جمال قارصلي : وجهة التشابه بين داعش ونظام الأسد
في عدد من المناطق السورية تدور الآن معارك طاحنة بين ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وفصائل متعددة من الجيش الحر والجبهة الإسلامية وغيرها والتي أدت إلى سقوط العشرات من الشهداء وكذلك المئات من الجرحى وتم أسر عددا كبيرا من عناصر داعش ولا أحد يستطيع أن يتنبأ, إلى ماذا ستؤل إليه الأمور في النهاية.
إن ما نتمناه هو أن تعتبر الفصائل التي قامت بتحرير هذه المناطق من نفوذ داعش أن لا تعيد الأخطاء نفسها والتي أخذتها داعش ذريعة للإندساس في مناطقها. أما من كان يراقب تطورات الأحداث في المناطق المحررة فكان يلاحظ بأن التوتر بين داعش والفصائل الأخرى قد بدأ منذ أشهر طويلة وأن هذا التوتر في تزايد مستمر وأن التصادم آت لا ريب فيه.
إن أحد أهم أسباب التوتر بين دعاش والمجموعات الثورية الأخرى هو التباين في الإستراتيجية فيما بينها. داعش كان لا يهمها في الدرجة الأولى إسقاط النظام بل هو السيطرة علي المرافق الإقتصادية مثل منابع البترول أو السدود المنتجة للكهرباء أو المطاحن أو المعابر الحدودية أوالمخابز. لقد قامت داعش ومنذ البداية بإستقطاب الكثير من الشباب السوريين, مستغلة أوضاعهم المعيشية المزرية وأستطاعت أن تتسلل إلى داخل كثير من المدن والمواقع المحررة من سيطرة النظام بحجة أنها تريد أن تفرض الأمن والأمان في تلك المناطق بسبب نشوء هناك فراغ أمني وإداري وخدمي كبير. لكي تُحكم داعش سيطرتها على تلك المناطق وضعت لنفسها قانونا يشبه قانون الطواريء الذي إستخدمه النظام في سورية ولعشرات السنين ولازال يستخدمه إلى يومنا هذا لكي يستعبد بواسطته الشعب السوري بالرغم من أن النظام قام قبل حوالي سنتين بإلغاء هذا القانون شكليا ولكنه وفي الحقيقة وضع بدائل له وهي أشد قسوة ولا إنسانية من قانون الطواريء. بواسطة القوانين “الداعشية” والتي أُعطت صلاحيات تنفيذها لأشخاص غير مؤهلين للقيام بتلك المسؤولية لا من الناحية العلمية ولا من الناحية المهنية, أصبحت داعش تستطيع أن تكفّر من تشاء وتجرّم من تشاء وتعدم من تشاء وتخطف من تشاء وحتى لو كان المخطوفين من قيادات الكتائب الثورية. إضافة إلى ذلك أصبحت داعش تقوم بالمجازر ضد الثوار المعتقلين لديها وكذلك تعتقل رجال دين مسلمين وغير مسلمين, مثل الأب باولو, والذين لهم مواقف مشرفة في دعم الثورة السورية. كذلك إستخدمت داعش نفس الطريقة الدكتاتورية لفض المظاهرات المناوئة لها وذلك بإستخدامها للرصاص الحي من أجل تفريق المتظاهرين وكذلك منعت التدخين وأغلقت في بعض المناطق كل صالونات الحلاقة وفرضت على أصحاب المحلات التجارية إغلاق محلاتهم عند موعد كل صلاة وصارت تتهم أكثر المجموعات الإسلامية والمسلمين بالكفر والزندقة وأشياء أخرى. إن ما قامت به داعش من أعمال وأفعال هي غريبة عن طبيعة وعادات وتقاليد المناطق التي فرضت عليها سيطرتها وجعلت الأهالي يشكون في مصداقيتها لأن ما كانت تقوم به لا علاقة له لا بالدين ولا بالشرع ولا بالقانون وهي كانت تقدم بواسطة عملها هذا أفضل خدمة للنظام والتي كان النظام بأمس الحاجة إليها ألا وهي تشويه صورة الثورة والثوار في داخل وخارج سورية. وبهذه الأعمال الإجرامية قامت داعش كذلك بتشويه صورة الإسلام في العالم والذي يعتبر التسامح والتعايش مع الديانات والشعوب الأخرى من دعائمه الأساسية. على سبيل المثال في أندونوسيا وهي أكبر دولة إسلامية في العالم لم ينتشر الإسلام بالطريقة “الداعشية”, أي يعني بطريقة الإجبار والإكراه, بل إنتشر بحسن أخلاق ومعاملة التجار المسلمين آنذاك وحسن إقناعهم للناس. أليس الدين هي المعاملة؟ فبناء على ذلك فإن ما تقوم به داعش لا علاقة له بالدين لا من قريب ولا من بعيد ودين الإسلام براء منها ومن أمثالها.
إذا كانت داعش تريد أن تحارب النظام فما عليها إلا أن تذهب إلى الجبهات المفتوحة مع النظام وهي تعلم أين هذه الجبهات وليس عليها ان تأتي إلى المناطق التي حررها الثوار بدمائهم وأرواحهم وتحاول السيطرة عليها, وإذا كانت داعش تريد ان تحارب إسرائيل فهي تعرف أين هي إسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو عدد العمليات العسكرية التي قامت بها داعش ضد إسرائيل منذ وجودها إلى يومنا هذا؟ حسب معرفتي الشخصية وإطلاعي, لم تقم داعش بأي عمل عسكري ضد الكيان الصهيوني إلى هذا اليوم. هذا يذكرني بما تقوم به قيادة “حزب الله” والتي تريد أن تحارب إسرائيل بواسطة إرسال ميليشياتها المسلحة إلى حلب للقتال ضد الثوار السوريين. أما ما يلفت النظر كثيرا وهو عدم ضرب النظام لأي موقع من مواقع داعش بالرغم من أن داعش كانت تأخذ من الأبنية الرسمية في المناطق المحررة مقرا لها والتي إحداثياتها معروفة بشكل دقيق لقوات النظام وهي كذلك لم تستخدم أبدا أي نوع من أنواع السلاح ضد طيران النظام الذي كان يقصف الأهالي الآمنين. وهنالك سؤال آخر مهم أيضا وهو لماذا لا يوجد أي قيادي سوري بين صفوف قيادات داعش في سورية؟ إذا كانت داعش تظن بأن الثورة السورية بحاجة إلى محاربين غرباء, فهي مخطئة بذلك. ما تحتاجه الثورة السورية في المرتبة الأولى هو المال والسلاح قبل كل شيء وليس إلى من يأتي من خارج سورية ويريد أن يتحكم بها ويجلب معه عقلية لا تتطابق مع مفاهيم المجتمع السوري الدينية والقانونية وحتى مع أعرافه وتقاليده.
كل المؤشرات تدل على أن داعش هي من صنيعة النظام وخاصة قياداتها ولا أحد يشك بوجود كثير من الشباب المغرر بهم بين صفوفها. النظام هو المستفيد الأكبر من إندساس داعش إلى داخل سورية لأنه إستطاع وللأسف أن يلعب بورقة الضغط “الداعشية” بشكل جيد في المحافل الدولية على مبدأ: داعش هي بديلي, إما أن أبقى أنا في الحكم أو أن تحكم داعش من بعدي. وأراد النظام كذلك أن يقتل الحاضنة الشعبية للثورة السورية بين الأهالي بسبب أفعال داعش الشنيعة. داعش إستطاعت أن تضلل الشعب السوري لمدة عامين متتاليين بإكذوبة بأنها أتت إلى سورية من أجل محاربة النظام مثلما إستطاع النظام أن يضلل الشعب السوري ولمدة أربعين عاما بكذبة الممانعة والمقاومة.
لقد شوهت داعش وأمثالها صورة الثورة السورية في العالم والتي إنطلقت من أجل الحرية والكرامة وقد تم إستخدام وجود داعش في سورية كذريعة لكي لا يقوم ”أصدقاء الشعب السوري” بدعم الثورة السورية. لقد آن الأوان وعلى كل الغرباء والمرتزقة والطائفيين من لبنان والعراق والشيشان وأفغانستان ودول أخرى أن يغادروا سورية من أين ما أتوا لأن سورية للسوريين وهم أدرى بشعابها.
جمال قارصلي / نائب ألماني سابق من أصل سوري