كتاب جديد لزياد ماجد: قراءة مغايرة في الثورة اليتيمة
باريس ـ ‘القدس العربي’ ـ من أحمد صلال: الكتب التي صدرت لتؤرخ لثورات الربيع العربي هي قليلة، جانب من المؤلفين استند في مقاربته للتجربة على مصادر ودراسات معينة مهملاً الجانب الميداني، وجانب آخر أعتمد على الجانب الميداني مقدماً عملاً توثيقيا، والكتب التي اعتمدت على الجمع بين المصادر والمراجع والجانب الميداني هي قليلة جداً.
كتاب’سوريا الثورة اليتيمة’ للكاتب والباحث اللبناني زياد ماجد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بباريس، هو أحد الكتب التي يمكن أن نضعها ضمن إطار التصنيف الجامع بين المصادر والمراجع والجانب الميداني، والمقاربة هنا ليس بغرض تقويم الإصدارات الأخرى، بقدر ما هي محاولة لتوضيح الجهد المبذول في هذا الإصدار.
الكتاب غني بالمقاربات الكثيرة التي لا تهمل جانب من المقاربة الإقليمية والدولية بما يخص الثورة السورية، مظهراً قدراً كبيراً من المتابعة التي تكاد لا تترك شيئاً عن الثورة السورية إلا وقد ألم به اطلاعه، متبحراً في ظاهرة التحول من الحراك السلمي إلى الكفاح المسلح ضد النظام، معتمداً على مقاربات عنف النظام الممنهج ضد معارضيه منذ استلامه للحكم حتى اليوم، غير مهمل لأي ظاهرة، مراجعاً أغلب التحولات التي يمكن التعويل عليها في شرح الأحداث المراد تفسيرها، لذلك جاءت معلوماته واثقة الطرح، شديدة الموثوقية، مبرزةً تمكنه من أدواته البحثية وأهمها التوثيق.
ماجد في عرضه للثورة السورية لم يتبع تاريخا متسلسلا بقدر ما أعتنى بالتاريخ الحيوي، حيث أن مفاصل الحركة التاريخية لا تقيد الباحث بقدر ما تتقيد بحركة البحث، شارحاً دخول الحركات الأصولية بوصفها جسما طارئا على خط الثورة في سوريا، معتبراً إياها جسما غير متأصل ولا متجذر بالثورة بوصفها أجساما غريبة عنها، وكل تلك التفصيلات السياسية والعسكرية ضمن بناء كلي يلج منه إلى الجزئيات المكونة للأحداث.
ماجد المعروف برشاقته وعدم تشعبه الكثير إلا للحاجة، يفترض الاختصار في بعض مواطن الأحداث، معتبراً إياها غير محتاجة لكبير الشرح، بينما يستفيض في مواطن أخرى مبدياً كبير الحرص على الشرح والتشعب، ومقاربة ‘الأقليات’الدينية والإثنية وموقفها من الثورة، مثال على ذلك.
ضمن رؤية تحليلية هادئة وقراءة جد عقلانية، يقدم ماجد رؤيته للموقف الروسي والإيراني المساند للنظام، كاشفاً عن عناوين لافتة لمواضيع جوهرية في فهم الخطابين، معتبراً روسيا وإيران حلفاء النظام وأصحاب الصوت المرتفع بالفعل السياسي والعسكري الداعم للنظام السوري، بينما ما يسمى’أصدقاء الشعب السوري’ أصحاب خطاب سياسي لا يعول عليه في
الجانب السياسي والعسكري وحتى في قضايا الدعم الإنساني، منكراً صمت المجتمع الدولي إزاء إجرام النظام السوري، الذي وصل حد استعمال الأسلحة
المحرمة دولياً ضد شعبه.
ما يحسب لزياد ماجد في تجربته البحثية هذه، عدم استسهاله للجانب البحثي
والمعرفي في نتاجه المنشور، حيث لا يعتمد مثلما يفعل الآخرون على جمع ما نشره من مقالات في كتاب، بل يحترم قدسية العمل البحثي ويمنحه ما يستحقه من جهد ووقت، موجهاً الكتاب كصوت قوي وحقيقي في معركة الحريات ضد الطغاة وخاصةً النظام السوري، ممارساً شكلا من أشكال النقد العنيف للنظام السوري وحلفائه، وممارساً شكلا من أشكال المساندة الثقافية للضحية التي
تدفع أكلاف الخلاص من الاستبداد.