هذا ما كتبته رزان زيتونة لـ لبنان الآن قبـل ساعات من خطفهـا رزان زيتونة
بيروت -تعتَبَر الناشطة الحقوقيّة والكاتبة رزان زيتونة من أبرز الوجوه المدنيّة للثورة السوريّة. وهي تولّت منذ بدء الثورة توثيق انتهاكات النظام ولم توفّر ممارسات بعض تشكيلات المعارضة في مهمّتها هذه. وقد اختُطفت مساء الاثنين، في منطقة دوما مع زوجها الناشط وائل حمادة وكل من الناشطين سميرة خليل وناظم الحمادي أعضاء مركز توثيق انتهاكات حقوق الانسان في سوريا.
NOW يعيد نشر آخر ما كتبته رزان على الموقع بتاريخ 9 كانون الأوّل 2013 قبل ساعات على اختطافها.
ثلاثة أيام من الأمل على طريق الخروج من الحصار
الغوطة، ريف دمشق – الطريق طويل مليء بالعقبات والألغام.. الحظ وحده من يختار سقوط القدم على بقعة تنتقل بصاحبها إلى بقعة أخرى بسلامة.. الطريق مظلم لا يضيئه إلا إيمان وما تبقى من حلم.
لأيام ثلاثة طغت أخبار الطريق على كل ما عداها.. الطريق يفتح ذراعيه.. أجساد الشبان الذين يقاومون انغلاقه اصطفت كالجسر شهيداً تلو الآخر… لتعبر بالأحياء إلى نهاية الطريق.
لأيام ثلاثة، كانت المآذن تنطق بغير الأذان.. أصوات خافتة متداخلة تضيّعها الريح قبل أن تصل إلى مسامعنا أسماؤهم الكاملة.. كلما سمعنا مكبرات الصوت تصدر الضجيج السابق لتسرب صوت المؤذن، علمنا أنه شهيد جديد، شهداء جدد، تحدوا الطريق الشرس وقرروا مقارعته.. لا وقت للكثير من الحزن!
الجميع تقبّل حقيقة أن الطريق سيتعبد من جديد بأجساد أولئك الشبان.. كان الحزن موجوداً لكن الفرح كان هنالك أيضاً! الجميع كان يحتفي بالطريق ويتابع أخباره ويدّعي أنه جزء منه، كأننا في سلسلة بشرية طويلة تحمل المعاول وتتقدم ببطء وثبات من نهاية الطريق.
في نهاية الطريق الحليب والبيض للأطفال الجائعين والثياب الدافئة.. القمح الذهبي ينتظر أن تتلقفه أيدي السيدات ليتدفأ على الصاج. الأدوية التي تنتظر أن تخفف آلام المرضى وتنقذ حيوات بعضهم.. في نهاية الطريق فردوس موعود. وعد بحياة تشبه قليلا الحياة.. شيء من الدفء، من الشبع، من الشفاء.
تجار الدم شاركوا في طقوس الاحتفاء بالطريق.. رفوف محالهم امتلأت فجأة ببعض ما يخبئون.. والناس عاقبتهم بعدم الشراء.. غداً عندما يفتح الطريق ذراعيه ستدفنون بعار بضائعكم المخبأة!
الأيام الثلاثة حملت من الأحلام ما لم تحمله سنوات ثلاث.. خطط للمستقبل، من يريد أن يرحل ومن يريد أن يعود.. حتى المناطق المحاصرة الأخرى كانت ترقب المعركة وكأنها معركة فك الحصار عنها! ما بعد الطريق لا يشبه ما قبله.
سرعان ما خبت أنباء الطريق، وقيل إنه ابتلع دماء الشبان وانغلق على أجسادهم. تأجلت أحلام الفردوس المرتقب في آخر الطريق.. لكنّ أحداً لم ولن ينسى تلك اللحظات من الأمل، وكيف قلبت الجميع من كائنات هرمة ومتعبة إلى كائنات مجنحة تحتفل بالفرح القادم والحياة التي تشبه الحياة.
عودة انغلاق الطريق على تلك الآمال لم تؤثر على تلك الأحاسيس.. كانت فرصاً لتذكير الجميع بما ننتظر، وأن كل الآلام قد تكون قابلة للتعايش معها في لحظة الوصول وعبور الطريق.
لا يزال الطريق طويلاً ومليئاً بالعقبات والألغام.. لا يزال مغلقاً في نهايته وما وراءه مجهولاً… ما بعد الحصار، ما بعد الثورة وما بعد الحرب… حلم يربطنا جميعاً.. كأننا في سلسلة بشرية طويلة تحمل المعاول وتتقدم ببطء وثبات من نهاية الطريق… طوبى لمن سيجتازه في النهاية.