عصام خوري : الحرب بين النار والوهم
تصارع المناذرة والغساسنة لسنين طويلة كي يرضوا اسيادهم في امبراطوريتي فارس وروما… التاريخ لا ينسى ولكننا نحن من ننسى أو نتناسى… وعندما نريد ان نستحضر عاصفة الذاكرة تأتي الحقيقة لكن يوجد من يريد تجميلها او تغبيشها بغية ابراز الرجولة هنا وهناك. ياتي كلامي هذا وحزب الله منهمك في معارك القلمون السورية بعد انتصاره في مدينة يبرود، والتي اتصور شخصيا انه سيحقق انتصارا فيها ربما لن يكون سريعا ولكنه سيحققه رغم وعورة ارض المعركة، فهو مدعم بالطيران والمدفعية الثقيلة بينما مقاتلي القلمون منعزلين في مساحة جغرافية محدودة وقوتهم الوحيدة هي جغرافيا المكان الوعرة التي لا ينتمي لها المقاتلين المهاجمين، نعم جبال القلمون لن تكون كالقصير المدينة الصغيرة سهلة المنال فمن المؤكد أن اعداد كبيرة من العراقيين واللبنانيين سيقتلون في هذه المعركة… الا ان الجميع يتساءل ماهي تبعات استراتيجية النصر لحزب الله؟؟؟ وهل ستتوقف السيارات المفخخة القادمة من القلمون نحو لبنان!!… الن يضطر مقاتلي حزب الله للانتشار على طول الحدود السورية تجنبا لأية حالات انتقام فردية قد يقدم عليها بعض المتعصبين الراغبين بالقصاصة من المناذرة الجدد!!!… فعليا سيضطر مقاتلي حزب لله للانتشار على نقاط جغرافية طويلة بين الحدود السورية-اللبنانية. وسيذكرون ان قيادتهم السياسية لطالما رفضت في السابق ترسيم الحدود بين البلدين ولكنها اليوم باتت مضطرة هي لتفعيل هذا المشروع بتعاون تام مع الجيش اللبناني هذا الجيش الذي دعم مؤخرا بصفقة سلاح ضخمة من المنافس السعودي للمانح الاول لحزب الله ايران. تخيلوا معي كيف خلطت الاوراق في هذا الملف تحديدا، السعودية التي ترفض اخوان سوريا وتدعم تيار المستقبل المعتدل سنيا في لبنان وتسلح الجيش اللبناني وتساهم بتقريب الافرقاء لتشكيل حكومة تصريف اعمال وتدفع الشيخ سعد الحريري للتصريح علانية وبفخر ان لبنان البلد العربي الوحيد في العالم العربي الذي يملك رئيسا مسيحيا ويجب ان يكون هذا الرئيس قويا، كما ان السعودية هي من تزود المعارضة بالصواريخ الحرارية الباكستانية الصنع بالاضافة لصواريخ خارقة للدروع التي جرى استخدامها فعلا بمعركة يبرود وادت لتصفية عدة دبابات مغيرة على المتحصنين داخل هذه المدينة. في حين تحاول ايران التي تدعم حزب الله عسكريا ان تسوق لنفسها دوليا انها دولة منفتحة وهي قادرة على دعم الاقليات في المنطقة بما فيها اقلية اليهود واكبر تأكيد على هذا الامر اعتراف وزير الخارجية ظريف بالمحرقة اليهودية “الهولوكست”، متناسيا تصريحات الرئيس الاسبق أحمدي نجادي الذي سوق الى ان الهولوكست مبالغ به. نعم ايران تحضر نفسها لمرحلة دعم الاقليات في المنطقة بما فيها اقلية اليهود، بينما الاسرائيلين يغيرون على مواقع حزب الله يوم 24/2/2014 التي بها سلاح ايراني!!… ومن المؤكد ان هذه المواقع هي خطوط دعم للحزب في معارك القلمون ومنها معركة يبرود. بحق هناك من يلعب حجر الشطرنج ببراعة في الساحة اللبنانية- السورية، وهو ذاته من يغير الخطط ويرسم الإستراتيجيات. علينا الاقرار ان ما تحصل عليه اسرائيل في الاونة الاخيرة هو اكبر مما كانت تحلم به، فكل انفقات النار التي اطلقتها بحرب تموز 2006 لم تكن كافية لتكبيد حزب الله هذه الخسائر النوعية بين مقاتليه كما يحدث اليوم ضمن حرب الشوارع على الارض السورية. كما ان كل الحرب الاعلامية التي وجهت ضد حزب الله خلال عام 2006 لم تكسر من شعبيته عربيا لا بل اعطته ابعادا عظيمه، بينما اليوم نرى الشارع العربي يتناول الحزب بلغة استنكارية وبنظرة طائفية محضة، وهذا امر يفرح الاسرائيليين، كما يفرح الاميركين الذين ادرجوا الحزب على قائمة الارهاب قبل سنين. نعم ايران والسعودية لم تخسر الكثير في هذه المعركة، فالخاسر الاوضح هو حزب الله الذي تحول كبيدق بيد الايرانيين، كما تحول الاصوليين لبيادق بيد جملة المانحيين الخليجيين… ولعل المنتصر الاول في هذه المعركة هو الرئيس الاميركي اوباما الذي بدأ حياته الرئاسية بخطاب قسم واضح تضمن محاربة الارهاب بدون مقاتلين اميركيين، وبالفعل نجح اوباما عبر شركائه الدوليين وعلى راسهم الروس بقصد او بدون قصد ان يحققوا وعود هذا الرئيس. فحزب الله والقاعدة وتنظيم داعش والنصرة وجماعة عبد الله عزام ومجاهدي القوقاز و… جميعهم مصنفين ضمن قائمة الارهاب الاميركية وما يحدث اليوم انهم يتقاتلون في ما بينهم ضمن مال خليجي صرف “فارسي وعربي”. امام معضلة القلمون وعرسال تنمو تساؤلات جمّة والاجابة عنها مبهمة فقد تورط الدم بسياسة النار. واصبح الموت لاحتضان الجنة شعار المرحلة بينما الخاسر الأوضح هم امهات الضحايا… عائلات تتفسخ ارامل في وطنين، وطنين كان عنوانهما في الشعارات زمان الوصاية السورية للبنان “شعب واحد في بلدين” اليوم تكرس الانقسام ميدانين ولن يستطيع دعاة الاحزاب القومية التبجح بشعار (“امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”، او “الارض السورية” حلم انطوان سعادة). علينا ان نفتح عيوننا قبل عقولنا ونتعلم لغة الارض قبل لغة الشعور، لغة المصلحة قبل لغة الحلم… اغنية “الحلم العربي” انكسرت وليس من حامل جامع لها. هناك من يدفع ببلدان المنطقة نحو قومية واحدة جامعة هي قومية الدين هدفا نحو تفسيخ المجتمعات، ولكن هذا المشروع لن ينجح في سوريا ولبنان تحديدا لان الاختلاط الديني بهما كبير، واما مشاريع القومية الدينية والاناشيد الدينية التي تطلق هنا وهناك لن تكون مثمرة لخلق مشروع كونتونات طائفية ولكنها قد تخلق عصبيات فردية تؤدي لتفجيرات هنا وهناك، والضحية فيها هم المدنيين الابرياء. من هنا ندرك أن مسلسل التفجيرات سيستمر على الارض اللبنانية ان لم يكن هناك قرار جامع عند الافرقاء الداعمين لدولة الطائف مفاده حيدوا لبنان عن الصراع، بدل شعار ادعوا الحياد وانغمسوا بالمعادلة