زملاء
ياسر نديم سعيد : ماذا نعرف عن بشار وماهر؟
يخطر في البال كتابة شيء عمن تبقى من عائلة الأسد وهي تعيش الآن آخر أيامها كعائلة مالكة وحاكمة.. لا شك أن ما تبقى من هذه العائلة يحس الآن بمأساة شخصية وعائلية: كيف أضاعوا الملك والحكم الذي ورثوه؟
مشكلة توريث الجمهورية كانت دائماً المستقبل: إذا نجح التوريث الآن فكيف سيحافَظ عليه؟ وهل هناك أمل في تكرار التوريث؟. بعد اندلاع الثورة السورية لا يعقل أن يتقبل الشعب السوري أسداً آخر مثل الأخ أو العم مهما كانت طريقة تنحي الرئيس عن الحكم..لا أمل لماهر أو رفعت إلا في لعب دور محدود في الطائفة السياسية اعتماداً على الموقع العسكري أو المال السياسي (ولا شك أنه إذا قُدر لسورية مرحلة انتقالية “مائعة” فسنشهد أدوراً أخرى لعائلات سياسية أخرى تعتمد على المال السياسي والعلاقات الإقليمية والدولية كما حدث أيام حافظ بعد إصداره القانون رقم (10) الشهير والذي سمح ببعض الاستثمارات وسهّل عودة بعض أبناء وأحفاد العائلات الاقتصادية التي هربت من سورية أيام التأميمات في نهاية الخسمينات وبداية الستينات).
لم يتردد المركّب العسكري الأمني التجاري الحاكم في سورية بعد موت الديكتاتور باختيار الخلف. الوريث الابن كان حلاً سهلاً وعملياً لأنه (كما ظنوا) استثمار لكل ما بناه الأب واستمرار له بنفس نظام المعاني والرموز الذي تكلمت عنه ليزا وادين باستفاضة في كتابها “السيطرة الغامضة”. ولكن الكاتبة افترضت أن “ظاهرة تعظيم الشخصية من قبل النظام في عهد الديكتاتور لم تنتج “شرعية” بأي معنى للمصطلح مع أنها أدت مهاماً انضباطية مهمة”..وأشارت إلى “الافتراضات الخاطئة حول المواطنين السوريين كمصدّقين (تصديق العروض والشرعية والكاريزما والهيمنة) غير عقلانيين وقابلين للخديعة”…وإلى أن “الرعايا يفهمون على أنهم يعتبرون أن حكومة أو قانوناً بأنه شرعي إذا كانوا يتصرفون كما لو أنهم كذلك as if “. لم تكن هناك ظاهرة تقديس مدعومة من قبل الدولة قبل الأسد الأب. وكانت ظاهرة تقديس الأسد “آلية فعالة للسلطة لأنها توفر في الاستخدام الفعلي للقوة وتعمل لتنتج الطاعة”. من الواضح فشل بشار في تشكيل استمرارية من هذا النوع لأبيه لأن هذا النوع من نظام المعاني والرموز غير قابل للتكرار خصوصاً عن طريق الوراثة. (هل يجب أن يتضمن الدستور القادم مادة تفيد بـ “عدم جواز تعظيم أي شخصية حية”؟).
موت باسل المفاجئ هو الذي جعل بشار الوريث، ولم يكن هناك مجال للتردد باختياره أو اختيار ماهر وإلا لحدث العكس ببساطة لأن الوقت كان كافٍ والظروف مواتية لإعداد أي منهما. من الواضح أن ماهر كان مستبعداً لسبب شخصي يكمن في شخصيته نفسها. إحدى مشكلات بشار الشخصية أنه لم يكن مخيراً لا في استلام الحكم كما أنه ليس مخيراً في تركه بغض النظر عن استساغته الشخصية لكلا الأمرين.
كل ما نعرفه عن أصل عائلة الأسد أنها لم تكن موجودة منذ فترة طويلة في القرداحة ولا أحد يعرف من أين هي مما يعطي المجال للكثير من الإشاعات، ولكن الأكيد أنها ليست عائلة إقطاعية وليست عائلة مشايخ دين بل هي عائلة من “العوام”، وعائلة هامشية اشتهر أحد أسلافها القريبين بلقب الوحش لأنه كان “قبضاياً” بلغة ذلك الزمن..
في زيارة له للقرداحة بعيد استلامه الحكم في سورية اجتمع حافظ الأسد مع “المسؤولين” فيها ثم طلب الانفراد بأحدهم وسأله عن “أخبار القرداحة الخاصة” فأجابه عن حسن نية، وذكر له فيما ذكر بعض تجاوزات أخوته حينها (وهي تجاوزات مضحكة مقارنة بما آلت إليه الأمور بعدها). لم يعلّق وقتها الرئيس، ولكن بعد مدة أقيل ذلك الشخص من منصبه ووصله كلام من الرئيس عن طريق صديق مشترك بما معناه “هلق فلان ما شاف من زعرنات أهل القرداحة غير زعرنات بيت الأسد؟!”. كان واضحاً من البداية محاباة الرئيس لعائلته.
عرفت العائلة في القرداحة بانغلاقها على نفسها تجاه العائلات الأخرى، على الأقل بعد أن ذاع صيتها كمصدر للسلطة، وكان ذلك واضحاً على سبيل المثال عندما يتزوج أحد أفراد عائلة الأسد القريبين من الرئيس من عائلة أخرى حيث تنقطع أخبار الزوجة عن أهلها وتصبح علاقتها بأهلها في حدودها الدنيا.
تعمّد حافظ الأسد إظهار عائلته الخاصة بشكل مميز، ولم يسمح لأولاده بممارسة ما كان يمارسه أولاد المسؤولين الآخرين في الدولة (من شتى المنابت الاجتماعية) من تجاوزات علنية للقوانين والأعراف في المدرسة أو في الجامعة أو في الجيش أو في مكان العمل..
يوحي إدمان أحد أبناء حافظ وإصابته ربما باضطراب نفسي ما (لا نعرف التشخيص)، وكذلك يوحي سلوك عدد من عائلة الأسد من الشبيحة قبل الثورة بوجود عامل وراثي معين واستعداد وراثي للإصابة باضطراب نفسي، وإذا أضفنا طبيعة حياة العائلة الخاصة بحافظ الأسد في ظل وجود أب ضابط في الجيش ديكتاتوري المزاج ومنشغل بالسياسة عن عائلته، وكذلك انتقال وضع العائلة من حالة إلى حالة عبر ترقي الوالد الدائم في سلم الوظيفة وبشكل سريع وصولاً إلى التربع على العرش، أمكن لنا إضافة وجود نوع من شدة نفسية واجهتها العائلة دائماً..يتيح كل ذلك عبر زمن طويل ومراقبة للسلوك الشخصي والعام لهذه العائلة إمكانية وضع فرضيات لإصابة بشار وماهر بنوع من اضطرابات الشخصية. ولا بأس من المجازفة أيضاً في استنتاج ما يترتب على ذلك من توقعات حول السلوك الشخصي لكل منهما (قد تكون الفرضية خاطئة وبالتالي كل ما يبنى عليها سيكون خاطئاً، ولكن المسألة تستحق المغامرة إذا ثبت على الأقل وجود فائدة عملية لها، أو إذا قادتنا إلى وضع تشخيص آخر صحيح).
بشار الأسد وفرضية اضطراب الشخصية النرجسية
Narcissitic Personality Disorder
عرف التجار الكبار قبل غيرهم وراثة بشار القادمة للحكم، فبعيد موت باسل المفاجئ صارت الأموال المجتباة منهم باسمه سابقاً تُطلب باسم بشار. كان اختيار بشار للحكم محصلة لمتطلبات المركّب العسكري الأمني التجاري الحاكم، وغلب في اختيار بشار العنصر المافيوزي في الحكم حيث المسألة أشبه بوراثة العرّاب الميت خصوصاً أن الجيل البعثي الثالث تميز بالثروة مقابل تميز جيل الآباء (الجيل البعثي الثاني) بالسلطة وتميز الجيل البعثي الأول بالعقيدة حسب ما ذهب إليه ياسين الحاج صالح. كما عرف المقربون من أهل القرداحة عند اختيار بشار للوراثة أن أسهم رامي مخلوف سترتفع بسبب علاقتهما السابقة ببعضهما البعض، وهذا ما ألقى بالشك دائماً على قضية مقتل باسل بحادث سيارة ونجاة مرافقه حافظ مخلوف أخي رامي.
كان واضحاً منذ البداية أن شخصية بشار (وأية شخصية أخرى أيضاً!) لا تتحمل كل المناصب التي حصل عليها دفعة واحدة في الجيش والدولة والحزب والقضاء والدستور (لا داعي لذكرها).. ومعروف كيف تم ربط اسمه بالأمل، والوعود الكبيرة التي رافقت توريثه والتي تبين فيما بعد أنها كانت لمجرد تمرير فكرة توريث الجمهورية، ولكن الملفت للانتباه الحملة الدعائية المبكرة لبشار “منحبك” وهي تذكّر بلقب الرفيق القائد المحبوب الكوري الشمالي، وهو لقب لم يستخدمه الأب كصيغة ملازمة للرفيق القائد كما لم يستخدمه الابن أيضاً بهذا الشكل (لم يبق مثال في العالم يشبهه النظام السوري من ناحية توريث الجمهورية وعبادة الشخصية وأشياء أخرى سوى كوريا الشمالية). هناك قصة مسرّبة مشهورة لياسر عرفات حين قال له حافظ الأسد مرة عن طريق شخص ثالث أنه لا يحبه فرد عليه عرفات “النساء فقط تطلب الحب”. اهتم حافظ بمن يحبه حافظ أما بشار فاهتم بمن يحب بشار. لا شك في وجود اختصاصيين في الدعاية والإعلام والتسويق في حملات العلاقات العامة لبشار ولا شك في وجود اختصاصيين في علم النفس أيضاً..هل تم تسويق حملة “منحبك” مبكراً بناءً على شخصية بشار نفسها التي تطلب الحب دائماً؟..على كل حال ربما يكون هذا هو أساس ظاهرة المنحبكجية لاحقاً، وربما يفسر ذلك أيضاً التسريبات الحديثة حول علاقاته مع النساء التي تتمحور حول الرغبة في أن يكون محبوباً. علّق أحد الكتاب الأجانب على شخصية بشار بأنها محكومة من قبل ثلاث نساء (أمه وأخته وزوجته) ولكننا لا نعرف الكثير عن هذه الشخصيات الثلاثة، وربما هؤلاء النساء هن من يعانين منه.
حاولت الدعاية كثيراً إحاطة بشار بما يوحي بالشخصية الكاريزمية مثل نشر صوره مع صور شخصيتين كاريزميتين مثل أبيه وحسن نصر الله ومثل عبارات “نظرة أسد” على بعض الصور العسكرية ولكن دون جدوى (الكاريزما تولد مع البشر وهي صفة غير مكتسبة ولكن يمكن العمل عليها إن وجدت). من الواضح أن أقصى ما يمكن أن توحي صوره وشخصيته من سمات القادة هي صورة المدير التنفيذي الشاب الناجح في الشركات الرأسمالية الحديثة، وربما تكون هذه هي الصورة الحقيقية التي يرى نفسه بها خصوصاً بتطلعاته إلى الثروة (وعلاقته بابن خاله رامي مخلوف) وبطريقة إدارته للدولة والمجتمع وكأن سورية ملكه الشخصي.
تتميز الشخصية النرجسية بشكل عام بوجود شعور بالعظمة وأهمية الذات، ولكن صاحب هذه الشخصية في الداخل يعاني من هشاشة في احترام وتقدير نفسه لنفسه (وهذا أهم سبب لمعاناته الداخلية ويمكن أن يميل للاكتئاب أحياناً بسبب ذلك)، ولذلك فهو بحاجة دائمة للمديح مع عدم تحمل للنقد حيث يواجهه باللامبالاة أو بالغضب خصوصاً عندما لا يفعل الآخرون ما يرغب منهم أن يفعلوه. وعند هذه الشخصية انشغالات بأحلام عن الثروة والسلطة والحب بشكل لا يعرف حدوداً. تشمل آليات الدفاع النفسية عند هذه الشخصية الإسقاط أي أنها تردّ رغباتها وأفكارها ومشاعرها للآخرين (بدل أن يقول للآخر: أنا أكرهك، يقول له: أنت تكرهني) مما يقودها أحياناً إلى الشعور بالاضطهاد (بارانويا)، كما تستخدم هذه الشخصية آلية الإنكار أيضاً كدفاع نفسي حيث لا تسمح للواقع باختراقها وتؤكد أن العالم الخارجي الواقعي ليس صحيحاً مما يجنبها الألم الذي يسببه أحياناً العالم الخارجي لها، كما أنها تميل إلى اعتبار الأشياء والناس إما جيدة كلها أو سيئة كلها ولا تنظر إليها كمزيج من الجيد والسيء. ومن الصفات المهمة عند هؤلاء غياب الضمير عندهم حيث يعانون من فشل حقيقي في التعاطف مع الآخرين وإذا كانوا يبدون أحياناً متعاطفين فهذا نوع من الذكاء الاجتماعي المكتسب، ولكنهم في داخلهم عاجزون عن التعاطف الصادق. هم يحسدون الآخرين، وعلاقاتهم بالآخرين استغلالية.ماهر الأسد واضطراب الشخصية الحدية
Borderline Personality Disorder
لا يمكن تفسير غياب الظهور العام لماهر بالرغبة بتجنب إلقاء الظلال على شخصية بشار فقط، إذ كان من المتوقع أن يظهر ماهر في مسرح العلاقات العامة ولو بشكل غير متواتر وبعيداً عن أخيه، ولكن هذا لم يحدث. ظهرت إشاعات كثيرة وتعليقات عابرة حول صفات شخصية لماهر فيها غرابة وشذوذ (توحي بالسادية)، ولكن لا يمكن التأكد منها وإن كان يمكن الاستنتاج بسهولة أن لديه من الصفات ما لا يؤهله لأي ظهور عام.
إن ترديد بعض الجمل مثل “بشار للعيادة وماهر للقيادة” عند الجمهور العسكري أو المدني المؤيد للنظام الأسدي، أو نعت بشار في القرداحة بأنه “طالع لخوالو” بمعنى أنه ليس قاسياً بما يكفي لمواجهة الثورة هو مجرد تعبير عن يأس وإحباط مما آلت إليه الأمور من ضعف النظام رغم كل شراسته، وعدم فهم أن زمن الأب حيث “نفعت” الشراسة قد تغير ولم تعد المجزرة أو المجازر وسيلة “ناجحة” للردع كما أوصى ميكيافيللي الأمير “عندما تقمع يجب أن تضرب بأقسى ما يمكنك ومرة واحدة، وعندما تعطي يجب أن تعطي القليل وعلى دفعات”. وليست الرغبة في حلول ماهر محل بشار في القيادة إلا وهماً مثله مثل الحنين إلى زمن الأب القوي أو وهم مجيء العم رفعت وبناء الآمال عليه عند البعض أيضاً.
إن فرضية وجود هذا النمط من اضطراب الشخصية عند ماهر أضعف من فرضية نمط اضطراب الشخصية الموجود عند أخيه بسبب عدم ظهور ماهر العام ببساطة وعدم إمكانية مراقبة سلوكه في مختلف الظروف.
تتميز الشخصية الحدية بعواطف غير مستقرة ومزاج متقلب، وسلوك غير مستقر. صورة النفس أيضاً غير مستقرة (اضطراب الهوية). تكون هذه الشخصية في حالة دائمة من الأزمة والفوضى. لدى هذه الشخصية اندفاعية قوية غير مسيطر عليها. العلاقات مع الآخرين غير مستقرة . هناك شعور مزمن بالفراغ أو الخواء مع الضجر (يعاني من مشاكل كبيرة عندما يكون وحيداً). غضب غير مناسب أو مبرر. هذه الشخصية معتمدة على الآخرين وعدوانية، كما أنها مثل سابقتها تميل إلى اعتبار الأشياء والناس إما جيدة كلها أو سيئة كلها ولا تنظر إليها كمزيج من الجيد والسيء. قد تصبح هذه الشخصية في زمن الشدة النفسية ذهانية. هذه الشخصية غير قادرة على تحمل القلق. (5% من أصحاب هذه الشخصية يمكن أن ينتحروا).
الكثير من المصابين باضطرابات الشخصية ليس لديهم بصيرة بمشكلتهم. الآخرون (والعالم من حولهم) هم المشكلة بالنسبة لهم، ولذلك يشكل هؤلاء إزعاجاً دائماً لمن حولهم بسبب نقص قدرتهم على التكيف مع المتغيرات التي يواجهونها دائماً بنفس الطريقة.
هل يمكن للنظام السوري التخلي عن بشار أو عن عائلة الاسد؟
هذا هو السؤال المهم والذي يدعونا للتفكير في أكثر من مجال فيما يخص هذه العائلة. لقد وصل ياسين الحاج الصالح إلى استنتاج أن شخصاً واحداً كان يمارس السياسة في هذه العائلة (الأب)، وأصبح عائلة بعد بشار، وأن ذلك الشخص أو تلك العائلة هو حجر الأساس في النظام وأنه لن يبقى حجر على حجر إذا زال حجر الأساس.
ربما يكون ذلك سبباً في التفاف المركّب العسكري الأمني التجاري الحاكم، وكذلك المؤيدين (خاصة من طائفة الرئيس نفسه) حول الأسد، ولكن لماذا لا يمكن أن تلعب العوامل الشخصية والعائلية الضيقة نفسها دوراً في التغيير (ضد المصلحة “العامة”) من قلب النظام هذه المرة، خاصة أن أحد مشاكل التوريث كان إقصاء “جيل الآباء” وكذلك “جيل باسل” عن أدوارهم الرئيسة التي كانوا يتوقعونها؟
لم يتردد المركّب العسكري الأمني التجاري الحاكم في سورية بعد موت الديكتاتور باختيار الخلف. الوريث الابن كان حلاً سهلاً وعملياً لأنه (كما ظنوا) استثمار لكل ما بناه الأب واستمرار له بنفس نظام المعاني والرموز الذي تكلمت عنه ليزا وادين باستفاضة في كتابها “السيطرة الغامضة”. ولكن الكاتبة افترضت أن “ظاهرة تعظيم الشخصية من قبل النظام في عهد الديكتاتور لم تنتج “شرعية” بأي معنى للمصطلح مع أنها أدت مهاماً انضباطية مهمة”..وأشارت إلى “الافتراضات الخاطئة حول المواطنين السوريين كمصدّقين (تصديق العروض والشرعية والكاريزما والهيمنة) غير عقلانيين وقابلين للخديعة”…وإلى أن “الرعايا يفهمون على أنهم يعتبرون أن حكومة أو قانوناً بأنه شرعي إذا كانوا يتصرفون كما لو أنهم كذلك as if “. لم تكن هناك ظاهرة تقديس مدعومة من قبل الدولة قبل الأسد الأب. وكانت ظاهرة تقديس الأسد “آلية فعالة للسلطة لأنها توفر في الاستخدام الفعلي للقوة وتعمل لتنتج الطاعة”. من الواضح فشل بشار في تشكيل استمرارية من هذا النوع لأبيه لأن هذا النوع من نظام المعاني والرموز غير قابل للتكرار خصوصاً عن طريق الوراثة. (هل يجب أن يتضمن الدستور القادم مادة تفيد بـ “عدم جواز تعظيم أي شخصية حية”؟).
موت باسل المفاجئ هو الذي جعل بشار الوريث، ولم يكن هناك مجال للتردد باختياره أو اختيار ماهر وإلا لحدث العكس ببساطة لأن الوقت كان كافٍ والظروف مواتية لإعداد أي منهما. من الواضح أن ماهر كان مستبعداً لسبب شخصي يكمن في شخصيته نفسها. إحدى مشكلات بشار الشخصية أنه لم يكن مخيراً لا في استلام الحكم كما أنه ليس مخيراً في تركه بغض النظر عن استساغته الشخصية لكلا الأمرين.
كل ما نعرفه عن أصل عائلة الأسد أنها لم تكن موجودة منذ فترة طويلة في القرداحة ولا أحد يعرف من أين هي مما يعطي المجال للكثير من الإشاعات، ولكن الأكيد أنها ليست عائلة إقطاعية وليست عائلة مشايخ دين بل هي عائلة من “العوام”، وعائلة هامشية اشتهر أحد أسلافها القريبين بلقب الوحش لأنه كان “قبضاياً” بلغة ذلك الزمن..
في زيارة له للقرداحة بعيد استلامه الحكم في سورية اجتمع حافظ الأسد مع “المسؤولين” فيها ثم طلب الانفراد بأحدهم وسأله عن “أخبار القرداحة الخاصة” فأجابه عن حسن نية، وذكر له فيما ذكر بعض تجاوزات أخوته حينها (وهي تجاوزات مضحكة مقارنة بما آلت إليه الأمور بعدها). لم يعلّق وقتها الرئيس، ولكن بعد مدة أقيل ذلك الشخص من منصبه ووصله كلام من الرئيس عن طريق صديق مشترك بما معناه “هلق فلان ما شاف من زعرنات أهل القرداحة غير زعرنات بيت الأسد؟!”. كان واضحاً من البداية محاباة الرئيس لعائلته.
عرفت العائلة في القرداحة بانغلاقها على نفسها تجاه العائلات الأخرى، على الأقل بعد أن ذاع صيتها كمصدر للسلطة، وكان ذلك واضحاً على سبيل المثال عندما يتزوج أحد أفراد عائلة الأسد القريبين من الرئيس من عائلة أخرى حيث تنقطع أخبار الزوجة عن أهلها وتصبح علاقتها بأهلها في حدودها الدنيا.
تعمّد حافظ الأسد إظهار عائلته الخاصة بشكل مميز، ولم يسمح لأولاده بممارسة ما كان يمارسه أولاد المسؤولين الآخرين في الدولة (من شتى المنابت الاجتماعية) من تجاوزات علنية للقوانين والأعراف في المدرسة أو في الجامعة أو في الجيش أو في مكان العمل..
يوحي إدمان أحد أبناء حافظ وإصابته ربما باضطراب نفسي ما (لا نعرف التشخيص)، وكذلك يوحي سلوك عدد من عائلة الأسد من الشبيحة قبل الثورة بوجود عامل وراثي معين واستعداد وراثي للإصابة باضطراب نفسي، وإذا أضفنا طبيعة حياة العائلة الخاصة بحافظ الأسد في ظل وجود أب ضابط في الجيش ديكتاتوري المزاج ومنشغل بالسياسة عن عائلته، وكذلك انتقال وضع العائلة من حالة إلى حالة عبر ترقي الوالد الدائم في سلم الوظيفة وبشكل سريع وصولاً إلى التربع على العرش، أمكن لنا إضافة وجود نوع من شدة نفسية واجهتها العائلة دائماً..يتيح كل ذلك عبر زمن طويل ومراقبة للسلوك الشخصي والعام لهذه العائلة إمكانية وضع فرضيات لإصابة بشار وماهر بنوع من اضطرابات الشخصية. ولا بأس من المجازفة أيضاً في استنتاج ما يترتب على ذلك من توقعات حول السلوك الشخصي لكل منهما (قد تكون الفرضية خاطئة وبالتالي كل ما يبنى عليها سيكون خاطئاً، ولكن المسألة تستحق المغامرة إذا ثبت على الأقل وجود فائدة عملية لها، أو إذا قادتنا إلى وضع تشخيص آخر صحيح).
بشار الأسد وفرضية اضطراب الشخصية النرجسية
Narcissitic Personality Disorder
عرف التجار الكبار قبل غيرهم وراثة بشار القادمة للحكم، فبعيد موت باسل المفاجئ صارت الأموال المجتباة منهم باسمه سابقاً تُطلب باسم بشار. كان اختيار بشار للحكم محصلة لمتطلبات المركّب العسكري الأمني التجاري الحاكم، وغلب في اختيار بشار العنصر المافيوزي في الحكم حيث المسألة أشبه بوراثة العرّاب الميت خصوصاً أن الجيل البعثي الثالث تميز بالثروة مقابل تميز جيل الآباء (الجيل البعثي الثاني) بالسلطة وتميز الجيل البعثي الأول بالعقيدة حسب ما ذهب إليه ياسين الحاج صالح. كما عرف المقربون من أهل القرداحة عند اختيار بشار للوراثة أن أسهم رامي مخلوف سترتفع بسبب علاقتهما السابقة ببعضهما البعض، وهذا ما ألقى بالشك دائماً على قضية مقتل باسل بحادث سيارة ونجاة مرافقه حافظ مخلوف أخي رامي.
كان واضحاً منذ البداية أن شخصية بشار (وأية شخصية أخرى أيضاً!) لا تتحمل كل المناصب التي حصل عليها دفعة واحدة في الجيش والدولة والحزب والقضاء والدستور (لا داعي لذكرها).. ومعروف كيف تم ربط اسمه بالأمل، والوعود الكبيرة التي رافقت توريثه والتي تبين فيما بعد أنها كانت لمجرد تمرير فكرة توريث الجمهورية، ولكن الملفت للانتباه الحملة الدعائية المبكرة لبشار “منحبك” وهي تذكّر بلقب الرفيق القائد المحبوب الكوري الشمالي، وهو لقب لم يستخدمه الأب كصيغة ملازمة للرفيق القائد كما لم يستخدمه الابن أيضاً بهذا الشكل (لم يبق مثال في العالم يشبهه النظام السوري من ناحية توريث الجمهورية وعبادة الشخصية وأشياء أخرى سوى كوريا الشمالية). هناك قصة مسرّبة مشهورة لياسر عرفات حين قال له حافظ الأسد مرة عن طريق شخص ثالث أنه لا يحبه فرد عليه عرفات “النساء فقط تطلب الحب”. اهتم حافظ بمن يحبه حافظ أما بشار فاهتم بمن يحب بشار. لا شك في وجود اختصاصيين في الدعاية والإعلام والتسويق في حملات العلاقات العامة لبشار ولا شك في وجود اختصاصيين في علم النفس أيضاً..هل تم تسويق حملة “منحبك” مبكراً بناءً على شخصية بشار نفسها التي تطلب الحب دائماً؟..على كل حال ربما يكون هذا هو أساس ظاهرة المنحبكجية لاحقاً، وربما يفسر ذلك أيضاً التسريبات الحديثة حول علاقاته مع النساء التي تتمحور حول الرغبة في أن يكون محبوباً. علّق أحد الكتاب الأجانب على شخصية بشار بأنها محكومة من قبل ثلاث نساء (أمه وأخته وزوجته) ولكننا لا نعرف الكثير عن هذه الشخصيات الثلاثة، وربما هؤلاء النساء هن من يعانين منه.
حاولت الدعاية كثيراً إحاطة بشار بما يوحي بالشخصية الكاريزمية مثل نشر صوره مع صور شخصيتين كاريزميتين مثل أبيه وحسن نصر الله ومثل عبارات “نظرة أسد” على بعض الصور العسكرية ولكن دون جدوى (الكاريزما تولد مع البشر وهي صفة غير مكتسبة ولكن يمكن العمل عليها إن وجدت). من الواضح أن أقصى ما يمكن أن توحي صوره وشخصيته من سمات القادة هي صورة المدير التنفيذي الشاب الناجح في الشركات الرأسمالية الحديثة، وربما تكون هذه هي الصورة الحقيقية التي يرى نفسه بها خصوصاً بتطلعاته إلى الثروة (وعلاقته بابن خاله رامي مخلوف) وبطريقة إدارته للدولة والمجتمع وكأن سورية ملكه الشخصي.
تتميز الشخصية النرجسية بشكل عام بوجود شعور بالعظمة وأهمية الذات، ولكن صاحب هذه الشخصية في الداخل يعاني من هشاشة في احترام وتقدير نفسه لنفسه (وهذا أهم سبب لمعاناته الداخلية ويمكن أن يميل للاكتئاب أحياناً بسبب ذلك)، ولذلك فهو بحاجة دائمة للمديح مع عدم تحمل للنقد حيث يواجهه باللامبالاة أو بالغضب خصوصاً عندما لا يفعل الآخرون ما يرغب منهم أن يفعلوه. وعند هذه الشخصية انشغالات بأحلام عن الثروة والسلطة والحب بشكل لا يعرف حدوداً. تشمل آليات الدفاع النفسية عند هذه الشخصية الإسقاط أي أنها تردّ رغباتها وأفكارها ومشاعرها للآخرين (بدل أن يقول للآخر: أنا أكرهك، يقول له: أنت تكرهني) مما يقودها أحياناً إلى الشعور بالاضطهاد (بارانويا)، كما تستخدم هذه الشخصية آلية الإنكار أيضاً كدفاع نفسي حيث لا تسمح للواقع باختراقها وتؤكد أن العالم الخارجي الواقعي ليس صحيحاً مما يجنبها الألم الذي يسببه أحياناً العالم الخارجي لها، كما أنها تميل إلى اعتبار الأشياء والناس إما جيدة كلها أو سيئة كلها ولا تنظر إليها كمزيج من الجيد والسيء. ومن الصفات المهمة عند هؤلاء غياب الضمير عندهم حيث يعانون من فشل حقيقي في التعاطف مع الآخرين وإذا كانوا يبدون أحياناً متعاطفين فهذا نوع من الذكاء الاجتماعي المكتسب، ولكنهم في داخلهم عاجزون عن التعاطف الصادق. هم يحسدون الآخرين، وعلاقاتهم بالآخرين استغلالية.ماهر الأسد واضطراب الشخصية الحدية
Borderline Personality Disorder
لا يمكن تفسير غياب الظهور العام لماهر بالرغبة بتجنب إلقاء الظلال على شخصية بشار فقط، إذ كان من المتوقع أن يظهر ماهر في مسرح العلاقات العامة ولو بشكل غير متواتر وبعيداً عن أخيه، ولكن هذا لم يحدث. ظهرت إشاعات كثيرة وتعليقات عابرة حول صفات شخصية لماهر فيها غرابة وشذوذ (توحي بالسادية)، ولكن لا يمكن التأكد منها وإن كان يمكن الاستنتاج بسهولة أن لديه من الصفات ما لا يؤهله لأي ظهور عام.
إن ترديد بعض الجمل مثل “بشار للعيادة وماهر للقيادة” عند الجمهور العسكري أو المدني المؤيد للنظام الأسدي، أو نعت بشار في القرداحة بأنه “طالع لخوالو” بمعنى أنه ليس قاسياً بما يكفي لمواجهة الثورة هو مجرد تعبير عن يأس وإحباط مما آلت إليه الأمور من ضعف النظام رغم كل شراسته، وعدم فهم أن زمن الأب حيث “نفعت” الشراسة قد تغير ولم تعد المجزرة أو المجازر وسيلة “ناجحة” للردع كما أوصى ميكيافيللي الأمير “عندما تقمع يجب أن تضرب بأقسى ما يمكنك ومرة واحدة، وعندما تعطي يجب أن تعطي القليل وعلى دفعات”. وليست الرغبة في حلول ماهر محل بشار في القيادة إلا وهماً مثله مثل الحنين إلى زمن الأب القوي أو وهم مجيء العم رفعت وبناء الآمال عليه عند البعض أيضاً.
إن فرضية وجود هذا النمط من اضطراب الشخصية عند ماهر أضعف من فرضية نمط اضطراب الشخصية الموجود عند أخيه بسبب عدم ظهور ماهر العام ببساطة وعدم إمكانية مراقبة سلوكه في مختلف الظروف.
تتميز الشخصية الحدية بعواطف غير مستقرة ومزاج متقلب، وسلوك غير مستقر. صورة النفس أيضاً غير مستقرة (اضطراب الهوية). تكون هذه الشخصية في حالة دائمة من الأزمة والفوضى. لدى هذه الشخصية اندفاعية قوية غير مسيطر عليها. العلاقات مع الآخرين غير مستقرة . هناك شعور مزمن بالفراغ أو الخواء مع الضجر (يعاني من مشاكل كبيرة عندما يكون وحيداً). غضب غير مناسب أو مبرر. هذه الشخصية معتمدة على الآخرين وعدوانية، كما أنها مثل سابقتها تميل إلى اعتبار الأشياء والناس إما جيدة كلها أو سيئة كلها ولا تنظر إليها كمزيج من الجيد والسيء. قد تصبح هذه الشخصية في زمن الشدة النفسية ذهانية. هذه الشخصية غير قادرة على تحمل القلق. (5% من أصحاب هذه الشخصية يمكن أن ينتحروا).
الكثير من المصابين باضطرابات الشخصية ليس لديهم بصيرة بمشكلتهم. الآخرون (والعالم من حولهم) هم المشكلة بالنسبة لهم، ولذلك يشكل هؤلاء إزعاجاً دائماً لمن حولهم بسبب نقص قدرتهم على التكيف مع المتغيرات التي يواجهونها دائماً بنفس الطريقة.
هل يمكن للنظام السوري التخلي عن بشار أو عن عائلة الاسد؟
هذا هو السؤال المهم والذي يدعونا للتفكير في أكثر من مجال فيما يخص هذه العائلة. لقد وصل ياسين الحاج الصالح إلى استنتاج أن شخصاً واحداً كان يمارس السياسة في هذه العائلة (الأب)، وأصبح عائلة بعد بشار، وأن ذلك الشخص أو تلك العائلة هو حجر الأساس في النظام وأنه لن يبقى حجر على حجر إذا زال حجر الأساس.
ربما يكون ذلك سبباً في التفاف المركّب العسكري الأمني التجاري الحاكم، وكذلك المؤيدين (خاصة من طائفة الرئيس نفسه) حول الأسد، ولكن لماذا لا يمكن أن تلعب العوامل الشخصية والعائلية الضيقة نفسها دوراً في التغيير (ضد المصلحة “العامة”) من قلب النظام هذه المرة، خاصة أن أحد مشاكل التوريث كان إقصاء “جيل الآباء” وكذلك “جيل باسل” عن أدوارهم الرئيسة التي كانوا يتوقعونها؟