شهادة عسكري في سجن صدينايا : هذه المعلومات ضمن ملفات كثيرة تم جمعها من قبل ناشطين و سجناء سابقين ، منها مضى عليه أكثر من سنتين . منذ بداية الثورة تقريبا ، بعض منها لم يكن من المفيد نشرها .و المعلومات الواردة هنا عمرها أكتر سنة تقريبا ، قد تساعدنا على فهم ما يجري .
شهادة عسكري في سجن صدينايا: عندما تم فرزي إلى السجن العسكري الأول وتعريفي على مسؤوليتي، قام الشخص الذي سوف استلم منه العمل بتعريفي على شخص يقبع في المنفردة لقد كانت لهجته عراقية كان قصير القامة طويل الشعر يلعب الرياضة داخل المنفردة كان اسمه “صالح محمد المتيوتي” من مواليد العراق وكان يشغل منصب الأمير الأمني لدولة العراق الإسلامية، وقد تمّ التعارف بيني وبينه وكانت هناك حوارات بيني وبينه بحكم كوني مسؤولا عنه في كل شيء، أخبرني أنه كان عضو في حزب البعث العراقي وأخوه كان ضابطا كبير في الحرس الجمهوري العراقي، وعند احتلال العراق شارك في مقاومته، لكنه حسب ما قال لي لم يستطع أن يقاوم تحت راية البعث كونه مكروها لدى العراقيين، فأنشأ كتيبة وحارب أمريكا تحت اسم الإسلام.
بحكم طبيعة العمل كان يتوجب عليه التعامل مع القاعدة من ناحية التنسيق، خصوصاً في العمليات العسكرية، وعند إنشاء ما يسمى دولة العراق الإسلامية انتخب أميراً أمنيا لها، أي ما يمثل رئيس جهاز الاستخبارات، وقد تمّ اعتقاله مرتين في العراق على أيدي القوات الأمريكية، وبعد فترة انتقل إلى سوريا بغية تسليمه إمارة الشام، وبعد أربعة اشهر تمّ إلقاء القبض عليه من المخابرات السورية، وتمّ تحويله إلى أكثر من فرع ، ذكر لي أنه كان يتفاوض مع مكتب الأمن القومي، وأنه كان يرأس عملية التفاوض العماد آصف شوكت، ومرة كان العميد ماهر الأسد في المفاوضات التي كانت تتمحور حول تبني تنظيمه أي دولة العراق الإسلامية عملية اغتيال كبيرة (الحريري كما فهمت ضمنا)، لم يقل لي من هي الشخصية، وأنهم كانوا يضيّقون عليه إلا أنه كان يرفض شروط التفاوض حتى يتم تحسينها.
في أحد المرات قال لي أنه عندما قامت القوات الأمريكية بقصفت موقع قرب البوكمال بدير الزور – وقال وقتها الإعلام السوري أنه ورشة بناء – كان ذاك مقرّ اجتماع بين قادة من القاعدة وبين شخص كان عميلاً مزدوجاً بين المخابرات السورية وبين القاعدة، وأن المخابرات الأمريكية استطاعت معرفة مكان الاجتماع حيث كان ( أي صالح المتيوتي) مدعو لهذا الاجتماع، لكنه كان يشك بهذا الشخص الذي تبين أنه عميل مزدوج ولم ينج أحد من هذا القصف. لم أكن آخذ كلام هذا الشخص على محمل الجد كثيراً إلا أنه كان عندما يطلب شيئاً ولم تتم تلبيته ويثور كان يأتي مدير السجن شخصيا لتلبية احتياجاته، وأنه كان هناك كتاب توصيه بحقه من شعبة المخابرات العامة،هنا بدأت أدرك أن هذا الشخص مهم لجهاز المخابرات. لقد كان هناك ما يحيرني في تعامل إدارة السجن معه، إذ كانوا أمامه يُظهرون الاهتمام بقضيته، ووعدوه بتسوية وضعه، حتى أنهم مرة أتوا بقائد الشرطة العسكرية على أساس أنه شخصية من مكتب الرئيس ليستمع لقضيته، و كانوا يعدوه دائماً دون تحقيق هذا الوعد ليمضي في المنفردة 3 سنوات .
بعد اندلاع الثورة السورية كان وبحسب ما يقول انه متألم على سورية لأنه يحبها كثيراً، وفي أحد الأيام طلب مقابلة عميد الأركان طلعت محمد محفوض مدير السجن العسكري الأول ( صيدنايا)، وتمت الموافقة فوراً على المقابلة، وعندما عاد كان بيديه عدة أوراق ودخل الى زنزانته، وبدأ يكتب وبعد ساعتين طلبني وطلب مني ظرفاً وضع أوراقه فيها، رأيت المقدمة مكتوباً إلى “مكتب الأمن القومي“، عندما سألته ما فحوى هذه الأوراق قال لي: “أنها خطة من أجل إرغام المعارضة طلب تدخل الجيش في الداخل السوري”، ثمّ ختم الظرف وأرسلته الى العميد، وأبدى العميد اهتماماً واضحاً بالظرف، إلا أنه لم يطلعني على تفاصيل الخطة، وبعد فترة تمّ نقله كما المعتقلين بسجن صيدنايا إلى السجون المدنية، وقد نقل هو إلى سجن عدرا المركزي ووضع أيضا في منفردة.
من الناحية النفسية كان شخص طبيعي نوعاً ما، إلا أنه يتميز بشيء و هو إذا وعده شخص وتأخر بوعده ربما ساعة يقيم الدنيا ولا يقعدها ويبدأ بالصراخ والتكبير، وقد كان دقيقا بوعوده، صادقاً بها إلى حد كبير، كان يقيم الصلاة بوقتها، و يتمتع بذكاء حاد، حتى أنه كان يدهشني جداً، كان يعلم مثلاً أننا وضعنا مهدئاً في طعامه دون أن يخبره أحد عندما يثور من شيئ ما. بعد قصة رسالته إلى الأمن القومي بفترة تمّ سوق ثلاثة و ثلاثين سجيناً إلينا، واحد و ثلاثين منهم كان وضعهم مزرياً بشكل رهيب، كانوا معتقلون من بانياس ودرعا بسبب الثورة، كان من بينهم (أنس الشغري، عمر عيروط، محمد علي بياسي، ومصطفى ياسين)، في حين كان شخصان آخران وضعهما مختلف تماماً، قد كانا بعد ما عرفت لاحقاً أنهما الأول “مصطفى ست مريم نصار” المعروف بأبو مصعب السوري أما الثاني فكان “محمد باهية”، وقد تمّ عزلهما ووضعهما بمهجع لوحدهما، وكان ممنوع تعامل أي شخص معهما سوى مساعد الانضباط وضابط الأمن والضابط المناوب فقط ، ويُمنع عليهما معرفة أي خبر عن الخارج، لم تكن علاقتي مباشرة بأبي مصعب السوري، لكن ما كنت أسمعه من مساعد الانضباط أنه رأى “رؤية” وأن تفسيرها أنه سوف تنحل قضيتهم بعد مقتل معمر القذافي،
هذا الكلام كان قبل مقتل معمر بعدة شهور، كما قلت ليس عندي أي معلومة عنه كون العلاقة غير مباشرة، إلا أنّي أؤكد إعدامه بتاريخ 23/11/2011 ، حيث كان المشرفين على إعدامه بحالة خوف كبيرة، حيث تم تقييده بقيدين في اليدين كذلك في الأقدام وأنه كان معه أربعة جنود يمسكون به رغم صغر حجمه، وبعدها بعدة أيام تمّ إطلاق سراح “محمد باهية” بعد قضائه سنة عن محكوميته، يُذكر أن الرجلان من مدينة حلب، لقد كان أبو مصعب رجل قصير القامة قليلاً لحيته شقراء ذو بشرة بيضاء، إلا نظرة عينيه الثاقبة كان ما يميزه وحسب ما أخبرت به أن محمد باهية كان يصمت حتى لو سعل أبو مصعب ! جدير بالذكر أنّه كان أمانة لصالح المخابرات الأمريكية، كونها سلمته للمخابرات السورية على سبيل الامانة.
لاحقاً من عدة مصادر تبين أن أبو مصعب لم يُعدم كما قيل لبعض العناصر في السجن، وعلى الأغلب تمّ إخراجه من السجن في اتفاقية معينة مع المخابرات السورية، و لا أعرف إن كان أبو مصعب السوري أحد أمراء “داعش” في الرقة الآن هو ذاته أم أنه شخص آخر أخذ لقبه تيمناً به ، لكن الصورة التي تم تداولها لأبي مصعب السوري مؤخراً تنطبق عليها كل الصفات التي أشار إليها العسكري في شهادته
مصدر المقال : د. خولة حسن الحديد
مرتبط