأنه كقوى عظمى أو ما تدعونه في الغرب بالمجتمع الدولي، في حين بالنسبة إليهم فإن المجتمع الدولي مكوّن من الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، ولكن ليس العالم كله. لذلك دعنا نشِر إلى الأخير باسم القوى الأعظم المُنخرطة في هذه المنطقة منذ عقود”
أبُو الرئيس الحالي كان يتمطّقُ بلفظِ الامبريالية. كان يلفظها مع الهاء المسكّنة. وكانت الامبرياليةُ أيّامها سببَ كلّ شيءٍ يحدثُ في سورية. كلّ السلبيات كانتْ بسبب المؤامرةِ الامبريالية، أمّا “الايجابيات” فهي منجزاتٌ ومنحٌ وهباتٌ من السيد الرئيس الذي وصف بأنه “روح الأمة العربية!” وكان يهتف له “إلى الأبد إلى الأبد”. هل من أبد إلا لإله؟
الابنُ يتبعُ الخطا ذاتها، سوى إنّه يستبدلُ “الامبريالية” بـ”القوى الأعظم أو المجتمع الدولي”
يُنشىءُ الرئيسُ كلاماً هو على الضدّ من علوم الاجتماع والسياسة بقوله “في الحقيقة، المجتمعات خلال العقود الثلاثة الماضية ولاسيما منذ فترة الثمانينيات أصبحتْ أكثر انغلاقاً بسبب تزايد انغلاق العقول ما قاد إلى التطرف. هذا التيار سيقود إلى تداعيات تتسم بإبداع أقل وتنمية أقل وانفتاح أقل. لا يمكنك إصلاح مجتمعك أو مؤسستك من دون أن تفتح عقلك، إذاً فإن القضية الجوهرية هي كيف تجعل العقل منفتحاً والمجتمع بكامله منفتحاً وهذا يعني الجميع في المجتمع وهذا يتضمّن كل فرد فيه… أنا أتحدث عن كلّ شخص لأنك عندما تغلق عقلك لا يمكنك أن تتطور والعكس صحيح”. يا مُثبت العقل! يعني أنّ سوءَ الوضع غير ناجمٍ عن النهب والفساد، ولا من فشل الخُطط الخمسيّة، ولا من الفشل الذريع في الخطط الزراعية، ولا من انتشار المحسوبية، ولا من احتكار السلطة، ولا من امْتهانِ كرامة الناس، ولا من انْسداد آفاقِ الشباب في العمل والمشاركة في القرار ولا ولا…. إنه ناجمٌ من انغلاق العقل! وأيّ عقل! عقلُ كلّ فردٍ في المجتمع. العاقلُ الوحيدُ هو الرئيس! المستغربُ أيضاً هوالاتهام المباشر بانغلاق العقل “لتيارٍ” ما، الأمرُ الذي يزيد من انقسام المجتمع ويصبّ الزيت على النار بروح من اللامسؤولية. وممن؟ من المسؤول الأول. إذْ سيفسّرُ الرئيسُ ما يقصدُ بكلمة تيّار بطريقةٍ مُواربة لاحقاً.
الأنكى لم يأتِ بعد. تابعُوا “أمّا داخلياً، فإنّ الأمرَ يتعلّق بالإدارة وبمشاعر الشعب وكرامته، بمشاركة المواطنين في اتخاذ القراراتِ المُتعلّقة ببلدهم، إن الأمرَ متعلقٌ بقضيّة مهمّة أخرى. أنا لا أتحدث بالنيابة عن التونسيين أو المصريين، أنا أتحدث بالنيابة عن السوريين، وهو أمر نتبناه دائما، لدينا ظروف أصعب مما لدى أغلب الدول العربية ولكن على الرغم من ذلك فإن سورية مستقرة (استقرار الخوف أليس كذلك؟)، لماذا؟ لأنك يجب أن تكون مرتبطا بشكل وثيق جداً بمعتقدات المواطنين[ قبلَ قليلٍ كان انغلاقُ عقل الناسِ مشتوماً والآن يلتصقُ الرئيس بمنغلقي العقل!]، هذه هي المسألة الجوهرية. عندما يكون هناك اختلاف بين سياستك وبين معتقدات الناس (الذين قبل لحظة كانوا مشتومين) ومصالحهم سيصبح لديك هذا الفراغ الذي يخلقُ الاضطراب، إذاً فالناس لا يعيشون فقط على المصالح بل أيضاً على المعتقدات وخصوصاً في الميادين العقائدية، ولن يكون بإمكانك فهم ما يجري في المنطقة إلا إن فهمت الناحية العقائدية للمنطقة”
“الناس لا يعيشون على المصالح فقط” يقول الرئيس. فعلاً. وهذا مِصداقٌ لقول المسيح “ليس بالخبز وحده يحيا الانسان” فما هو الشيء الآخر الذي يعيشون عليه والذي توافق عليه العالمُ؟ أليس الحرية والكرامة والرأي الحر والمشاركة…؟ فما فعلت السلطات السورية بهذه الأمور؟ ألم تجعلها نعلاً أو مَداسا؟ لكن لا. فليس هذا ما قصدَهُ الرئيسُ فحياةُ الناس في المنطقة ومنها سورية طبعاً قائمةٌ على الخبز “المصالح” وعلى العقائد. وهذه العقائدُ ستستخدمُ في مقابلة الرئيس بشكلين مُتناقضين تماماً مرةً بمعنى أنّ الرئيس يعتقدُ بعقائد الناس لذلك لا خوفَ عليه ولا على نظامِه من ثورة أو احتجاج، ومرةً بأنّ هذه العقائد مُنغلقة صلبةَ النواة لا تتقبّل إصلاحاً ولا ديمقراطية، ومنها يأتي التطرف وخلايا الارهاب النائمة (البضاعة المطلوبة غربياً والمعروضة للبيع دوماً من الحكام)
بعد أن يجزم الرئيس بأنك لا يمكنك أن تبدأ من الرقم “ستة” نحو الديمقراطية دون أن تمر على الواحد والاثنين والثلاثة…منطق! على الرغم من إحدى عشر سنة في العدّ ما بين الواحد والستة دون أنْ نخطوَ الخطوةَ الأولى. فترتان رئاسيتان أمريكيتان ونصف تقريباً دون أن نصل إلى ما يُوحي أنّنا بدأنا. بعد هذا الجزم “المنطقي” يقول الرئيسُ “المشكلة مع الغرب أنهم يبدؤون بالإصلاح السياسي ومن ثم التوجه نحو الديمقراطية.. إذا كنت تريد المضي نحو الديمقراطية فإن أول أمر يجب أن تفعله هو إشراك الشعب في صنع القرار لا أن تقوم بإصدار القرار.. هذه ليست ديمقراطيتي كشخص بل هي ديمقراطيتنا كمجتمع.. إذا كيف تبدأ؟ تبدأ بخلق حوار.. كيف تخلق حواراً؟ نحن لم يكن لدينا في الماضي إعلام خاص ولم يكن لدينا انترنت أو جامعات أو مصارف خاصة. كل شيء كانت تديره الدولة.. لا يمكنك أن تخلق الديمقراطية التي تسال عنها بهذه الطريقة.. لديك طرق مختلفة لخلق الديمقراطي” خلاصة القول إن لنا “ديمقراطيتنا” الخاصة، وأيضاً على الضدّ من علوم الاجتماع والسياسة. ديمقراطيتنا الخاصة. ولنؤمن جدلاً بها. فأين هي في عدّاد الرئيس؟ أهي عند الرقم واحد. اثنان. …خمسة… أمْ أنها لا تزالُ ترواحُ عند الصفر أوْ تحته؟
ليس إلا باحثٌ عن الإهانة من يقول “الحوارُ ممارسة وعليك أن تدرب نفسك على كيفية إجراء الحوار، وعندما تكون لا تتكلم، وفجأة تتكلم، فإن ما يحدث هو أنك لا تتكلم بالطريقة الملائمة أو الطريقة البناءة.. نحن نتعلم.. ولكن نتعلم من أنفسنا. أنت لا تتعلم من أي شخص” مؤدّى الكلام: الناس خرسٌ لأسباب تتعلق بالتاريخ والعقائد فإذا رفعتَ يدك عن أفواههم فإنهم سيتكلّمون بشكل غير ملائم. الناس لا تتكلم إلا بطريقة غير ملائمة.ملائمة لماذ! والأكثر إعجازاً مقولةُ “أنت لا تتعلم من أي شخص. (وإنما) نتعلم من أنفسنا!” نكايةً بكلّ العلوم وبالحضارات وبتفاعلها. وكم سيدوم هذا التعلّم من أنفسنا؟ سيذكر الرئيس مباشرة إنه سيدوم “جيلاً”. نعم جيلٌ. والجيل لمن لا يعرف 33 سنة.
لم يقل الرئيسُ أنجعَ من قوله “إذا لم تكن قد رأيتَ حاجةً للإصلاح قبل أن يحدث ما حدث في مصر وفي تونس فإنّ الوقتَ سيكون قد تأخر كثيراً للقيام بأيّ إصلاح” لكنّه سرعان ما يتساءلُ: ولكنْ أيّ إصلاح؟ ليلتفّ مائة وثمانين درجةً ويشرعَ بالكلام على أن سورية مستقرة لأن لديها قضية، والقضية هي طبعاً عدة الشغل أي فلسطين وربّما أيضاً “الأمة العربية”. ولكن ما علاقة فلسطين والأمة في إصلاح في الداخل السوري؟
الرئيس ونظامه حلفاء لإيران لذلك من الوفاء أن يذكر الحليفُ حليفّهُ بالخير، وينسب الثورتين التونسية والمصرية إلى تأثير الثورة الإسلامية في إيران رغم أنف كل الوقائع التي لا تنسبُ للإسلامين في تونس أي دور أو دورٍ صغير جداً، ولا تنسب للإخوان المسلمين المصريين إلا دوراً متواضعاً “نحن دائماً ننسى.. ليس لدينا ذاكرة.. نحن ننسى أن أمرا حدث في إيران عام 1979 ومن ثم ولأنه لم يحدث أي أمر مماثل فيما بعد نسينا.. ولكن هذه نفس الحقبة…” ثم يربطُ الرئيس إيجابياً بين الثورة الإيرانية والانتفاضة الفلسطينية. يتناغم الرئيسُ هنا مع “خامئني” ويريد رغبوياً قطفَ شيء من ثمار الاحتجاجات على أساس من أنها ثمرةً للثورة الإيرانية. إذن أنا وحلفائي أولى على الأقل بأن نقول إننا من طينة هذه الثورات. هكذا! وكأن الثورتين ما هما إلا ولايةُ فقيه تستخدمُ عدة الشغل “فلسطين” ليلاً ونهاراً. ولا يبدي الرئيس أي إدراك من أنّ أسَّ هاتين الثورتين اجتماعيٌ سياسي يتغيا العيشَ الكريمَ والكرامة والحرية والمشاركة. وهي الأمورُ التي لا تتوفّر؛ لا في إيران ولا في سورية. أليس من المُلفت هنا أن كلا الثورتين لم تقرعا طبل فلسطين ولم تضربا على صنج المزاودة؟
الرئيس ليس غير مستعجلٍ دربَ الديمقراطية فقط حتى عندما يستغرق جيلاً كاملاً، لا… بلْ إنه لا يرى للزمن أيّ مفعولٍ. هاكم: ” وأنا لا أعتقد أن الأمر يتعلّقُ بالوقت، بل يتعلق بالأمل، لأنه إذا قلت إنه في فترة خمس سنوات أو عشر سنوات يمكن أن يكون ذلك، إذا كان الوضع فسيكون أفضل، فإن الناس صبورون في منطقتنا. المشكلة هي إذا أخبرتهم أنني لا أرى أي ضوء في نهاية النفق. هذه هي المشكلة. لذلك فإن المسألة ليست كونه أسرع أو أبطأ…” إذن سيقضي السوريون زمناً أبدياً بانتظار الديمقراطية ما دام الرئيس يقول إن هناك ضوء في آخر النفق. الطامة الكبرى تحدّث فقط إذا ما طلع الرئيس يوماً وقال إن النفق بلا نهاية وليس في نهايته ثمة ضوءٌ. في هذه الحالة حصراً ستكون هناك مشكلة، فالناس في هذه المنطقة صبورون وشعبُ سورية يمكنه الانتظار، ويمكنه إعادة انتاج شعار إلى الأبد!
الرئيسُ مع حقوق الانسان طبعاً. لكنّ أي حقوق إنسان؟ يسأل الرئيس فور لفظ كلمة حقوق. إنها ليست وبالتأكيد المُعرّفة في المواثيق الدولية وإنما هي المرتبطة بأيدلوجية المنطقة العقائدُ إيّاها. ربما كان المقصودُ هنا هو الإسلام: “لأنكَ تتحدّثُ عن منطقة أيديولوجية، تتحدث عن آلاف السنين من التقاليد، لا يمكنك أن تفعلَ أيّ شيء بشأن ميثاق الأمم المتحدة، ينبغي أن يكون الأمرُ متعلقاً بميثاق هذه الثقافة. ولهذا أنت تحتاج لهذه المناقشة، إنها ليست شيئاً أتيت به. أنت تحتاج لحوار وطني وتحتاج أن تفهم أنه في هذه المنطقة لديك تنوع…”
لا يحتاجُ المرءُ إلى أن يحزر أن ضمير المخاطب “الصحفي” هنا يستبطنُ ضميرَ المتكلّم. إنه صوتُ الرئيس الداخلي هو الذي يقول إن حقوق الانسان عندنا تختلف عن كل العالم، فثقافتنا متخلفة ولا تستوعب الحقوق التي تريدونها. وهي ثقافةٌ قارةٌ وراسخةٌ ولا تتغير منذ آلاف السنين. القصدُ: يجب عليكم أن لا تلوموني فأنا واحدٌ في بحر لجيّ من التخلّف الذي لايقبل حقوقاً للإنسان كالتي تريدونها، فدعونا ندير الأمور بطريقتنا. هذه الطريقة ستصلُ إلى عروضٍ للتفاهم والتخادُم مع الأمريكان في نهاية المقابلة.
يهتمّ الرئيس بالوضع الاقتصادي ويُورد رقم الثلاثة ملايين نسمة من السوريين الذين سيتأثرون هذه السنة، أي الذين ستسوء أحوالهم. وهو يعلنها صريحةً: ” عندما أصبحت رئيساً كان الاقتصاد هو الأمر الأكثر إلحاحاً لأنك أينما كنت تذهب فهناك فقر والوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم…” اعتراف جميل. لكن “في أمل!” والأمل قادمٌ “ولكن بعد أحداث 11 أيلول، أي بعد أن أصبحت رئيساً لسورية بسنة واحدة ثم في بداية عام 2002 كان غزو أفغانستان وبعدها غزو العراق ثم الفوضى والتطرف الذي نتج بسبب هذه السياسة الخاطئة، وأصبحت أولى أولوياتي الاستقرار حتى قبل الغذاء”. جوعٌ ووضع اقتصادي يسوء يوماً بعد يوم، لكن الرئيس يقلبُ مثله عن الأحصنة والعربة فيضعُ العربة أمام الأحصنة ويسوطُ العربةَ بالسياط يريدُها أنْ تدرجَ. وفي لحظة واحدة ينسى الرئيس أولوية الاستقرار(!) ويشير مباشرة إلى أولوية المعيشة والاقتصاد والسبب أن مفهوم الإصلاح يحرجُ ويحيلُ إلى السياسةِ والحريةِ والكرامةِ: ” وهكذا، الإصلاح في السياسة مهم ولكنه ليس هاماً وملحاً بقدر أن الناس يستيقظون كل يوم ويريدون أن يأكلوا، أن يتمتعوا بصحة جيدة، أن يرسلوا أولادهم لمدارس جيدة، هذا هو الذي يريدونه”. احترنا!
أمّا الاستقرار لدى الرئيس فهو “أنا أريد أن أشعر بالطمأنينة في بلدي، هذا هو هدف” هنا يتحدثُ الرئيسُ على لسان المواطن، لكنه ينطق بالحقيقة الحقيقية وبضمير المتكلّم.
أما عن أولى الخطوات نحو الإصلاحِ، أيْ الرقم واحد بعد الصفر، فهو إصلاح قانون الإدارة المحلية، حيث يدخل السيد الرئيس في مناهة كلامية غريبة: “إصلاح الإدارة المحلية هامٌ جداً قبل القانون، نحن جعلناها الأولوية رقم واحد لأن هنا حيث ينتخب الشعب، الآن يستطيعون انتخاب مجالس بلدياتهم، ولكننا نريد تعديل هذا القانون ليصبح أكثر ديمقراطية وأكثر فاعلية لأن الناس في كل مكان يتعاملون أولاً مع مجالس بلدياتهم، وهكذا هذا الموضوع رقم واحد، في الواقع، نحن أجلناه بسبب الصراع، لقد اتخذنا القرار في عام 2005 في أحد المؤتمرات الحزبية، في ذلك الوقت بدأ الصراع من قبل فرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة وآخرين في محاولة لزعزعة استقرار سورية. نحن قلنا: حسناً، دعونا ننس ذلك لدينا شيء جديد. الآن، نحن جادون جداً لإنهائه. الأمر الآخر هو المجتمع المدني، نحن بحاجة لتحسين المجتمع المدني، الآن نحن بصدد إتمام قانون المجتمع المدني. نحن نناقش هذا القانون لأكثر من عامين، لماذا؟ لأننا ذهبنا إلى كل مكان من الغرب إلى الشرق لنرى أفضل نموذج يمكن أن نستخدمه، وفي الحقيقة بعد أن أنهيناه، أعطى الكثير من الأشخاص من المجتمع المدني ملاحظاتهم وقالوا يجب تغييره، والآن نحن نعمل على تغييره” على الرغم من قلة أهمية الادارة المحلية في ظلّ سلطة شديدة المركزية، فإن التأجيل حدث مرة ومرة. أما فيما يخص المجتمع المدني فإن هناك قانون مؤجلٌ وهناك البعض يعترض عليه. البعض هنا من البطانة طبعاً. ولا بد من التأجيل مرةً أخرى ربما لجيل آخر.
متاهةٌ كلامية أخرى تأتي إجابةً على سؤال الصحفي.
هل هناك أي تغيير في مجال وسائل الإعلام؟
يجيبُ الرئيسُ “نحن نتحدث حالياً عن نظرة جديدة لوسائل الإعلام وبالطبع أزلنا بعض العقوبات لأننا في بعض الأحيان نقوم بأشياء رئيسية ونقوم بعملية تصحيح بشكل مؤقت حتى نجد الشكل الجديد. لذلك نحن لا نريد التوقف، نحن في سورية ديناميكيون جداً، نقوم بالأشياء الصغيرة، ولكن عندما يكون لدينا رؤية واضحة نعمل أشياء كبيرة، إصدار قانون أساسي لنغير كل شيء، في بعض الأحيان لا نملك هذه الرؤية فيما يخص موضوعاً. ما الفرق بين وسائل الإعلام ومواقع الانترنيت والمواقع الجديدة. لذلك أجلته (قانون النشر) ليس واضحاً بالنسبة لنا ما الفرق بين النشر والتجارة الالكترونية، إلى آخره”. الزبدة؛ لا تغيير. لكن لن أقول أن لاضوء في نهاية النفق.
يستعرضُ الرئيس الحظر الأمريكي على سورية ويربُطه بأنّ تركيا أصبحتْ إنموذجاً بسب دعم الغرب لها ومنحها التكنولوجيا ولذلك تقدمتْ وعندها مواردٌ بشرية واقتصادية، وسورية تريد أن تستثمر وأن تتعاون مع تركيا. قبل قليل في المقابلة كان التفاهم مع الغرب (عمالةً) بمعنى ما، ولذلك ظهرت ثورتا تونس ومصر حسب الرئيس، وهنا في المثال التركي من جعل تركيا تتقدّم هو ذات التفاهم مع الغرب. غريب! ثمّ يفطن الرئيس ويعلن أن الغرب الآن يحارب تركيا.
المفاجأة القنبلة تبرزُ في معرض المقارنة بين تركيا وسوريا والتعاون في ظلّ المقاطعة الأمريكية لسورية، حيث يطوي النسيانُ العمودَ الأساسيّ في المقابلة المرتكز على أن الناسَ في سورية غير قابلين للديمقراطية ولا للإصلاح “السريع!” لأنهم منغلقي العقل ولأن لهم أيدلوجية صلبة وماهوية. المفاجأة: “نحن أسرع قوةٌ نامية من حيث عدد مستخدمي الانترنت في الشرق الأوسط وهذا يرجع لطبيعة السوريين، فهم شعب منفتح عموماً. يريدون التعلّم وهم ناجحون”.
كانوا “منغلقي” العقل عندما كان الحديث يتعلّقُ بالحريات والديمقراطية، وفي نهاية المقابلة وكي لايظهر الرئيس حاكماً لشعب “صبور” كالـ… ومنغلق العقل كالـ… لابد من من شيء من (الفخر!) لذلك أنْعمَ الرئيسُ ووهبَ ومنحَ أخيراً صفةَ “مُنفتح” للشعب المُنغلق.
محمد الحاج صالح : طبيب وكاتب سوري يقميم في النرويج