أحمد سليمان
أحمد سليمان : منتخب الـدم
لم أمت من طلقة قنّاص، كذلك لم تقصفني طائرة، لكنني أتوارى في محيط هادئ.
رأيتكِ كمثل ورد مجفّف، ثم رأيتُ دميةً بيدٍ مقطوعة على طريق.
ثمّ، إنني تأخرتُ في وقت مبكر.
أتيتكِ ذات مرّات بطوق ياسمين وقرنفل. يا له من طريق محفوف بليل، ولغم هبط من سماء غاشمة.
بتّ كحبّة فاليوم، أو طلقة تتدلى من جسدي.
يحدث كما لو أن ليلة عرجاء أكون فيها عابراً الى باب الجحيم.
ثمّ أنبأني صحبٌ أن مدناً وقرى وشعباً قد وقعوا. هذي بلادي جاثية كإلهٍ منهك. أجزم أنها عالية.
يا حطّابي اللغة الميتة، لم تسقط مدننا لكنها تسير بفعل دم، بفعل نهر طويل. ﻻ تغفري لنا البتة، يا سوريا، وإن حفظناكِ مثل كتاب مقدّس.
نحن لسنا سوى وحل. شوارعك المدماة، ساعاتك القتيلة، أبوابك الكثيرة كما أعلم، باب سروجي، الحميدية وباب توما، بابا عمرو وباب فرج. غوطتان وشام، ساعة معطلة، وكنيسة أرمن.
ثمة رقة، وقصر بنات، ودير وفرات، وباب وتادف. أسواق خضر وجسر معلّق، حدائق ياسمين، وكرم عنب وشجر مديد. قبل ذلك كلّه، ساحة أوّل بشري غرق في اﻷسيد؛ أوّل طفل ذُبح بإسم الدين؛ أوّل بلد يُهمَل من شعوب صديقة؛ أوّل عدّاد تُسجَّل فيه مجازر ﻻ توقفها هيئة أمم؛ أوّل ثورة لشعب يُقصف بنابالم، وطائرات تحمل كيمياء ومستوعبات موت معلن.
ﻻ تسامحينا اذا رمشت عيوننا قرب فوز منتخب الدم. وعدناكِ بتاج قيصر وصولجان، لكننا ذبحناكِ مرات، وأنتِ مبتسمة. نحن ذئابك الشاردة، في مدن لم نعرفها. ﻻ توجد هنا مستنقعات وطمي، لكننا مناوئو قمامة الخراب “الوطني”.
اسمحي لنا كي نسقط في وحل وخطيئة، نحن العشاق التافهين أبناء الحب والأبالسة، على أرصفتك المتكسرة.
أكتب من هذه القمامة المرفهة التي يسمّونها غرب العالم. أعلم أنكِ باقية، وإن رحلنا في وقت بلا وقت أو زمن أو حتى تذكرة.
دمكِ علينا، هذا مؤكد، نحن أبناء اليقين.
مشفى شفابينغ 2014
- نقلا عن صحيفة ” الملحق ” لبنان