صبحي حديدي : كرد سوريا / ظلم ذوي القربى
ليس جديداً، ولا غريباً أيضاً، أن يقع الكرد ضحية اختلاف أو اتفاق المصالح بين محاور إقليمية، وأن يصبحوا موضوع ألعاب أمم شتى، خاصة حين يختلط المحلي بالإقليمي والدولي، فلا تصبح حقوقهم المشروعة مادة مساومات وصفقات ومبادلات،
فحسب؛ بل يجري أحياناً إنكار تلك الحقوق تماماً، أو ضمّها إلى حزمة مصالح هذه الجهة أو تلك؛ كما يضيع قسط من تلك الحقوق، أو يُضيّع في الواقع، نتيجة تفرّق الصفّ الكردي، أو انتهاج سياسات خاطئة وتحالفات قاصرة.
والحال أنّ تاريخ الكرد الحديث حافل بوقائع الغدر، منذ عام 1918، حين نصّت مبادىء الرئيس الأمريكي وودرو ولسون على حقّ تقرير المصير لكلّ الأقليات غير التركية في ظلّ الدولة العثمانية؛ وعام 1920، مع اتفاقية سيفر على إقامة دولة كردية، التي جاءت اتفاقية لوزان للعام 1923 فألغت بنودها، وتمّ تقاسم مناطق الكرد بين تركيا وإيران والعراق وسورية والاتحاد السوفييتي. وفي عام 1975، وبعد أن توصل العراق إلى تفاهم مع إيران بموجب اتفاقية الجزائر، تخلّت إيران والولايات المتحدة (بناء على نصيحة مباشرة من وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، هنري كيسنجر) عن دعم الكرد. وفي عام 1988 سكتت الولايات المتحدة عن قصف بلدة حلبجا الكردية بالغازات السامة، بذريعة أنّ المصالح الحيوية الأمريكية تقتضي الحفاظ على استقرار النظام العراقي.
وأمّا في العام 1991، فقد كان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب قد حرّض الكرد على الانتفاض ضدّ سلطة صدّام حسين، ثمّ تخلى عنهم وتركهم لقمة سائغة لمدفعية النظام العراقي وحوّاماته، فهاموا على وجوههم مجدداً في الجبال… صديقة الكرد التاريخية، الأخلص!
ليس جديداً، ولا غريباً، كذلك، أنّ تنقضّ «داعش» اليوم على الكرد، وأن تتمكن ـ سريعاً، على النحو الخاطف المذهل الذي وقع لجيش نوري المالكي في الموصل، ولوحدات «البيشمركة» في كردستان العراق ـ من إلحاق هزيمة نكراء بالميليشيات الكردية التي زعمت أنها «وحدات حماية» الشعب الكردي من… تغوّل الجهاديين أنفسهم! وكان صالح مسلم، زعيم «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي، والعضو في «هيئة التنسيق»، وما يُسمى «المعارضة الداخلية» في سوريا؛ لا يملّ من اقتباس نموذج كردستان العراق، لتسويغ ما تفعله ميليشيات حزبه على امتداد المناطق ذات الأغلبية الكردية، وفي ذهنه إمكانية تحويل مدينة مثل القامشلي إلى نموذج مستنسَخ عن مدينة أربيل!
لكنّ «داعش» باغتته في كوباني/ عين العرب، وليس في القامشلي أو عامودا أو راس العين أو تل كوجك/ اليعربية أو ديريك/ المالكية، أو سواها من عشرات مناطق انتشار الكرد؛ فاتضح سريعاً أنّ الطعنة جاءت، مثل مرّات كثيرة سابقة، من بين ظهراني الكرد أنفسهم، بسبب تشرذم قواهم السياسية والعسكرية، وحماقات متكررة ناجمة عن تحالفات خاطئة أو قاصرة، وغطرسة القوّة التي تدفع إلى ممارسات على الأرض مؤذية وكارثية… فهل يكون لهذه المباغتة الداعشية أثر تطهيري يردّ ميليشيات مسلّم إلى الصفّ الوطني السوري، في قلب الانتفاضة الشعبية، ضــــدّ النظـــام أوّلاً، ثمّ ضدّ التطرف الجهادي تالياً؟ وهل تكفّ تلك الميليشيات عن العربدة الأمنية والعسكرية، وإطلاق النار على متظاهرين سلميين، بينهم كرد كثر، وتصفية الخصوم داخل الصفّ الكردي ذاتـــه، والانتقال إلى ما تعلن من هدف أوّل، أي حماية الشعب الكردي… قولاً وفعلاً؟
سؤال معلّق، لعلّ إجاباته الأولى ستظلّ بدورها معلقة في مشاهد متاهة كردية أخرى، جديدها المأساوي الأوّل ليس «داعش»، بل… ظلم ذوي القربى!
القدس العربي
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.