عبد الحاج : رائحة لعبة.. قدري جميل “يغادر”الحكومة السورية ليمثلها بجنيف 2
إعفاء السوري قدري جميل من مهامه ليس سوى بداية سيناريو روسي- سوري لإخراجه من معارضة الداخل إلى معارضة الخارج لبلورة جسم معارض سياسي جديد.
جميل ورئيسه.. طلاق فعلي أم مجرد مسرحية
لم يكن مفاجئا صدور مرسوم من رئيس النظام السوري بشار الأسد بإعفاء النائب الاقتصادي قدري جميل من منصبه، والسبب هو «غياب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية قدري جميل عن مقر عمله دون إذن مسبق وعدم متابعته لواجباته المكلف بها كنائب اقتصادي في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد. بالإضافة إلى قيامه بنشاطات ولقاءات خارج الوطن دون التنسيق مع الحكومة وتجاوزه العمل المؤسساتي والهيكلية العامة للدولة».
وقد تبلغ قدري جميل قرار إعفائه أُثناء لقاء مباشر مع قناة فضائية حين أخبرته المذيعة التي تحاوره أنباء عزله وسط دهشة حاول إظهارها على الشاشة.
إعفاء جميل وإبلاغه القرار عبر الهواء مباشرة، وهو خارج سورية، ما هي إلا بداية سيناريو روسي- سوري لإخراج جميل من معارضة الداخل إلى معارضة الخارج. وتوقع مصدر في اسطنبول لـصحيفة «العرب» أن يتوجه جميل في الأيام القادمة إلى اسطنبول للعمل على سحب معارضين آخرين من الداخل بتوجيه روسي- سوري مشترك.
ولم يستبعد المصدر أيضا أن ينتهي المطاف بقدري جميل إلى المشاركة في مؤتمر قرطبة التي تسربت أنباء أنه سيجمع 400 معارض ويرمي إلى إعادة هيكلة جسم معارض سياسي جديد.
علي حيدر وزير المصالحة المحلية في سورية وحليف قدري جميل في جبهة التغيير صرح أن الأخير في إجازة رسمية وطبيعية في موسكو، في حين ذكرت مصادر إعلامية تابعة للنظام أنه في إجازة بلا راتب لمدة ثلاثة شهور.
إلى ذلك أكد وزير الإعلام عمران الزعبي أن مسألة إعفاء قدري جميل من منصبه كنائب لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية هي مسألة إجرائية بالدرجة الأولى وقانونية.
وعلق الزعبي «كان جميل يمثل تكتلا حزبيا معارضا وهو يريد التفرغ لعمله الحزبي والسياسي وهذا حق طبيعي له»، موضحا أن اللقاءات التي أجراها جميل عندما سافر إلى خارج سورية لم تندرج على الإطلاق فيما هو متفق عليه في سياسة الحكومة.
وبيّن الزعبي أن جميل مارس نشاطا سياسيا خارج سورية ينسجم مع انتمائه الحزبي ورؤيته السياسية ولا ينسجم مع وجوده عضوا في التشكيلة الحكومية والأمر لا يتعدى ذلك.
ولفت الزعبي إلى أنه من البدبهي عندما تشكل ائتلافات حكومية فإن جميع الأحزاب والقوى السياسية التي تنضوي تحتها تلتزم بسياسة الحكومة وبما يجري التوافق عليه فالبيانات الحكومية تمثل رأي الحكومات في كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية ومعالجة القضايا الخدمية ووضع الخطط المستقبلية. وأشار الزعبي إلى أن جميل أكد في تصريحاته أنه ملتزم وحزبه بالثوابت الوطنية وهو قال حرفيا لا خلافات مبدئية ونحن نوافقه على هذا الكلام بأنه لا خلافات مبدئية حول قضايانا الوطنية وفي مقدمتها ما يتعلق بالحالة الوطنية السائدة الآن في البلاد وأهمية اتباع مسار سياسي للوصول إلى حلول سياسية عبر الحوار الوطني السوري- السوري.
وأوضح الزعبي أن إعفاء جميل لا يؤثر في التشكيلة الأساسية للحكومة فهناك وزراء آخرون من المعارضة موجودون في بنية هذه الحكومة. وكان قدري جميل عضو قيادة الجبهة الشعبية للتغيير والتحديث قد أكد أن المعارضة التي ينتمي إليها لن يتغير سلوكها وسياستها وقال: نحن كنا معارضة قبل دخولنا الحكومة ونحن معارضة في الحكومة وسنبقى معارضة بعد الحكومة ولن يتغير شيء من سلوكنا وسياستنا وقد كنا مع الحل السياسي ومع المصالحة والمخرج الآمن وكنا ومازلنا وسنبقى.
وأضاف جميل «الخلاف مع الحكومة ليس بالخلاف المبدئي الكبير العميق الذي لا يمكن ردمه»، مضيفا: «اختلفنا لأنني كرست وقتي في الدرجة الأولى للعمل السياسي والحزبي».
وأشار جميل إلى أنه فور انتهاء أعماله التي لها علاقة بالنشاطات الثنائية والمتعددة سيعود إلى سورية وقال: «أنا ما أزال عضو مجلس الشعب».
وأضاف جميل: «إذا اختلفنا حول هذا الأمر أو ذاك مع هذه القوة أو تلك المعارضة أو من الموالاة هذه ليست نهاية التاريخ ونعود لنتكلم ونتفاهم ونجد قواسم مشتركة ونحن ذاهبون مع الحكومة إلى مؤتمر جنيف من أجل أن نتفاهم».
وعلى صفحات التواصل الاجتماعي التي تديرها المخابرات السورية تم الترويج لعدد من الأسباب وراء أعفاء جميل من منصبه، والتي تصب في خانة أنه (حاول اللعب بذيله) من قبيل لقائه حسن عبدالعظيم بالخارج لتشكيل جسم معارض للفوز بقطعة من كعكة جنيف2 والجلوس على الطاولة ليفاوض الدولة رغم انه جزء من الحكومة، وهو ما افقد علاقته بالحكومة السورية الثقة والمصداقية.
و ابتعاد جميل عن عمله كنائب لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ومحاولته تنظيم حملات تموينية تصب في خانة الحشد السياسي لجمهوره وحزبه كحملة «لقمة الشعب خط أحمر» التي كان ينظمها مناصروه كنوع من الدعاية السياسية الخاصة، حيث تعمل هذه الحملات على تأمين مواد الخبز والغاز والمازوت بالسعر الحكومي وهو ما افرز تساؤلات كبيرة عن سبب عدم قيام الحكومة بهذا الأمر كحكومة بل عن طريق حزب قدري جميل ومناصريه السياسيين خصوصا والمزاج العام الساخط على قدري جميل الذي ارتبط بعهده ارتفاع الاسعار وانتشار الفساد في القطاع التمويني، وترافق ارتفاع الاسعار مع حالة اقتصادية سيئة يعاني منها المواطن السوري . ويمكن بسهولة تلمس المزاج العام المرحب بإقالة جميل رغم انه في الحقيقة لا يتحمل مسؤولية حالة الغلاء بشكل كامل. وهناك معلومات تتحدث عن ملفات فساد ومناقصات بالملايين له ولأقربائه، وبخاصة في ملف المحروقات ومادة البنزين تحديدا.. وما اشيع عن مافيا محطات المحروقات المرتبطة بقدري جميل وسيطرتها على العديد من المحطات مع وصوله للوزارة.
و في بيان لها ردت الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير على إقالة قدري جميل من منصبه الحكومي قالت الجبهة : «إن الإقالة لا يغير من سياسات وخط الجبهة الشعبية باتجاه ضرورة بذل كل الجهود الوطنية لجهة إنجاح مؤتمر جنيف2 من أجل قف استنزاف البلاد على الصعد كافة ووضع حد لمعاناة السوريين وضمان سيادتهم ووحدتهم الوطنية». وكان جميل قد عقد لقاء معلن في جنيف مع الدبلوماسي الاميركي روبرت فورد، السفير الاميركي في سوريا وبحث معه في التحضيرات لعقد مؤتمر جنيف 2، وذلك بعد أن غادر فورد اسطنبول والتقى معارضين سوريين. وقال ذات المصدر لـ»العرب» يريدون جلوس جميل على مائدة مؤتمر جنيف 2 على أنه معارض سوري.
وتواردت أنباء عن طلب جميل من فورد المشاركة في جنيف 2 كجزء من وفد المعارضة، الا ان المسؤول الاميركي رفض، شارحا انه من الصعوبة بمكان ان يكون المرء في الحكومة والمعارضة في الوقت نفسه.
واكد جميل على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» اختلف مع الحكومة السورية، لانني اتفرّغ للعمل السياسي والحزبي، وان «الهمّ الاساسي اليوم هو ايقاف العنف». وكتب على حسابه في «تويتر»، «نقول منذ زمن أن خروجنا من الحكومة أسهل بكثير من دخولنا إليها». وكان قدري جميل أول من كشف موعد عقد مؤتمر جنيف2 وقال إن تاريخه في 23 نوفمبر من موسكو إثر اجتماعه مع مسؤولين في وزارة الخارجية الروسية في 17 اكتوبر وتكثيف لقاءاته على وسائل الإعلام الروسيـــة.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين بساكي أن «الولايات المتحدة لا تريد الدخول في مزايدات بشأن إقالة قدري جميل من منصب نائب رئيس الوزراء السوري»، مشيرة إلى أن «واشنطن لا تعرف أسباب إقالته». ولفتت المتحدثة الأميركية الى أن «قدري جميل التقى في جنيف قبل 3 أيام مع السفير الأميركي لدى دمشق روبرت فورد الذي يعمل في واشنطن بعد إجلاء السفارة». وقالت إن «فورد شدد خلال اللقاء على أن الرئيس بشار الأسد ومقربيه فقدوا الشرعية وعليهم الرحيل». وأوضحت بساكي «نحن نعقد لقاءات مع الكثير من السوريين الذين يمثلون كافة القوى السياسية، ونحن لا ننوي الكشف عن القائمة الكاملة”، مشيرة إلى «حفاظ الولايات المتحدة على اتصال مباشر بالنظام في دمشق». وعّين جميل في منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وفق التعديل الحكومي الأخير، وذلك بعدما كان يشغل منصب وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك. ويشغل منصب أمين عام حزب «الإرادة الشعبية» وعضو رئاسة «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير»، ويعتبر نفسه من «المعارضة الداخلية الوطنية»، كما أنه فاز بانتخابات مجلس الشعب العام الماضي.
وفي العاصمة دمشق عقد الوسيط الدولي والموفد الاممي لحل الازمة السورية الاخضر الابراهيمي يوم أمس، اجتماعا مع وفد هيئة التنسيق الوطنية بالداخل في فندق الشيراتون . تبادل الطرفين وجهات النظر بخصوص الحل السياسي وموعد انعقاد المؤتمر الدولي جنيف2، والمرحلة الانتقالية ومصير الاسد.
و أوضح المحامي حسن عبد العظيم أنّ وفد الهيئة نقلوا الى الابراهيمي قبولهم حضور المؤتمر على «قاعدة تفاهمات جنيف(1) ببنودها الستة واعتبارها الأساس الذي ستنطلق منه العملية السياسية التفاوضية، بما فيها السعي لوقف العنف وإطلاق سراح المعتقلين والمخطوفين، وتأمين وصول الإغاثة إلى محتاجيها، وقيام سلطة حكم انتقالية ذات صلاحيات تامة لتحضير البلاد للانتقال إلى نظام ديمقراطي جديد».
وفد هيئة التنسيق كان أول وفد يلتقيهم الابراهيمي، حتى قبل لقاءاته الرسمية مع الحكومة السورية؛ وكان مؤلفا من المحامي حسن عبد العظيم ورجاء الناصر وصفوان عكاش وجمال ملا محمود وكفاح علي ديب واحمد العسراوي واصف دعبول.
وكشف المحامي عبد العظيم أنّ وفد الهيئة سلمَ الابراهيمي أسماء الوفد المقترحين على أن يترأس هو شخصيا الوفد بناء على أجماع وطلب من المكتب التنفيذي للهيئة، ويتشكّل الوفد من: د. هيثم المناع منسق الهيئة في الخارج، وآمين سر الهيئة رجاء الناصر، ود. عبد العزيز الخير ( معتقل منذ أكثر من عام) ود. منذر خدام الناطق الاعلامي للهيئة، وجمال محمود ملا، ود. عارف دليلة، ورياض درار، ومحمد عبد المجيد منجونة، وصفوان عكاش” واضاف عبد العظيم «يضاف الى الوفد صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في حال لم يتم تمثيله ضمن وفد الهيئة الكردية العليا».
أما بخصوص ادراج اسم الدكتور عبد العزيز الخير المعتقل منذ تاريخ 32-09-2012 أكد المحامي عبد العظيم «أنّ ترشيحنا لاسم الخير للمطالبة للقوى الراعية للمؤتمر العمل على الافراج عنه ورفاقه وجميع المعتقلين السياسيين في سوريا، كما ناقشوا معه تعقيدات الحل السياسي وغياب التنسيق بين قوى وكتل المعارضة في الداخل والخارج، وتأخر الحل السياسي بسبب تدخلات عربية واقليمية». وأوضح عبد العظيم «نوهنا أنّ الحل الوطني فشل لتعنت النظام السوري من جهة، وموقف بعض اطراف المعارضة من جهة أخرى. كما انه فشل لاختلاف الرؤى حول الحل السوري؛ رؤية متمسكة بالحراك السلمي المدني وعدم التسلح ورؤية تريد الاعتماد على الخارج وعلى التسليح والتمويل. ونها تحولت من ازمة وطنية الى ازمة عربية- اقليمية- دولية، ولا يمكن الحل الا بالتوافق».
وعن مسألة رحيل الاسد أو بقائه في السلطة، أكد المحامي عبد العظيم أنّ «بيان جنيف1 في 30-06-2012 وضع خارطة طريق لأنهاء النظام القديم بكل رموزه ومسمياته وبناء نظام جديد بإرادة الشعب السوري، ويكون رحيل الاسد جزء من التفاوض وليس شرطا له أو للمشاركة، وكل من قام بتعطيل بيان جنيف1 وطالبوا برحيل الاسد كشرط تفاوضي واستمروا في الصراع والاقتتال فشلوا في رهانهم وموقفهم؛ لأنّ الحل العسكري أثبت فشله لدى جميع الاطراف والقوى التي راهنت عليه، ووصلت البلاد الى طريق مسدود وأفق مسدودة مما زادة كلفة الصراع الدائر في البلاد من دمار وقتل ونزوح واعتقال وفوضى”.
ويضيف منسق عام الهيئة «بالتالي عاد الجميع الى الحل السياسي». ويتابع كلامه «من جانبه أكد لنا الابراهيمي أنّ هناك جدية وتوافقا امريكيا- روسيا بشأن مؤتمر جنيف».
وكشفت مصادر مطلعة لـ»العرب» أنّ وزيري الخارجية الامريكي والروسي سيلتقون في جنيف مجددا في الخامس من الشهر القادم، وسيجمعهم وزير الخارجية السويسري لوضع جدول زمني للبدء في تحديد زمان ومكان المؤتمر وألية أرسال الدعوات وشكل وعدد الوفود.
تأتي إقالة قدري جميل من منصبه كنائب لرئيس الوزراء من قبل بشار الأسد وسط عاصفة الحديث عن جنيف 2 والتحضيرات الجارية من قبل كل الفرقاء لهذا المؤتمر الذي لاأحد يعرف على وجه التحديد وفي مقدمتهم الوسيط الدولي الإبراهيمي، متى سيعقد ومن سيحضره وماهي الخطوط العامة للمفاوضات بين المعارضة والنظام إن حصلت.
العرب