زملاء

الياس خوري : اسئلة الى الأصدقاء في سورية

لا ادري هل كان احتلال اعزاز من قبل ‘داعش’، وصعود موجة القاعدة بجناحيها: ‘النصرة’ و’الدولة الاسلامية في العراق والشام’ في عجقة ضجة الكيماوي السوري، مجرد مصادفة، ام ان هناك وراء الأكمة ما وراءها؟

من السهل اتهام نظام الاستبداد في سورية وحليفه العراقي بأنهما كانا وراء تعزيز صفوف القاعدة، لأنه يلائم الصورة التي اراد الأسد تعميمها على الصراع في سورية، باعتباره صراعا بين النظام والقاعدة ومجموعات التكفيريين.

واذا كانت اتهامات النظام للثـــورة في مرحــــلتها الأولى، بأنها تؤسس امارات اسلامية تكفــــيرية، باطــــلة ومبتـــذلة، فإن الوقائع على أرض الصــــراع المسلح الدائر اليـــوم تشــير الى ان المرحلة الحالية من الثورة السورية تشهد متغــــيرات مرعبة، خصوصا مع السلطة التي بدأت ‘القاعدة’ تتملكها في شمالي البلاد، ومع الممارسات الوحشية، التي لا تكتفي بتشويه الثورة السورية، جاعلة منها وجها آخر للنظام، بل تقوم ايضا بتدمير معنى الثورة، وتزدري بوحشية تضحيات مئات الاف الشهداء والجرحى والأسرى، وملايين اللاجئين والمشردين.

السؤال موجه الى رفاقنا واصدقائنا واحبتنا من اليساريين والديموقراطيين والعلمانيين، وايضا الى القيمين على الائتلاف، والى قادة وجنود الوية الجيش الحر.

فلنبدأ من الآخر، ونسأل من هو الجيش الحر، ومن يقوده، وهل وصل به الضعف الى حد التراجع امام ‘داعش’، وابرام هدنة معها؟

نشرت بعض الدراسات التي تتحدث عن تشرذم الجيش الحر، وعن الويته المتعددة التي تتبع مرجعيات سياسية وفقهية مختلفة. لكننا لم نقرأ حتى الآن دراسة واحدة تشرح لنا تركيبة الجيش الذي يقوده اللواء ادريس. حتى بتنا نتساءل هل هناك جيش فعلا، ام ان الأمور متروكة لشباب الأحياء والمدن، الذين اجترح بعضهم بطولات مشهودة كما في الغوطة، لكنهم يفتقدون الى السلاح والذخيرة والمال، بينما يتدفق المال والسلاح على ‘داعش’ و’النصرة’ من مصادر شتى.

اين يقع الخلل؟

هل يعود الخلل الى ان ما يطلق عليه اسم قيادات المعارضة في الخارج، فقدت صلاتها بالداخل المتحرك؟ ام يعود الى مروحة التحالفات والتوقعات التي حكمت الائتلاف منذ تأسيسه على يد القابلة القطرية؟

توقع التدخل الخارجي بهدف حسم الصراع كان غبيا وسخيفا منذ البداية.

فلا الغرب بقيادة الولايات المتحدة يريد التدخل، ولا الشعب السوري قادر او يريد دفع ثمن هذا التدخل الذي كان من المقدر له ان يكون ثمنا اسرائيليا.

الدول الغربية لا تحبنا ونحن لا نحبها، وهذا واضح. هم لا يحبوننا لأننا لن ندفع ثمن حريتنا عبودية لاسرائيل التي تحتل مكان الأولوية المطلقة في استراتيجيتهم، ونحن لا نحبهم لأسباب شتى، وخصوصا لأننا لن نجد اذنا صاغية لألمنا اذا لم ننحن للاحتلال الاسرائيلي للجولان وفلسطين. وهذا لم ولن يحصل، ولا قدرة لأحد في بلاد الشام، حتى لو كان خائنا على اقترافه.

اما التحالفات فهي المسألة الكبرى.

التحالفات الحقيقية التي بناها الائتلاف كانت مع دول الخليج العربي النفطية. في البداية بدأ الائتلاف تحت المظلة القطرية، ثم انتقل الى المظلة السعودية. المظلة القطرية أمنت تحالفا مع تركيا، وسلاحا اعلاميا كبيرا. لكن هذه المظلة سرعان ما تراجعت، مع بروز الخلاف السعودي مع حركة الاخوان المسلمين، ليجري احلال المظلة السعودية مكان المظلة القطرية.

المشكلة لم تكن التحالف مع دولتين ‘اسلاميتين’ لا علاقة لهما بالحلم الديموقراطي العربي. فالظروف قد تفرض على القوى السياسية تحالفات غير مبدئية. المشكلة انه لم يكن هناك تحالف، بل كان هناك وصاية. وهذه الوصاية قادت الى الكارثة.

لقد تم تجويع الجيش الحر، وحجبت عنه المساعدات، بينما قام ‘حلفاء’ الشعب السوري، بتمويل وغض النظر عن تمويل ‘القاعدة’، التي يتزايد نفوذ قواها المسلحة، وصارت تملك جرأة اقامة حكم ومحاكم، والاعتداء على المقاتلين الذين لا ينتمون اليها.

ولم نسمع من الائتلاف موقفا يضغط على حلفائه كي يكفوا هذا الشر عن الشعب السوري، وحين صدرت بعض المواقف الأخيرة، فإنها اثبتت انها لا تمتلك القوة التنفيذية على الأرض.

هنا تقع المشكلة، فالمشكلة ليست اعلامية فقط عبر الصور المقززة عن اعدامات لأسباب طائفية او عن الاعدام ذبحا، بل هي أعمق من ذلك، لأنها تكشف ما يشبه الاستقالة الفكرية والسياسية، كأن تحويل سورية الى مسلخ صار قدرا.

اعود الى سؤالي، وهو سؤال نابع من تجربة الحرب الأهلية اللبنانبة المدمرة، التي تحولت الى مقتلة شاملة، بعد نجاح القوى الفاشية واسرائيل والنظام السوري في تحويلها الى حرب طائفية.

ايها الرفاق لم يعد السكوت ممكنا.

اسقاط نظام بشار السفّاح لا يكون بالسكوت عن جرائم تقلد جرائم النظام وتُرتكب باسم الثورة.

ان تفشي مرض ‘القاعدة’ في الجسم السوري على وشك ان يُفقد الثورة السورية تفوقها الأخلاقي، وعندما تفقد الثورة تفوقها هذا فإنها تبطل ان تكون ثورة، وتتحول الى ظلّ للنظام الذي تقاتله.

علينا العودة الى النبع الأخلاقي الذي انطلقت منه الثورة، انها ثورة مدنية لا طائفية، ثورة من اجل الكرامة والديموقراطية، ثورة لا تخضع لأنظمة عربية تشبه النظام السوري، وهي اولا ثورة حرية.

هل يملك اصدقائي ورفاقي في سورية اجوبة على هذه الأسئلة؟ واذا كانوا كذلك فمتى يستعيدون الثورة من الذين يقومون بسرقتها في وضح النهار؟

القدس العربي

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق