سحر حويجة : أسباب التصعيد الدولي ضد النظام السوري، وتأثيرها على خيارات الحراك الثوري في سوريا
تصعيد في المواقف والتصريحات الدولية تجاه الوضع السوري، جاءت متزامنة ولاحقة لتجديد وتطوير في أشكال النضال التي يتبعها الشارع الثائر في سوريا، في مواجهة النظام، ومازال النظام ممثلاً بوسائل العنف لديه من أمن وشبيحة وجيش يتعمد اقتراف جرائمه ضد الشعب السوري، كان أكثرها تأثيراً مجزرة أطفال الحولة، على الرغم من عديد وكثير المجازر السابقة، التي شهدتها الساحة السورية في المدن الثائرة، تمثلت في قتل عائلات بكاملها بوسائل وحشية، انتقاماً وثأراً من أحد أفراد العائلة لانتمائه على سبيل المثال للجيش الحر، أو تدمير أحياء على ساكنيها رداً على عصيانها ضد النظام، غير أن مجزرة بلدة الحولة كان لها صدىً خاصاً مؤثراً، حيث لم تعد أكاذيب وألاعيب النظام على المجتمع الدولي تجدي نفعاً، من خلال سياسة خلط الأوراق وتحميل أعباء ما يجري إلى عصابات مسلحة، بعد أن تحول العالم إلى شاهد عيان، حيث يقترف النظام جرائمه، على مرأى المراقبين الدوليين وأثناء تواجدهم في أماكن التوتر أو قتل النشطاء بعد لقائهم بلجنة المراقبين الدوليين، ولعل ذلك يشكل الإيجابية الوحيدة لوجود المراقبين الدوليين في سوريا بعد أن استعصت المبادرة الدولية على التطبيق، بسبب رفض النظام الفعلي المطلق لها وعدم استعداده لتطبيق بنودها، التي يأتي في مقدمتها وقف العنف، وما على الأطراف الأخرى المعارضة والشارع، والمجتمع الدولي إلا الخضوع للنظام وشروطه وتصديق كل ما يقوله.
مجزرة الحولة مجزرة يندى لها جبين البشرية قتل أطفال بوسائل وحشية انتقاما وثأراً، حتى يستكين الشارع ولكن أين؟ في قبور جماعية؟… مجزرة هزت الضمير العالمي، وسجلت نهاية فعلية للمبادرة الدولية، غير أن عنان قد استغل صدى المجزرة على الصعيد العالمي، أثناء زيارته الأخيرة لدمشق ليضغط على النظام وإعطائه فرصة أخيرة معبراً عن ذلك بأنه الوقت المناسب لتنفيذ المبادرة الدولية، من ضمن ما يعينه هذا الكلام حتى يتم فك الطوق عن عنق النظام بعد التصريحات والمواقف الدولية الجديدة ضده، بعد أن تم طرد الدبلوماسيين السوريين من قبل عواصم كبيرة وأساسية في العالم، وكأن عنان يقول أنه لو وافقت على المبادرة ونفذتها سريعاً، قد تحرج الموقف الدولي وتتراجع الدول عن موقفها، أما النظام حيث لا يملك إلا جواباً يتيماً إنه لم يسجل ضده أي انتهاك للمبادرة الدولية، وعلى الجميع تصديقه، مع إن الكذبة يتم كشفها عادة من كبرها، إن مواقف الدول الغربية وأمريكا ضد النظام السوري، مع أنه لا يرتقي بعد إلى نزع الشرعية عن النظام، لكن يفتح الطريق إلى ذلك، إن حدث طرد السفراء تزامن مع تحديد موعد والدعوة إلى اجتماع أصدقاء سوريا بعد حوالي شهر، في إشارة إلى تطور جديد في العلاقة مع المعارضة السورية.
لكن هل الموقف الغربي الأمريكي، مرتبط بالمجزرة التي جرت في الحولة أم هناك أسباباً هامة وأساسية أخرى مؤثرة في تحويل الموقف وتصعيده ضد النظام السوري؟ أرى أن أسباباً أهم من المجزرة، تتلخص في تطور الحراك الشعبي الثوري ضد النظام، حيث أنها أعطت أبعاداً جديدة للثورة وعبرت الثورة عن وجهها الحقيقي، وأضعفت موقف النظام، لأن الثورة لم تعد محصورة في مناطق ثائرة بل أصبحت الثورة شاملة امتدت لتشمل طبقات عليا أهمها إضراب تجار دمشق، الذي سبقه انتفاضة طلاب جامعة حلب وتحرك فئات مهنية أطباء محامين، ليس لهم مطالب فئوية خاصة، كما لا يمكن وصف حراكهم بالتشدد والإرهاب، بل يتبعون أشكالاً نضالية سلمية راقية، وحراكهم يحمل الهمً الوطني العام، رافضين ممارسات النظام الدموية ورافضين النظام، كما ساهمت تلك التحركات بتبديد ادعاءات النظام حول قوته وقوة شعبيته وسيطرته على مدن أساسية، تبين أن ذلك ليس سوى مزاعم لتضليل الرأي العام الدولي والمحلي، تحركات كشفت عن زيف إصلاحات النظام وعن الانتخابات الشكلية التمثيلية المهزلة المزيفة والمزورة للإرادة الشعبية فإذا كانت دمشق بالفئة العليا مع ما لها من تأثير تاريخي على الشارع الدمشقي، ترفض النظام فمن الذي انتخب رجال النظام ممثلين عن دمشق وفئاتها المختلفة، مما يؤكد أن النظام لا هم له سوى تأبيد سلطته بكل وسائل الخداع والكذب والتزييف، وهذا ما يحرج حليفته روسيا التي ما فتئت تدافع عن النظام من بوابة الإصلاحات التي يجريها، في الواقع إصلاحات لا تعني أحداً سوى النظام.. كل هذه الأسباب مجتمعة دفعت دول العالم لتدخل مرحلة جديدة في التعامل مع الساحة السورية، تزامنت المواقف الجديدة مع تصريح من أحد أعضاء المجلس الوطني أن المعارضة تسيطر على خمسين بالمائة من الأراضي السورية في إشارة إلى مناطق ومحافظات مثل إدلب وحمص ودرعا، لكن بالطبع ينقصها السلاح للحماية والهجوم، على قوات النظام. كل هذه التطورات في المواقف مع نضوج الواقع الثوري في سوريا على الرغم من الحصار والضغوط وتشتت المعارضة يشير أن لا حل مع هذا النظام الذي يرفض أصلاً أي حل لا يمرره وفق شروطه ومصلحته، وهنا يضع الساحة السورية أمام احتمالات وخيارات عديدة:
الأول: الداعين لسلمية الثورة، الذين يتقاطعون مع رفض التدخل الخارجي المسلح، أي إسقاط النظام عبر الوسائل السلمية التظاهر والإضراب والعصيان المدني، وقد نضج الواقع السوري ليشارك بهذه الأشكال أكثر من أي مرحلة أخرى حيث جاءت المطالب الداعية للإضراب والعصيان في بداية الثورة ذات طابع طفولي وكانت نتائجها محدودة ومحصورة في مناطق محدودة، لكن اليوم وبعد إضراب تجار دمشق. يكون للإضراب الشامل والعصيان أثراً كبيراً واسعاً، هذا النهج الأسلم والأكثر تعبيراً عن نضج الشارع، يصطدم بقوة بسياسة العنف الذي ينتهجها النظام الذي لا يأبه حتى لو كانت سوريا كلها ضده، مادام ينتهج سياسة القوة والسلاح الفتاك لإخماد الثورة. ولكن إضرابات واسعة تربك النظام وحلفائه كما تضعفه، ولها تأثيراً كبيراً على الاقتصاد السوري يكون لها مفعولاً مع الأيام، لاشك أن العصيان المدني والإضراب أقل كلفة بشرياً من التظاهر، حيث المواجهة غير مباشرة، ولكن لن تكون بديلاً عن التظاهر بل تأكيداً على ضرورة استعمال كل وسائل النضال السلمية حتى إسقاط النظام. غير أن انسداد الأفق أمام الخيار السلمي. يشجع أنصار العمل المسلح بأن لا جدوى مع هذا النظام إلا لغة العنف لأن النظام لا يملك وسيلة أخرى للتعامل مع الشارع والمعارضة، ولا يمكن له أن يتنازل عن سلطته كلاً أو جزءاً حتى لو دمرّ وأحرق سوريا. وهنا ينتقل الوضع السوري إلى ملعب الخارج: كيف يتم دعم المعارضة بالسلاح وهنا يفترض وفق العرف الدولي أن يكون هناك مناطق تسيطر عليها المعارضة وتسعى لتحرير كامل الأراضي، حيث يتم الاعتراف من قبل الخارج بسلطتها عليها كما يتم دعمها، لكن أي دعم لا يمكن أن يحل المشكلة إلا الدعم بالسلاح القادر على صد هجمات النظام أي أسلحة ثقيلة، سلاح ذو كلفة عالية، ويحتاج إلى مهارات، ويصطدم بالسيطرة على الحدود، كما أنه لا جدوى منه مع نظام قد يستعمل الطائرات لتدمير مواقع الثائرين والمناطق الثائرة مع ما تملك من أسلحة، وإن دعم المعارضة بالسلاح، سوف يبرر ويشجع الدول الداعمة للنظام خاصة إيران وروسيا لدعم النظام عسكرياً مع أنه لم يتوقف هذا الدعم. ولا مرة خلال الثورة السورية هذا الخيار قائم حتى لو لم يتم الاتفاق على موقف جماعي في مجلس الأمن. أما الخيار الثالث وهو التدخل الدولي العسكري المباشر، أما بحظر جوي ودعم المعارضة بالسلاح وهذا ما يلقى قبولاً لدي أجزاء من المعارضة التي تدعم التدخل الخارجي. لكن يبقى التدخل الخارجي بقرار من مجلس الأمن المباشر أو الحظر الجوي مستبعد أمام التعنت الروسي الصيني.
تبدو الخيارات أما م الحراك السوري، خيارات كلها صعبة ومرة ولا يمكن التكهن بنتائجها على المجتمع، غير أن خلاص المجتمع من كابوس النظام أصبح مطلباً عاماً، مهما كان الثمن، لكن مهما كانت الخيارات صعبة فإن الخيار السلمي مع حق الدفاع عن النفس، وحماية مكتسبات الثورة. يبقى هو الطريق الأفضل والأكثر نجاعة للحفاظ على المجتمع وقواه الحية، للمساهمة في نشر الوعي البديل للعنف والاستبداد، والارتقاء به، لفرض سيادة الشعب السوري على أرضه وعلى حاضره ومستقبله. يجب اليقظة من سرقة مكتسبات الثورة السورية رغم كل الصعاب ورغبة الخلاص السريع..