قراءة بمصادر تمويل “داعش”
- كيفية عمل اقتصاد التنظيم أشبه بالخوض في عالم مظلم من الوسطاء وصفقات مشبوهة من الأعمال، فهو يصدر نحو 9 الآف برميل من النفط يوميا بأسعار تترواح من 25 و 45 دولارا للبرميل يذهب بعضها إلى وسطاء أكراد في تركيا، وبعضها يذهب للاستهلاك المحلي للتنظيم، في حين يذهب البعض الآخر إلى نظام الأسد الذي بدوره يبيع الأسلحة مرة أخرى إلى التنظيم.
وجهت اتهامات للعديد من دول الخليج بأنها تمول متشددي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، لكن مايكل ستيفين، مدير معهد الخدمات الموحدة الملكي لدراسات الدفاع والأمن في قطر يقول إن الصورة غير واضحة تماما في الحرب.
ثمة كتابات كثيرة عن حصول تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يعرف سابقا بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، على دعم من جهات مانحة ومتعاطفين معه، لاسيما من دول الخليج الثرية.
وكان بالطبع من بين أكثر الاتهامات التي سمعتها من أولئك الذين يحاربون تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أن قطر وتركيا والسعودية هي الدول الوحيدة المسؤولة عن وجود هذا التنظيم.
لكن الحقيقة أكثر تعقيدا من ذلك وتحتاج إلى بعض التحقيق.
هناك بالفعل بعض الأفراد الأثرياء من دول الخليج الذين مولوا الجماعات المتطرفة في سوريا، إذ ينقل الكثير منهم حقائب الأموال إلى تركيا ويسلمون ملايين الدولارات في الوقت المناسب.
كان هذا الأسلوب هو الأكثر اتباعا في عامي 2012 و 2013، لكنه تراجع وأصبح يمثل نسبة ضئيلة للغاية من إجمالي الدخل المتدفق على خزائن تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014.
كما أن السعودية وقطر، باعتقادهما أن الرئيس السوري بشار الأسد آيل للسقوط فضلا عن كون الإسلام السياسي السني هو المحرك الرئيسي لأهدافهما السياسية، قدموا دعما للجماعات التي تتسم بالإسلامية المتشددة.
كان من أمثال تلك الجماعات “لواء التوحيد” و “أحرار الشام” و “جيش الإسلام”، وجميعها على صلات قوية بجبهة النصرة، جناح تنظيم القاعدة في سوريا.
كما وجهت انتقادات لقطر، على وجه التحديد، لعلاقاتها الغامضة بالتنظيم.
من جانبها انتهجت تركيا سياسة أثارت تساؤلات كبيرة بشأن الحدود التي تدفقت عبرها الأسلحة والأموال إلى سوريا، بدعم قطري وسعودي.
كان الجميع يعتقد أن ذلك سيسهل نهاية نظام حكم بشار الأسد وإعادة سوريا إلى سلطة سنية، وقطع الطريق على إيران الشيعية إلى البحر المتوسط.
78أمير قطر الشيخ حمد بن تميم آل ثان مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند
79 وجهت اتهامات للسعودية بدعم إسلاميين تحت لواء تنظيم الدولة الإسلامية
83أغدقت دول الخليج بالأموال على جماعات المعارضة في سوريا منذ بداية الانتفاضة ضد الأسد
ومنذ أن بدأ صعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية المستمر في عام 2013، واجهت هذه الجماعات طريقين، إما مواجهة تنتهي بسحق التنظيم لها، أو اتخاذ قرار يرى أنه من الأفضل الانضمام إلى الفريق المنتصر، والانشقاق بأسلحتهم وأموالهم والانضمام لصفوف التنظيم.
وبقت جماعة النصرة وحدها صامدة على موقفها، وشكلت تحالفا قويا مع نظراء أكثر تشددا، وأعلن نحو 3 الآف مقاتل من جماعة النصرة الولاء خلال هذه الفترة.
والسؤال هل مولت قطر تنظيم الدولة الإسلامية؟
الإجابة المباشرة هي “لا”، لكن بشكل غير مباشر أدت سياسة بليدة وسلوك ساذج إلى وصول أسلحة وأموال بدعم قطر إلى أيدي تنظيم الدولة الإسلامية.
وبالمثل فإن السعودية بريئة من سياسة الدولة المباشرة لدعم التنظيم، لكن كما حدث مع قطر، فقد دفع الإصرار على إسقاط الأسد إلى حدوث أخطاء فادحة في اختيارها للحلفاء.
ويتعين على كلا البلدين حاليا إجراء بعض المراجعات، على الرغم من شكوك بشأن الاعتراف بمثل هذه المراجعات علنا.
تفوق ونجاح
81هدف تنظيم الدولة الإسلامية هو إقامة الخلافة من العراق إلى الشام
لكن تبرز قضايا أكثر عمقا هنا، فالروابط الدينية والتعاطف مع جماعة تعمل على نحو صريح ضد مصالح إيران الشيعية في المنطقة ووجود دعم ضمني من أناس عديدين بمنطقة الخليج أكثر مما قد يعترف به كثيرون.
فالفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية يصعب على أي شخص أن يدعمه، غير أن هدف التنظيم الساعي لإقامة خلافة (إسلامية) فكرة تحظى بجاذبية عند بعض العقول الإسلامية.
فكثير من الذين دعموا الهدف قادهم الطريق بالفعل إلى سوريا، حيث قاتلوا وقتلوا من أجل تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات أخرى. كما أعرب آخرون عن دعم سلبي وسيواصلون ذلك لسنوات.
لقد حقق تنظيم الدولة الإسلامية قدرا كبيرا من النجاح، بعد أن استطاع التغلب على الآخرين من حيث القتال وإطلاق حملة إعلامية ناعمة تنطق بعشرات اللغات من أجل اجتذاب الشباب والشابات إلى قضيته.
لقد أثبت التنظيم في كل أنشطته، من القتال إلى التنظيم والهيكل التراتبي ورسائل الإعلام، أنه أبعد بكثير من أن يصبح من الفصائل المعارضة التي تعمل في المنطقة.
اقتصاد الحرب
لقد أسس تنظيم الدولة الإسلامية ما قد يبدو بداية لنظام شبيه بالدولة – يتألف من وزراء ومحاكم وحتى نظام ضريبي بدائي يفرض أقل بكثير ما يدفعه المواطنون في سوريا في ظل حكم الأسد.
لقد أظهر التنظيم نمطية منذ أن بدأ الاستيلاء على الأراضي مطلع عام 2013.
فبمجرد سيطرته على بلدة ما، سرعان ما يعمد إلى تأمين المياه والدقيق والموارد الهيدروكربونية بالمنطقة، وبناء على ذلك يدفع السكان المحليين إلى الاعتماد عليه من أجل البقاء.
فالاعتمادية والدعم ليسا شيئا واحدا، ومن المستحيل تحديد كم من “مواطني” تنظيم الدولة الإسلامية شركاء يرغبون في مشروعه أو حتى يطيعونه من منطلق الحاجة للاستقرار أو الخوف من العقاب.
82الرئيس السوري متهم بإبرام صفقات مع تنظيم الدولة الإسلامية
إن فهم كيفية عمل اقتصاد التنظيم أشبه بالخوض في عالم مظلم من الوسطاء وصفقات مشبوهة من الأعمال، فهو يصدر نحو 9 الآف برميل من النفط يوميا بأسعار تترواح من 25 و 45 دولارا للبرميل يذهب بعضها إلى وسطاء أكراد في تركيا، وبعضها يذهب للاستهلاك المحلي للتنظيم، في حين يذهب البعض الآخر إلى نظام الأسد الذي بدوره يبيع الأسلحة مرة أخرى إلى التنظيم.
ويشير فلاديمير فان فيلنغنبورغ، محلل بمؤسسة “جيمستاون”، إلى ذلك بـ”اقتصاد حرب تقليدي”.
تبدو الصفقات المراوغة والتحالفات الغريبة بالطبع وثيقة الشبه بالأحداث التي جرت إبان الحرب الأهلية اللبنانية، عندما حارب بالمثل قادة الحرب وأبرموا مع بعضهم الصفقات.
والقضية هي أن تنظيم الدولة الإسلامية يمول أنشطته ذاتيا، وبالتالي لا يمكن عزله أو استئصاله عن العالم لأنه وثيق الارتباط بالاستقرار الإقليمي على نحو لا يحقق له الاستفادة لنفسه فحسب، بل لأولئك الذين يحاربهم.
والسؤال الأكبر بالطبع هو ما إذا كان هذا الجزء الذي لا يتجزأ عن المنطقة يمكن هزيمته.
فمن غير المرجح أن يحدث ذلك بدون تدخل من الدول الغربية.
وعلى الرغم من أن القبائل السنية في العراق تفكر في إعلان ولاءها للتنظيم، فهي لا تملك الأسلحة أو الأموال اللازمة لسحق تنظيم الدولة الإسلامية، كما لا يملك الجيش العراقي ولا نظيره السوري ذلك.
بي بي سي-