زملاء

سركيس سركيس: رحل صاحب البيت السوري وبقي سؤاله !


هنادي زحلوط :  في وداع سركيس سركيس، كتب لؤي الزرير:” في شوارع باريس هناك مكان واحد تتجه إليه دون التفكير أو التخطيط له تقترب من العمارة ، تفتح الباب، لتبدأ روائح عطر أمي تحوم حولك وتجذبك إلى باب تفتحه دون قرعه، لتجد دائما طعاما من بلدك، وجوها أصيلة من تاريخ بلدك، تشعر لوهلة أنك عدت لحيّك هنا، وفي هذا المكان أعود الى بلدي، نعم إنه منزل سركيس سركيس البيت السوري في باريس الذي مر منه معظم السوريين الحالمين بوطن حر”..
هذا بعض من الجو الذي يسود منزل سركيس، الذي عبره السياسيون والأدباء والمفكرون، والمواطنون السوريون المشردون، وكان سركيس ينادي على كلاديس، الرائعة، لتولم لهم حبا وكرما وعاطفة وطنية جياشة..
أما أنا فقد عرفته في السنة الأخيرة قبل وفاته، سنة بالتمام والكمال، قضاها بين فراشه والتلفاز، واضعا سماعاته دوما على أذنيه، يسألني عن الأخبار وهو من يعلم الأخبار كلها، فقد اتصل بصديقه وأخيه حبيب حداد صباحا، وتلفن ظهرا لصديقه ورفيق منفاه سليم العوابدة، وتسامر مع طبيبه الدكتور عبد الرزاق العوض على طاولة الزهر متحدثين بالسياسة.. ويسألني أنا الصغيرة.. ما الأخبار؟
ينظر إلى قامتي النحيلة وعيني الحزينتين ويقول لي: “ لقد كان من الجميل أن أتعرف إليك يا هنادي، هنالك شباب وصبايا رائعون في مثل عمرك، من شباب وصبايا الثورة، وأنا أريدكم أن تكونوا صفا واحدا، متفقين دوما ”، وكنت ألاعبه لغويا وأقول له: “بل علينا أن تخلف ونتعلم احترام بعضنا، ينقصنا الاختلاف والاحترام لنبني هذه البلاد”، وكان يستمع إلى وجهات نظري المغايرة له، ويتعب نفسه في النقاش معي طويلا..
يروي لي تفاصيل اعتقالاته المتوالية زمن عبد الناصر وابراهيم ماخوس وصلاح جديد وحافظ الأسد، يحكي لي كيف هرب من مستشفى سجن المزة، وكيف هرب إلى بيروت والعراق، وباريس، لا يعبأ لقطع رجله، ويطلق العنان للشعر، شيئان لا يشعر بالألم أو التعب بحضورهما: السياسة، والشعر!
كأنهما جناحاه اللذان يحلق بهما فينسى أطرافه المتعبة وقلبه الذي يكاد يغصّ بمائة ألف خبر سيء، وعشرين مجزرة وأخبار داعش والنصرة وسواها من المصائب!
عتبه كان كبيرا على رياض الترك، وبعد أن أنهيت محاورته ل كلنا شركاء استدعاني لغرفته في اليوم التالي وقال لي: “يجب أن نعدل الفقرة الأخيرة، رياض الترك رفيق نضال، ولا نريد أن نشق الصف الوطني، بل على العكس، نريد أن تكون الحركة الوطنية قوية، وإن كان رياض الترك قد أخطأ بتحالفه مع الإخوان المسلمين ، وهو قد أخطأ فعلا، فعلينا الوقوف بجانبه لأنه مناضل وطني كبير، وهو ضمير الناس، أعيدي عليّ ما كتبناه بالأمس لو سمحت”..
لم يثقل سركيس في تلك المقابلة أو سواها على أبو هشام، لكني أدركت أن سبب كلامه عائد لحرصه الشديد عليه، وعلى الحركة الوطنية التي لم تقم لها قائمة منذ دخول أطيافها في زواريب المصالح الخاصة، ومنذ ابتعادها عن صوت الناس وهتافهم..
لقد وجّه اللوم الشديد لـ جورج صبرا على موقفه المحابي للإخوان المسلمين، ولم يخف ذلك عنه، كان دوما يرى أن هذا التحالف والتغطية السياسية للإخوان لن تجلب للبلاد سوى مزيدا من الدمار، فنوايا حركة الاخوان المسلمين التي تمت تجربتها عمليا في أكثر من تحالف كان آخرها الائتلاف الوطني ومن قبله المجلس الوطني هي تجارب غير مشجعة، كان البديل السياسي بالنسبة له دوما تحالف وطني جامع، وكان آخر ما تشاور به مع أصدقائه قبل وفاته بساعات، مؤتمر سياسي كبير يحضر لإطلاق الخط الوطني السوري من جديد..
لطالما طلب مني التحدث إلى أبي هشام، وإلى رزان زيتونة، وفداء حوراني وأسماء أخرى في معرض تأكيده على أنه ما تزال هنالك شخصيات كثيرة تستطيع أن تقود الثورة سياسيا، أن تحفظ خطها الوطني الصرف، أن تحميها من عبث العابثين فيما لو اجتمعت وتلاقت..
في المنزل بقيت نسخة من مذكرات أكرم الحوراني يهديها لزائريه، زوادة عند المغادرة، وابتسامة وتمنيات بالعودة..
وكل يوم كان يتصل ليطمئن قلبه الموجوع على البلاد: ما الأخبار؟
ترى هل تعلم يا صديقي الكبير أن سؤالك سيبقى في ضميرنا يهزنا كل صباح؟

”ينشر هذا المقال في كلنا شركاء بالتزامن مع نشره في العدد الرابع عشر من جريدة “صدى الشام” السورية”..

كلنا شركاء

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق