الثورة السورية وقمع النظام السوري: دروس بابا عمرو….قراءة في عسكرة الثورة
يطرح الكاتب عبد الله اسكندر عددا من الأسئلة حول ما حصل في حي بابا عمرو الحمصي وهل كان من الممكن تجنيب هذه المآسي الإنسانية عن سكان هذا الحي والأحياء الأخرى المماثلة في حمص وغيرها من المدن وما المكاسب التي حققتها المعارضة السياسية في معركتها لتغيير النظام؟
دفع الحكم السوري العنف المفرط ضد الحركة الاحتجاجية الى اقصى مداه، خصوصاً في مواقع المواجهات المسلحة، الى حد ان حلفاءه الدوليين لم يعودوا يستطيعون تغطية هذا العنف، فيما باتت اوصاف مثل الجرائم ضد الانسانية والإبادة والتطهير، الأكثر تداولاً في بيانات الجمعيات الانسانية وجمعيات حقوق الانسان. وما يرد من شهادات لمواطنين سوريين من الميدان يكشف حجم العنف الذي تعرضوا له، ليس فقط من جراء كل أشكال القصف والقتل، وانما ايضا من الحصار ومنع وصول الحاجات الاساسية اليهم، خصوصاً الأغذية والدواء، اضافة الى قطع الاتصالات والكهرباء.
وربما يلخص الوضع في مدينة حمص، خصوصاً حي بابا عمرو، هذه اللوحة السوداء، ليس فقط خلال الحصار والقصف، وإنما أيضاً بعد انسحاب “الجيش الحر” منها، ويلخص حجم الارتكابات التي تقدم عليها القوات الحكومية. ليس ما حصل في حمص نهاية المواجهة في سورية، لكن النظام استطاع توجيه ضربة قوية لمعقل اساسي للمعارضة. وقد لا يكون سهلاً تفادي مثل هذه الضربات ما دام الحكم متمسكاً بالحل الأمني حتى النهاية، وما لم يطرأ تغير فعلي في معطيات المواجهة، خصوصاً على المستوى السياسي.
أسئلة تبحث عن أجوبة
لكن لماذا حصل ما حصل في حي بابا عمرو؟ وهل كان احد، خصوصاً في المعارضة السورية بكل فئاتها، يتوقع أقل مما حصل في هذا الحي؟ وهل كان من الممكن تجنيب هذه المآسي الانسانية عن سكان هذا الحي والأحياء الاخرى المماثلة في حمص وغيرها من المدن؟ والأهم من كل ذلك، ما هي المكاسب التي حققتها المعارضة السياسية، في معركتها لتغيير النظام؟
الرد على كل هذه الاسئلة يقع في عمق المسألة الجوهرية المتعلقة بعسكرة المعارضة، وتالياً تحول المعركة السياسية السلمية ضد النظام الى مواجهة مسلحة. لتختصر المطالب الإصلاحية بالقتال المسلح ضد النظام، على ما رأينا في الأيام الماضية. وهنا لا بد للمعارضة، خصوصاً “المجلس الوطني”، التساؤل عن معاني مثل هذا التحول او الدفع في اتجاهه. ومن المعتقد ان بعض اطراف هذا المجلس، ولغايات وحسابات ملتبسة وغير واضحة، دفعت في اتجاه تبني سياسة التسلح والعسكرة، حتى أن بعضها هدد بالانشقاق اذا لم يتبنّ المجلس هذه السياسة. وأغلب الظن أن إعلان تشكيل مكتب عسكري جاء في إطار تفادي هذا الانشقاق. ما شكل خطأ مزدوجاً، اذ لم يمنع ذلك تشكيل تجمع خاص داخل المجلس، كما لم يلق استجابة من “الجيش الحر”.
وفي هذا المعنى خضع المجلس لضغوط، باتخاذه مثل هذا القرار من دون ان تؤدي خطوته للنتيجة المرجوة، وتالياً فشلت الخطوة في حماية حي بابا عمرو من السقوط على هذا النحو المريع، كما أنه من المستبعد ان تحصد نتائج مغايرة في مواجهات اخرى.
عسكرة المعارضة
وهنا تنبغي إعادة النظر في معنى عسكرة المعارضة، ليس فقط لان ميزان القوى العسكري مختل على نحو قاطع لمصلحة النظام، وانما ايضا لأنه يغفل المعركة السياسية التي ما تزال تتعثر المعارضة في اطلاقها، رغم التأييد الإقليمي والدولي الواسع لمطالبها، ورغم العزلة السياسية المتزايدة للنظام، ورغم صمود المحتجين واصرارهم على التظاهر بغض النظر عن الاكلاف التي يدفعونها.
سقط حي بابا عمرو بفعل إصرار النظام على تركيع بؤرة معارضة مسلحة، رغم الصمود والبطولات التي أبداها المدافعون والسكان فيه. وهذا يعني أن الحماية لا توفرها مثل هذه المواجهات المسلحة. كما لا توفرها بطولات فردية أو تصعيد لا أفق له، كما أن أي تدخل خارجي لتوفير هذه الحماية ما يزال ينتظر قراراً مستحيلاً حتى الآن في مجلس الامن.
لذلك قد يكون حان الوقت إلى إعادة تقويم أساليب العمل الراهن من أجل وضع برنامج جديد عقلاني ومطمئن يستجيب المطالب الأساسية للشعب، وكيفية الاستفادة من الدعم والتأييد من الخارج من أجل تمكين الحركة الاحتجاجية السلمية من الاستمرار وتوسيعها، وصولاً الى تحولها انتفاضة واسعة تدفع في اتجاه تفكك سياسي داخل النظام، ومؤسساته الحالية التي ما تزال تؤمن له القدرة على البطش والتنكيل.
عبد الله اسكندر : صحيفة الحياة لندن