برهان غليون يكتب عن ضحايا الحرب النفسية
في مواجهة الهجوم الواسع الذي بدأه الجيش الحر في الأشهر الماضية وأدى إلى تحرير أجزاء كبيرة من أراضي الجمهورية و…إسقاط العشرات من المواقع العسكرية والمطارات والأفواج ومحاصرة غيرها، قام نظام الأسد بدعم وتوجيه واضحين من حلفائه الروس والايرانيين، بهجوم مضاد مثلث الاضلاع، عسكري ودبلوماسي ونفسي.
فعلى الصعيد العسكري صعد النظام في مستوى العنف ورسم برنامجا مرعبا للقتل والاعدام بالجملة والقصف العشوائي على كل المواقع الثورية والمدنية من دون تمييز. وقام بموازاة ذلك بشن حرب نفسية إعلامية، بدأها بخطاب عنتري اكد فيه قدرته على الانتصار ورفضه الحوار مع المعارضة الخارجية، مفادها أن النظام يستعيد المبادرة وهو قادر على السيطرة من جديد على الوضع، وأن الثورة غير قادرة على التقدم بسبب تخلي المجتمع الدولي عنها وحرمانها من السلاح والمال. وعلى الصعيد الدبلوماسي صعد حلفاء النظام ايران وروسيا من بيانات الدعم للأسد ورفض التخلي عنه، بل إن روسيا قامت بأهم مناوراتها العسكرية منذ الحرب الباردة مقابل الشواطيء السورية. وكما نصحته موسكو، أعلن النظام، خلافا لخطاب رئيسه بدء برنامج الحوار الوطني والسماح للمعارضة بالدخول محاولا الايحاء بأنه في طريقه إلى أن يحقق ما تردد حتى الآن في تحقيقه، أي إصلاح النظام بما يمكنه من استيعاب المعارضة فيه، بما في ذلك الوعد بالحوار وتعديل الدستور والاعداد لانتخابات بمشاركة المعارضة.
كان الهدف من كل ذلك أن يتمكن النظام من ضرب معنويات الثوار ورفع معنويات أنصاره ومواليه بعد أن صاروا يشكون في بقاء النظام. لكن بعد ما يقارب الشهرين من بدئه، وبالرغم من حالة الارباك التي واجهتها الثورة بسبب عمليات إعادة تشكيل الجيش الحر من جهة وتشكيل المعارضة السياسية في إطار الائتلاف الوطني من جهة ثانية، وتخبط المبادرة الدولية من جهة ثالثة، ظهر هذا الهجوم نقبا على حجر ولم يحقق أي هدف من أهدافه. فعلى الصعيد العسكري استعاد الثوار تقدمهم في الاسبوعين الماضيين، سواء في مناطق الشمال والشرق أو في ريف دمشق ومدينة حمص التي استعادوا فيها احياء كانوا قد فقدوها من قبل. وعلى الصعيد السياسي جاء مؤتمرا باريس وبشكل خاص مؤتمر المانحين في الكويت ليؤكد الدعم المستمر للثورة والمعارضة. ولم يحرز النظام أي تقدم لا على الأرض ولا على الصعيد السياسي والدولي.
لم تؤثر الحرب النفسية التي شنها لخدمة هجومه المعاكس على الثوار الحقيقيين، لكن يبدو أنها أصابت بعض شخصيات المعارضة التي فقدت الثقة بالنفس، وهرع بعضها إلى الحديث عن الحوار كما لو كان الوسيلة لانقاذ ما يمكن انقاذه، بعد أن فقد الأمل أو شك أن الثوار لن يستطيعوا أن يحققوا أهدافهم مع قطع السلاح والمعونة عنهم. والحال غير ذلك بالتأكيد. وستثبت الأيام القادمة أن الثورة لاتزال متأججة وأن لديها مايكفي من الرجال الأبطال ومن المعنويات والايمان والثقة بالنفس وبالله وكذلك من السلاح، الخفيف والثقيل، ما يكفي من أجل اكتساح ما تبقى من أوكار نظام القتل والدمار والضغينة والحقد والتكالب على السلطة والمال.
برهان غليون