فراس تقي : الثورة السورية تعلن عن حاجتها لإعلاميين مهنيين!
لأن نظام آل الأسد عمل لعقود على “بعثنة” الإعلام والإعلاميين، تحولت الشاشات والصحف ومحطات الراديو إلى مجرد أداة لتبرير قتل شعب قرر أن يتخلى عن دور “القطيع” وخرج ينشد بعض الحقوق.
ولكي لا تتكرر تجربة عام 1980 ، عندما تم تصفية الآلاف من المعترضين على آل الأسد بصمت ودون أن تتسرب ولو صورة، كان لا بد من تدارُك الأمر في عصر الثورة التكنولوجية وعهد الشبكات العنكبوتية، فانبرى عدد من الشباب لتغطية ما يحصل من انتهاكات ومجازر مستخدمين في الغالب عدسات الهاتف المحمول، الأمر الذي أحرج قوات الأسد ونظامه أمام الرأي العام العالمي في كثير من الأحيان وشكل عمل هؤلاء هاجسًا وهدفًا للأجهزة القمعية، حيث كان جهد الناشطين حينها منصبًّا على تسجيل أي انتهاك ولو كلف هذا التوثيق حياة من يقوم به.
ولعل الجميع كان يذكر تفوُّق المجهود البسيط لشبان الثورة على قنوات تابعة للأسد ينفق عليها الملايين، حتى تحولت تلك القنوات وبرامجها المكشوفة وأساليبها الرخيصة إلى “نكات وطرف” يتبادلها حتى مؤيدو النظام.
وبعد دخول الثورة عامها الرابع لم يعُدْ من المجدي إنكار الحقائق والاعتراف بعدم صلاحية ما كان يصلح في البدايات، وأصبح من المؤذي إنكار الفشل وغياب الرؤية الإستراتيجية لدى أغلب العاملين في الإعلام الثوري، وخاصة أن سياسة “النعامة” التي تقوم بدفن رأسها في التراب لتتعامى عما حولها لم تعد مجدية، وأصبح لا بد من الوقفة وتقييم كل شيء في الثورة وأولها العمل الإعلامي.
ومن المؤكد أن أول أسباب الفشل في هذا الميدان الحساس هو التشرذم والعمل على زيادة الوكالات والهيئات الإعلامية” بعضها له ارتباطات بجهات معادية لتطلعات الشعب السوري”، وذلك تبعًا للتشرذم السياسي والعسكري، وبذلك انتقل الهدف من إنجاح الثورة إلى تلميع الحزب أو الفصيل ولو كانت ممارساته تضر بثورة الشعب، على العكس بل أحيانًا يتعرض مَن يريد نقل الحقائق إلى الشتم والتخوين والاعتداء الجسدي أحيانًا من هذا الفريق أو ذاك بذريعة حماية الثورة أو المصلحة العامة والتي ما هي إلا مصلحة جماعة ضيقة قد يؤدي تجاهل ممارساتها وعدم كشفها إلى دمار في الإنسان والمجتمع.
ويدخل تحت هذا البند الكثير من الأخطاء، وأهمها تكريس التشرذم وخلق النزاعات بين الأطراف الثورية حتى يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى الكذب في بعض الأحداث وتصور أمور لم تحدث وتمجيد انتصارات لفئة معينة لا وجود لها إلا في العالم الافتراضي.
ومن المعروف أن خطر تضخيم الأحداث له آثار سيئة على صعيد خفض الروح المعنوية للثورة ورفع نسبة الإحباط، فكم من ترويج لعملية عسكرية غير موجودة وكم من تضخيم لنتائج عمل ثوري بسيط بإمكانيات بسيطة، أدى لرفع سقف الطموحات لدى الحاضنة الشعبية وفجأة اصطدمت بواقع مغاير، وقد ساعد على ذلك الفضاء المفتوح على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يستطيع أن يكتب أي شخص ما يريد، ناهيك عن فقدان الثقة بتلك الوسائل ومحاولة البحث عن مصادر بديلة قد تكون في كثير من الأحيان ذات أجندة معادية وتلجأ لأسلوب دس السم في الدسم.
وعندما تغيب البديهيات والأمور الأساسية ألا وهي الحيادية والمصداقية والموضوعية فعندها لا مجال للحديث عن الوصول إلى مرحلة توجيه الرأي العام وبث القيم والتوعية العامة التي تتقنها كل الجهات المعادية للثورة السورية وباتت تحسن بشكل كبير تنفيذها وإيصال الرسائل المؤثرة من خلالها.
وفي النهاية : كان ولا تزال ” وسائل الإعلام ” أداة لايصال الصوت والرسالة والتعبير عن الرأي وأداة للرقابة تقوم من عمل الجماعات والأحزاب والدول من أجل صالح عام هو أهم بكثير من مصالح ضيقة ، ونحن إذ ننشد تعافي ثورتنا ، نتطلع لتعافي أدواتها واستخدامها بشكل سليم بعيد عن أسلوب الترقيع والتلميع .
الدرر الشامية