د.برهان غليون : عن صحوة السوريين العلويين
أثارت التفجيرات التي ذهب ضحيتها، قبل أيام، عشرات من المدنيين السوريين، معظمهم من أطفال المدارس الصغار، موجة من الاحتجاجات والتساؤلات التي تجاوزت حي عكرمة الحمصي، ولا تزال تفاعلاتها مستمرة في أوساط الموالاة والمعارضة، وما حصل من مظاهرات، وما تردد في المناسبة من شعارات وتوجيه اتهامات وإدانة مباشرة للنظام في معسكر الموالاة نفسه، يشكل إرهاصات مهمة من زاويتين: الأولى لما يظهره من التوتر العميق الذي تعيشه قطاعاتٌ متزايدة من السوريين العلويين الذين استمالهم النظام إلى صفّه، سواء بتغذية مخاوفهم على وجودهم، من جراء أي تغييرٍ، يمكن أن يطرأ على توازن السلطة وصيغة الحكم، أو من خلال وعدهم المضمر بأن تحقيق النصر على الثائرين يعني أخذ الدولة السورية والبلاد ومواردها جميعا غنيمة حرب، وإلحاق أغلبية العلويين الذين لا يزالون يعيشون في ظروف صعبة بـ “إخوتهم” من أعضاء المافيا التي تسيطر على البلاد منذ عقود وبزبانيتها ومحاسيبها المقربين.
هكذا يتحولون، جميعاً، إلى أسياد ومتمولين، بعد كسر إرادة الثائرين “الخونة والطائفيين والتكفيريين”، الخارجين على إرادة سادتهم، وبعد إعادة وضع أيدي هؤلاء العبيد المتمردين وأرجلهم في القيود والأغلال. والحال، بعد مرور ما يقارب السنوات الأربع على الحرب الأكثر وحشية في تاريخ البلاد، لم يبق في سورية ما يمكن تقاسمه من موارد أو امتيازات، حتى لو تحقق الانتصار، وقد أصبح من حكم المستحيل. وإذا استمرت الحرب سنوات مقبلة، لن يبقى، أصلاً، سوريون علويون ليرثوا شيئاً. أما كابوس الموت والإبادة الذي حذرهم منه النظام، إذا ترددوا في وضع أنفسهم في خدمته لدحر أعداء الوطن والدين، فلم يعد تهديداً محتملاً، أو خطراً جاثماً، بعد نجاح الثورة، لكنه تحول إلى واقع يومي، وحصاد مر لحربٍ لا تبقي ولا تذر، فهي لم تترك أسرة سورية علوية من دون أن تُفقدها واحداً أو أكثر من أبنائها، ولا يزال باب الخروج منها أو إنهائها بعيد المنال.
لم تحصل الإبادة التي حذروا منها نتيجة التنازل عن حماية عرش الأسد ونظامه، وإنما ثمناً لهذه الحماية نفسها، في الوقت الذي لم تبق في سورية المدمرة بالبراميل المتفجرة، وما أضيف إليها من قذائف التوماهوك أخيراً، أي غنيمة لمغتنم. ويدرك الجميع أنه لن يمضي وقت طويل، قبل أن يتسابق رجال النظام على الهرب من الجحيم الذي حولوا سورية إليه بأيديهم، باستثناء أولئك الذين تقتضي مصلحة إيران بقاءهم، ولو في مربع من كيلومتر واحد، لتأكيد وجود النظام واستمراره، وأعني بشار الأسد وحلقته الضيقة بالذات.
العربي الجديد
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.