هنادي زحلوط : أنور البني/ المحامي معتقلا، والحر مدافعا
وأنور البني، المحامي والصديق، أحد أبرز محامي هيئة المدافعين عن معتقلي الرأي، وهم مجموعة من المحامين الذين يتولون الدفاع عن معتقلي الرأي، قبل الثورة وخلالها، كمعتقلي حزب العمل الشيوعي، والحزب الشيوعي السوري المكتب السياسي، ومعتقلي إعلان دمشق، وشخصيات اخرى مستقلة.
كان أنور قد تعرض لاعتداء بالضرب من قبل مجهولين عام 2005 أثناء مغادرته منزله، ثم للاعتقال عام 2006.
يتذكر أنور تلك الأيام بضحكته المعهودة قائلا: “كان القضاة يعتذرون عن رئاسة جلسة الحكم، قاض وقاضية رفضا ذلك حينما شاهدا اسمي، إلى أن وصل الملف إلى يدي القاضي محي الدين حلاق، الذي كنت قد تقدمت بمذكرة ضده في وقت سابق”. وحكم عليه بالسجن مدة خمس سنوات قضاها في سجن عدرا المركزي، وعوقب خلالها بمنع الزيارة عنه من قبل ذويه ومحاميه مرات عديدة.
ولكن أنور استمر ببث الطاقة الايجابية لجميع زائريه، ومنهم محاموه وأصدقاؤه وذووه، وفي وقت كانت فيه سورية تعيش أوقاتا عصيبة من القمع الاستثنائي، وانغلاق الأفق السياسي، وحالة من اليأس بتكون أي حراك شعبي أو نخبوي، كان أنور ينهي وضع لمساته على مسودة دستور جديد للبلاد، وقانون للأحزاب.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فاستمر التنكيل بالمحامي أنور البني، وبسبب مذكرة قديمة انتقد فيها جمعية السجناء في سورية ومن خلفها وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في حينها السيدة ديالا الحاج عارف، وهي مذكرة عثر عليها في أغراضه، وتم تجاهل آلامه الناجمة عن ظهور كتل لحمية غريبة في جسده سببت له آلاماً شديدة في المفاصل، وأحيل إلى القضاء العسكري بدلا من إحالته إلى المستشفى.
وقد تمت تبرئة أنور البني من جرم “قدح وذم إدارة عامة” المسندة إليه أمام القضاء العسكري، ليكمل حكمه الطويل ذي السنوات الخمس.
أطلق سراح البني في أيار من عام 2011، عام الثورة السورية، وخرج ليجد حلمه بانتفاضة الشعب قد تحقق، وثقته بشباب سورية لم تخب، وكان يبدو مزهوا بنا نحن المعتقلين، وكأننا كنز أمامه، لا يخاف علينا، بل يتطلع بفخر إلى من يصنع مستقبل سورية. قلت له قبل أيام من تحويل ملف المركز السوري للإعلام وحرية التعبير إلى القضاء العسكري، وكان أنور من جملة المحامين المتطوعين للدفاع عنا، ومنهم خليل معتوق وميشال شماس ومنى أسعد: “إن إحساسي يقول لي بأنكم ستزوروننا في السجن”. فابتسم وقال لي: “إما نزوركم أو تزوروننا، لا فرق، هنالك من سيبقى ليكمل الطريق”.
ما زال أنور، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، يشرب قهوته وينزل إلى قصر العدل كل صباح بصحبة محامينا خليل معتوق وميشال شماس، ومجموعة أخرى من المحامين، عددهم لا يتجاوز العشرة، بينما يتم تحويل حوالي مئتي معتقل يوميا إلى القضاء السوري.
يرشف أنور قهوته بهدوء ويقول من خلال ابتسامته، وهو يقرأ اضطرابي أمام حشود المعتقلين ولهفة ذويهم: لا تقلقوا، سنحاكم المرتكبين أمام القضاء السوري، ولن نقبل بمحاكمتهم إلا هن