محمد أمين : من برمنغهام إلى صحراء الزعتري
لم تكن الطالبة ومنتجة الأفلام البريطانية “جيسيكا فان” تتوقع أن تعيش أياماً في الصحراء جنباً إلى جنب مع اللاجئات السوريات في مخيم الزعتري المعزول على الحدود السورية مع الأردن.
جيسيكا، ابنة برمنغهام المدينة البريطانية الهادئة، كانت على موعد مع تجربة فريدة تقول إنها قلبت حياتها رأساً على عقب، حيث شاهدت نساءً يلدن في خيم، وأطفالاً تعبث بهم الصحراء التي انتهوا مشردين فيها بعد حرب طاحنة تور رحاها في بلدهم.
الطالبة ومنتجة الأفلام البريطانية قالت إن المقالات التي قرأتها والأخبار التي سمعتها عن معاناة اللاجئين السوريين دفعاها لاختيار أن يكون مشروع تخرجها الجامعي، فيلم عن معاناة اللاجئات السوريات خاصة الحوامل بمخيم الزعتري، وتتبع مسيرتهن ساعة بساعة، حتى تسمع بأذنها صرخة المولود الأوب.
تروي جيسيكا خطواتها الأولى نحو مخيم الزعتري، وتقول إنها فور وصولها إلى المخيم في الأردن، سارعت للحديث مع النساء اللواتي وجدتهن في خيم بائسة لا يمكن أن تكون رحيمة بهن. وتضيف أنها ما إن حاولت التخفيف عنهن بالقول إن الحرب ستنتهي وستعدن، حتى أدركت أنها ارتكبت أول خطأ في رحلتها. فقد ردت النسوة عليها بالقول “هذه ثورة يا سيدتي وليست حرباً”.
تقول جيسيكا إن اهتمامها بسوريا جاء بعد سماعها أخباراً عن الكارثة الإنسانية هناك. وتشير إلى أنها قرأت عدداً من المقالات، وقابلت عدداً من السوريين في بريطانيا وهالها ما سمعته، فقررت التوجه لمخيم الزعتري بالأردن، خاصة بعد سماعها روايات عن تعرض النساء هناك لاعتداءات جنسية يتم الصمت عليها.
وصُدِمت كما تقول مما سمعته من أن النساء يلدن هناك في صحراء المخيم دون أدنى رعاية صحية. وشرحت في حديثها أنها تواصلت عبر مؤسسات إنسانية ودولية مع نساء تعرضن للاعتداء الجنسي بالمخيم وقررت أن تقابلهن، لكنها فوجئت عند وصولها المخيم برفضهن للحديث معها خوفاً من تهديدات لم يفصحن عنها.
جيسيكا وثقت بكاميرتها التي كانت تحملها دوماً، لحظات حقيقية وطبيعية لولادة طفل جديد، واستطاعت أن تسجل بالصوت والصورة، صيحاته الأولى ودموع أمه وجدته. وهنا يختلط السياسي بالإنساني في مشهد ذي طابع خاص، تصفه بالتراجيدي |
القادم الجديد
القادم الجديد، اسم اختارته منتجة الأفلام البريطانية لفيلمها، إذ تتبعت جيسيكا عدداً من اللاجئات الحوامل، من آخر أيام حملهن حتى الولادة.
وتروي جيسيكا في فيلمها كيف أن الرعاية الطبية بالكاد تتوفر، في ظل نقص الكوادر، وفقدان الثقة بين اللاجئين والأطباء. وروت في فيلمها ما شاهدته من اصطفاف النساء بالعشرات بانتظار فحص صبي، أو صرف دواء، أو تصوير للجنين في مشهد تصفه بأنه لا إنساني.
ووثقت بكاميرتها التي كانت تحملها دوماً، لحظات حقيقية وطبيعية لولادة طفل جديد، استطاعت أن تسجل بالصوت والصورة، صيحاته الأولى ودموع أمه وجدته. ويختلط هنا السياسي بالإنساني في مشهد ذي طابع خاص، تصفه جيسيكا “بالتراجيدي”.
وتضيف أنها في هذه اللحظة شعرت أن مهمة هذا الطفل الأولى هي أن يقاتل من أجل الحياة، وأن هذه الدموع التي ذرفها ربما ترافقه بعض الوقت حتى يستطيع العودة مجدداً لبلاده.
تقول جيسيكا “شعرت بالصدمة والاستغراب، فأول أمر فعلته المرأة بعد الولادة هو شكر الله وتلقي التهاني”.
وتتساءل قائلة “أي تهاني تلك وعلى ماذا؟ فهل ولادة في الصحراء دون هوية ولا مستقبل يستحقان التهنئة؟”.
ثم أردفت بالقول “إنني هنا فهمت أن هؤلاء الناس يعتقدون أن الخير والشر قدرهم، ولذلك يستطيعون الصبر”. وتضيف “كنت عصبية المزاج دوماً لأني أرى أناساً بؤساء ولا أستطيع تقديم المساعدة لهم، لكني كنت أشعر بأن لديهم قدراً كبيراً من الكرامة يعتزون بها، كما أنهم يبتسمون دوماً”.
وأبدت جيسيكا استغرابها وغضبها عندما زارت مقر سكن بعثات الإغاثة والمسؤولين الدوليين. فقد وجدتهم يعيشون في بيوت جاهزة (كرافانات) مكيفة ومجهزة بأحدث وأرقى وسائل التكنولوجيا، حيث الماء البارد والطعام والإنترنت، والخدمات، ما دفعها للتساؤل كيف لهؤلاء أن يشعروا بمأساة من جاؤوا لنجدتهم؟
تقول جيسيكا إنها وثقت في فيلمها لقدوم ما بين 8 و15 مولوداً جديداً يومياً في الصحراء ينتظرهم المجهول. كما أن كثيراً منهم وُلدوا بلا أوراق ثبوتية، مبدية استغرابها من إصرار هؤلاء اللاجئين على مواصلة الإنجاب في هذا الوضع البائس الذي يعيشون فيه.
وعن موقف حكومة بلادها (بريطانيا) مما يحدث في سوريا، ترى جيسيكا أن على لندن أن تنتهج الحياد في الحرب الدائرة هناك.
وأبدت تخوفها من أن تتورط بريطانيا في حروب كالتي دارت في العراق وأفغانستان، وناشدت حكومة بلادها بتقديم الدعم للاجئين السوريين وتأمين الحماية لهم “لأن استمرار هذا الوضع ينذر بخطر كبير على الشرق الأوسط وربما العالم”.
وتقول الطالبة البريطانية إن فيلمها سيكون بمثابة وثيقة مصورة ستعرضه في كل المنتديات والمهرجانات لكي يرى الناس بأم أعينهم حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء اللاجئون.