أحمد الشامي : أن تكون علوياً أو سوريا
- الواجب الملقى على كاهل الطائفة العلوية هو اﻷثقل، فعليها أن تختار بين النزوع الطائفي المغلق والانجرار وراء اﻷسد في عرس الدم
- عائلة اﻷسد التي أفرغت الطائفة العلوية من حكمائها وعقلائها وهمشتهم، تجد نفسها في موضع من يقرر مصير كل الطائفة وليس فقط مستقبل العصابة اﻷسدية
- وجهاء الطائفة العلوية الذين اعترضوا على وصول “حافظ اﻷسد” للسلطة كانت لديهم أسباب وجيهة، ونظرة ثاقبة للأمور، تثبت صحتها اليوم، ومنذ الخامس عشر من آذار 2011.
- هناك خياراً آخر يأخذ الآلاف من العلويين اﻷحرار، ضباطاً وجنوداً رأس المقاومة لنظام العصابة اﻷسدي وينشقوا عن حلف اﻷسد الجهنمي مع ٳسرائيل وٳيران
نقاش هام في الاتجاه المعاكس : هل العلويون مع او ضد الاسد؟
نقاش هام في الاتجاه المعاكس : هل العلويون مع او ضد الاسد؟
حين وصل “حافظ اﻷسد” ٳلى حكم سوريا في العام 1970 وقبل أن يتم انتخابه رئيساً للجمهورية، اجتمع بوجهاء الطائفة العلوية وصارحهم بنيته في الوصول لمنصب الرئاسة. هؤلاء الوجهاء قابلوا الصعود الصاروخي لابن القرداحة بالكثير من التوجس بل وبالرفض. وجهاء الطائفة كانوا يخشون من أن تدفع الطائفة بمجملها في النهاية ثمن طموحات حافظ اﻷسد رغم تطمينات هذا اﻷخير لهم. هؤلاء لم ينسوا كيف “خذلتهم” فرنسا التي انصاعت، وفق رأيهم، لضغوط اﻷغلبية السنية في سوريا وتراجعت عن مشروع ٳقامة دولة علوية على الشاطئ السوري، باختصار فقد خافوا من وضع الطائفة “في فم المدفع”.
فشل مشروع الدولة العلوية في الثلاثينات والدور المتواضع الذي لعبته الطائفة فيما بعد في مشروع الاستقلال السوري، جعل من الانتماء للطائفة العلوية رديفاً للحس اﻷقلوي في أقل اعتبار، وللخيانة والهرطقة بحسب البعض في أسوأ تقدير. مع ذلك، نجح الكثيرون من العلويين في الاندماج في المشروع الوطني السوري وفي التماهي مع التيار العروبي بما خفف من غلواء النزوع اﻷقلوي في الطائفة التي احتلت موقعها كجزء رئيس من مكونات الشعب السوري، لدرجة سمحت بوصول ابن الطائفة، حافظ اﻷسد، ٳلى منصب الرئاسة دون عقبات تذكر، باستثناء موقف اﻹسلاميين المتشددين الذين مانعوا في وصول “حافظ” للسلطة بغرض حصر السلطة في يد المسلمين وليس فقط لأنه علوي ، بدليل القبول الذي لاقاه “اﻷسد” بعدها من قبل كافة مكونات المجتمع السوري.
وجهاء الطائفة العلوية الذين اعترضوا على وصول “حافظ اﻷسد” للسلطة كانت لديهم أسباب وجيهة، ونظرة ثاقبة للأمور، تثبت صحتها اليوم، ومنذ الخامس عشر من آذار 2011.
وجهاء الطائفة فشلوا في مسعاهم للحد من غلواء حافظ اﻷسد ﻷن هذا اﻷخير كان قد استبق اﻷمور منذ وصوله ٳلى وزارة الدفاع عام 1966. حينها بدأ حافظ في تطبيق سياسة خبيثة تهدف ٳلى قلب موازين القوى داخل الطائفة العلوية أولاً، من حيث تقوية التماسك الداخلي لدى أتباعه من أفراد الطائفة وذلك عبر جعل هذه الطائفة “حامية” لفكر العروبة والتقدم بحيث يتم نفي وجود الآخر “غير العروبي” وغير “التقدمي”. تدريجياً نجح اﻷسد في تهميش وجهاء الطائفة وٳلباسهم ثوب الانعزالية والرجعية، تماماً كما حارب الفكر اﻹسلامي بكل أطيافه على اعتبار أنه رديف “للعمالة للخارج” و”للرجعية” ونفياً للفكر العروبي التقدمي والتحرري.
كي ينجح في قلب موازين القوى داخل الطائفة استعان “حافظ” بشبان علويين طموحين راغبين في الخروج من عزلتهم وقراهم بأي ثمن وباحثين عن النفوذ ومتع الحياة وملذاتها، غير مبالين بالقيم التي حفظت توازنات الطائفة وضمنت وجودها عبر قرون. على سبيل المثال، أحد الضباط ممن كان يثق بهم اﻷسد اﻷب وأناط به “شؤون الضباط” في رئاسة اﻷركان كان يتباهى أمام أصدقائه بغزواته النسائية وبسهراته العرمرمية والتي كان يمولها عبر “زياراته” لضريح جده في “الشيخ بدر”. الرجل كان يجمع اﻷضاحي والهدايا التي قدمها العلويون اﻷتقياء والبسطاء لمقام الشيخ الجليل ثم يقوم ببيعها والاستفادة من ثمنها.
مع هذا الرجل والمئات من الوصوليين من أمثاله، أنشأ اﻷسد اﻷب، مؤسس العصابة، طبقة من الارستقراطيين و”النبلاء” العلويين الذين احتلوا مفاصل الجيش وأجهزة اﻷمن. هذه الطبقة هي العمود الفقري والذراع الضاربة للعصابة اﻷسدية وهي التي تمكنت من تهميش الوجهاء العلويين التقليديين. أبناء هذه الطبقة “الارستقراطية” لم يكتفوا بوضع اليد على الجيش واﻷمن ومقدرات الدولة، بل أرسوا علاقات تجارية مع البرجوازية السنية في المدن الكبرى، لمصلحة الطرفين، وقاموا بمصاهرة بنات من الطائفة السنية وغيرها، ليس بهدف الاندماج في المجتمع وهو هدف نبيل بحد ذاته، لكن بهدف بناء علاقات مصلحية عابرة للطوائف تشكل حالياً النسيج العصبي لنظام اﻷسد.
بعد الثورة والدم الغزير الذي سال، تبدو اﻷمور وكأنها متجهة ٳلى صراع طائفي وجودي بين اﻷكثرية السنية والتي تلتحق بها، يوما بعد يوم، أقليات واعية لمصالحها التاريخية ولعدم ٳمكانية استمرار تحالفها مع العصابة اﻷسدية، ضد نظام العائلة اﻷسدي المحمي بطائفة علوية خائفة ومحاصرة ترافقها وتحتمي بها فلول البرجوازية العابرة للطوائف والتي تمادت في التماهي مع نظام اﻷسد. هذا الاصطفاف الطائفي يبدو في مصلحة تعميق الترابط العضوي بين العصابة اﻷسدية مع نظام الولي الفقيه في طهران وحزب “نصر الله” الباحث عن مقاومة يتلحف بها. في نفس الوقت يجد الحامي اﻹسرائيلي لنظام اﻷسد مصلحة مرحلية في استمرار الصراع في سوريا وخاصة في تحوله لنزاع طائفي مفتوح فيه كل البركة لنظام الفصل العنصري في تل أبيب.
ٳذا كان في دوام القتل في الشام مصلحة ﻹسرائيل، فاﻷخيرة ليس لها مصلحة في انتصار محور “الممانعة” ولا في عودة اﻷسد ٳلى سابق قوته، ﻷن هذا النصر سيكون ٳيرانياً بامتياز وسيخل بتوازن القوى بين ٳسرائيل وٳيران في المنطقة لصالح اﻷخيرة الراكضة وراء سلاح نووي يضمن دخولها ٳلى نادي الكبار من الباب الواسع.
هذا يعني أن اعتماد اﻷسد وزبانيته على الغطاء والدعم اﻹسرائيلي القوي لا يضمن النصر لهم ولكنه يضمن استمرار نزيف الدم السوري ٳلى ما شاء الله. نزيف الدم هذا يصيب نسبياً الطائفة العلوية ربما أكثر مما يصيب غيرها، صحيح أن لا مساواة بين الشهيد الذي يقضي في انفجار برميل ناسف وبين القاتل الذي يلقى جزاء فعله، لكن اﻹثنين في النهاية هم سوريان ومستقبلهما يجب أن يكون مشتركاً.
عائلة اﻷسد التي أفرغت الطائفة العلوية من حكمائها وعقلائها وهمشتهم، تجد نفسها في موضع من يقرر مصير كل الطائفة وليس فقط مستقبل العصابة اﻷسدية. الصراع بين آل الخير وعثمان من جهة وآل اﻷسد وشاليش من جهة أخرى ليس دليلاً على انشقاق في الطائفة بقدر ما هو دليل على ٳفقار هذه الطائفة وافتقادها للصوت العاقل والحكيم، ربما أكثر من باقي أطياف المجتمع السوري. لنتذكر أن الخلاف الذي وقع في القرداحة ليس على مستقبل نظام القمع والتحكم الطائفي بقدر ماهو انزعاج للقبض على الدكتور “عبد العزيز الخير” وعلى سوء ٳدارة بشار للأزمة وارتفاع الكلفة البشرية للصراع على أبناء الطائفة. هذا لا يكفي لاعتبار موقف المعارضين للأسد في القرداحة “وطنياً” ولا حتى مسؤولاً.
يبقى السؤال مشروعاً عن مستقبل الطائفة العلوية في الكيان السوري، سواء بقي اﻷسد أو زال؟
بقاء اﻷسد هو وصفة لاستمرار القتل وتجذير الصراع الطائفي بما يدمي الطائفة العلوية ربما ﻷجيال مقبلة وقد يؤدي لتهديد وجودها بأكمله، أما سقوط النظام دون وجود قوة على اﻷرض، سواء كجيش وطني حر تحت قيادة موحدة وملتزمة أو قوات حفظ سلام، تضمن وحدة اﻷراضي السورية وأمن السوريين فهو “صوملة” لسوريا تعد باستمرار تصفية الحسابات بين طائفة الرئيس القاتل من جهة وضحاياها وأعدائها الكثر من جهة أخرى، ونتيجته لن تختلف جذرياً عن كارثة بقاء نظام اﻷسد. للمقارنة، فعدد السوريين المهجرين داخل وخارج سوريا حاليا هو أكثر من ضعفي تعداد الطائفة العلوية كلها…هؤلاء لهم حسابات قديمة ومتجددة مع النظام والطائفة المتماهية معه لن يتم نسيانها بسهولة.
لكن هناك خياراً آخر لا زال قادراً على قلب المعادلة الدموية، هو أن يأخذ الآلاف من العلويين اﻷحرار، ضباطاً وجنوداً رأس المقاومة لنظام العصابة اﻷسدي وينشقوا عن حلف اﻷسد الجهنمي مع ٳسرائيل وٳيران وحزب نصر الله والذي يدفعون ثمنه من دمائهم بغرض استمرار آل اﻷسد ومخلوف في نهب البلاد والعباد.
بدل أن تأتي القاعدة أو قوات الناتو أو حتى قوات عربية لنصرة السوريين، فما الذي يمنع هؤلاء الضباط الشرفاء من الانضمام للثورة مع ٳخوانهم ضد نظام الطغيان ؟ هؤلاء الشرفاء الذين لم تتلوث أيديهم بدماء ٳخوانهم والذين عرفتهم خلال خدمتي العسكرية رمزاً للنقاء والشهامة ونظافة الكف هم من يقدر على المساهمة في بناء سوريا لكل أبنائها، منهم العماد “علي حبيب’ وغيره كثر ممن همشهم النظام و”أخفاهم” لكي لا يعلو صوت علوي شريف على صوت القاتل اﻷسدي.
بكلمة أخرى، فالواجب الملقى على كاهل الطائفة العلوية هو اﻷثقل، فعليها أن تختار بين النزوع الطائفي المغلق والانجرار وراء اﻷسد في عرس الدم الذي لن ينتهي قريباً، أو أن تضع انتماءها الوطني من أجل سوريا لكل مواطنيها فوق كل اعتبار وأن تتنطع لأخذ الدور الذي يليق بها وبتاريخ “صالح العلي” وتأخذ مكانها في مواجهة زبانية آل اﻷسد من كل الطوائف.
علينا جميعاً، علويين وسنة، مسيحيين ودروز، أن نكون سوريين أولاً.