العائلات السورية فريسة المهربين وعصابات النهب والسلب
آخر حوادثها في مصر: اغتصاب جماعي، ونهب وتهديد بالقتل والسجن..
الإسكندرية: نجاح سفر
نشر ناشطون سوريون قبل يومين خبراً مقتضباً عن واقعة اغتصاب جماعي، تعرضت لها مجموعة من النساء السوريات اللواتي وقعن مع أسرهن في مصيدة نصبها لهن أحد المهربين في جمهورية مصر العربية. الحادثة التي تشكل حلقة من حلقات سلسلة طويلة من الكوارث التي تصيب السوريين في هذه الأيام كان مقدر لها أن تطوى وأن تنسى، لولا قوة الإرادة لدى الضحايا الذي قرروا كسر حاجز الصمت والحديث للصحافة عما حدث معهم في ليلة 14 آب.
إذاعة صوت راية التقت السيدة (س) لتنقل روايتها عما حدث، ونحن إذ ننشر هذه الشهادة فإننا نضعها أمام المعنيين من المؤسسات المصرية والسورية المعنية بالأمر، ونعقبها بقراءة لواقع السوريين المرير في مصر، الذي يؤدي بهم للبحث عن أسوء الطرق للخروج منها. إلى بعد أن بات السوري بروحه وجسده فريسة لتجار البشر:
تقول السيدة (س): “بعد وفاة زوجي في سوريا، اتجهت وابنتي، 8 سنوات، إلى مصر حيث تزوجت عرفياً بضابط مصري، حملت منه، وفي شهري الخامس طالبني بإسقاط الجنين، وعندما استيقظت في عيادة صديقه الطبيب، وجدت بطني مفتوحة بعملية قيصرية، وبعد شهر طلقني زوجي، ففكرت بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وبعد خمسة أيام من انتظار عائلات سورية مكونة من ثمانين شخصاً لرحلة بحرية باتجاه أوروبا، تم جمعنا في شقق سكنية بمنطقة المعمورة تعود للسمسار أو المهرب المدعو خضر، وهو مصري الجنسية، وبرفقته مهرب آخر سوري يدعى فادي، اللذين اتفق الجميع معهما على السفر، ثم وضعانا في أربعة ميكروباصات على أساس أننا سنتجه إلى الشط لنركب القوارب ونبدأ رحلتنا. بعد قليل نزل المهرب من الباص وتركنا نكمل وحدنا، وبعد مسير ساعتين في منطقة زراعية خاوية وصلنا إلى منطقة أبو قير، حيث خرج علينا حوالي 30 مسلحاً أنزلونا من الميكروباصات في أرض زراعية، وهم يوجهون لنا الاهانات والضرب، حيث مشينا حوالي نص ساعة، ثم أدخلونا بعدها مزرعة كبيرة، فيها جدار قاموا بصفنا عنده لأكثر من ساعتين، بحجة انتظار قدوم أفواج أخرى. ثم طلبوا منا الانتظام في مجموعات مؤلفة من 4 أشخاص لكل مجموعة، مجموعتي كانت مؤلفة مني وصبيتين وشاب. فجأة أخرجونا خارج السور وطلبوا منا إخراج كل ما نملك من نقود وموبايلات، كانوا ستة أشخاص معهم أسلحة نارية وسكاكين، أدخلونا الطرف الثاني من المزرعة. ثم استلم كل شخصين منهم أربعة نساء، مجموعتنا كانت مؤلفة من حلبية وحمصية وصبيتين لم أعرف من أي مدينة.
مشينا أكثر من ربع ساعة بين الشجر، ثم طلبوا منا خلع ملابسنا، وهددونا بالذبح إذا ما تكلمنا. أخذوا الحمصية واغتصبوها تحت شجرة، وكنا نسمع صراخها، ثم التفتوا إلي وأجبروني على خلع جميع ملابسي أمام بنتي الصغيرة، وأخذوا مني 800 يورو كانت مخبأة في جواز السفر، ثم أخذوني بالقوة بعد ضرب ابنتي على عينها بقوة لأنها رفضت تركي، فأخذتها إحدى النساء ووضعتها في حضنها. ثم اقتادني أحدهم تحت شجرة، واغتصبني، ليعيدني إلى بقية المجموعة ويكملوا بقية الفيلم مع البقية. ثم هددونا بالقتل إذا تحدثنا بالموضوع”.
تكمل (س) حديثها: “نساء جميع المجموعات تعرضن للاغتصاب والسرقة والضرب والإهانات. وكان معنا رجل يدعى أبو أحمد أخذوا منه (5000) يورو وموبايله. بعدها جمعونا كلنا في بقعة ثانية من نفس المزرعة، حيث أجبرونا على الوقوف جميعاً تحت تهديد السلاح، وأخرجونا من المزرعة، وطلبوا منا الخروج منها بسرعة، فأخذنا نركض كي نصل إلى الشارع العام، بينما بقوا هم داخل المزرعة. بعد وصولنا الشارع العام شاهدنا عدة منازل صرخنا على أهاليها كي تساعدنا، لكن خرج أحدهم وسبنا بأقذع الشتائم وطلب منا الرحيل. بعد قليل تذكرت أني خبأت الموبايل بحقيبة الطعام أخرجته واتصلنا على المهرب الذي اتفقنا معه، حيث تظاهر بالدهشة لم حدث معنا، لكن فجأة وخلال فترة قياسية ظهر أمامنا ومعه ميكروباص، مما جعلنا نشك بتآمره مع العصابة لأخذ جميع نقودنا وإعادتنا من حيث أتينا، حيث عاد بنا إلى نفس المكان الذي انطلقنا منه في المعمورة. وطبعاً هددنا بعدم التحدث بالموضوع أو اللجوء للشرطة لأنه-على حد قوله- سيدخل السجن ليومين ويخرج بواسطة، بينما سنعفن نحن في السجن. فهم يستغلون أننا مخالفين للقانون بسفرنا بطريقة غير شرعية، ولا يمكننا اللجوء إلى الشرطة لتقديم شكوى بحقهم. لجأنا بعدها لعائلة سورية مقيمة في المعمورة حيث استأجرت لنا شقة نقيم فيها ريثما نفيق من الصدمة”.
السوريون في مصر، كمان وكمان..
يلاحق الموت السوريين أينما حلوا. بحراً وبراً وجواً. وقد اختاروا في السنة الأخيرة ركوب قوارب الموت، هرباً من القوانين الجائرة، والمعاملة السيئة التي تواجههم في بلد المنفى مصر، لكن حتى تلك القوارب استعصت عليهم وباتت مكاناً للاعتقال، والموت، والتشرد، وكل ما قد يخطر على بال البشر من كوارث.
بدأت الحكاية عندما تحولت مصر من حاضنة كبيرة للسوريين الهاربين من الموت، حيث وجدوا فيها المعاملة الجيدة على جميع الاصعدة سواء الحكومية أو الشعبية، وكانوا موضع حسد من قبل اللاجئين في بقية المنافي، إلى سجن كبير وجد فيه السوريين أنفسهم في إقامة جبرية، حيث يخشون المغادرة لأي سبب كان، لأنهم لن يتمكنوا من العودة بسبب عدم منحهم تأشيرات دخول، بعد أن تعرضوا لكافة أنواع المعاملة السيئة نتيجة التجييش الإعلامي ضد السوريين.
الموت ولا المذلة
“أفضل الموت على أن تُهان كرامتي”.. هذا ما قالته صبية سورية في الثانية والعشرين من عمرها اختارت خوض رحلة خطيرة في “قوارب الموت” على أن تتحمل سوء المعاملة والإهانة حيث تقيم في مصر. وهذا لسان حال معظم السوريين المقيمين في الدول التي تُساء فيها معاملتهم، وفي مقدمتها الشقيقة التاريخية مصر.
ففي إحدى المرات، وبعد تجمع الهاربين في منطقة أشجار قريبة من الاسكندرية، اتجهوا إلى مكان تجمع قوارب الصيد الصغيرة، التي سارت فيهم أكثر من أربع ساعات في البحر، ثم أنزلوهم في جزيرة تابعة للمياه الإقليمية المصرية واتصلوا على خفر السواحل لسوقهم إلى مراكز الشرطة في الاسكندرية بعد أن أخذوا منهم جميع نقودهم وهواتفهم.
تفاصيل ما قبل الموت
كل ذلك دفع بكثير من السوريين بمصر إلى المجازفة بركوب قوارب الموت التي تحملهم من الاسكندرية، باتجاه المنافي الاوروبية. ورغم معرفتهم بالمخاطر التي قد تواجههم في هذه الرحلة، من وقوعهم في قبضة رجال الأمن وخفر السواحل، إلى وقوعهم ضحية احتيال ونصب المهربين، إلى الغرق، إلا أنهم على ما يبدو يفضلونها على البقاء في بلد بات طارداً لهم بكل ممارساته الحكومية والشعبية.
رحلة الموت مليئة بالمخاطر من أولها إلى آخرها، حيث يتجمع السوريون، وينتظرون حتى يأتي المهرب ويأخذهم إلى شقق يجمعهم بها، ويظل يماطل بالسفر، حتى يجمع أكبر عدد ممكن من السوريين الراغبين بالسفر. خلال فترة الحجز هذه، يصرفون ما لديهم من جنيهات ويبدأون بصرف الدولارات التي بحوزتهم. وبعد صعودهم الباصات، دون معرفتهم الوجهة طبعاً، يتلاعب بهم السائقون الذين يراوغون في الطريق على أساس أنهم يستكشفونه، ومنهم من يكون متعاوناً مع الأمن حيث يبحثون عن دورية كي يسلموا من معهم، أو يهددوهم بتسليمهم إذا لم يدفع كل شخص 200 جنيه. ثم يأخذون الباص إلى مكان ينتقل فيه الركاب إلى سيارات نقل الحيوانات المغطاة بشادر، حيث يطير بهم السائق بسرعة خيالية موهمًا حمولته أنه يهرب من العصابات. عندها يطالبهم المهرب بالنقود ثم ينزلهم في منتصف الطريق ويطلب منهم الركض للوصول إلى الشاطئ. وهكذا يستمرون بالركض في المناطق الزراعية الكثيفة طوال الليل، حيث كثيرًا ما تعترضهم العصابات المسلحة وتعتدي عليهم وتأخذ كل ما يملكون. ومن ينفد منهم؛ يصل إلى الشاطئ ليجد في انتظاره قوارب صيد صغيرة، والتي ستوصلهم إلى القارب الكبير. القارب الصغير عادة يتسع لـ(50) شخصا، لكن يتم زج ما يزيد عن 200 شخص في كل قارب، (150) منهم وصلوا خلال الأيام الماضية بانتظار اكتمال العدد، وعندما يصل الـ(50) الأخيرة ينطلق المركب. لكن خلال فترة انتظارهم يتناولون خزينهم من الطعام، وعندما يصل الفوج الجديد، يأخذون طعامهم، بالإضافة إلى أن كثيراً منهم يقبض عليهم خفر السواحل خلال فترة انتظارهم الطويلة على الشاطئ
وتبدأ الرحلة التي يقودها شخص من المسافرين تدرب لمرة واحدة على قيادة القارب، الذي تخلى عنه المهرب لأنه نصف معطل. وتبدأ الرحلة باتجاه الشواطئ الليبية، حيث الأمواج العالية والتوقيت ليلًا لتبدأ رحلة التوهان في عرض البحر. ولأن القبطان لا علاقة له بالبحر أصلاً، قد يتوهون لأيام، إلا في حال عمل بعض الشباب على (الجي بي اس) في هواتفهم والذي ينقذهم من الموت. لكن المأساة الكبرى عندما ينفذ الطعام والشراب، فيموت بعض الأشخاص خصوصًا الآباء الذين يتنازلون عن حصصهم المتواضعة من التمر لأولادهم.
ولدى وصولهم القارب الكبير تبدأ الفوضى والتدافع مما يؤدي لوفاة بعضهم تحت الأرجل أو السقوط والموت فوراً. وقبل خروجهم من المياه الإقليمية المصرية، يبدأ خفر السواحل بإطلاق النار عليهم، وتفادياً للموت بالرصاص، يرفعون أطفالهم عالياً ليعرف خفر السواحل أنه قارب سلمي، لكن الطلقات تأتي في أقدام الأطفال أو رؤوس وقلوب الآباء الحاملين لهم ليموتوا مباشرة.
وعلى القارب الكبير، يكون الجوع والعطش بانتظارهم، رغم وعود المهربين بوجود طعام وشراب على متن القارب، لكن من بين معظم الرحلات التي انطلقت طوال السنين الماضية، لم يصدق سوى مهرب واحد برحلة يتيمة، حيث وجد المسافرون بعض الطعام والشراب على متن القارب الكبير. وغالباً ما يتوقف المحرك المعطل أصلاً ثم يعود للعمل مما يشيع جواً من الذعر والرعب بين الركاب. ومما يزيد الطين بلة أن القبطان لا علاقة له بصيانة القارب لذا يتم التجريب حتى يعود المحرك للعمل ثانية، ولدى وصولهم إلى المياه الاقليمية الايطالية يبدأون بثقب القارب كي يغرق ويقوم الصليب الأحمر بانتشالهم وانقاذهم.
لكن أحياناً يثقبون القارب لدى رؤيتهم سفينة من بعيد، ويحدث ألا يراهم بحارتها أو يرفضون انتشالهم فيغرق من في القارب، ومرات من شدة رعبهم يثقبون القارب قبل وصولهم الحدود الايطالية بوقت طويل مما يؤدي أيضا لغرق ركابه.
ورغم معرفة الجميع بتفاصيل كل ما سلف، إلا أن رحلة الموت مستمرة…
وهكذا دواليك…
راديو راية