زملاء
لمى اﻷتاسي تشرح المستور : تاريخنا اغتصاب للحقيقة .. رد على مقال اعجبكم
كتبت السيدة رنا قباني مقالة نشرت في موقع القدس العربي بعنوان اغتصاب سوريا و اعجب فيها الكثير من البرجوازية السنية منهم الشيخ معاذ الخطيب فنقلها في صفحته معلقا ” جزء من تاريخ سوريا اغتصاب” والدتي منذ ايام اعجبت ايضا و نقلتها و انا قرات المقالة و لكنها بعكسهم استفز المقال انسانيتي و حزنت لسوء فهمنا السائد في سوريا للحقوق الاجتماعية للانسان و كذلك لسوء استيعابنا لخطورة اسباب التفاوت الثقافي و الاخلاقي ..
تتكلم رنا قباني عن طفولتها عام 1965 في حارة دمشقية او شامية استقبلت نازحين و دمجتهم اجتماعيا و مهنيا من الفلسطيني للارمني لقوميات اخرى و تتكلم عن النسيج الجميل و التعايش بين الاديان و اللغات و تذكر انهم كانوا يتكلموا تركي في حارتها لان النازحين لا يجيدوا العربية و تذكر بشجاعة اليهود السوريين الذين كانوا يعيشون بكل مودة مع غيرهم من السوريين الاسلام و المسيحين و تصل دون ان تذكر كلمة ” العلوية” و لكن تتكلم عن عائلة اتت من لا تذكر من اين و لكن من مكان ما من سوريا اي ليس من المريخ و سكنت في الحارة الجميلة و لكنها تصف ان العائلة عددها كبير و غريبة الاطوار و تصفها بالبعثية ، و نفهم من قولها انها نازحة من الضيعة الى العاصمة لان الاخ الاكبر عين وزير و هو الذي احضر عائلته المعقدة الغير منسجمة اجتماعيا او الغير مندمجة تماما كما تؤكد السيدة رنا قباني.. بل تؤكد بدون اي حزن بل باستغراب على انزواء العائلة و شعورها بالاختلاف و عدم الانسجام مع كل تلك المكونات الغريبة عن سوريا و مع سكان الحارة و تؤكد على الانطواء الذي رافق عدم الانسجام ..
تكتب رنا :” سرعان ما لاحظ الحي ان شقتهم، رغم صغرها، كان يسكنها عدد من الرجال تجاوز العشرين نفرا، وامرأة وحيدة كانت الأخت والعمة العانس، تقضي وقتها وهي تراقب الشارع من شباكها، مرتدية قميص نوم ذي لون «بيج»، يشبه ذاك الذي ارتدته اليزابيث تايلور في فيلم «بترفيلد 8»، ويا للفرق بين المنظرين!
شارع ابو ذر الغفاري وقتها كان يسكنه مواطنون جاؤا من كل احياء دمشق القديمة، ومن كل مناطق سوريا، والكثير منهم أيضاً أتوا من بلاد التراجيديات التاريخية: من فلسطين، وأنطاكيا، وأرمينيا، وكردستان، وألبانيا، والشيشان، وداغستان؛ ومن اليونان، والقرم، وبلدات صغيرة نائية في أعالي جبال البحر الأسود، محتها بالكامل سيوف الروس، بعد انتفاضات المسلمين واليهود ضدّ جبروت موسكو، وسبحان مبدل الأحوال!”
تضيف السيدة رنا قباني قصة بائسة و هي ان احد افراد الاسرة المغتصبة لسوريا و عمره اربعين عام جرب الاعتداء عليها هي السيدة رنا و هي طفلة انذاك مما اجبر الاخ الوزير على نفيه من الحارة و العائلة … طبعا هنا تشير فقط السيدة رنا للتفاوت الثقافي و الاخلاقي بين تلك العائلة التي تمثل بنظرها الحكم الجديد المغتصب انذاك لسوريا : طبقة الاغنياء الجدد التي انتجها البعث ..
بعد انتهائي من قرائة المقال انزعجت جدا و قلت لوالدتي ما الذي اعجبك في هذا المقال؟
..الم يستفز انسانيتك ؟
اجابتني على عادتها انا لست سياسية، لكن هذا ما شفناه من تعنت و تخلف لدى افراد من طائفة من ضباط بعثيين اذلونا نحن ابناء البلد .. و هم كان بعضهم همج و غير متربين ..اضافت بعاطفية انت لم تعيشي هناك لتري ما عاشوه هم فقلت لها : انا اعي جيدا و اذكر خلال زياراتي لسوريا كيف كان الضابط البعثي يرعب الجيران بحرسه المسلح امام منزله و نظراتهم المريبة و تغسفه و بطشه و تعاليه بتخلف و جهل .. و لكن الذي تشير له رنا قباني في بداية عهد البعث هو شي اخر و هذا لا يبرر ..
و انا عندي سؤال للسيدة رنا قباني و للسيد معاذ الخطيب و هو ذات السؤال الذي وجهته لوالدتي
ما الذي اوصل الاسرة المذكورة في مقال السيدة رنا الى ان تكون غير منسجمة مع المجتمع و متخلفة عنه و تنتج منحرفين جنسيا و عقليا و سلوكيا و اخلاقيا ؟
كيف تشعر رنا بان الغريب الذي لا يتكلم لغتها اقرب لها من جارتها الحزينة اخت الوزير التي تذكرها بثوبها البيج، منزوية لا تتعاطى احد و تلمح رنا لقلة اناقتها و كأنه عار ؟
و تذكرت هنا صديقة سورية عزيزة قالت لي عندما كنت يافعة و ذهبت ادرس في دمشق العاصمة قادمة من القرية كنت استحي بوشم امي و لكني الان اخجل من نفسي انذاك و اقول لامي باني اعتز بوشمها و باللفة التي على راسها و ثوبها الجميل التقليدي انه تراثنا …. ان لم يدمج المجتمع ابنائه بحد ادنى مع بعض لدرجة ان يحترموا بعض فهذا دليل فشل عام و هذا مسؤلية السوريين جميعا و ليس مسؤلية فئة واحدة لانها لم تندمج.
اكملت الاسئلة التي انهالت على والدتي الحبيبة الطيبة المفرطة العاطفية :
ما هي مسؤلية المجتمع السوري و الانظمة السابقة التي تعاقبت على سوريا في انتاج اناس لا اخلاقيين و منحرفين ؟
كيف لم يراعي السوري اخاه لدرجة ان يكون غريب عنه لهذه الدرجة ؟
لماذا كان موجود هذا التفاوت الثقافي و السلوكي و الاخلاقي بين مجتمع المدن و مجتمعات بعض القرى ؟
لماذا انتجنا نحن السوريين اناس بتلك الوحشية ؟
ماذا فعلنا ليكون كل هذا الحقد موجود في نفوس بعض العلويين او البعثيين ؟
فلا احد يولد حاقد و التربية التي تمتاز بها السيدة رنا و الشيخ معاذ تربية دمشقية راقية لكنها و لحسن حظهم بالولادة توفرت لهم كافراد فانتجتهم و ماذا عن الذين لم يكن هناك مدرسة في قريتهم من جيل رنا ؟
قد يجيبني احدهم قائلا كما اقرا احيانا في صفحات البسطاء فكريا : “هم هكذا لانهم علوية” و قد يجيبني “لانهم بعثية” او لانهم “قرويون” مذكرا باحد المثقفين الذي استعمل مصطلح “رعاع المدن ” بدون خجل .. و الثلاث اجابات مخجلة .. انا كسورية اخجل من ان اسمع مثقف راقي ينعت البؤس الانساني لفرد ايا كان بتلك العنصرية… ما تصفه رنا هو بؤس انساني و نحن مسؤلين عنه لاننا سوريون و هذا ما انتجه وطننا.
فان كان يقيم ان اي انسان من خلال دينه و انتمائه الطائفي فهذا من التمييز و التمييز عنصرية
هناك في بلادنا من يقيم الناس على اساس ولادتهم في تلك الطائفة او لا وهذا غير مقبول من سوري ايا كان.
و ان اعتبرنا انه يقصد بهذا المقال ان الغير اخلاقي و “لا يتعاشر” هو بعثي فهذا ايضا غير منطقي : فهل كل البعثيين مختلين و بدون اخلاق ؟ ان الالتزام السياسي بفكر لا علاقة له بصفات الشخصية و هنا لا يحق للسيدة رنا التهجم على الناس هكذا و لو كنا في دولة متحضرة لكان يمكن مقاضاتها : انا اختلف مع البعثيينن و لا احب فكرهم و احملهم مسؤلية اخطاء تاريخية ارتكبت بحق سوريا و لكن لا اتهجم شخصيا باهانة هكذا على احد.
اما ان كانت تقصد القرويين اي الغير سكان المدن الكبيرة كدمشق : فهذا اهانة كبيرة للشعب السوري و عليها كانت ان تتسائل لماذا لم تصل المياه و الكهرباء لكل ارجاء سوريا قبل ان يستلم البعث و بعده و لماذا اهملت على جميع الاصعدة اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا مناطق عديدة في الشمال كالميادين و الرقة و الطبقة و غيرهم و كذلك الجنوب السوري و قراه و مدنه.. لماذا لم تصلهم الحضارة التي وصلتك سيدتي الكريمة ؟
لماذا هناك لحد الان هذا الكبت الجنسي و الاجتماعي في بلادنا ؟ لماذا وصل ضباط العلوية جياع الى راس الحكم ؟ لماذا كان هذا التفاوات الطبقي ؟
لماذا امثالنا من نساء نتكلم بكل حرية و هناك من جيلنا من ذبحوا بجرائم الشرف او زوجوا تحت سن الثانية عشر ؟
لماذا لم تتواجد في سوريا طبقة وسطى حقيقية متوازنة شبعانة مثقفة في المرحلة التي تحدثت عنها سيدتي اي بداية عهد الاسد البعث ؟
باعترافك هنا تدلين بان الانظمة التي سبقت البعث انتجت هذا التخلف البشري !
نعم اغلب الضباط لم يكونوا متعلمين في بداية الستينات و حتى حافظ اسد كان بمستوى بكالوريا ليس لانه غبي بل لانه فقير ..
لكن في تلك المرحلة ما كانت نسبة التعليم في سوريا و من كان بامكانه ان يتخرج من الجامعات ؟
نحن ايها الشيخ معاذ ، امامنا و امام الجامع الذي نعتز به الاموي .. نحن يا شيخنا مسؤلين انسانيا و اجتماعيا و سياسيا عما تنتجه بلادنا من مختلين و من امراض و بالتحديد انت كرجل دين من واجبك نشر المحبة و التسامح بين الناس.. لا اعلمك شي لا تعرفه فانت واجبك و دورك المهني الذي اجنيت و اجدادك رزقكم منه هو الخطب الارشادية الدينية و ايعاظ الناس .. فلتوعظهم بانسانية لكي توعيهم لمخاطر “اللا انسانية ” في حكمنا على الاخرين بدون فهم الخلفيات و الاسباب .. و المبررات و لولا امتناعي عن ادخال الدين في السياسة لكنت اشدت بآية قرآنية.. فالله غفور رحيم ..
باختصار في هذا المقال حزنت على رنا الطفلة التي تعرضت لحادث مؤسف و لكني حزنت كذلك على تلك العائلة البعثية التي هي رغم انها سورية كانت ابعد عن سوريي المدينة من اجانب اتو لبلدنا لا يتكلمون اللغة نازحين غرباء … كنت حزينة لان حارات دمشق تفتح قبلبها للغرباء قبل ابناء بلدها.
استسلمت والدتي لكلامي رغم غضبها من النظام و البعث و لكنها منذ اول لحظة قالت ان عذرها هي انها غيرسياسية . اما رنا قباني و معاذ الخطيب فهم سياسيين و بالتالي فهم من هؤلاء المسؤلين عما يصدر عنهم من كلام و احكام وهم مسؤلين عن سوريتهم التي نشترك فيها جميعا و المسؤلية تعني انه لا يحق لنا تجاوز خطوط حمراء اهمها العنصرية و الطائفية و التمييز بين السوريين و عدم الموضوعية بسرد التاريخ السوري الحزين المؤلم و الحاضر الاكثر بؤسا.
نعم يا شيخ معاذ تاريخ سوريا اسود و اغتصاب و لكن ليس فقط منذ ايام البعث بل من بدايات سوريا و الاهم و الاكثر كارثية سيدي الكريم هي ان حاضرها اكثر اغتصابا للحقيقة.
-
ناشطة سياسية وكاتبة
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.